|
كفري مدينة الاطلال والاثار
ديار الهرمزي
الحوار المتمدن-العدد: 7623 - 2023 / 5 / 26 - 16:13
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
تخبرنا المصادر التاريخية بأن هذه المدينة كانت مركزا لدويلة مستقلة تسمى (دولة كيماش) في العهد البابلي،
حيث كان موقعها آنذاك في (آسكي كفري _ 7 كلم جنوبا) ،
تم تشيدها بعد انهيار السد المقام في موقع (قوشة چاپان) شمال المدينة الذي أدى إلى دمار المدينة دمارا كاملا حيث لا تزال آثار السد المتهرئ والمدينة المنكوبة ماثلة للعيان بكل وضوح في موقع المدينة القديم في الضفة الشرقية لنهر كفري التي تحمل اسم (قرة اوغلان) حسب الوثائق والخرائط العثمانية،
و (قوشة چاپان) موقع يقع في نهاية السلسلة الجبلية التي يعتبر باباشاسوار اعلى قمة فيها،
وقد تعرضت المدينة إلى غزو الرومان فتدمر المدينة ثانية في معركة جرح فيها القائد الروماني المدعو (چوليا)
فانتقلت المدينة من آسكي كفري إلى موقعها الحالي لأسباب أمنية دفاعية صرفة حيث الموقع الحالي مطوق بمرتفعات في جهته الشمالية والشرقية وضرب حوله سور لا زال بعض آثاره باق ،
والسور كان بأربعة بوابات وكل بوابة تحمل اسم الجهة التي تقصدها وهي (قاپي (باب) 12 أمام) شرقا و (قاپي بغداد) جنوبا و (قاپي شهرزور) شمالا و (قاپي كركوك) في الشمال الغربي ولكل بوابة من هذه البوابات الأربعة طريق يؤدي إلى تلك المدن والمواقع والأهالي لا زالوا يستخدمون أسماء البوابات تلك للدلالة على الاتجاهات في أحاديثهم اليومية،
فمن يزور كفري تتماثل أمامه عشرات الشواهد التاريخية تتحدث بصمت عن ماضي المدينة العريق،
ومن تلك الشواهد موقعة (قزلر قلعسي) التي تكتنفها الأساطير والقصص المشوقة،
وموقعة (7 مغارة) حيث المعابد الزرادشتية السبعة المتلاصقة أحدها بالآخر،
و (تك مغارة) وقد تم نسف هذا الموقع بالديناميت من قبل عابث حر بحثا عن الآثار التي أصبحت تجارة رائجة في العراق،
وموقعة (دربندي تالا)
وموقع (آسكي كفري)
ومغارة (چوبان) التي كانت تعج بالأطفال المصابين بالسعال الديكي حيث يعتقد الناس هنا أن مناخ الكهف يساعد على شفائهم (بإذن الله) ،
والجبل المسمى ب (داش اتان) على طريق سرقلعة القديم (طريق شهرزور) ،
وقلعة (شيروانه) الرائعة في بنگرد كلار ،
وفي الكثير من هذه الكهوف تنبت حشائش الكزبرة التي تستعمل كدواء لمعالجة امراض الكلى،
إلى جانب العشرات من المراقد والمزارات والاضرحة التي تتبرك الناس بها وكلها تحمل قصص تاريخية لم يشر إليها معظم من كتبوا تاريخ المنطقة،
ومن المراقد المهمة مرقد الامام إبراهيم السمين بن موسى الكاظم ومقام إبراهيم الخليل.
كفري بعد تشكيل الدولة العراقية استوزر الكثير من أبناء كفري في العهد الملكي حتى أطلق عليها بلدة الوزراء ،
حيث كان عمر نظمي وزيرا في عدة وزارات متعاقبة وقد أصبح بعده ابنه جمال عمر نظمي وزيرا وهو من عشيرة الونداويية القادمة من اناظول ومن باش قلعة في تركيا ،
وقد هجرت العشيرة موطنها الاصلي بسبب مشاكل بينها وبين عشائر أخرى هناك ورئيسة العشيرة كانت امرأة تدعى التون خانم نادرة في الشجاعة والاقدام ونكران الذات إلى جانب حسن جمالها،
وهي التي قامت بتشيد جسر على نهر الزاب في طريق هجرتها إلى المنطقة بعد أن عارضها صاحب الجسر القديم ان يتزوجها مقابل السماح للعشيرة مع كامل ملحقاتها بالعبور إلى الضفة الأخرى( تحتاج إلى مصدر)،
لكنها أبت ان تكون مجرد بضاعة فامرت عشيرتها ببناء جسر كبير أطلق عليه (التون كوبري) أي جسر الذهب ومنها جاءت تسمية المدينة التي بنيت على جانبى الجسر (مدينة التون كوبري) الحالية من أعمال محافظة كركوك،( بحاجة إلى مصدر).
وتيمنا على هذه الشجاعة النادرة خلد أحد شعراء كركوك هذه المأثرة برباعية من الخوريات التركمانية لازالت الالسن تترددها في مجالسها ونص الرباعية كالاتي:
صو ساني سونبول ساني
صوساني گيچمه ن مارد كوپرسنن
قوي اپارسن صوساني
ومعنى الرباعية التي أصبحت مثلا يضرب (فليجرفك السيل خيرمن تعبر جسر من لا شرف له) وتعطي نفس مدلول المثل العربي (لا تأخذ الحاجات الا من اهلها)،
أبناء هذه العشيرة ( الونداوي ) امتهنوا السياسة في العهد العثماني ولهذا تثقفوا بثقافتهم التركية عالية المستوى وأصبحت هذه عشيرة التركمانية معروفة بادارة والتنظيم الأمور. أنها عشيرة توركمانية عريقة وهي إحدى افخاذ البيات المعروفة باصالتها وانتماءها إلى جدهم الأكبر بيات ابن گون خان ابن اغوز خان ابن قرة خان . بعد انهيار الخلافة الإسلامية العثمانية حاول قوميين العرب أن يزوروا تاريخ هذه العشيرة ويجعلوها عربية.
وكذلك قوميين الكورد تزوير تاريخ هذه العشيرة، ولكن أبناء العشيرة يرفضون رفضا قاطعا هذه الادعاءات ويفتخرون باصولهم.
تم تعين عمر نظمي وزيرا في العهد الملكي لمعرفته و خبرته لامور الإدارية.
من صفات التوركمان التسامح و عدم التعصب وحب الاحترام الاثنيات الأخرى واحترام خصوصياتهم. عندمآ انطلقت أولى شرارة ثورة عشرين في تلعفر تمددت إلى أنحاء العراق عن طريق العشائر ومنها الونداوي. استقرت رؤساء عشيرة بابان في كفري بعد انهيار الإمارة البابانية.،
مدينة البساتين بلا شجر كتب شيخ المؤرخين عبد الرزاق الحسني في كتابه (العراق قديما وحديثا)،
كفري مدينة تشتهر ببساتينها الإناءة، فالإدارة المحلية اهملت إعادة بناء السد الصغير في موقع (قوشة چاپان) فانقطع الوريد الرئيسي الذي كان يغذي عشرات البساتين العامرة في المدينة حتى عام 1963.
فأصبحت جميعها مجرد ذكرى في مخيلة الجيل الذي سوف ينقرض بعد اعوام، فبساتين المدينة التي كانت المدينة تشتهر بها يوما ليست اليوم سوى أسماء مجردة في الذاكرة لاشجار كانت ترفد أبناء المناطق المجاورة حتى 150 كلم شمالا صنوف مختلفة من التمور والحمضيات.
ومن أشهر بساتين المدينة بستان الباشا المار ذكره وبستان القاضي وبستان مملي وبستان حيارة وبساتين حاجي تورشي وعينة بك وحاجي قره وحاجي عثمان وميللت وقوشقونماز ووابراهيم بيك وميري وملا خليل وملا بنزين وحاجي علي وحاجي حمه امين صاري گوز وغيرها.
مدينة الفنادق بلا فندق كان كفري منذ القدم ملتقى للطرق التجارية إلى جانب موقعه الستراتيجي والصناعي، حيث كان يقع في منتصف الطريق التجاري القادم من بلاد فارس إلى بغداد ولذلك كانت القوافل التجارية القادمة والغادية تتوقف عند خاناتها الكثيرة للاستراحة والتبضع في آن واحد، هذا ما دفع اصحاب رؤوس الاموال إلى الذهاب إلى المدينة وانشاء مصانع ومعامل ومطاعم وخانات وطواحين في المدينة،
ومن الخانات التي لازالت اثارها باقية كاطلال ترمز إلى ازدهار المدينة حتى وقت قريب هي خانات (باشا وعباس خانجي، حاجي عزيز، جميل بابان خان دوز (خان الملح)، حاجي رؤوف، بهجت جلبي، مصطفى ريزي (كان مسؤولا لحزب الاتحاد والترقي فرع كفري)، خان إبراهيم عزت، حاجي امين رباتي، علي ميراخور، خان محمود جلبي، خان محمد علي افندي وأخرى كثيرة والخانات كانت سائدة آنذاك في مناطق كثيرة وكانت تستخدم كفنادق هذه الايام وفيها ملحق لايواء الحيوانات ومخازن لتكديس بضائع المسافرين،
وهنالك الكثير من المدن والقرى اخذت تسميتها من هذه الخانات مثل خانقين ،( خان قين ) ،خان النص وخان بني سعد وكذلك قرية خان القريبة من كفري،
وفي الخمسينات شيد الحاج رؤوف وهو من اعيان المدينة سماها فندق نجيب ولكنه اليوم وبعد اهمال المدينة من قبل كل من حكم العراق منذ تاسيس العراق ولحد الآن أصبح خرابا هو الآخر فبدلا من ان تزورها الناس أصبح السكان الاصليون يتركون المدينة ويتوجهون إلى المدن الكبيرة بحثا عن لقمة العيش وقد سكن قسم كبير منهم في كلار المدينة القريبة منها (40) كلم شرقا والتي كانت لغاية عام 1970 قرية صغيرة من توابع المدينة كفري.
فاهتم بها النظام الدكتاتوري وقام بتوسيعها من خلال بناء عدة مجمعات فيها لاستيعاب المرحلين الكرد من خانقين والمهجرين من القرى التابعة لقورتو وميدان
وثم القرى المهدمة جراء عمليات الانفال وبعد الانتفاضة الجماهيرية عام 1991 التي اعقبتها حكومة اقليم كوردستان وبدلا من اصلاح الأمر قامت هذه الحكومة بتطويرها من خلال بناء المعاهد والمؤوسسات المختلفة على حساب مدينة كفري التي ازدادت اهمالا وخرابا وحتى المشاريع التي غزت المنطقة بعد قرار النفط مقابل الغذاء كانت نصيب المدينة شئ لا يذكر فيما إذا قورنت بمدن أخرى مثلها في اقليم كوردستان.
وإذا كانت المقارنة مع مدينة كوية (كويسنجق) مثلا فيصاب المقارن بصداع ودوار من اثر الفرق بالاهتمام بالمدينتين وسكانهما في آن واحد !!
مدينة الطواحين المائية حتى نهاية الستينات كان سكان اقضية كلار وطوز ونواحي بيباز ودربنديخان وسنكاو وقادركرم ونوجول وسرقلعة وقره تبة وجبارة وزنكاباد وجميع القرى التابعة لها وحتى أهالي بعض القرى في ناحية قره داغ تقصد هذه المدينة للتبضع والتجارة ومتابعة المعاملات الرسمية،
ولاجل استيعاب هذا الكم الهائل من الناس كان هنالك في المدينة إلى جانب الخانات المذكورة العشرات من المطاعم (لوقنته خانات) والطواحين المائية والهوائية في اطراف المدينة وعلى امتداد النهر والتي غدت هي الأخرى اطلالا كرموز المدينة الأخرى ومن أهم تلك الطواحين هي (قره داگيرمان، باش داگيرمان، موسى بك، كوير پسك، قدو، إبراهيم صنع الله، اسطة نوري حسن، خليفة آشوان، أحمد ملا عمر، إبراهيم وستا محاو، نوري مبارك وأخرى ،
وقد كانت كل هذه الطواحين تدور لانتاج المزيد من الدقيق تلبية لحاجة السوق العامر في المدينة التي خلت من كل معالمها الآن وتصدع سقفه الذي بناه بنائون مهرة من بلاد فارس،
فمن يلاحظ المباني القديمة يتراءى له خليط عجيب من الطرز المحلية والإسلامية والفارسية والتركية وحتى نماذج من طرازات بابلية،
فهنالك القبب والمنائر والشناشيل والاسواق المسقوفة والطاقات والاقواس، وهنالك مصطلحات قديمة في تفاصيل البناء آخذة طريقها إلى النسيان منها (دنجاغ، سرداب، شوقلت، العتبة، الإيوان، بانكويز، سكو، كوشك، ديوه خان) وجميع المباني في المدينة بنيت بمواد اولية محلية وخاصة الجص والحجر من مقالع خاصة من الجبال التي تطوق المدينة من جهتها الشمالية والشرقية وكل هذا الخلط من الطرازات يعني ان المدينة كانت متأثرة بالحضارات المختلفة عن طريق القوافل التجارية التي تقصد المدينة،
ويجب أن نذكر ان الكثير من اؤلئك التجار استقروا في المدينة ولا زالت عوائل كثيرة وكبيرة منهم تقطن المدينة بعد أن تزاوجوا مع السكان الاصليين وأصبحوا مع الزمن من سكان المدينة،
فقد اطلعت في خزانة المحامي طالب عبد الله اغا وهو من اعيان المدينة مجموعة نادرة من سندات البيع والشراء لدور وعرصات ومطاحن وخانات واسواق تعود تاريخها إلى قرون،
وقد قمت بتحقيق واحدة من تلك المستندات وهي وثيقة بيع طاحونة إلى أحد المماليك في كفري تحمل توقيع داود باشا والي بغداد المشهور مع تواقيع ثمانية عشر من اعيان ووجوه بغداد ما يؤكد أهمية المدينة في تلك الفترة حيث حتى المماليك كانوا يتوجهون إليها لشراء عقارات فيها.
المصادر :-
أصول أسماء المدن والمواقع العراقية – الجزء الأول – بغداد 1976م للأستاذ جمال بابان
كتاب العراق الشمالي - محمد هادي الدفتر - بغداد 1955م.
العراق قديما وحديثا - عبد الرزاق الحسني - بيروت 1971م.
ويكيبيديا.
#ديار_الهرمزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
داقوق عروسة التاريخ
-
هل انقرض السومريين بعد اندثار حضارتهم؟
-
آراء آخرى عن أصول السومريون
-
هل السومريين من اصول الرافدين؟
-
جامع مجيد بك رمز أثري في خانقين
-
عبد المجيد عمر عبد الرحمن خلوصي البياتي في ذاكرة
-
صفاء خلوصي البياتي المفكر الذي نقش اسمه في قلوبنا.
-
جسر الوند ( كوپري) رمز أثري في خانقين
-
صراع بين قبائل الصينية والتوركية وهجرة التورك
-
اسيا الوسطى و العصور الوسطى
-
اسيا الوسطى والعصر القديم
-
تاريخ آسيا الوسطى ما قبل التاريخ
-
تاريخ آسيا الوسطى
-
خانات آسيا الوسطى
-
دولة الشيبانية التي لا نعرف عنها إلا قليل
-
نصير الدين الطوسي فيلسوف وعالم فلك ورياضيات.
-
أكنكان إله حرب (ميثولوجيا حضارة مايا)
-
اولمك الحضارة المنسية في أمريكا
-
التسلسل الزمني لتاريخ القديم الحلقة الثامنة
-
التسلسل الزمني لتاريخ القديم الحلقة السبعة
المزيد.....
-
رغم الحذر السائد قبيل قرار ترامب مؤشر أسهم أوروبا يقفز لمستو
...
-
قراءة الإعلام المصري لصورة السيسي في -جيروزاليم بوست- الإسرا
...
-
قوات كييف تقصف جمهورية دونيتسك بـ 119 مقذوفا في غضون 24 ساعة
...
-
وزير الخارجية الأمريكي ونظيره السعودي يناقشان مستقبل غزة وال
...
-
فوتشيتش يصف الاحتجاجات في صربيا بأنها محاولة لتدمير البلاد م
...
-
أنباء أولية عن سقوط قتلى في تحطم طائرة في فيلادلفيا الأمريكي
...
-
إعلام أوكراني: سماع دوي انفجارات في كييف ومقاطعتها
-
المبعوث الأمريكي الخاص: إنهاء الصراع في أوكرانيا يصب في مصلح
...
-
تاكر كارلسون: زيلينسكي باع أوكرانيا وتحول إلى خادم للغرب
-
-إم 23- تواصل زحفها شرق الكونغو الديمقراطية
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|