|
مدرسة الحمقى [6]
إبراهيم جركس
الحوار المتمدن-العدد: 7629 - 2023 / 6 / 1 - 14:23
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أعزّائي المناضلين المُحتَمَلين ضدّ المُفسدين، اليوم سنستمع إلى أسطورة قديمة لا تخلو من حكمة. ما الهدف؟ حسناً، دعونا نصوغ الأمر على النحو التّالي: لمواءمة تناغم جهودكم أم لا، لمواءمة تناغم جهودكم -أو ربما هكذا أفضل: لمواءمة تناغم انسجام جهودكم. باختصارٍ شديد، الأحمق هو الأحمق. ما الذي يمكنه أن يقدّمه لكم؟ استعوا إلى الحكاية الخرافية ولا تطرحوا أسئلة غير ضرورية، لأنّ لديّ إجابات كثيرة، لكنّها لا تنسجم بالضرورة مع أسئلتكم.
في مملكة معينة، عاش ملكٌ وحكم بيدٍ من حديد إلى حدٍ ما. كل من سوّلَت نفسه بانتهاك القانون لم يستطع النوم بسلام، لأنّه سواءً كنتَ كنّاساً للمداخن أو رجلاً نبيلاً، لم يكن الملك يحتمل أولئك الذين ينتهكون القانون.
كانت أراضي المَملكة شاسعة وغنيّة، وكان الملك سيداً ممتازاً في مملكته. بنى الطرقات والجسور، وأقام المصانع، وصنع السّيارات والطائرات والبواخر. بنى المنازل، وأسّس حياةً كريمةً لمواطنيه. ازدادت الدولة غنى وثراءً من سنة إلى أخرى. كان الملك مهتماً بكيفيّة سير الأمور في ممالك الولايات الخارجيّة، وكانت الأمور تسير على أحسن ما يرام.
عاش الملك حياةً طويلة وكانت فترة حكمه طويلةً بالفعل، وكان فهم أنّ كل ما بناه وأسَّس له في حياته قد عفا عليه الزّمن تدريجياً في مكان ما، وبحاجة لإصلاح في مكانٍ آخر، وفي مكانٍ ثالثٍ كان من الضروري الانخراط في التّحديث من أجل مواكبة دول ما وراء البحار.
كانت خزينة الملك مليئة، لكنّه فهم أنّ سنواته باتت معدودة بالفعل، لذلك قرّر العثور على خليفةٍ شابٍ وقادر يقوم بتجديد وتحديث كل شيء. مع أنّ الملك كان لديه ابنٌ، إلا أنّه لم يكن راضياً عنه، لذلك بدأ في البحث عن خليفةٍ مناسب. وبينما كانوا يبحثون عن خليفة، قرَّر الملك وضع خطة لتحديث الاقتصاد بكامله، وكتب لأفضل المستشارين والمتخصّصين في الخارج، ووضع تقديرات، وخطط عمل.
نظراً لأنّ المسؤولين كانوا دائماً يذهبون إلى الفراش ويستيقظون بخوف، فإنّ كلّ أفكارهم كانت تدور حول النّوم بسلام. كان الملك، الذي لم يكن ليتسامح مع أيّ غلطة من قبلهم، يقف لهم بالمرصاد. وبينما كانوا يبحثون عن حرفيين ومتخصصين في بلدان ما وراء البحار، رأى النبلاء كيف يعيش الأرستقراطيّون الأثرياء هناك، أمّا هنا، في الوطن، كان من الممكن أن يفقدوا كلّ شيء دفعةً واحدة. فكّر النبلاء في الأمر وقلّبوه فيما بينهم، لكنَّهم قرّروا الانتظار، لأنّ الملك إذا اشتبه في أدنى تمرّد، فسيحصد رؤوس جميع النبلاء، على الرغم من كل مزاياهم. لم يكن الملك يثق في أيّ شخص، وكان يرى في كل شيءٍ أو زاوية دسيسة سرية. كان النبلاء يعرفون هذا جيداً، وبالتالي فعلوا كلّ ما في وسعهم من أجل إرضاء الملك في كلّ شيء. وجدوا أفضل الرفيين في الخارج. ووضعوا خطّة لإعادة إعمار المملكة بأكملها، ووضعوا تقديرات لجميع النفقات، ثمّ ذهبوا لتقديم تقريرهم إلى الملك.
اكتشف الملك ببطءٍ كل شيء. لقد اكتشفَ ذلك منذ فترة طويلة، في البداية. ثم دوّن ملاحظاته في كل مكان وقدّمها للدراسة للمتخصّصين في الخارج، الذين كان مفهومهم عن الشرف يفوق كل شيء في العالم. قاموا بفحصها وتصحيحها هنا وهناك، لكنهم وافقوا على كامل الخطة وتقديرات التكلفة. كان الملك سعيداً ببساطة لأنّ لديه مثل هؤلاء المسؤولين الرائعين والمجتهدين، والذين عملوا بشكلٍ رائعٍ دون أن يدّخروا ذرّة جهدٍ من أجل مصلحة المملكة. تنفّس المسؤولون الصّعداء تحسّباً لحقيقة أنّ صحّة الملك أخذت تتدهور يوماً بعد يوم. أظهر كلّ مسؤول قدر استطاعته أيّ نوعٍ من المتخصّصين كان، يا لهذا الإيثار الصادق، وكم أنّه مهتمٌّ فقط بخدمة وطنه، وأنّه ليس لديه مصالح أنانية شخصيّة خاصة، وأنّه مستعدٌ لارتداء ثوبٍ قديم بالٍ، والعيش في منزلٍ قديم متواضع، وأنّ أهمُّ شيءٍ بالنسبة له هو عظمة المملكة ورفاهية الشعب. لم يستطع الملك وهو على فراش الموت إلا أن يبتهج ومات سعيداً، مليئاً بالهدوء والسكينة لأنّ مملكته ظلّت في أيدٍ أمينة، وفي غضون عشر سنوات ستندهش أيّ مملكة في الخارج من مدى جمال كل شيء في مملكته. وبمجرّد أن رَحَلَ الملك إلى عالمٍ آخر، نهب النبلاء خليفة الملك، وأخيراً ناموا بسلام في تلك الليلة طوال حياتهم. ففي اليوم التالي لوفاة الملك، ولإسعاد الشعب، نصّبوا ابنه ملكاً. ابتهج الناس لأنّ هذا ابن ذلك الملك، الذي، على الرغم من أنّه كان يتمتّع بشخصية صارمة، إلا أنّه كان عادلاً ومهتماً برفاهية شعبه. كان النبلاء فقط مُدركين لحقيقة أنّ الابن في نظر الملك، حتّى وإن كان محبوبا، لكنّه لم يكن ليسمح له بتولّي العرش. ووعدهم ابن الملك، امتناناً لهم ولجهودهم في دعمه، أن يمنحهم دعمه الكامل وثقته الكاملة في جميع شؤونهم.
هرع النبلاء للبحث عن الذهب الملكي لتقسيمه فيما بينهم، لكن اتّضح أنّ الملك كان بعيد النظر أكثر ممّا كانوا يعتقدون. فقد صُدّرَ كل الذهب سرّاً إلى دولة واحدة حربية. كان يفترض أن يصدر حاكم تلك الدولة الذهب وفقاً لخطّة وتقديرات إعادة إعمار المملكة، ولكن فقط بعد تقديم جميع الوثائق التنفيذية المتعلّقة بالعمل المُنجَز والمصدّقة بالختم الملكي.
تمّ استلام الدفعة الأولى. بدأ النبلاء يفكّرون في كيفية إعادة كلّ الذهب. لقد فكّروا وفكّروا وتوصّلوا إلى حلّ.
بدأ الأساتذة العمل في الخارج وعملوا لمدّة ستّة شهور، والتي دفعها الملك نفسه خلال حياته. وبعد ستة شهور، أصدروا وثائق تنفيذية، وصدّق عليها الملك الجديد بختم، وأخذوها إلى بلد ما وراء البحار. فحصوا كل شيء هناك، ووزعوا الذهب للشهور الستة التالية.
تلقّى النبلاء الذهب ودفعوا فقط لشراء المواد اللازمة، ولم يتم صرف رواتب الحرفيين في الخارج، متذرّعين بأنّ السفينة التي تحمل أموالهم قد تأخرت في مكان ما. عمل الحرفيون بضميرٍ حيٍ لمدّة ستة شهور أخرى وأرسلوا الوثائق التنفيذية إلى الدولة الخارجية.
فعل النبلاء الشيء نفسه في المرّة الأولى. كان الخبراء في الخارج غاضبين، وعادوا إلى منازلهم بدون أي شيء.
قرّر النبلاء إدارة جميع الشؤون بأنفسهم، وبدأ الجميع في فعل ما يريد. ثم بدأ شيء لا يمكن تصوّره حتى في أكثر الحكايات الخرافية جموحاً، ولا يمكن وصفه بقلم. هُدِمَت المنازل الصلبة القائمة، وبُنيَ في مكانها شيءٌ غامضٌ يذكرنا بما تم تصويره في المشروع. قرّر النبلاء أنّ المواد الموجودة في المشروع كانت باهظة الثمن ومتينة بشكلٍ زائدٍ عن اللزوم، لذا يمكنهم توفير المال وتخفيض النفقات. ثم خصموا من هنا وهناك. انخفضت أجور العمال أكثر فأكثر، ثم فرضوا قانون العمل الإجباري - للعمل مجاناً.
في كل ستة شهور، كانوا يجمعون الوثائق التنفيذية بانتظام وفقاً للمشروع والتقديرات، دون أيً مشاكل في كل صفحة، وفي الأعلى والأسفل والجانب وضعوا الختم الملكي وذهبوا لطلب المال.
بعد عشر سنوات، تحوّلت المملكة إلى مكانٍ أبعد ما يكون عن البلد الذي كانوا يحلمون فيه. وأولئك المواطنين الذين كانوا لا يزالون على قيد الحياة عاشوا حياةً بائسة في الملاجئ، ودفعوا ضرائب باهظة مقابل منازل عصريّة حديثة. بنى المسؤولون قصوراً لأنفسهم، ووضعوا الذهب في البنوك الخارجية، وعاشوا حياةً باذخة اعتماداً على الفوائد. انخفض معدّل الإنتاج في مملكتهم بسبب انعدام الكفاءة، حيث لم تعُد الحياة حياةً، بل حكاية خرافية أغرب من الخيال.
حسناً، ماذا عن المقاتلين المحتملين ضد المُفسدين في المستقبل - السؤال الآن، أو بالأحرى الواجب المنزلي، ما الخطأ الدي ارتكبه الملك؟ أو ما الذي حدث فعلاً في هذه المملكة؟
كأنو الكاتب عم يحكي عنّا نحنا تماماً!!!!! 🤔
#مدرسة_الحمقى #ستيفان_فلاديميرفيتش_زافيالوف #ترجمة_إبراهيم_جركس
#إبراهيم_جركس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مدرسة الحمقى [5]
-
مدرسة الحمقى [4]
-
مدرسة الحمقى [2]
-
مدرسة الحمقى [3]
-
مدرسة الحمقى [1]
-
جدليّة السّلطة والشرعيّة: منظور اجتماعي وسيكولوجي وأخلاقي
-
الدين في سياق التّطوّر البشري: الجزء الأول (التّطوّر المشترك
...
-
ألبير كامو: العَبَثية، والعَدَميّة، والتضامن
-
هل نحن مُستَمتعون، أم نحن مُدمِنون مُخَدّرون؟ -المسلسلات الر
...
-
كارل ياسبرز، ولماذا علينا أن نقرأ الفلسفة؟
-
محمد معناه -الصّنم-
-
الكينونة والزمان [3]: ((الوجود في العالم)) سيمون كريتشلي
-
الكينونة والزمان [2]: ((الأنا)) سيمون كريتشلي
-
الكينونة والزمان [1]: لماذا هيدغر يهمّنا؟ سيمون كريتشلي
-
شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]32 ((عَنْ الفضيلة
...
-
شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]32 ((عَنْ الفضيلة
...
-
شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]32 ((عَنْ الفضيلة
...
-
شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]31 ((عَنْ الموت اخ
...
-
ما علّمني إياه نيتشه
-
شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]30 ((عَنْ الزواج و
...
المزيد.....
-
لأول مرة منذ 9 أشهر.. شاهد إجلاء مرضى فلسطينيين عبر معبر رفح
...
-
السيسي لترمب.. لا لتهجير الفلسطينيين
-
نتنياهو يتوجه إلى الولايات المتحدة ليكون أول رئيس يلتقي ترام
...
-
-د ب أ-: منظمة الشباب التابعة لحزب -البديل من أجل ألمانيا- ت
...
-
صربيا.. المحتجون يغلقون الجسور عبر نهر الدانوب في مدينة نوفي
...
-
اكتمال تثبيت قلب مفاعل الوحدة الثالثة في محطة -أكويو- النووي
...
-
بعد سحب منتجات كوكاكولا مؤخرا.. إليكم تأثيراتها على الجسم!
-
هل تعاني من حرقة المعدة أو الارتجاع بعد شرب القهوة؟.. إليك ا
...
-
مشاهد للقاء الأسير الإسرائيلي الأمريكي كيث سيغال مع بناته
-
ظاهرة غامضة تتسبب في سقوط شعر جماعي لسكان إحدى ولايات الهند
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|