|
سيولُ ربيع الشمال: 15
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 7630 - 2023 / 6 / 2 - 14:13
المحور:
الادب والفن
قبلَ حظوته بلقاء ميديا مُجدداً، كان دارين يتسكّعُ في الشوارع المُكتظّة، المُحتفلة بعيدٍ ما. وكان برفقة ذلك الانتعاظ، المخفيّ كالعادة تحت سترة الجينز، التي يحملها بيده. المَشاهد المُثيرة، لا ترعوي ولا تعرفُ الرحمة. " مَكمنُ الإباحية، هنا في حديقة الملك " ـ كذلك أنبأه تركي، وكانَ جالساً على مصطبةٍ إزاء ساقية نحيلة، مظللة بالأشجار، يترقرق ماؤها إلى إحدى بركتين، يطوف عليهما أزهارُ السوسن بعدة ألوان. لقد عادا ليلتقيان، ودائماً تقريباً على سبيل المصادفة. المفردة الأخيرة، لا محل لها من الصرف هنا، كون الرجل يقضي نهارَهُ الربيعيّ بين صالة القمار والحديقة. قال لدارين، مُتفكّهاً: " لم أعُد أتبارك بمرأى السراويل الداخلية، لأنّ الفتيات يخرجنَ بدونها هذه الأيام ". ثم راحَ يتحدثُ عن علاماتِ الساعة في منقلبها، الوثني الفيكينغي: " سروالُ البيكيني أضحى خيطاً رفيعاً يكاد يُظهر مؤخرة الفتيات على عريٍ كامل، مثلما أنهن رمينَ نهائياً حمالات الصدر " " مُشكلتك، يا تركي، أنك أتيتَ متأخراً جداً إلى هذه البلاد " " يا أخي، ليُعيدوا لي امرأتي وحلالٌ على الشباب التمتع بالسويديات "، هتفَ بحنق ثم راحَ يشتمُ مصلحةَ السوسيال. في مناسبةٍ سابقة، كان قد أشادَ بموظفة السوسيال: " إنها متفهّمة وضعي. أوضحتُ لها أنني أضحيتُ مُهيّضَ الجناحين وغير قادرٍ على العمل، وذلك عقبَ خروج امرأتي وولديّ من حياتي ". وحمامُ الحديقة ما فتأ بجناحين سليمين، يلتقط فتاتَ الخبز دونَ حاجةٍ لموظفة سوسيال، مُتفهّمة، أو لحورية ماء بسليب خيطيّ وبلا سوتيان. لكنّ تركي كانَ يكذبُ يومئذ. لأنّ الكثيرَ من الفتيات كنّ بالفستان الأبيض ( استعرنه من إنغريد بيرغمان أو ربما من فاتن حمامة؟ )، وما فتأنَ يُرفرفنَ بسراويل داخلية لها ألوان السوسن المائي. ثم ما لبثَ أحدهم أن لفتَ انتباه دارين، إلى أنه يومُ اختتام العام الدراسيّ، فيظهرُ فيه الطلبة الناجحون، إناثاً وذكوراً، بستراتٍ ناصعة كالفضة مع قبعات بحّارة. ذلكَ كانَ رمّو. لاحَ أنه أصيبَ بالملل من إعتكافه في حجرته المُفتقِدَة، مثله سواءً بسواء، رائحةَ عرَق البنت القاصر، الحرّيفة. سحنته، كانت في الأيام الأخيرة مغشاة بمسحةٍ خفيفة من الكآبة، وكانَ صوته الأجش على شيءٍ من التهدّج. بالرغم من أنّ رمّو ذو طبعٍ كتوم، لم يجد حَرَجاً الآن في ذكر مشادةٍ، حصلت بالأمس بين السيّد حيدر والحوت. ابتدأ القولَ بنبرةٍ ضاحكة، أزاحت نهائياً الكآبة عن سحنته: " أتدري أنه أرادَ توريطك أنت ونورو؟ " " نورو كانَ حاضراً، فعلاً، عندما بدأ نيازي بالهذيان. فما علاقتي أنا بالموضوع؟ " " وهذا كانَ جوابُ حيدر، أيضاً. عندئذٍ، صارَ صاحبنا يهذي بدَوره. فادّعى أنّ من نقلَ كلامَ نيازي قد يكون أحد زبائن المحل، وأنه هوَ كانَ مشغولاً بالصندوق بحيث لم يُميّز شخصه "، قالها مُقهقهاً. علّقَ دارين، وقد اجتاحه الإشمئزازُ: " إنه شخصٌ وضيع. وقد صدقَ والدي عندما كانَ يؤكّدُ، أنّ البخلَ سببُ جميع المثالب ". ثم استدركَ دارين في نفسه، مُخاطباً الشاب المبتهجَ: " مع أنكَ لا تقلّ تقتيراً، يا ربيبَ البيض! ". لكنّ فكرةً أخرى، دفعته لسؤاله: " أينَ التقيتَ مع السيّد حيدر؟ " " في منزله، يومَ أمس. لقد أصبحتُ خطيبَ ابنته، نسرين "، أجابَ رمّو مع ابتسامةٍ عريضة. دُهشَ دارين، ولا غرو، كون الفتاة على علاقةٍ مع ذلك الشاب الوسيم؛ إبن تركي البكر. إن لنيازي العديدَ من العيوب، ليسَ بينها الكذب. تابع رمّو، مُوضّحاً بنفس اللهجة المُتشدّقة: " إنها ليست خطيبتي بمعنى الكلمة، لأنها أرادت أولاً أن تدرسَ أخلاقي " " لقد كنتَ خطيبَ خالتها..؟ " " هذه قصةٌ قديمة، تناسَوْنَها هناك "، قاطعه رمّو مع ضحكةٍ مُستهترة. أرادَ دارين تذكيره أيضاً، بما يُشاع عن عشق الفتاة لحبيب الحيّة، إلا أنه سكتَ عن ذلك. فكأنما قرأ الآخرُ فكرته، فما عتمَ أن استطردَ بسرعة وبلغة الحكيم هذه المرّة: " أعلمُ بالطبع ما يُشاع عن علاقتها بابن تركي، وأنا واثقٌ أنه محضُ إختلاق " " هل سألتها عن ذلك بنفسك؟ " " لا، إنه حَدَسٌ داخليّ "، ردّ برصانة. هزّ دارين رأسَهُ، وآبَ إلى التزام الصمت. تفهّمَ، ولا شك، شعورَ الشاب؛ تماماً، مثلما تفهّمت مسئولةُ السوسيال شعورَ والد عشيق نسرين. ما أراحَ دارين، بالرغم من كل شيء، أنّ أحداً لم يُلمّح لصاحب الحدس إلى حقيقة ميل قلب ميديا. يومٌ مشهودٌ، انتهى بمفاجأة جميلة. كانَ قد تركَ رمّو، ثمة في غمرة الإحتفال الطلابي، لكي يرجع أدراجه إلى الكُريدور. لمحَ تحت باب حجرته ورقةً بيضاء مطوية، فظنّ أنها علامة أخرى من علامات الساعة. وإذا هيَ بخطٍ آخر غير خط ماهو؛ وبالسويدية: " نحنُ في مكانٍ قريب، وقد لا تجدنا هناكَ لو تأخرتَ ". قبلَ أن يُداور في رأسه هذه المَعْميّة، إذا بضحكةٍ صاخبة تنبعثُ من خلفه. لقد كانت ميديا وشقيقها روني. أندفعَ الغلامُ إليه، ليعانقه بكثير من الود: " عمّاه، إنتظرناك أكثر من ساعة في المطبخ ". نهرته عندئذٍ شقيقته، بالقول: " قُل دارين، لا تقُل عمّاه! " " عفواً "، ردّ الغلامُ في شيءٍ من الحيرة. لا بدّ أنه معتادٌ على مخاطبة أصدقاء والده بذلك التعبير، وكان بحُكم براءته يجهلُ مغزى استياء ميديا. ما لبثا أن أخبرا دارين أنهما سيمضيان به إلى الإحتفال من جديد، كون العائلة مجتمعة ثمة: " روجين ونسرين لبستا الثياب البيضاء، وكذلك رودي ". ألقى دارين نظرةً على ساعة يده، وكانت الواحدة تقريباً: " أعتقدُ أنّ الاحتفالَ انتهى؟ " " نعم، ولقد حضرناه أيضاً. لكنّ الناسَ ما زالوا يحتفلون في الشوارع. سنبقى هنك لبعض الوقت، ومن ثم ترافقنا إلى البيت "، أوضحت له ميديا. هذه المرة، تركها تمسكُ ساعدَهُ في خلال الطريق. ولم يعودا أيضاً بحاجةٍ إلى حماية الشوارع الجانبية كيلا يراهما أحدٌ. كانت في أثناء المسير تترك يده أحياناً، متطايرةً مثل الفراشة بثوبها الورديّ القصير. كذلك، كانَ روني في غاية المرح. وكانَ دارين بالطبع أكثرهم سعادةً بهذه الصُحبة، خصوصاً لحرص العائلة على أن يُشاركهم الإحتفالَ. فما لبثوا أن أجتمعوا كلهم عند الجسر الأثريّ، القائم فوقَ النهر، والذي يقطعُ الشارعَ الطويل المُمتد بين مكتبة الجامعة وساحة فكسالا. رمّو كانَ ثمة أيضاً مع العائلة، وقد رمقَ دارينَ بنظرةٍ مُنتصرة؛ لا معنى لها في حقيقة الحال. إذ كانَ يُحاول تبادلَ الحديث مع نسرين، فيما هيَ تُشيح وجهها الجميل جانباً أو تتشاغل بالتكلّم مع الآخرين. لقد لاحت كأنما تقولُ له، مُتأففة: " إنّ صُحبةَ ضُرّتي، الحيّة، لأهون عليّ من صُحبتك! ".
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيولُ ربيع الشمال: 14
-
سيولُ ربيع الشمال: 13
-
سيولُ ربيع الشمال: 12
-
سيولُ ربيع الشمال: 11
-
سيولُ ربيع الشمال: 10
-
سيولُ ربيع الشمال: 9
-
سيولُ ربيع الشمال: 8
-
سيولُ ربيع الشمال: 7
-
سيولُ ربيع الشمال: 6
-
سيولُ ربيع الشمال: 5
-
سيولُ ربيع الشمال: 4
-
سيولُ ربيع الشمال: 3
-
سيولُ ربيع الشمال: 2
-
سيولُ ربيع الشمال: 1
-
سيولُ ربيع الشمال: قصة أم سيرة أم مقالة؟
-
الصديقُ الوحيد
-
سلو فقير
-
رفيقة سفر
-
أسطورةُ التوأم
-
قفلُ العفّة
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|