|
بابل من الازدهار إلى حضيض الانهيار
عيسى بن ضيف الله حداد
الحوار المتمدن-العدد: 7637 - 2023 / 6 / 9 - 22:19
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
بابل من الازدهار إلى حضيض الانهيار المكيال ليست بابل كمدينة إنما برمزيتها للمنطقة برمتها.. والتاريخ مراحل، نهوض وهبوط، توتر وتعثر، ومسار ô توطئة بعدما استطاعت المنطقة بناء ذاتها على نحو متقدم، وشكلت فيه بابل كمركز لها و للعالم المتمدن ومنارة تنير ما حولها، أخذ الجوار المتخلف اقتصاديا وحضاريا في تحركه مع طموحاته أياً كانت مصادرها، فعمد من جديد لاحتلالها مستغلا نقاط ضعف جرى في هيكلها السياسي، الأمر الذي قد أدى لاحتلالها من قبل مجاوره الشرقي.. ô مقدمة نظرية ما بين الحضارة والثقافة والحروب وقفات وقفة/1 في حياتنا اليومية نستعمل مراراَ كلمتي حضارة وثقافة، دونما إدراك التمايز بينهما، فالثقافة نشأت مع الإنسان سوية وستبقى.. أما الحضارة فقد ولدت ما بين، 5000 و 6000 عام.. ولعل أنجلز قد أصاب في قوله: إن الحضارة هي تلك المرحلة من التطوّر الاجتماعي التي نتج فيها توزيع العمل عن المقايضات بين الأفراد التي تجمعها كلها عملية الإنتاج السلعي التي تصل إلى الازدهار التام وتؤدي إلى التحوّل الكامل للمجتمع السابق. وتتميز الحضارة بالتوزيع الاجتماعي للعمل، وانقسام المجتمع إلى طبقات متناقضة واستغلال الإنسان للإنسان ووجود للدولة.. في نظري والقول لي: ان الفصل الكلي او قل القطعي، بين الثقافة والحضارة غير ممكن البتة، حيث يظهر بين حين وحين علاقة جدلية بينهما، بمعنى تأثر أحدهما بالآخر.. ضمن هذا المنظور يمكن لنا على سبيل الافتراض، أنه في مجال ما، تم احتلاله من قبل قوى عملاقة، وغدت حضارته هي المهيمنة، يمكن لنا أن نفترض بكون هذا المجال بكون ثقافته ما زالت سائدة.. حتى لو تأثرت بتلك المهيمنة.. وليس من المستبعد في مسار تاريخي ما، يمكن أن تكون حضارة الخاضع للقوى المُهيمن عليها هي المتغلبة، وتكون القوى الغالبة هي المتأثرة بها.. وفق هذا المنظور سننظر في الأحداث الكبرى التي قد أثرت في مسارات التاريخ.. ونحن في عملنا، سيكون دورنا رصد التحولات ومنحاها، دونما تدخل منا.. وقفة/ 2 إن كنت أدعو هذه الحروب القديمة ووصفها بالحروب العالمية، فإن الأمر يعود لكونها قد أثر على مجرى التاريخ.. بعدما استطاعت المنطقة بناء ذاتها على نحو معين، وشكلت فيه بابل كمركز لها و للعالم المتمدن، ومنارة تنير ما حولها، وغدت بمعيار البوتقة الحضارية ورمزها.. أخذ الجوار المتخلف اقتصاديا وحضاريا في تحركه مع طموحاته أياً كانت مصادرها، فعمد من جديد لاحتلالها مستغلا نقاط ضعف جرى في هيكلها السياسي، الأمر الذي قد شجع مجاوره الشرقي وشماله الشرقي لاحتلالها.. وفيما كان، لكم دخلت منطقة وادي الرافدين من حروب تم فرض معظمها عليها، ذلك لكونها كانت على تقدم وثراء، بيد أنها هذه المرة قد تحولت كسلطة مجرد متسلطة، دونما مراعاة رؤية لواقعها، فانهارت على ذاتها وعلى غيرها، وسارت بابل فيها ومن معها، عاجلا وآجلا إلى مجرد ذاكرة سائرة نحو البلبلة.. وقفة/3/ بابل والحروب وقفة مع بابل أمام الصراعات والحروب وقيمتها الدلالية كممارسة.. في البدايات وقبل الزمن السومري، من الصعب معرفة مجراها ومنحاها، بيد أننا نتوقع أنها لم تخرج عن محليتها الضيقة جداً، التي تفرضها الحياة اليومية، ولم تبلغ شأنا واسعاً، فالأرض لم تكن على اتساع في جغرافيتها ولا كثافة سكانية تغمرها.. ولعل الجماعات قد انصب اهتمامها بدفاعاتها ضد العوامل الطبيعية، واتقاء شرور كائناتها المتوحشة.. في الزمن السومري، ظهر فيه صراع المدن، المتجاورة على طريق التوسع وبناء الدولة كحامل اقتصادي ونظام اجتماعي، وتنظيم الري واتقاء أخطار الفيضانات.. بقي هذا الصراع محدوداً ومحلياَ، يفرضه حيازة السلطة المحلية والتوسع التدريجي، ثم تمادى ليشمل المنطقة بما يتوازى مع حاجات التوسع على مدى حوض ما بين الرافدين وربما أبعد، كما حصل على يد لوغال زاغيري السومري، الذي لم يدم طويلاً.. ما بعد سومر وحلول آكاد- جاءت مجريات الصراع بين سرغون الأكادي ولوكال راكه سي مالك اورك السومري، يمكن اعتبار ذاك الصراع راسخاً في ذات المجال، لأسباب عدة، يعود بعضها للتجاور والتفاعل بين الطرفين والتقارب اللغوي بينهما.. على ضوء انتصار سرغون راح يتمدد ويتوسع في سلطته شمالاً وغرباً، ولا سيما نحو البحر المتوسط، وبهذا يضع مقدمات للزمن الآتي. في هذا المدى قد تجلًت الصراعات الداخلية في ذات المجال أي في حوض وادي الرافدين، وربما قد ظهرت بصيغة مقاربة في بلاد الشام ومصر. في حين قد بدت حالات دحر الغزو الخارجي والدفاع عن الكيان الذي بدأ يتشكًل .. وكنماذج ومعلنة لتلك الظاهرة الأخيرة وملخص لها كالآتي: عندما تمكّنت القوات العيلامية من اجتياح المملكة واحتلال عاصمتها أور (تل المقيّر)، أقدم " إشبي إرّا " بتأسيس قوة عسكرية قبلية عمورية، وحارب العيلاميين وطردهم من أور، وضمّها إلى مناطق حكمه. وهكذا حل العموريون كبديل للعيلامين الغرباء، وأسسوا دولتهم، كورثاء للآكاديين.. لا يخامرني الشك في كون العموريين الذي كان لهم وجود غير مكتمل في تلك اللحظة، فاندفعوا لتشكيل قوة قبلية فعالة لتحرير حوض ما بين الرافدين من المحتلين الغزاة، كالكاشيين والعيلامين وغيرهم. وعلى ضوء نجاحاتهم وصراعاتهم الداخلية التي كان من شأنها ظهور عصر بابل، الممتد من نظام بابل ذاتها ومن بعدها إلى آشور بحد ذاتها.. ولعلنا فيما قد رأينا، عندما خرجت الحرب عن دلالاتها تلك، حيث قد أدت إلى تحالف الكلدان مع الأغراب ضد آشور، مما قد تم فتح الباب نحو خلخلة المعادلة السياسية المتبعة وتحالفاتها، حيث قد سيطر فيه الفرس بعد قهرهم لآخر ملوك الكلدان، على حوض وادي الرافدين وبلاد الشام ومصر في ظله.. ô ô ô إلى المآل/ بابل تفقد سلطتها من على ذاتها [ ملخص اسرار من 229 إلى 265 ] في سابقة لا مثيل لها في تاريخ بابل، ترك نابونيد مملكته ولم يظهر في بابل مدة عشر سنوات كاملة على التوالي.. ولعل لمرض قد حلّ به وعليه.. ؟ حيث يروى أنه لجأ لجبال عمان للاستشفاء ؟] (من أسرار بابل ص 231) في غمرة ذلك لم يتورع " من التوغل في سهوب وصحراء العربية برفقة القوات المجندة من آرامي الأقاليم الغربية المخلصة له من دون بابل، وبهم احتل مدينة تيماء العربية وأباد جميع سكانها وعلى رأسهم ملكهم، وبعد ذلك خضعت الواحات والمدن: ديدان الأولى وفدك وخيبر ويادي ويثرب، وأصبح كل النصف الشمالي لشبه الجزيرة العربية تحت حكم نابونيد وصارت تيماء مقر اقامته. وفيها بنى قصراً شبيها للقصر البابلي، وأنشأ في الواحات المختلفة مستعمرات بابلية آرامية استوطن فيها أناس من أصول اثنية مختلفة فمثلا عُثر في تيماء على لوحة بلاطة – منذ زمن نابونيد عليها كتابة آرامية ونقش تذكاري على النمط الآشوري معمولة بناء على طلب سلام- شوزوبا ابن بيتوسيري، يعني ابن مصري بتسمية بابلية – آرامية " (أسرار بابل، ص 231 – المقصود بتلك التسمية انه من الممتلكات البابلية وليس بابليا= قول المترجم).. -في واقع الأمر ، أن الجزيرة العربية لم يقترب منها أي من الطامحين من غير أبنائها، حيث قد بقيت بمنأى عن الاحتلال القادم من المحيط، ولعلها كانت دوماً بمثابة القلعة الأخيرة للاحتماء الجمعي فيها الأصول الأولى للكلدانيين و غيرهم.. والسؤال: أي من الدوافع حلت على نابونيد كي يتجه جنوباً، لعله يعود لنزعة السيطرة الكلية على الطرق التجارية. وأنشأ نابونيد لنفسه في العربية مملكة واسعة وأدت جميع طرق القوافل الصحراء عبر بابل وما وراء النهر ومصر التي بقي على اتصال معها.. وكانت بابل تحت إمرة بيلشاصر [ الأبن لبنابونيد] مما اثار غضب الأوليجاركية البابلية.. حيث لم يستسيغوا الانتقال الوراثي للحكم.. فيما جرى (من أسرار بابل) أدى رحيل الحاكم من بابل، لاندلاع صراع قديم، بين طبقة الكهنة وأمراء الجيش، مما أثار قلق اوساط التجار والمرابين وهم يمثلون الطبقة الثالثة، ونظرا لكون هؤلاء [ طبقة التجار] قد تعرفوا على العالم القديم، مما جعلهم يدركون التطورات السياسية عن كثب، وقد ظهر من مصلحتهم أن لا يكون في الشرق الأدنى سوى إمبراطورية واحدة، تديرها حكومة قوية لكبح التمردات الشعبية، وتطوير التجارة الدولية.. في تلك المرحلة أزمعت ميديا الهيمنة على المنطقة، وكان الهدف للإستيلاء على حران هو هدف إستراتيجي الذي يؤدي لعزل بابل عن ما وراء النهر الغني عن مصر وليديا [حلفاء كلدان]، بيد أن الفرس بقيادة كورش في عام 553 قد سيطروا على ميديا ذاتها، وكانت بابل بدورها محطاً لإنظارهم.. أمام هذا الاحتلال: أقدم نانوبيد على الفور لاجراء محادثات لتشكيل تحالف ضد الفرس، فأستجاب لدعوته كل من الفرعون المصري أماسيس والملك الليدي كريزو ولفيف من العرب والملك الهندي استياغ، وانضم إلى الإتحاد بعض من المدن اليونانية وبالأخص اسبارطة.. أقدم كورش على احتلال الممتلكات البابلية وقطعوا طرق التجارة، وقتلوا المسافرين منها وإليها.. لم يستعجل كورش لأنزال الضربة القاسمة لكنه قد تطلع الاستلاء على بابل من دون معارك خطيرة، بدأ الفرس بالاستيلاء على الممتلكات الخارجية لبابل وعزلها عن العالم الخارجي، [ وأصبح الحلفاء في عزلة عن بابل، كنتيجة طبيعية لمجرى ما جرى / ولعله كان هشا منذ البداية، فلم يظهر له حشداً عسكرياً/ والقول لي ] وفي الوقت ذاته، تحرك العدد الكبير من العملاء بالدعاية لصالح قورش في بابل نفسها والاليجاركية البابلية التي تفتقر إلى سلطة قوية قادرة على تأمين سيادتها الطبقية المتمسكة بامتيازاتها، زيادة على ذلك قاومت بعنف محاولات نانوبيذ وبيلشاسر لاقامة الديكاتورية الملكية، ولذلك مال الأوليجاوركيون أكثر فأكثر إلى التفكير بأنهم محتاجون إلى حكم قوي يحافظ على امتيازياتهم ورأوا ذلك في قورش من دون غيره.. واستدلوا عقلياً على أن قورش يتحكم بقوات لا تعادلها بقوات أخرى في العالم وأنه لا هو وفرسانه – الهمج – قد جربوا مظاهر الحضارة، وماذا في الأمر لو قدم التاج البابلي إلى قورش بشروط مناسبة، و اليس لهذا الهمجي عبر هذا الشرف العظيم ملكاً شرعياً لبابل المقدسة.. وسياحافظ على قدسية الحقوق وامتياز الجنسية البابلية ويقيم ذلك النظام الضروري للأوليجاركية. ألا يتسنى بهذه الطريقة حسم هذه المعضلة في النهاية دونما الضغط على زعماء الشعب المطمئنين.. وهكذا نضجت في رؤوس بعض ممثلي الأوليجاركية البابلية فكرة خيانة الوطن. وكانت دوافعهم الحقد على نابونيد وبيلشاصر، ثم تحاشي الحرب الدموية العنيفة، عدا عن الإعجاب بالسفراء الفارسيين كجواسيس..
ô بابل في المأتم: قصارى القول إن بابل أغنى بلاد العالم والكثيرة السكان لا أحد يدافع عنها في الحقيقة، وأتضح أن قدرتها على المقاومة قد تقوضت من الداخل ونضجت للسقوط، ولا تستطع أي من التحصينات أن تنقضها من الفرس.. وبعد الاستلاء على كل الأقاليم البابلية وقف الفرس عند حدود البلاد، ومضى إلى ناحيتهم بعض العمال والولاة البابليين من كارهي نابونيد وبيلشاصر، ومن بينهم أوغبار "غويري " عامل بلاد غوتيم الواقعة على الحدود مع ميديا، وسمحت خيانته باقتراب قورش مباشرة إلى السور الميدي الذي يعترض طريق الفرس إلى بابل. [ص 244] في موجز من ص 243 إلى 248 تلقى قورش عن طيب خاطر رواية الأوليجاركية البابلية لأنها تجاوبت تماما مع مصالحه وأجتهد أن يعزز أمورها، وأتخذ/ أوغبار عامل غوتيوم / القائد الأعلى للقوات التي دخلت بابل على الفور لتلافي حدوث المجازر والنهب في المدينة.. تتحدث مدونات الأخبار " حتى نهاية شهر تاشريت /26 شهر تشرين/ عام 529 ق م طوقت تروس / يعني جنود/ بلاد غوتيوم بوابة ايساجيلة ولم يسمح بوجود أي سلاح في ايساجيلة والمعابد ولم تخترق الطقوس أبدا.. نابونيد يستسلم في ظل بابل ولما علم نابونيد بسقوط بابل ومصرع بيلشاصر غادر برسيب راجعاً لبابل واستأسر طوعاً وقد عرف أن الاستمرار في المقاومة لا جدوى منها. وفي الوقت نفسه نجح المحتلون مع الأوليجاركيين البابليين باستمالة الرأي العام وأعدو لقورش استقبالا احتفاليا مهيباً، ولم ينقصها المطبلون والمتفرجون الحريصون على رؤية المشاهد، وحضور الملائم المجانية. تتابع المدونات التاريخية -" وفي الثالث من أرخسامنو 29 تشرين الأول 529 ق م دخل قورش بابل وكانت الشوارع " مفروشة بالأغصان٠ وأعلن السلام لكل بابل ". وأرسل نابونيد إلى منفى في كرمان النائية شرق أيران، حيث أنهى حياته بسلام.. ô من بين المجريات التي بابل آلت إياها في البدايات: لم تتعرض حياة العمل في بابل إلى أي هزات من المحتل الفارسي وعلى العكس فإقرار السلام وإدخال الإمبراطورية في حقوق الاتحاد الذاتي بقوام الإمبراطورية الفارسية المترامية الأطراف، مما قد أعطيا دفعة جديدة للانتعاش الاقتصادي. وهذا ما يخص عالم التجارة الدولية كما أرى، وهو بمنأى عن الطبقات الشعبية الأخرى.. وفيما يلي: أصبحت بابل إلى جانب برسيبوليس وسوز وأكباتان واحدة من أربع عواصم الملك الفارسي، وجنت من ذلك ثماراً وفيرة، وظهر أن تقديرات الاوليجاركية البابلية قد تحقق بربح زائد.. بيد أن تلك الحياة المسالمة الرغيدة لم تستمر طويلاً، فبعد السكرة تأتي حتما الفكرة، فالأشراف الفرس الذين أسكرتهم الانتصارات السهلة والثروات الخيالية التي وقعت في أيديهم استطعموا بسرعة من خيرات المدنية، ولم ينووا اشباعاً لرغباتهم بالقليل الذي يمدهم به الأغنياء البابليون وازدادت شهيتهم وبسرعة شعرت بذلك في نفسها الشعوب الخاضعة بمن فيهم البابليين أيضاً.. ولم يتوان الأمر، عن انبلاج السخط العميق في أوساط الشعوب المغلوبة وبدأ الاستياء الذي أثارته أعباء الخدمة العسكرية في فارس نفسها واستبداد الحكم الملكي كذلك..[ص 254 و 255] مصير بابل- توفي قورش في عام 530 ق م اثناء حملة في آسيا الوسطى ضد الماساغييتين، وقد أعلنوا ثورتهم ضد الفرس. أعتلى العرش قمبيز الابن الأكبر لقورش، وورث أيضا لقب ملك بابل، وعلى العموم لم يعتبر أنه من الضروري تمويه السيادة الفارسية كوالده، وليس عبثا سماه المغلوبون الطاغية، وليس الأب مثل قورش ؟ في عام 525 ق م قاد قمبيز حملة على مصر التي بقيت وحدها مستقلة كدولة عظمى وحيدة في الشرق الأوسط .. واستولى عليها، وكانت هي آخر النجاح الفارسي الكبير.. بابل تتمرد ؟ وظهر ما يسمى نبوخذ نصر الثالث؟ بدأت عثرات الفرس بعد قمبيز، وجاء من بعده داريوس، وحدث تمرد في بابل، ودام حصار داريوس لها على مدى سنة وسبعة أشهر، في الشهر العشرين استطاع فتحها/ وفي هذا ظهرت مرويات متعددة.. غير موثقة.. مسح داريوس أسوار بابل على وجه الأرض نزع أبوابها، ورفع 3000 من أكبر أشراف بابل على الخوازيق.. قتلهم الفرس لكونهم أغنياء جدا، لا كعصاة.. على سبيل تملك ثرواتهم.. البابليون بدورهم قابلوا داريوس بالكراهية المكتومة، ونال المتعاونين منهم لقب " البياع " [كما هي في العربية] تدهور اقتصادي اجتماعي شامل [موجز]: قام الفرس بمصادرات ضخمة للأراضي من المواطنين البابليين ووزع قسم منها على الأرستقراطيين الفارسيين والضباط والموظفين، ومنذ ذلك الوقت ظهرت التملك الفارسي للأرض في بابل.. وظهر التضخم كنتيجة حتمية للتطور الاجتماعي – الاقتصادي للبابليين، وكما في كل مكان كان وليدا للانخفاض السعلي " البضاعي "، وتضخم الكتل النقدية المتداولة نتيجة لازدياد النفقات غير المنتجة وهذا يعني ازدياد الاحتياج الطفيلي.. ووقعت في أيدي الفرس غنائم هائلة منهوبة من البلدان المحتلة وتلقوا جزية عظيمة من الشعوب المنهوبة... وان التضخم بالمقارنة مع الأسباب الأخرى، أنزل ضربة قاتلة بالتابعية البابلية وتفاقمت ازمة المجتمع البابلي القديم وحصل الشيء نفسه في بلدان الحضارة القديمة التي أصبحت مرزبانيات فارسية. وفقط عززوا الانهيار والاختلال في الشرق القديم الهرم لا سيما في بابل. فالأورليجاركية البابلية التي علقت الآمال على الفرس أخطأت الحساب وفي هذه المرة بقسوة لا يمكن أن يعوض. وجملة القول، في كل مكان يخوض فيه داريوس حربا، فأن المزارع والحقول تتدهور.. وفي الأعوام 486-484 انتفضت مصر، واقتدت بها بابل حيث ظهر في آب عام 484 ق م بعل شيماني الذي ادعى لقب " ملك بابل، ملك البلدان ".. وقمع الفرس بسهولة هذا العصيان. وفي تشرين الثاني عام 486 ق م توفي الملك داريوس وجلس على العرش الفارسي ابنه احشويرش " أكزركسيس" " 486 – 465 ق م "، و لما انتهى من تسوية الانتفاضة في مصر بدأ لحملة عظيمة على اليونان. في هذا الوقت في خريف عام482 ق م اندلعت مرة أخرى انتفاضة في بابل وأعلنت ملكا لها يدعى شمش- اريبو واستطاعت الصمود نحو الشهرين وقمعت الانتفاضة دونما عناء، تلاها التنكيل في المنتفضين، وتلاهم بالبابليين. ونقل أحشويرش من أيساجيلة التمثال الذهبي للإلهة بعل حامي بابل وانتهى وجود المملكة البابلية التي أسسها الزعيم القائد العموري سوما يوم في عام 1891 ق م بصورة نهائية هذه المرة، وألغيت الجنسية البابلية، وفقد البابليون أراضيهم وتم توزعيها على الفرس، وصارت بابل مرزبانية فارسية عادية. وأصبح سكانها تابعين ودافعي أتاوة للملك ويعملون مستأجرين وعمالا زراعين في أراضي الملاكين الفرس.. والأوليجاركية البابلية التي هي المجرم الأكبر في هذه الكارثة هي نفسها ماتت تحت أقدام الغزاة، وبقيت بابل التي فقدت دولتها واستقلالها الذاتي، مستمرة كمدينة كبيرة وعاش فيها الملوك الفرس من وقت لآخر .. ô بابل على منحى النهاية: وفي عام 324 ق م حط الإسكندر رحاله فيها، معتبراً اياها عاصمة له. سرعان ما غادر الاسكندر حياته، تم ذلك في صيف عام 323 ق م وفي القصر الملكي الذي بناه نبوخذ نصر الثاني.. تحولت بابل أيضاً إلى مدينة مهيلنة، وحتى اقامت مسرحاً يونانيا، بيد أن ذلك لم ينقذها من مسار التدهور، فسرعان ما حجبتها سلوقية. وسكن قسم من البابليين الأكثر نشاطاً بها.. بابل تتوارى: في عام 129 ق م، غزا البارتيون بابل لتعاطفها مع الهيلينين واحرقوها عن بكرة أبيها، ولم تستطع المدينة القديمة أن تتعافى من تلك المحرقة، فأقفرت وهجرها السكان وما بقي منها حتى بداية العصر الميلادي سوى طلل واحد.. ولكأن هذا الطلل أراد أن يعلن عن ذاته كلوحة دالة على مثوى بابل التي توارت وراحت لعالم الذاكرة/ والقول لي.. لم يكن مصير بابل لها وحدها، إنما مصير المنطقة بكليتها، ولعل ما ذكرته التوراة في سرديتها، قد أظهرت بطريقتها مصير بابل وغروبها.. وهاكم ما احتوت..:
ô 1 وكانت الأرض كلها لسانا واحدا ولغة واحدة 2 وحدث في ارتحالهم شرقا أنهم وجدوا بقعة في أرض شنعار وسكنوا هناك 3 وقال بعضهم لبعض: هلم نصنع لبنا ونشويه شيا. فكان لهم اللبن مكان الحجر، وكان لهم الحمر مكان الطين 4 وقالوا: هلم نبن لأنفسنا مدينة وبرجا رأسه بالسماء. ونصنع لأنفسنا اسما لئلا نتبدد على وجه كل الأرض 5 فنزل الرب لينظر المدينة والبرج اللذين كان بنو آدم يبنونهما 6 وقال الرب: هوذا شعب واحد ولسان واحد لجميعهم، وهذا ابتداؤهم بالعمل. والآن لا يمتنع عليهم كل ما ينوون أن يعملوه 7 هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض 8 فبددهم الرب من هناك على وجه كل الأرض، فكفوا عن بنيان المدينة 9 لذلك دعي اسمها بابل لأن الرب هناك بلبل لسان كل الأرض. ومن هناك بددهم الرب على وجه كل الأرض /// تكوين 11
فمن بابل الحضارة إلى بابل النهاية " والمنطقة برمتها معها " إلى القادم من الأيام إغريق ورومان ... ...
#عيسى_بن_ضيف_الله_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كليات / أقوال لي
-
كليات موجزة مع تاريخ العرب قبل الإسلام
-
المنطقة في ظل احتلال الإمبراطوريات/ في الزمن الفارسي
-
قرائن موجز في وقفة تاريخية / مستمدة من عمل موسوعي، بعنوان ال
...
-
العرب في ظل الإمبراطوريات/ ولا سيما الرومانية - تقديم
-
قراءة في التاريخ القديم / بين العرب والتجارة في ظل الامبراطو
...
-
كلية وكليات / تشكل البوتقة الحضارية/ في خلاصات
-
مقتطف سياسي واجتماعي يسلط الأضواء على نهج الإمبراطورية الروم
...
-
العرب في ظل الإمبرطوريات ولا سيما الرومانية
-
نحن والكون
-
أهم أقوال من مستشرقين في النبي محمد
-
من مقتطف من مخطوطة مشروع كتاب العرب في زمن الإمبراطوريات (ال
...
-
وقفة تأمل ما بين روما وبيزانطة
-
من الأسرة الحمصية العربية إلى الأسرة التدمرية العربية
-
من الأسرة الحمصية العربية إلى الأسرة التدمرية من الأسرة الحم
...
-
وقفة أولية مع ظهور المسيحية
-
وقفة موجزة مع العبودية كنظام سائد في النظام الروماني- مقتبس
...
-
خلاصات بحثية، أولها في الجزيرة العربية، وثانيهما تعكس ذاتها
...
-
من التراث/الماء كمقدس
-
مقدمة عمل عنوانه في معترك السياسة في جامعة دمشق في عقد الستي
...
المزيد.....
-
لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق
...
-
بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
-
هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات-
...
-
نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين
...
-
أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا
...
-
الفصل الخامس والسبعون - أمين
-
السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال
...
-
رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
-
مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|