أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ثامر عباس - الماضي وعلاقته بالاسطورة














المزيد.....

الماضي وعلاقته بالاسطورة


ثامر عباس

الحوار المتمدن-العدد: 7627 - 2023 / 5 / 30 - 18:50
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


الماضي وعلاقته بالأسطورة


لعله من المتعذر إدراك طبيعة الماضي كمعطى زمني بعيدا"عن تخوم الأسطورة أو مفصولا"عنها ، طالما كان يوحي – شأنه شأن هذه الأخيرة - بتشكيل الأصول وتكوين البدايات وشروع الانبثاقات الأولى ، فهو – وفقا"لذلك - يقع على مقربة منها ومحاثيا"لها إن لم يكن متماهيا"معها في غالب الأحيان ، حتى انه يصار في بعض الحالات أن يحيل الأول إلى الثانية وبالعكس في إطار الإشارة إلى المضامين والإيحاءات . ولهذا نجد إن مؤرخ الأديان المعروف (مرسيا الياد) يشدد على إن (( الماضي الذي يرفع عنه الحجاب على هذا النحو هو أكثر من زمن سبق الحاضر ، انه الينبوع الذي صدر عنه الحاضر . وعندما يرحل المرء إلى ذلك الماضي السحيق ، فان عملية استرجاع الذكريات لا تقصد إلى تحديد الأحداث في إطار زمني ، وإنما تستهدف بلوغ أساس الوجود ، واكتشاف الأصلي ، والواقع الأولي الذي انبثق من الكون ، والذي يتيح فهم الصيرورة في مجملها ))(1) . وتماشيا"مع وجهة النظر هذه ، فان ملاحظة العالم الانثروبولوجي البريطاني (برنسلاو مالينوفسكي) تأتي لتؤكدها وتضفي عليها المعقولية ، من خلال الإشارة إلى إن (( الأساطير هي قصص عن الماضي تصلح لأن تكون امتيازا"خاصا" يؤدي وظيفة تبرير بعض المؤسسات في الحاضر والحفاظ على وجودها ))(2) .
ولعل من الأمور التي ساهمت وساعدت على اقتراب – بلّه – تداخل الإيحاءات والتمثلات ما بين (الماضي) و(الأسطورة) ، هي استمرار تمسك المجتمعات القديمة بأنماط بائدة من البنى الاجتماعية والأنساق الثقافية والسياقات الحضارية ذات الطابع التقليدي والمتكلس ، ناهيك عن بقائها محافظة على أصولها الانثروبولوجية (عادات وتقاليد وأعراف وطقوس) في إدارة شؤونها الداخلية وتنظيم علاقاتها الخارجية ، الأمر الذي غالبا"ما يستدعي لجوئها إلى مخزون ماضيها لتحيين قيمه المعظمة ، والسعي لاستلهام رموزه المتسامية ، والاحتماء بحصانة زمنيته المطلقة . ومثلما أوضح مؤرخ الأديان (مرسيا الياد) في أحد أعماله فإن (( الإنسان التقليدي لا يقيم وزنا"للتقدم أو التطور الخطي للتاريخ وأحداثه ووقائعه : وحده الزمن الأسطوري له قيمة ووزن . وبغية إمداد حياته بقيمة ومعنى يمارس الإنسان التقليدي شتى أنواع الأساطير والرتب والطقوس ))(3) . وبما أن للأساطير حضورها الدائم في تاريخ الذهنيات الجماعية ، فقد لبث الماضي يشاطرها في قيمتها الاعتبارية ويقاسمها في حضوتها الرمزية ، للحدّ الذي استحال معه إلى ما يشبه الإيقونة الدينية التي تستوجب التبجيل والتقديس . وهنا يعطينا الباحث المغاربي (ميرال الطحاوي) نموذجا"واقعيا"لمثل هذه الحالة / الوضعية الإشكالية ، مستمد من تجارب الإنسان العربي المقهور مع واقعه المأزوم قائلا"(( إن حاجة الإنسان العربي للقدسي والماضي حاجة مزدوجة ، حاجة الإنسان إلى كسر اغترابه عن الكون – كما يرى الياد – وحاجة لتأصيل هويته التي ضاعت ، كما يتبناها القوميين العرب ))(4) .
ومن جملة العوامل المهمة الأخرى التي تقف خلف اقتران الماضي بالأسطورة ، هي كونهما ينزعان إلى الإفلات من قبضة التاريخ والنأي عن كل ما يتضمنه من تفاعلات وسيرورات وتبدلات ، بحيث يبقى كل منهما محافظا" على زخم حضوره في الوعي وفاعلية سردياته في الذاكرة . وعلى ذلك نجد إن صلات التقارب والتجاذب بينهما تبلغ ذروتها في الفترات التي تشهد تغيرات ثقافية جذرية وانعطافات تاريخية حاسمة ، التي تضع كل ما له علاقة بالأسس الاجتماعية الراسخة ، والثوابت الثقافية القارة ، والمرجعيات الرمزية المتوارثة على المحك . وهو الأمر الذي تجسّده لنا حالات تفاقم الأزمات الاجتماعية والاضطرابات السياسية والاحتقانات النفسية ، مع كل مسعى يستهدف إدخال الإصلاحات في البنى والتحسينات في الأنماط والتعديلات في الأنساق ، واعتبار ذلك من ثم بمثابة إعلان حرب بين القديم والجديد ، بين الماضي والحاضر ، بين الأصالة والمعاصرة . صفوة القول – كم يشير مؤرخ الأديان (مرسيا الياد) - (( إن الصفة التاريخية التي تغنى بها الشعر الملحمي ليست موضع بحث ونقاش . أما درجة تاريخيتها فلا تصمد طويلا"أمام عملية الحتّ والتآكل التي تعرضت لها بسبب دخولها عالم الأسطورة . المعلوم إن الحدث التاريخي بحد ذاته ، مهما بلغت أهميته ومهما علا شأنه ، لا يعلق في الذاكرة الشعبية ولا تلهب ذكراه مخيلة الجماهير إلاّ بمقدار ما يكون أكثر قربا"من طراز أسطوري ))(5) .

الهوامش
1. مرسيا الياد ؛ ملامح من الأسطورة ، ترجمة حسيب كاسوحة ، دراسات اجتماعية (20) ، ( دمشق ، منشورات وزارة الثقافة السورية ، 1995 ) ، ص148 . ويضيف مؤكدا"هذه الحالة قائلا"(( إن الأساطير لتؤكد للمرء أن كل ما يأتي من أفعال ، أو كل ما هو بصدد فعله ، قد جرى فعله عند البدء ، في ذلك الزمان القديم )) ، ص154 .
2. بيتر بيرك ؛ علم الاجتماع والتاريخ ، ترجمة داوود صالح رحمة ، ( دمشق ، منشورات علاء الدين ، 2007 ) ، ص50 .
3. مرسيا الياد ؛ البحث عن التاريخ والمعنى في الدين ، ترجمة الدكتور سعد المولى ، ( بيروت ، المنظمة العربية للترجمة ، 2007 ) ، ص31 .
4. ميريال الطحاوي ؛ محرمات قبلية : المقدس وتخيلاته في المجتمع الرعوي روائيا" ، ( بيروت ، المركز الثقافي العربي ، 2008 ) ، ص60 .
5. مرسيا الياد ؛ أسطورة العودة الأبدية ، ترجمة حسيب كاسوحة ، دراسات فكرية (6) ، ( دمشق ، منشورات وزارة الثقافة السورية ، 1990 ) ، ص75



#ثامر_عباس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوظيفة النقدية للخطاب الاعلامي
- انكفاء صيرورة (المواطنة) في وعي المواطن
- تفسير الأنماط الثقافية للشخصية العراقية
- الاسطوغرافيا العراقية والدعوة للتحول من الأعلى الى الأسفل
- المحنة العراقية : السلطة ضد الدولة
- مفارقات المثقف المؤدلج وفخ (الهجنة) الايديولوجية
- أرشيف الماضي وقاموس المعاني : قراءة في المقاصد والحدود
- السبق الحضاري في المجتمع المعطوب : فاعل عراقة أم عامل إعاقة ...
- الشخصية العراقية ورواسب الهجنة الايديولوجية
- القاع والقناع : احتباس الوعي بين التاريخ والايديولوجيا (حالة ...
- السياسة والفلسفة : تقارب أم تضارب ؟!
- الاطر الحضارية للعلوم الانسانية
- مفارقات المجايلة في سيكولوجيا الجماعات العراقية
- مجتمع الاصطناع .. وفقدان الأمثولة المعيارية
- مناقب الجمهور ومثالب النخبة !
- هل الى صحة العقل من سبيل ؟!
- العامل الاقتصادي وبندول الشعور الوطني
- السؤال الموارب : هل حقا-أنا مثقف ؟!
- مصطلح (البدوقراطية) بين حق التأسيس وحق الاقتباس
- مزالق الايديولوجيا ومآزق الايديولوجيين !


المزيد.....




- الجيش الأمريكي يستعد لخفض قواته في سوريا
- الخارجية الإيرانية تستدعي القائم بالأعمال الأرجنتيني
- فرنسا.. حكم بسجن مؤثرة جزائرية
- إيقاف مستشار رفيع في البنتاغون عن العمل على خلفية التحقيقات ...
- -وول ستريت جورنال-: واشنطن تريد استغلال الرسوم الجمركية لعزل ...
- السفارة اليابانية تعلن تخصيص 3 ملايين يورو لصندوق إعادة إعما ...
- مجموعة السبع تدعو لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار في السود ...
- وزير الخارجية الأميركي يبحث مع رئيس الوزراء الأردني الوضع في ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن إسقاط طائرة مسيرة محملة بأسلحة قدمت من ...
- تونس: مصرع ثلاثة تلاميذ جراء انهيار سور مدرسة يشعل الاحتجاجا ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ثامر عباس - الماضي وعلاقته بالاسطورة