|
هل يوجد مجتمع سياسي حديث في العراق ؟ الجزء الرابع
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 7641 - 2023 / 6 / 13 - 06:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
: من مقالنا حول قيادة مقتدى الصدر ( 1 )
عليَّ ان اذكر بعض سمات المجتمعات الحديثة : لكي اتمكن من الاجابة على سؤال : هل ولد مجتمع سياسي حديث في العراق ، فالضد كما تقول القصيدة اليتيمة : يظهر حسنه الضدُ ، او كما يقول المتنبي : وبضدها تتميزُ الاشياءُ … ( 2 ) السمة الاساسية في ثقافة المجتمعات الحديثة السياسية تتمثل : بتقديس نتائج الانتخابات وتحريم الغائها ، لأهميتها في تحديد الحاكم الجديد ( الليبرالي او الاشتراكي او اليساري او اليميني : المناصر للهجرة والعمال والنساء او المعادي لهم .. الخ ) ، وبهذا تحسم مسألة السلطة : اخطر مسائل الاجتماع البشري طراً ، وتقضي على اسلوب العنف في تسنم السلطة السياسية ( وما زال العنف لدى الشيعة والسنة والكرد هو العلاقة السائدة التي تزيح يومياً / وتحل محل محاكم الدولة وقضائها في التوسط بين المواطنين لحل مشكلاتهم ..… ( 3 ) ومن سمات المجتمعات الحديثة الاخرى : ان نتائج الانتخابات فيها تكون القاعدة لولادة حقيقتين سياسيتين ( لا تستطيع آلية النشاطات السياسية الجارية لدى التجمعات الاهلية في العراق ايجادها : بما يدل على عدم ولوجها مستوى النضج السياسي وعدم انتقالها الى مستوى التداول السلمي للسلطة ) هما : حقيقة الاكثرية السياسية التي ستأخذ على عاتقها تشكيل الحكومة ، وحقيقة الاقلية السياسية التي ستلعب دور المعارضة . لا بكاء ولا تخوين ولا تهديد بالسيف ، او التهديد بأي قوة تقع خارج قوة نتائج الانتخابات التي يستسلم الجميع لها في النهاية كما لو كانت ( قضاء وقدراً ) … ( 4 ) هذا ( القدر ) الانتخابي : يمنح الناس زاوية نظر جديدة للحياة الاجتماعية والسياسية : يتراجع فيها احساسهم القديم بثبات الاشياء المطلق : ، امام التغير المطرد الذي تفرضه دورية الانتخابات : اذ تكسر هذه الدورية الثبات الذي كان يتبدى لعيون العامة ازلياً ، حين تطيح بالحكومة وتأتي بوجوه جديدة لتشكيل الحكومة : فيصبح التغير وليس الثبات هو القانون الاعلى في وعي غالبية الامة ( وفي التجمعات الاهلية التي لم ترتقِ الى مستوى النضج السياسي : يكون مفهومها الثقافي الاساسي هو : البعث ، اي تكريس الجهد لبعث خلافات الماضي ) … ( 5 ) ومن سمات المجتمعات الحديثة : انك لا تعثر في ادبها السياسي على حنين جارف للماضي ( نستولوجيا ) ، كما نجده في ثقافة الاحزاب الاسلامية : فمحور نشاطها السياسي لا يحمل نبرة عداء واضحة للحاضر ، ولا يدور حول بعث مؤسسات الاستبداد القديمة : الاقطاعية والكنيسية ، ومؤسسة ( حقوق ) الملوك الإلهية ومن تجري في عروقهم الدماء الزرق ( كالعلويين عند الشيعة وباقي افراد العشائر القريشية لدى مذاهب السنة ) لكنك تجد حنيناً جارفاً في كتابات الديانات السامية الثلاث الكبيرة ، بما تتضمنه من هجاء وتكفير للحاضر : الضال والمنحرف والآثم . واكبر قلم لاهوتي هجّاء للحاضر : تجده في كتابي سيّد قطب : معالم على الطريق ، وتحت ظلال القرآن وفي كتابات استاذه : ابو اعلى المودودي . وعلى مستوى الطائفة الشيعية تجد ثقافة متكاملة من الهجاء تمتد من النواح الشعري ، الى كتابات البحث في التاريخ السياسي أو في التصوف الفلسفي وفيه : يطمح الجميع الى الهروب من الحاضر الدنس ، ومن اجسادهم الطينية ، للاتحاد - على ايقاع الطبول - بنور الله وبلوغ النيرفانا . وقد تجد صدىً لشيء يشبه الحنين الى الماضي - في تقنيات الكتابة الروائية مجسدة في اعمال مثل : البحث عن الزمن المفقود لمارسيل بروست ، او في رواية عوليس لجيمس جويس من حيث تناصها مع ملحمة اوديسيوس لهوميروس اليوناني . على العكس من ذلك ، فإن محور نشاط الاحزاب الاسلامية الحاكمة في العراق : يقوم على تحريك الحنين الى الماضي ، باستعادة حضور خلافات العوائل القريشية الدموي حول الخلافة والامامة … ( 6 ) ومن صفات المجتمعات الحديثة : ان نضجها العقلي : قد سبقَ تاريخياً نضجها السياسي : اذ ادركت هذه المجتمعات عبر : فلاسفتها وسياسييها والمتنورين من ساستها - افضلية الحياة تحت ظل التداول السلمي للسلطة ، على الحياة تحت ظل السلطات التي يتم الاستيلاء عليها بقوة السلاح . ولم تكن الاحزاب الاسلامية التي تقود النظام السياسي الآن في العراق ، ذات منهج عقلي في ادارة الشأن العام : فهي بمجموعها - ومن ضمنها التيار الصدري - تفتخر بالاعلان عن معاداتها للعقل ، وتعد مكافحته واجباً دينياً ملحاً ، اذ ان جوهر نظرية الفقه الاسلامية تقوم على اولوية النقل على العقل . وفي هذا يكمن سر خلو تاريخ الاحزاب الاسلامية الحاكمة عبر عقدين من الزمان من اي انجاز ذي مردود ايجابي على محكوميهم … ( 7 ) ومن صفات المجتمعات الحديثة : ان منهجها في التفكير العقلي قد اقنع عقلها السياسي بالتطبيق العملي لمبدأ الحريات : عبر تشريعه كمبدأ اساسي من مباديء حقوق المواطنين . وانه لا يمكن تحقيق اي نوع من انواع الابداع الروحي او الفكري او السياسي او الادبي او الفني او أي تطوير او ابداع تكنولوجي : اذا لم يتم ضمان ممارسة الحرية في الحياة اليومية للناس ، وهذا ما اثبتته ثورات الانسان الكبرى في فرنسا 1789 ، وفي امريكا 1776 ، وقبلهما في بريطانيا في 1688 ، ومبدأ الحريات المكفول في دستور 2005 ، تطيح به يومياً الميليشيات الولائية كواجب مقدس وتعتقل وتقتل دعاته … ( 8 ) ومن صفات المجتمعات الحديثة : ان مؤسسات دولها تعمل انطلاقاً من مفهومي المواطنة وحقوق الانسان : اعظم مفهومين انسانيين انتجهما عقل الفلسفة السياسية في حقبة الحضارة الصناعية . صحيح ان افق الحضارة الصناعية المفتوح : انتج الكثير من المفاهيم الفكرية والفلسفية الهامة المتعلقة بالحرية والتقدم ، ولكن وقائع التاريخ : اخبرتنا بان تلك المفاهيم تحولت في التطبيق الى ممارسات وحشية لا انسانية : بسبب غياب مبدأ الحريات ، وعدم استرشاد اجهزة الدولة بمفهومي : المواطنة وحقوق الانسان في آليات عملها … ( 9 ) يقدم العراق درساً بليغاً على عدم نجاح نقل الآليات الديمقراطية الى البلدان التي لم تبلغ تجمعاتها الاهلية بدوافع ذاتية مرحلة النضج السياسي . لقد ادخل الاستعمار البريطاني هذه التجمعات : كرد ، عرب ، تركمان ، ايزديين ، شبك .. الخ باديانها ومذاهبها المختلفة ، في اهاب دولة واحدة حديثة - ليسهل عليه استغلالها وادارة شؤونها : وليس لتدريبها على الارتقاء سياسياً . وبعد مرور قرن كامل من الزمان على هذا التوحيد : غادرت هذه التجمعات ببساطة قفص الانظمة البوليسية القسري ( الوحدة الوطنية ) ، وعادت سيرتها الاولى تتغنى بهوياتها الاولى : الطائفية والعشائرية والاثنية …
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سلم رواتب شعبين لا شعب واحد
-
اوهام الاغلبية ، الجزء الثالث من مقالنا عن : قيادة مقتدى الص
...
-
الجزء الثاني من : في قيادة مقتدى الصدر
-
عن تجربة مقتدى الصدر في القيادة
-
قوات العم السريع السودانية والحشد الشعبي العراقي
-
في سياسة رئيس مجلس الوزراء العراقي
-
عيد العمال العالمي
-
واهداني الكاتب احمد الفارابي هدية العيد
-
هل كانت امريكا هي التي تثير التناقضات الطائفية بين السعودية
...
-
- المحتوى الهابط - في طريقة اختيار رئيس مجلس الوزراء العراقي
-
اليمين الاسرائيلي واليمين الفلسطيني وجهان لعملة واحدة
-
القوّة وحدها تملك امكانية تسمية الامكنة
-
في العام الجديد ( 2 ) المستوى السياسي
-
في العام الجديد
-
تسريبات الصحافي علي فاضل وشكل الحكم القادم في العراق .
-
هل هي صورة مجرم ام صورة لفائز بجائزة ؟
-
بنية الاحزاب الشيعية أم النظام النيابي وراء استمرار العنف في
...
-
بنية الاحزاب الشيعية أَم النظام السياسي النيابي وراء استمرار
...
-
بنية الاحزاب الشيعية أم النظام النيابي وراء العنف في العراق
...
-
النظام النيابي ام البنية الطلئفية وراء عنف الحوار في العراق
...
المزيد.....
-
الملكة رانيا تهنئ الأمير هاشم بعيد ميلاده العشرين
-
انتشال 30 جثة حتى الآن لضحايا كارثة مطار ريغان في واشنطن
-
الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف في كورسك
-
فوائد -مكملات الحمل- في تقليل مضاعفات الولادة
-
ماذا نعرف عن وحدة الظل في كتائب القسام المسؤولة عن تأمين الر
...
-
-مخاوف من سيطرة دينية على الحكم في سوريا- - جيروزاليم بوست
-
سانا: الرئيس أحمد الشرع سيلقي خطابا موجها للشعب السوري مساء
...
-
شاهد: فرحة أسرة الأسيرة أغام بيرغر بعد أن أفرجت عنها حماس
-
انهيار صخري في أعماق كاليفورنيا يكشف أسرار تكوّن القارات
-
سر -طبيب الموت- ولغز -عاصمة التوائم-!
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|