عزوف المغاربة عن الانتخابات أم عن السياسة؟

هشام الصميعي

الحوار المتمدن-العدد: 1719 - 2006 / 10 / 30 - 07:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

كلما اقترب موعد انتخابات تشريعية في المغرب تشرع النخب السياسية من أعلى الهرم إلى أسفله وبالتناوب في ترديد نفس الموال بأنغام مختلفة على أسماع المواطنين تدعوهم من خلاله إلى ضرورة المشاركة في الحياة السياسية. وكأن الحياة السياسية بطولها وعرضها تنحصر في الحملات الانتخابية وان اهتمام المواطن المغربي بالسياسة لا يخرج عن دائرة وضع ورقة مرموزة بصور شتى أنواع الحيوانات و أشرسها في صندوق لصالح مرشح ما إن يتمكن من الفوز حتى يختبئ عن الأنظار يلوذ بمصالحه. أو أن السياسة لا تعني في عرفها سوى انتخاب المواطنين لأغلبية نيابية محجور عليها بحيت يمنع عليها حسب الدستور أن تنصب وزيرا أول منها أو أن تشرف على تطبيق برنامج حكومي و لو في حدوده الدنيا حتى و إن تعلق الأمر بحفر قنوات مياه للصرف الصحي .
ظاهرة عزوف المغاربة عن الانتخابات لا يمكن تفسيرها كما يحلوا لجهابذة الإعلام الحكومي تسميته بعدم اهتمام المواطن المغربي بالسياسة على العكس من دلك فالشعب المغربي اهتم وعبر تاريخه المعاصر بالسياسة .واجه المستعمر الفرنسي و الاسباني بالسلاح فأسس الخلايا السرية التي احتضنت الفدائيين و المقاومين عندما لم تجدي السياسة في كسر شوكة وتسلط الاستعمار و أذنابه على خيرات البلاد و ثرواتها و قدم في سبيل دلك أنبل ملاحم التضحية لتحقيق حريته كما أجهض الشعب المغربي مؤامرة المستعمر في سعي إدارته الحتيت نحو تمزيق وحدة الشعب وهويتهم فواجه بكل شرائحه الاجتماعية ظهيرها البربري و لم يكن السلاح الذي تحطمت عليه هده المؤامرة سوى كلمة يا لطيف يا لطيف التي خرجت من حناجر المتظاهرين فبهت المستعمر وعملائه من حكمة المغاربة وحنكتهم السياسية.
و على عهد الاستقلال قدم أبناء الشعب المغربي قوافل من الشهداء في معارك سياسية و انتفاضات عديدة ضد طغيان الحكم الفردي المطلق و ضد الاستبداد واجهها النظام بالتعذيب و الاغتيالات و السجون السرية و بالمقابر الجماعية و البطش في العديد منها .ادن الشعب المغربي اهتم و مند المهد بالسياسة و بمعاركها الحقيقية و دلك على عكس ما يحاول خبراء المخزن تلحينه اليوم على الشاشات .
عرف المغرب مند أواسط السبعينات ما سمي بالمسلسل الديموقراطي وانطلقت بصدده في البلاد انتخابات محلية وبرلمانية إلا أن ارادت الطبقات السياسية المسيطرة على خيرات و ثروات البلاد ارتأت منه شيا آخر فما لبت أن تحول هدا المسلسل إلى مناورة باهتة لم يكن المقصود منها سوى واجهة اشهارية لتزيين وجه الاستبداد و التطبيل له على الساحة الدولية . وفيما عكف خبراء الإعلام في النظام لإخراج هده المناورة على تعليق أعلام الزينة و إنشاد قصائد المديح في حق التجربة الفريدة عكف خبراء آخرين داخل مكاتب وزارة الداخلية على اجراءت جهنمية منها توفير وسائل القمع الضرورية و الاختطافات كوسائل بنيوية نابتة في معادلة الاستبداد و تمييع الحياة السياسية تارة عبر تزوير العمليات الانتخابية لصناعة أغلبيات نيابية مصطنعة يسهل التحكم فيها من أجل تمرير مخططات وسياسات لا شعبية و لا ديموقراطية أنهكت الجماهير الشعبية وذهبت بالكرامة الإنسانية .و تارة أخرى أشرفت وزارة الداخلية على صناعة أحزاب إدارية أتاحت للنظام السياسي تهيئ خزان من الولاء الدائم عن طريق فبركة نخب سياسية تتمتع بالامتيازات و المحاصصة الإقطاعية يتم إخراج رؤوسها من الدولاب وتحريكها على المشهد السياسي كلما جاء دورها في مسرحية جديدة .
ادن فعزوف المغاربة ينصب هنا على المشاركة في الانتخابات وليس كما يقول خبراء المخزن على الحياة السياسية و هدا الهجران للعمليات الانتخابية الذي استفحل في صفوف المغاربة في السنوات الأخيرة هو في حد ذاته موقف سياسي ناضج و يترجم بكل تأكيد و عي المغاربة باللعبة الخشبية التي رهنتهم لعقود طويلة وكانت سببا في رسم واقع اجتماعي سوداوي يكتوون بناره اليوم.. هو موقف ضد تزوير الإرادة الشعبية و صناعة أحزاب كارتونية هو موقف ضد الانتهازية السياسية وقلب الجكيتات هو موقف ضد برلمانات مزورة تسجل المواقف و تمرر سياسات تزيد الغني غنا و تزيد الفقير فقرا و حيفا هو موقف ضد مستشارين يبيعون أصواتهم على طريقة مزادات أسواق الغنم و الماعز. هو موقف ضد أغلبية نيابية لا معنى لها ولا لون هو موقف ضد غرفتين نيابيين لا تنفع نخبه التي تبدل لونها كما تبدل الأفاعي جلدها في حل معضلات البلاد و ترهق الأموال العامة بمرتباتها العليا هو موقف ضد برلمان رجالات الأعمال و الصفقات لا يملك نفعا و لا ضررا في مراقبة السياسة الحكومية و يعين فيه الوزير الأول من خارجه هو موقف ضد عدم متابعة ناهبي الأموال العامة و المتورطين في ملفات الفساد هو موقف ضد عدم متابعة الجلادين و مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية في سنوات الرصاص...
هي مقطاعة انتخابية و إن كانت تلقائية و غير واعية فإنها تندر بأشياء جميلة و بحلم توري يتهيأ في الأفق حلم وردي يترآى في عيون المحرومين و المقصيين و المهمشين من السياسة الصفراء وهو كابوس مفزع للمؤسسات الصورية يقض مضجع خدام المخزن و أحزاب الكراكيز المصطنعة... فما أروعك من شعب أيها الشعب المغربي في مواقفك... شعب التضحيات و الشهداء ما أروعك في عنادك و كبريائك .

#هشام_الصميعي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات