|
دراما -المارقون- لنجدة انزور.. تنزع الغطاء عن ظاهرة الإرهاب
جديع دواره
الحوار المتمدن-العدد: 1719 - 2006 / 10 / 30 - 07:41
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
يتزايد عدد المسلسلات العربية التي تلامس القضايا السياسية، لكن قلة منها استطاعت تقديم رؤية غير مسطحة وتجاوز حالة "فشة الخلق"، بل ان بعضها وربما لأسباب رقابية قدم رؤية مشوشة مفككة، وميع موضوعاته عوضا عن كشف خفاياها وتركيز الوعي بها، لهذا جاء المسلسل الدرامي "المارقون" لنجدة اسماعيل انزور ليشكل علامة فارقة على مستوى الدراما العربية، فالعمل يحمل قالبه الخاص به من خلال تقطيعه الى ثلاثيات، يحمل كل منها قصة متكاملة ورؤية خاصة، ويحكمها جميعا موضوعا واحدا الا وهو الإرهاب، وبذلك حرر انزور المتلقي من "المعلقات المسلسلية" الثلاثين حلقة والتي غالبا ما تعتمد التطويل والمطمطة لاعتبارات إنتاجية، على حساب مقتضيات العمل الفنية. واعتمد على عدد من الكتاب ينتمون إلى بيئات وبلدان مختلفة متجنبا أحادية النظرة التي غالبا ما يقع بها الكاتب/المفرد/ مهما اتسعت معرفته. فأدى هذا إلى تفتيت موضوعه وتقليبه على وجوه عديدة دون ان يفقده هويته، وهذا يعكس رؤية فكرية حداثوية تقوم على الاعتراف بتعدد الحقيقة ونسبيتها، مما أسهم في اغناء العمل وفتحه على عوالم وبيئات وثقافات ولهجات مختلفة، من لندن إلى المغرب العربي إلى مشرقه. نكاد نقول بان هذا الجهد الجمعي يحمل قيمة لذاته لا تقل أهمية عن قيمة العمل بحد ذاته. في الثلاثية الأولى "ويقتلون الياسمين" يتناول اندماج أسرة دمشقية مهاجرة في محيطها الغربي، من خلال ثلاثة خطوط درامية: ياسين الأخ الأكبر المتزمت ويوسف الأخ الأصغر المنسلخ وياسمين الفتاة التي حاولت تجسيد الخط الوسط الذي لا يرفض الآخر ويؤمن بالتعايش المشترك معه. لكن تفجيرات لندن تهدم كل إمكانية للتعايش، وتضع أفراد الأسرة بصرف النظر عن تفاوت مواقفهم في مواجهة المجتمع الغربي. فعبر حوارات رشيقة مدروسة يستعرض العمل التحولات التي تطرأ على نظرة الأشخاص وسلوك كل منهم اتجاه الآخر، فالأثر التخريبي لتلك العمليات أجهز على إمكانية التعايش المشترك "قتل الياسمين"، وأدى إلى تعميق الانقسام، وجعل المهاجرون يدفعون الثمن. إلا أن الكاتب لم يستطع أن يخرج من جلدته فصور الآخر الغربي متحللا من كل قيم، وغير قادر على تجاوز عصبويته التي استيقظت على التفجيرات..! فأدت إلى خلق وعي مشوه لدية يربط الإسلام بالإرهاب ويضع الجميع في سلة واحدة..! أما ثلاثية "صنع في" فمن خلال السرد القصصي الدرامي لحياة شقيقتين من المغرب العربي حسنه وحسنية يكشف العمل عن الظروف الاجتماعية، من فقر وأمية وسوء المعاملة، وافتقاد الأختين إلى حماية الأسرة، مما يدفعهما للتورط مع مجموعات محلية إرهابية تكفر المجتمع وتخرج عليه وتتخذ من الدين غطاء لتمردها ورفضها للشرط الذي يهمشها ويسحقها. وربما جاءت بعض الأحداث غير مبررة دراميا(كرمي الأم لابنتها خارج البيت ليلا ولسبب يتعلق بالتزمت..!) إلا ان ذلك لم يحل دون وصول مقولة العمل بفضح سياسات التهميش والتجهيل والفقر والبطالة، محيلا ظاهرة لإرهاب إلى أسبابها المحلية، محملا المسؤولية لفشل مشاريع التنمية التي تنطحت لها معظم الأنظمة العربية، بوصفها سبب رئيس في وجود وتنامي ظاهرة الإرهاب. أما ثلاثية "الجدار" تتناول أسرة محدودة الدخل تعيش في دمشق، حيث يرفض الابن الأصغر سلوك عائلته المحافظة..! ويصفها بالكفر، فتتلقفه مجموعة جهادية مستغلة خلافه مع اسرته وتمده بالمال، في اشارت إلى ارتباط تلك الجماعات باجندة خارجية..! يقنعونه بالتسلل إلى العراق، وهناك يكتشف الشاب ايهم زيف ادعاءات تلك الجماعات التي تعمل على إثارة الفتن وقتل الأبرياء تحت غطاء الجهاد، فيهرب عائدا إلى دمشق، حيث يخبر السلطات بما لديه من معلومات وينقذ غيره من الانزلاق في تلك الطريق، وينتصر الاعتدال بعد تلك المغامرة القاسية وربما هذا ما قصده الكاتب بالجدار، الجدار الذي يصطدم به الشاب ايهم كي يعود إلى رشده واعتداله ويعرف ان الخطأ لا يستنفذ الحياة. الملاحظ في الأعمال الثلاث التي استعرضناها تشابهات لا نعرف ان كانت مقصودة لكنها تحمل دلالات سكيولوجية مهمة، منها غياب للأب في الأسر الثلاثة، وبالتالي الربط غير المباشر بين موت الأب الرمزي والمادي وبين انفراط عقد العائلة وخروج أفراد منها على هيئة إرهابيين..! الثلاثيات الثلاث، اذ هي تضع يدها على الجرح وتحاول أن تحيط بحيثيات الظاهرة اجتماعيا و سكيولوجيا وتربطها بما يجري في المنطقة، وإذ تكشف عوالم الشخصيات التي تمارس الإرهاب فهي توصلنا إلى نتيجة مفادها ان هؤلاء هم أيضا ضحايا، فيقع العمل جزئيا في الصيغة التبريرية، إدانة للإرهاب من جهة وتبرير له من جهة ثانية..! ففي الأعمال الثلاثة المقدمة لغاية الآن: الإرهابيون شباب مغرر بهم و فقراء جاهلون..الخ وفي هذا بعض من الحقيقة وليس كلها، لكن ذلك لا يقلل من غنى العمل وأهميته البالغة في تنطحه لقضية معقدة وراهنة، تمسنا شعوبا وأفرادا وحكومات، لكن ننتظر ان تغوص الثلاثيات القادمة فيما هو ابعد من ذلك، فالإرهاب بوجه من وجوهه الأساسية هو نتيجة لغياب الحريات وابتلاع مؤسسات المجتمع لصالح أنظمة شمولية..من هنا تأتي أهمية دراما "المارقون" في تعرية الظاهرة واستنطاقها وطرح الأسئلة الصعبة عليها، في شرط تخفت به لغة الحوار وتنكمش مساحات الحرية.
#جديع_دواره (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سبعة عشر ساعة هزت جرمانا
-
تحالف خدام _البيانوني على حساب مَنْ..!؟
-
الاصلاح الاقتصادي في سوريا -اقالة وتعين ام خطة و حوامل و الي
...
-
خدام ..من هرم السلطة الى احضان الاخوان..
-
صراع كراسي .. أم صراع رؤى...؟
المزيد.....
-
مصر.. رئيس غرفة الدواء لـ CNN: الشركات حصلت على جزء من مستحق
...
-
ناشطة أوكرانية: الوضع في الجبهة أسوأ من أي وقت مضى
-
حادثة هزت الشارع الموريتاني في سابقة غير مألوفة أغتصاب جماعي
...
-
سكان الضاحية الجنوبية في بيروت يعيدون بناء منازلهم بعد الهجم
...
-
سكان كيبوتس -عين هاشولشا- يعيدون بناء المنازل التي تم تدمير
...
-
شولتس يرفض التكهنات بشأن وجود قوات ألمانية في أوكرانيا
-
من حرّض ترمب للتهديد بـ-جحيم- في الشرق الأوسط؟.. إعلام عبري
...
-
بيتر نافارو يعود للبيت الأبيض
-
المرشح الرئاسي الأوفر حظا في رومانيا يتعهد بوقف المساعدات ال
...
-
فوائد مدهشة لشرب القهوة يوميا!
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|