أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ثامر عباس - الماضي وعلاقته بالدين















المزيد.....

الماضي وعلاقته بالدين


ثامر عباس

الحوار المتمدن-العدد: 7630 - 2023 / 6 / 2 - 20:55
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


ليس من قبيل الاكتشاف القول إن جميع الأديان (الوثنية والتوحيدية) تحيل ضمن نصوصها وخطاباتها إلى أزمنة ماضية موغلة في القدم ، تتمحور حول بدايات الخلق والصيرورات الأولى للكائنات والموجودات ، بحيث إن أتباعها ومريديها غالبا"ما يضفون على ما حدث في الماضي من وقائع وما تمخض عنه من معطيات طابع التوقير والتبجيل ، من منطلق نشوء هذه الأخيرة في حضن الدين ومن ثم حملها لقيمه واكتسابها لاعتباره . ولهذا فقد عبّرت الفيلسوفة (ميريام ريفولت دالون) عن هذه العلاقة بالقول (( إن يكون المرء (متدينا") يعني أن يكون متصلا"بالماضي (...) فللديني دلالة ترتبط بالماضي ، أي ببداياته الخاصة ))(1) .
وعلى الرغم من ادعاءات الإنسان المعاصر إزاء دور (الحداثة)(2) وما بعدها في تطهيره من (خرافات) الماضي وتطعيمه ضد (أساطير) الدين ، بحيث بات يعتقد انه أصبح في حلّ من أي التزام حيال علاقاته بالماضي أو خالي الوفاض من أي شعور بالدين ، باستثناء انصياعه لمتطلبات الحاضر واستجابته لتطلعات المستقبل . بيد إن الواقع أثبت إن الأمة التي لا ماض لها مجبورة على إيجاده حتى وان اضطرت إلى اختراعه ، وان المجتمع الذي لا يدين بدين معين لابد أن يحصد عواقب هذا الإنكار على شكل اغتراب نفسي وضياع إنساني . وكما توصل (مرسيا الياد) إلى قناعة مفادها إن (( الإنسان الكلي (total man) لا يسعه البتة أن يكون تماما"منزوع القداسة (Desacralized) . ويحق لنا أن نشكّ في أن كان ذلك ممكنا"أصلا". إن العلمنة تحرز نجاحا"كبيرا"على مستوى الحياة الواعية : فالأفكار اللاهوتية القديمة والعقائد الجامدة (Dogmas) والمعتقدات والطقوس (ٌRituals) والمؤسسات ... الخ . أخذت تفرغ تدريجيا"من المعنى . ولكن ليس ثمة إنسان سوي يمكن أن يختزل إلى مجرد نشاطه الواعي والعقلاني ))(3) ، وبالتالي فانه سيبقى يدور ضمن فلك جاذبية التصورات الدينية أو الميتافيزيقية ، التي تلون أنماط وعيه للماضي وللتاريخ بألوان أطيافها المختلفة والمتنوعة .
وبقدر ما يحاول الإنسان الغربي - متسلحا"بادعاءات العلمنة والعقلنة - الإفلات من أسار الماضي وملابساته ، والتخلص من بقايا الدين ومخلفاته التي لازالت عالقة بين ثنايا وعيه ومترسبة تحت طمى لاوعيه ، فان الإنسان الشرقي لا يفتأ متشبثا"بالأول كما لو أنه وسيلة مضمونة لإنقاذه من احباطات ضياع الأمل وفقدان المعنى من جهة ، ومحتكما"ومتوسلا"، من جهة أخرى ، إلى الثاني عسى أن يمنحه دفء الشعور بالأمان في واقع بات يلفه الغموض ، ويحقق له من ثم ما عجز أن يناله حتى ولو بالعالم الآخر . ولذلك فالشرقيون – كما لاحظ الروائي (عبد الرحمن منيف) – (( مغمورين بأمرين : الماضي والكلمات الكبيرة ، ثم بالتدريج يصبحون عبيدا"لهما . قد يقرأون التاريخ أكثر من غيرهم ، لكنهم بسرعة يحولونه إلى كلمات ضاجّة ، ويستريحون في ظلال الكلمات ، لا يعرفون أن الماضي ذهب ولن يعود ، كما لا يدركون إن الذي يعيشونه حاليا"مختلف . هذا ما يجعلهم سكارى تائهين ، فلا هم في الماضي ، ولا هم في الحاضر ، وان ما كان صحيحا"أو قويا"في الماضي لم يعد كذلك الآن ، وفي الوقت الذي يعتبرون أنفسهم ورثة أكثر من حضارة وأكثر من إمبراطورية ، إلاّ إن الحضارة كالنهر ، لا تعرف التوقف ولا تثبت على حال ))(4) .
هذا وقد كان المؤرخ (جوزيف هورس) اعتبر – وهو يتحدث عن شعوب الشرق الأدنى – (( إن معرفة الماضي بقيت على صلة بالدين في هذه البلاد ))(5) ، وهو الأمر الذي أبقى مواريث الماضي حية وفاعلة لدى شعوب هذا الشطر من العالم ، ليس فقط على مستوى التدوين الأكاديمي / والمؤسسي عبر الدراسات والأبحاث من جهة ، والاستثمار الرسمي / الإيديولوجي عبر الممارسات والخطابات الحكومية من جهة أخرى فحسب ، وإنما على صعيد الإدراكات الذهنية والعلاقات التواصلية من لدن مختلف الفئات و الشرائح والطبقات الاجتماعية أيضا"، للحدّ الذي بات – عبر اقترانه بالوعي الديني – لا يؤطر فقط معطيات حاضرها المعيشة فحسب بل وكذلك يقنن خيارات مستقبلها المتوقعة . بحيث ان أي تفكير يذهب باتجاه الماضي ، لابد أن يستحضر في التو واللحظة ما يوازيه من تصورات دينية التي يفترض بها – وفقا"لمسلمات الوعي التقليدي - أن تبرر وجوده وتسوغ مضامينه وتشرعن سردياته ، وذلك بصرف النظر عن الكيفية التي تم بموجبها فبركة ذلك الماضي
ولتوضيح أبعاد هذه الفكرة على صعيد التجربة الخاصة بالمجتمعات العربية والإسلامية ، التي لم يختلط في وعيها فقط التصور الديني بالتصور التاريخي فحسب ، وإنما تمكن الأول من تأطير مضامين الثاني وتحديد خياراته كذلك ، فقد لاحظ أستاذ التعليم العالي في جامعة محمد الخامس المغربية (( إن فلسفة التاريخ الإسلامية ما فتئت تكرر القول بأن التدوين التاريخي ، بل الثقافة التاريخية الإسلامية ، ليست سوى نتاج التصور الديني ، كما أن (تاريخ التاريخ) العربي لم يكف عن التذكير بأن التدوين التاريخي هو مجرد تعبير عن حاجة دينية ، والحال أن (فلسفة التاريخ) و(تاريخ التاريخ) تجاهلا تكوين الوعي التاريخي ، بل تكوين الوعي الديني الإسلامي نفسه الذي ليس في نهاية المطاف سوى نتاج التدوين التاريخي ))(6) .

الهوامش

1. مريام ريفولت دالون ؛ سلطان البدايات : بحث في السلطة ، مصدر سابق ، ص68 وص69 .
2. كتب المؤرخ جان شينو يقول (( فككت الحداثة العلاقة بين الماضي والحاضر والمستقبل )) . مذكور لدى فرانسوا دوس ؛ التاريخ المفتت : من الحوليات الى التاريخ الجديد ، ترجمة الدكتور محمد الطاهر المنصوري ، ( بيروت ، المنظمة العربية للترجمة ، 2009 ) ، ص282 .
3. مرسيا الياد ؛ البحث عن التاريخ والمعنى في الدين ، مصدر سابق ، ص45 .
4. عبد الرحمن منيف ؛ أرض السواد ، ج3 ، ( بيروت ، المركز الثقافي العربي 1999 ) ، 201 .
5. جوزيف هورس ؛ قيمة التاريخ ، ترجمة نسيم نصر ، ( بيروت ، منشورات عويدات ، 1974 ) ، ص22 . وتأييدا"لوجهة النظر هذه فقد أشار (مرسيا الياد) إلى إن (( الثقافات غير الأوروبية ، سواء أكانت شرقية أم بدائية ما زالت تتغذى من تربة دينية خصبة )) . للتوسع في هذا الموضوع ، راجع مؤلفه الموسوم ؛ البحث عن التاريخ والمعنى في الدين ، ترجمة الدكتور سعود المولى ، ( بيروت ، المنظمة العربية للترجمة ، 2007 ) ، ص49 .
6. الدكتور رضوان سليم ؛ نظام الزمان العربي : دراسة في التاريخيات العربية – الإسلامية ، ( بيروت ، مركز دراسات الوحدة العربية ، 2006 ) ، ص51 .



#ثامر_عباس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الماضي وعلاقته بالاسطورة
- الوظيفة النقدية للخطاب الاعلامي
- انكفاء صيرورة (المواطنة) في وعي المواطن
- تفسير الأنماط الثقافية للشخصية العراقية
- الاسطوغرافيا العراقية والدعوة للتحول من الأعلى الى الأسفل
- المحنة العراقية : السلطة ضد الدولة
- مفارقات المثقف المؤدلج وفخ (الهجنة) الايديولوجية
- أرشيف الماضي وقاموس المعاني : قراءة في المقاصد والحدود
- السبق الحضاري في المجتمع المعطوب : فاعل عراقة أم عامل إعاقة ...
- الشخصية العراقية ورواسب الهجنة الايديولوجية
- القاع والقناع : احتباس الوعي بين التاريخ والايديولوجيا (حالة ...
- السياسة والفلسفة : تقارب أم تضارب ؟!
- الاطر الحضارية للعلوم الانسانية
- مفارقات المجايلة في سيكولوجيا الجماعات العراقية
- مجتمع الاصطناع .. وفقدان الأمثولة المعيارية
- مناقب الجمهور ومثالب النخبة !
- هل الى صحة العقل من سبيل ؟!
- العامل الاقتصادي وبندول الشعور الوطني
- السؤال الموارب : هل حقا-أنا مثقف ؟!
- مصطلح (البدوقراطية) بين حق التأسيس وحق الاقتباس


المزيد.....




- ماكرون يطرد 12 موظفا في الدبلوماسية ويستدعي سفير بلاده في ال ...
- ابنتا بوعلام صنصال تطالبان ماكرون السعي لإطلاق سراح والدهما ...
- الجميع -هدف مشروع-.. محللة توضح أهمية الفاشر لـ-الدعم السريع ...
- إسرائيل: لن تدخل أية مساعدات قريبا إلى غزة للضغط على حماس
- عباس إلى دمشق الجمعة المقبل للقاء نظيره الشرع
- الداخلية التركية تعلن القبض على 89 إرهابيا يشتبه بهم بالانتم ...
- إسرائيل تفرج عن 10 أسرى فلسطينيين من قطاع غزة
- الحكومة اللبنانية تطلق مشروع إعادة تأهيل طريق المطار
- شاهد.. -سرايا القدس- تعرض مشاهد من قصف استهدف الجيش الإسرائي ...
- بكين تمدّ جسورًا مع جنوب شرق آسيا


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ثامر عباس - الماضي وعلاقته بالدين