|
هَلْ نَـقْد اسْطَالِين تَآمُر ؟
عبد الرحمان النوضة
(Rahman Nouda)
الحوار المتمدن-العدد: 7632 - 2023 / 6 / 4 - 16:16
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
يَرْفُضُ بعض المناضلين أَيَّ نَـقْد مُوَجَّه لِـلْقائد جُوزِيـف اسْطَالِين (J. Staline). وَرَغْم أن هؤلاء المناضلين هم معروفون بِكَوْنِهِم ثوريّين، وَصَادِقِين، أو مُخلصين، فإنهم يُدَافِعون بشكل مُطلـق عن اسطالين، وَعن مُجمل سِيَّاسَاتِه، وَفِي مُختلـف الميادين. وَرَغم أننا نَخْشَى أن تُؤَدِّيَ إِثَارَة هذا الخِلَاف السياسي حول تَـقْيِيم اسْطَالِين إلى خِصَامِ، أو إلى فِرَاق، مع هؤلاء المناضلين المُنَاصِرِين لِاسْطَالِين، فإن الواجب الثوري يَـفْرِضُ علينا أن نَبُوحَ بِمَا نَـعْتَبِرُه هو «الحقـيقة الثورية». وَلَوْ أن هؤلاء المناضلين المُنَاصِرِين لِاسْطَالِين قَدْ يَغْضِبُون، أو قَدْ يَصِـفُونَنَا بِالتَحْرِيـفِيَة، أو بِاليَمِينِية، أو بِالتَبَـعِيَة لِلدِّعَايَات الْإِمْبِرْيَالِيَة. وَيُـفَسِّر هؤلاء المناضلين كلّ نَـقْد مُوَجَّه إلى ج. اسْطَالِين بِـ «نَظَرِيَّة المُؤَامَرَة». وَيَـظُنُّ هؤلاء المناضلين أن «كلّ شخص يَنْتَـقِدُ اسْطَالِين هو ضَحِيَة لِتَأْثِير الدِعَايَات المُخْتَلَـقَة، وَالمُرَوَّجَة، من طَرَف "وَكَالَة المُخَابَرَات الأَمْرِيكِيَّة (CIA)"، ومن طرف أَبْوَاق الدِعَايَات الْإِمْبِرْيَالِيَات الغَربية». وَتَجْدُرُ الإشارة إلى أن جزءًا هامًّا من وثائق الأرشيـف القديم للاتحاد السّوفياتي قَد رُفِـعَـت عنها السِرِّيَة منذ سنوات 2000، وأصبح الوصول إليها مُتَاحًا لِلمؤرّخين، وللباحثين. وَبعض هته الوثائـق السِرِّيَة الدّاخلية المُحَرَّرَة، تُؤَكّد عَدَدًا من الْاِتِهَامَات المُوَجَّهَة إلى ج. اسْطَالِين، وَإلى تِيَّاره السياسي. لكن المُدَافِـعِين بشكل مُطلـق عن اسْطَالِين، يَـعْتَبِرُون أن «كل الوَثَائِـق التي تَصِلْنَا (عن الاتحاد السُّوفياتي)، والتي تَصُبُّ في اِتِّجَاه نَـقْد اسْطَالِين، هي وَثَائِـق مُزَوَّرَة، وَمَخْدُومة مِن طرف أجهزة الدِعَايَة الْإِمْبِرْيَالِيَة». ويـَظُنُّ أنصار اسْطَالِين، أن «هدف كل الوثائق النَّاقِدَة لِاسْطَالِين، هو تَحْرِيـف التَجَارِب الاشتراكية، وَتَشْوِيه حَـقَائِـقِهَا الثورية، ومحاربة الـفِكْر الشِيُوعِي». وحسب تجربتي، لاحظتُ، في كثير مِن الحَالَات، أنه مِن شِبْه المُسْتَحِيل إِقْنَاع هؤلاء المناضلين الذين يُـفَسِّرُون كلّ نَـقْد لِـ اسْطَالِين بِـ «نَظَرِيَة المُؤَامَرَة». وَمَهْمَا تَـعَدَّدَت وَتَنَوَّعَت الكُتُب، والدِرَاسَات، والمَـقَالَات، والمَرَاجِع، والحِوَارَات، التي تَنْتَـقِد اسْطَالِين، أو تُدِينُه، فإن هؤلاء المناضلين المُنَاصِرِين لِـ اسْطَالِين، غَالِبًا مَا لَا يَـقْرَأُون هذه الوَثَائِـق، وَلَا يُمْـعِـنُون النَّظَرَ في تَـفَاصِيلِهَا، وَلَا يُـفَـكِّرُون في تَحَالِيلِهَا، وَلَا يَـفْحَصُون حُجَجِهَا. بَلْ يَرْفُضُ هؤلاء المُناصرين لِاسْطَالِين كلّ مَضَامِين هذه الوثائق النَاقِدَة، وذلك بِشكل شَامِل، وَتَامّ، وَجَازِم، وَمُطْلَق، وَنِهَائِـي. وَمِن بين أهمّ نُـقَط الضُّـعْف في تَـفْـكِير أَنْصَار اسْطَالِين، أنهم يَحْمِلُون تَصَوُّرًا مِثَالِيًّا عن اسْطَالِين، وَعَن تِيَّارِه السياسي. حيثُ يَظُنُّون أن اسْطَالِين هو قائد ثوري عَظِيم، وَأَنَّ جميع أُطْرُوحاته، وَقَرَارَاتِه، وَسُلُوكِيَّاتِه، طِوَال حُـكْمِه بين سنـتي 1922 و 1953، كانت كلّها سَلِيمَة، وَثَوْرِيَة، وَرَائِـعَة، وفي مصلحة الشّعب، وفي خِدمة الثورة الاشتراكية. وهذا التَصَوُّر يَتَنَاقَض مع نَظَرِيَة الماركسية هي نفسها في مَجَال المَادِّيَة الجَدَلِيَة، وَالمَادِّيَة التاريخية. وَيتَنَاقَض أنصار اسطالين مع المبدأ الجَدَلِي الـقَائِل بِأن «كلّ شيء يَتَضَمَّن تَنَاقَضَات دَاخِلِيَة»؛ وأن «كلّ شيء يُمكن أن يَتَحَوَّل إلى نَـقِيضِه، في ظُرُوف خَاصَّة». وَلَا يَفْهَم أنصار اسْطَالِين إِمْكَانِيَة تَحَوُّل اسْطَالِين الثوري المُخْلِص إلى مُسْتَبِدٍّ، أو مُسْتَـلَب، أو رَأْسَمَالِي، أو مُفْرِط في القَمْع، أو حتّى قَاتِل، الخ. وَلَا يُدْرِكُ كَثِيرُون من بَيْن أنصار اسْطَالِين أن صَيْرُورة بِنَاء الْاِشِتِرَاكِيَة، وَعَمَلِيَة إلغاء أُسُـس وُجُود الْاِسْتِـغْـلَال الطَبَـقِـي، أو عَملية اِنْـقِرَاض الدولة، سَتَتَطَلَّبُ بِالضَّرُورَة وَقْتًا طَوِيلًا، وَسَتَخْتَرِقُهَا صِرَاعَات سيّاسية مُعَـقَّـدَة، وَسَتَتَخَلَّـلُـهَا حَتْمًا أَخْطَاء سِيَاسِيَة، أو اِنْتِـكَاسَات جُزْئِيَة، أو رُجُوع مُؤَقَّت إلى الوَرَاء، وذلك حَسب الظُرُوف المُجتمعية، وَالجُغْرَافِيَة، والتَاريخية، لكلّ مُجتمع مُحدّد. وَكَأَمْثِلَة، يَنْكُرُ أنصار اسْطَالِين أن اسطالين مارس دِيكْتَاتُورِيَّتَه الشخصية، وليس «دِيكْتَاتُورِيَة البْرُولِيتَارِية». وَأثْنَاء عَهْد اسْطَالِين، كانت الطبقة العاملة مَسُودَة، بَدَلًا مِن أن تَكُون سَائِدَة عبر مَجَالِس سُوفْيِيتَات العُمَّال والـفَلَّاحِين المُسَلَّحِين. وَيُـكَذِّبُ أنصار اسْطَالِين أن لِينِين كَان يَتَحَفَّظ على وُصُول اسْطَالِين إلى مَوْقِـع المَسْؤُولِية الرَّئِيسَة في الحزب. وَيَنْـفُون أن اسطالين أَمَرَ بِـقَـتْل لِيُّون اطْرُوتْسْكِي (Léon Trotsky)، وَأَمَرَ بِتَصْفِيَة جُزْء هَامّ مِن أعضاء الْلَّجْنَة المركزية لِلْحِزب الشيوعي التي تَرَكَهَا افْلَادِيمير لِينِين. وَيُكَذِّبُون أن اسطالين وأنصاره كانوا يَفْرِضُون الْإِجْمَاع السياسي الـقَسْرِي داخل الحِزب، وَداخل الشّعب. وَأنهم لم يَـكُونُوا يَسْمَحُون بِوُجُود تَـفَاوُتَات في الآرَاء السياسية داخل الحزب، وداخل الشّعب. وَيَنْـكُرُون أن اسْطَالِين كان يَـقْمَع المُـعَارِضِين السياسيّين، سواءً كانوا مُعَارِضِين حَـقِيـقِيِّين أم مُفْتَرَضِين حَسب اِتِّهَامَات المُخابرات. وَيَنْكُرُون أن اسْطَالِين وَأَنْصَارُه مَارَسُوا الاعتـقالات الجماعية، والمحاكمات السياسية المَغْشُوشَة، والاضطهاد في مُعسكرات «الجُولَاجْ (Goulag)». وَيَنْـفُون أن اسطالين فَرّط في التَحَالُف الطَبَـقِي الْاِسْتْرَاتِيجِي بين البْرُولِيتَارْيَا والفَلَّحِين. وَلَا يَـعْتَرِف أنصار اسْطَالِين بِأن تِيَّار اسطالين شَيَّد الرَّأْسَمَالِيَة الْاِحْتِكَارِية لِلدّولة، وليس الاشتـراكية. وَلَا يَقْبَل أنصار اسطالين أن هذا الأخير قَوَّى بِِيرُوقْرَاطِيَة الحزب، وَمَنَحَهَا اِمْتِيَّازَات، وَحَوَّلَهَا إلى صِنْـف مِن البُورْجْوَازِيَات الصغيرة والمُتَوَسِّطَة، تَسْتَـفِيد من اِسْتِـغْـلَال العُمّال والـفَلَّاحِين، وَتُسَانِد اِسْتِبْدَاد الزَّعِيم اسْطَالِين. وَلَائِحَة الانـتـقادات المُوَجَّهَة إلى اسْطَالِين طَوِيلَة جِدًّا. وَتَوْضِيح كلّ واحدة من بين هذه الانـتـقادات، يتطلّب العَشَرات من الصّفحات. فَـهَلْ يُـعْـقَـل أن تَـكُون كلّ هذه الانتـقادات مِن اِخْتِرَاع "وكالة المُخابَرَات الأمريكية CIA" ؟ وهل يُـعْـقَـل أن يَكُون أساس الْاتِّهَامَات المُوجَّهَة مِن طرف "الدِعَايَات" الْإِمْبِرْيَالِيَات الغَرْبِيَة إلى اسْطَالِين هو مُطَالَبَتُه بأن يكون ثوريًّا أَكْثَرَ مِمَّا كان، وَأن يكون شِيُّوعِيًّا أكثر مِمَّا كان ؟ هذا مُسْتَبْـعَد. وَلَا يُحْتَملُ وُجوده سِوَى في إطار التَصَوُّرَات التي تَـعْـمَل بِـ «نَظَرِيَة المُؤَامَرَة». رحمان النوضة (هذا مُـقْـتَـطَـف من كتاب: رحمان النوضة، هَلْ مَا زَالَت المَارْكِسِيَة صَالِحَة بَعْد اِنْهِيَّار الْاِتِّحَاد السُّوفْيَاتِي؟، نشر 2015، الصفحات 157، الصيغة 15. وَيُمكن تَنْزِيلَه مِن مُدَوَّنَ الكاتب : https://livreschauds.wordpress.com/2019/04/28/هَلْ-مَا-زَالَت-المَارْكْسِيَة-صَالِحَة-بَعْ/
#عبد_الرحمان_النوضة (هاشتاغ)
Rahman_Nouda#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فَنُّ النَقْد السِيَاسِي 3/3
-
فَنُّ النَقْد السِيَاسِي 2/3
-
فَنُّ النَقْد السِيَاسِي (1/2)
-
بَنْ سَلْمَان مُقَابِل محمد السَّادِس
-
إِمَّا الغَلَاء والتَضَخُّم، وَإِمَّا الاشتراكية
-
الدَّوْلَة كَحِزْب سِيَّاسِي سِرِّي
-
سِرُّ ضُعْف -الجبهة الاجتماعية-
-
نَـقْد عَـقْـل النُّـخَـب
-
دُرُوس الصِّرَاع السِياسي
-
تَجْنِيس الإِسْرَائِيلِيِّين غَيْر قَانُونِي
-
إِسْرَائِيل تُدْخِلَ الطَائِـفِيَة لِلْمَغْرِب
-
مَنْحُ الجِنْسِيَة لِلْإِسْرَائِيلِيِّين جَرِيمَة
-
دِكْتَاتُورِيَة البُنُوك
-
مَصْلَحَتِنَا تَعَدُّد أَقْطَاب العَالَم
-
الأَكْثَرُ اِنْبِطَاحًا لِإِسْرَائِيل: المَغْرِب
-
الصِرَاع بين المَلَكِيَّات والجُمْهُورِيَّات
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
-
نَحْنُ المُسْتَـغَـلُّون
-
نَقْد الصِرَاعَات الحَدِيثَة في اليَسَار
-
نَقْد العَمَل بِأُسْلُوب -التِيَّارَات- في الحزب
المزيد.....
-
Al-Sudani and Keir Starmer’s meeting – and male hypocrisy!
-
هيئة الدفاع في ملف الشهيدين شكرى بلعيد ومحمد البراهمي تعلق ح
...
-
مقترح ترامب للتطهير العرقي
-
برلماني روسي يستنكر تصريحات سيناتورة تشيكية حول حصار لينينغر
...
-
غزة: لماذا تختار الفصائل الفلسطينية أماكن مختلفة لتسليم الره
...
-
نبيل بنعبد الله يعزي في وفاة شقيق الرفيق السعودي لعمالكي عضو
...
-
الحزب الشيوعي العراقي: تضامنا مع الشيوعيين السوريين ضد القر
...
-
موسكو: ألمانيا تحاول التملّص من الاعتراف بحصار لينينغراد إبا
...
-
مظاهرات بألمانيا السبت وغدا ضد اليمين المتطرف
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 589
المزيد.....
-
الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور
...
/ فرانسوا فيركامن
-
التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني
...
/ خورخي مارتن
-
آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة
/ آلان وودز
-
اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر.
...
/ بندر نوري
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
المزيد.....
|