أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيولُ ربيع الشمال: 19















المزيد.....

سيولُ ربيع الشمال: 19


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 7634 - 2023 / 6 / 6 - 13:37
المحور: الادب والفن
    


ثم مرّت الساعات، وأضحى هذه المرة قلقاً على فتاته. قالت تطمئنه: " والدتي، تعتقدُ أنني الآنَ مع إحدى صديقاتي في الحديقة ". ثم أضافت، أنّ والدها سيعوّضُ عطلته بالأمس في العمل هذا اليوم حتى ساعة متأخرة ليلاً. في الأثناء، كانَ الكُريدور يضجّ بأصوات النزلاء، الذين هُرعوا إلى المطبخ لإعداد فطورهم الذي تحوّل إلى غداء. فكّرَ عندئذٍ، أنه سيمضي مع ميديا إلى ذلك المطعم اليوناني القريب، الكائن في ظلال الكاتدرائية. سيتناولان هناك الغداء على ضفة النهر، بعيداً عن أعين المتطفلين الواشين. كانَ حريصاً على أن تكون صداقته مع السيّد حيدر وثيقة، لا تشوبها أية شُبهة. إنه تقريباً، عرضَ ابنته عليه بالحلال ـ كما يُقال. فماذا يريد دارين أكثر من ذلك؟
" في حقيقة الحال، لو كنتُ في مثل سنّكِ أو أكبر قليلاً، لصرختُ في كل مكان بأنني أحبك ولما همّني في شيءٍ أصحابُ الفتن والنميمة "، قال لميديا حينَ أقترحَ عليها الغداءَ في ذلك الكهف الآمن. بقيت مُمسكة عن الجواب لدقيقةٍ، قبلَ أن تفاجئه من جديد بمعلومةٍ صادمة أكثر هولاً من الأولى. قالت في بطء وهيَ تحدجه بعقيق عينيها: " وأنا أيضاً، أريدُها أن تكون سريّةً علاقتُنا. كون والدتي فكّرت أنك خطيبٌ مقبول لشقيقتها الصغرى، وذلكَ بعدما أخذت رأيَ والدي "
" يا إلهي، ماذا تقولين! أأنتِ واثقة من هذا الكلام؟ "، هتفَ دارين بصوتٍ عال وكانَ في غاية الإنزعاج. طأطات ميديا رأسَها بحركة تعبّرُ عن الأسف، ولو أنّ ملامحها شفّت عن الرضى والإرتياح من ردة فعل عشيقها. حينئذٍ وبلمحةٍ، استعادَ في ذهنه شريطاً من المواقف، المؤكّدة تلك النيّة، المٌبيّتة: اهتمامُ العائلة بمشاركتهم في الاحتفال، ومن ثم دعوته إلى الغداء بمنزلهم؛ كلام الأب بشأن ضرورة زواجه، وأنه مرحّبٌ به كصهر لأيّ عائلة محترمة؛ عرضُ صورة الخالة عليه كي تنال إعجابه بجمالها، وتنويههم بمستواها التعليمي؛ وقبل ذلك إلتقاط صورة له معهم، والتي ستُرسل على الأرجح بالبريد إلى بيروت.
على الأثر، خاطبَ دارين نفسَهُ بصوتٍ مسموع: " وإذاً، سأكونُ عديلاً للسيّد حيدر وليسَ لربيب البيض! ". نظرت إليه ميديا في حيرة: " مَنْ هذا، ربيب البيض؟ ". لكنه لم يردّ، ولعله لم يسمع سؤالها. كانَ يتوغلُ في تفكيره إلى حقائق أخرى ( أو أوهام أخرى )، وهيَ أن العائلة تفضّلُ عليه ذلك المُقتّرَ المُقامرَ، لأن وضعه الماديّ أفضل؛ وكذلك لأنه اصغر سنّاً. وهوَ، دارين، سيكون مجردَ وسيلةٍ لجلب الخالة من بيروت الحرب الأهلية؛ وفي أحسن الأحوال، الصهرَ المقبول " على علّاته ". ثمة في مقهى اليساريين المُحبَطين، كثيراً ما سمعَ دارين الكردَ، وهم يسخرون بأهل القلم والريشة، باعتبارهم أناساً فاشلين في حياتهم أو حتى محض مجانين.
أضحت الغرفةُ تدورُ به، فانطرحَ على ظهره في السرير وكانَ ما فتأ عارياً. ميديا، غير المُدركة وساوسَهُ وهواجسه، ألقت بدَورها رأسها عند ركبتيه وراحت تتأمّلُ العضوَ الغافي. عادت ترفعُ رأسها قليلاً، لتسأله بشيءٍ من التهيّب: " هل سترفضُ خالتي، لو أنّ أبي عرضها عليك كزوجة؟ ". ظل يتأملها لدقيقة، كأنما يسبرُ غورها. مُتجاهلاً السؤال، ردّ عليها بسؤال آخر: " متى تحدثوا بموضوع خطبتي للخالة؟ بعدَ عراك والدك مع نيازي أم قبله؟ ". فكّرت برهةً، ثم أجابت: " أعتقدُ منذ أن زرتنا أنتَ لأول مرة مع رمّو "
" كيفَ هذا؟ ألم يكن رمّو حينئذٍ خطيبَ خالتك؟ "
" كانت الخالة قد أخبرتنا وقتذاك برفضها للخطيب، وذلك بعدما عرضوا عليها صورته "
" أكانَ رمّو يعلمُ بموضوع الرفض؟ "
" لا، لقد أعلمه والدي فيما بعد "، ردّت ميديا وقد لاحَ أنّ الإستجوابَ قد أضجرها وضايقها. ربما كانت ترغبُ، حَسْب، أن تسمعَ منه تأكيده لحبهما وتصميمه على الإقتران بها مهما يكن موقف عائلتها. ما لم تكن تعرفه، أن رأسَهُ كانَ يدور في دوامةٍ عنيفة مذ أن صُدمَ بحقيقة علاقاتها مع شبان آخرين؛ ومن ثم صدمته بموضوع الخالة، المُبدد أحلامه تماماً. كان خطؤه عندئذٍ ( سيشعرُ به في وقتٍ آخر ويندم عليه بشدّة )، أنه لم يُصارحها بشكلٍ جليّ بوساوسه وهواجسه، المعلومة. أكثر من ذلك، أن " القرينَ " هوَ من كانَ يتكلّم في غالب الأحيان. وهذا هوَ، يُخاطب دارين ساخراً بمرارة: " وإذاً، فالسيّد حيدر كان مُستعداً للعراك من أجل سُمعة ابنته نسرين، المُقبلة على الزواج من ربيب البيض. وفي الآن ذاته، كان يغمضُ عينيه عن علاقات صغرى بناته مع الشبان طالما أنها ليست بعدُ بسنّ الزواج. أما الثالثة، روجين، فإنها لا مانعَ أن تعرضَ مفاتنها على دارين، أو غيره، ما دامَ مضموناً أمرُ اقترانها بابن أسرة ثرية. كذا فليكن الأبُ المُتحرر، المُنقلب إلى مُحافظ عندما يتعلقُ الأمرُ بالخمرة المُحرّمة! ".
قالت ميديا، وكانت تشعرُ بمزيدٍ من السأم: " هل ما زلتَ ترغبُ بذهابنا إلى المطعم، أم غيّرتَ رأيك؟ ". دونَ أن ينبسَ بنأمة، نهضَ لإرتداء ملابسه. أطلقت تنهّدةً مَسموعة، ثم بدأت هيَ الأخرى تلملمُ ثيابها المرمية هنا وهناك. بعد دقائق، كانا في الطريق إلى ذلك الكهف الإغريقيّ، مُتجنبَيْن المرورَ من قدّام محل الحوت. أخذا الطريقَ الموازي للنهر، وكانت الأرضُ ما زالت ندية بفعل هطول زخات من المطر صباحاً. وكذلك الأشجار، المُبلل غبارُ أوراقها وأزهارها، وكانَ يُسبب إزعاجاً لا يُرام للمعانين من الربو والحساسية. الشمسُ، راحت الآنَ تُبعد السحبَ عن صفحة سحنتها المُضيئة. وثمة أثرٌ لقوس قزح، يحتضرُ في الأفق.
هل هناكَ ما هوَ أروع من غداءٍ يونانيّ على ضفة النهر، برفقة نبيذ ساموس المُحلّى والموسيقى الراقصة لكازانتزاكيس. كان كل ما يحيطهما يُغني ويَرقصُ؛ خريرُ النهر وهديرُ الشلال ونعيق النوارس وطبطبة البط وهديل الحمام وتغريد الطيور وزقزقة العصافير.. والشباب في الشوارع القريبة، وكانوا ما زالوا ثملين من سكرة ليلة أمس.
وهوَ ذا دارين، يقبّلُ يديّ الحسناء الشقراء، الأبهى من كل ما يحوطهما من بهاء وحُسن. يقول لها الكلماتِ المأمولة، التي كانت تنتظرها: " مهما يكُن رأيُ والديك وتخطيطهما، فإنّ حبنا باقٍ وسينتصرُ على جميع العقبات. وسلفاً أعلمكِ، أنني مستعدٌ لاختطافك والذهاب معاً للعيش في مدينة أخرى ". وكادَ أن يُسمّي مدينة غوتنبورغ، أينَ يعرفُ ثمة عدداً من الأصدقاء، لكنّه تذكّرَ بأسى أنّ عشيقَ فتاته قد انتقلَ إليها في عامٍ سابق.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيولُ ربيع الشمال: 18
- سيولُ ربيع الشمال: 17
- سيولُ ربيع الشمال: 16
- سيولُ ربيع الشمال: 15
- سيولُ ربيع الشمال: 14
- سيولُ ربيع الشمال: 13
- سيولُ ربيع الشمال: 12
- سيولُ ربيع الشمال: 11
- سيولُ ربيع الشمال: 10
- سيولُ ربيع الشمال: 9
- سيولُ ربيع الشمال: 8
- سيولُ ربيع الشمال: 7
- سيولُ ربيع الشمال: 6
- سيولُ ربيع الشمال: 5
- سيولُ ربيع الشمال: 4
- سيولُ ربيع الشمال: 3
- سيولُ ربيع الشمال: 2
- سيولُ ربيع الشمال: 1
- سيولُ ربيع الشمال: قصة أم سيرة أم مقالة؟
- الصديقُ الوحيد


المزيد.....




- بوتين يستضيف قمة في قازان لإظهار عدم عزلته المفروضة من الغرب ...
- محمد بن زايد يدون باللغة الروسية: الإمارات مهتمة بتعزيز العل ...
- لماذا ينبغي على الأطفال مشاهدة التلفاز مع الترجمة النصية؟
- طفل روسي يلقي التحية ويتحدث باللغة العربية مع الشيخ بن زايد ...
- روسيا تدخل اللغة العربية إلى امتحان الدولة الموحد
- السنوار.. أديباً ومؤلفاً ومترجماً وفناناً!
- “عيش مع الطبيعة” تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك نايل سات 2024 ...
- الفنانة ميرنا بامية تقدّم معرض -حامض- في باريس
- -قازان- من أقدم وأجمل المدن الروسية.. إليكم جولة على أهم معا ...
- الفيلسوف إيمانويل تود الذي يتنبأ بهزيمة الغرب كما تنبأ بسقوط ...


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيولُ ربيع الشمال: 19