|
المدخل إلى الفلسفة المادية بشقيها الجدلية والتاريخية (1) مقدمة حول ماهية الفلسفة
عمر أبو رصاع
الحوار المتمدن-العدد: 1718 - 2006 / 10 / 29 - 11:38
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
مقدمة حول ماهية الفلسفة
لسنوات كان طرح الفلسفة وقضاياها وبخاصة الفلسفة المادية يمثل شاغلا شبه يومي في حياتي ، وظلت دوما تواجهني في هذا العمل مشكلة صعوبة الفلسفة نفسها على الفهم والتناول بالنسبة للناس عامة والعرب منهم على وجه الخصوص وذلك لتعقيدات تخص الثقافة العربية وبدقة إشكالية الترجمة والمصطلح التي تسببت عبر الترجمات الفجة بشكل خاص في اشكالية عويصة تمثلها عدم مناسبة الدال للمدلول أو انصراف الدلالة لدى المتلقي إلى معان مغايرة لمدلول المصطلح الفلسفي الأصلي عند الفيلسوف.
إن فهم مصطلح فلسفة نفسه ومعانيه التي ينصرف إليها فهم المتلقي العربي يعاني إشكالية حقيقية ، ليس أدل عليها من التعبير العامي الذي يصف كل حديث معقد أو صعب الفهم بأنه فلسفة!
عند الولوج إلى مداخل الفلسفة نجد المتلقي يستمع وكأنه أمام طلاسم فكرية لا يكاد يقاربها على أي نحو ، وهكذا بقيت زمنا غير يسير مشغولا بقضية بالنسبة لي مركزية ؛ كيف نعيد ترتيب المعرفة الفلسفية بحيث تأخذ شكلا أيسر للفهم دون الإخلال بالمضمون ؟ وكيف يمكن أن نقدم عبر المبحث الفلسفي للانسان العربي وسيلة معرفية تساعده وترقى بمنهج تفكيره أو لنقل بدقة أكبر تساعده على بناء منهجه التفكيري ليحله محل التفكير المفكك والانتقائي والفقير إلى الرؤية المنهجية؛ أي أن يرقى إلى مستوى التفكير الفلسفي.
هذه المقدمة النقدية تمثل خلاصة هذا الجهد ؛ إنها الشكل الناجز لمحاولات كثيرة سبقت وأخذت شكل محاضرات بالحذف والإضافة والتبسيط والشرح مستفيدة من النقاشات التي أثرتها وأدين بها بشكل خاص لشباب التجمع الثقافي العربي (قبرص) إلى أن وصلت لهذا الشكل وقد عمدت بداية لكتابة المدخل فيها حتى يتسنى أن نعيد طرح الإشكالية بعمومية ويسر للمهتمين من المبتدئين والمتقدمين على السواء ، آملا أن ينجح هذا المدخل في تحقيق هدفه المنشود وهو التعريف بالفلسفة عامة والمادية الجدلية والتاريخية خاصة.
عمدت إناء صياغتي لهذا المدخل إلى إلتزام الحيدة ما استطعت إليها سبيلا لما تقتضيه الأمانة العلمية من الباحث في هذا الميدان تاركا الباب مفتوح تماما بين القارئ والنظرية نفسها نقدا وتفاعلا.
لماذا المادية الجدلية بالذات ؟ لإعتقادنا بأنها أكثر فلسفة طرحت كان لها أثر في تاريخ الانسان المعرفي وواقعه وأشدها علمية أو محاولة لمقاربة العلم في بنيتها ، ولأنها لاتزال نظرية مصرعة على الانسان قابلة للتطوير والانتفاع بما جاءت به في شتى ألوان المعرفة ، فهي تؤصل لمنهج عقلي في التفكير وتوفر أدوات بحثية لازالت إلى اليوم معينا للدارسين من مختلف المدارس والتوجهات. لأنها أيضا أكثر نظرية حاق بهما ظلم في الفهم والتطبيق على السواء وأنها كانت ولا زالت علما لا بد من أن يعاد له اعتباره
ماهية الفلسفة
الفلسفة الكلمة والفلسفة المفهوم
الفلسفة كلمة إغريقية الأصل مكونة من جزئين : فيلين (Philein) وتعني أحب ، و سوفيا (Sophia) وتعني الحكمة ، فالكلمة معا حب الحكمة.
الفيلسوف إذن هو محب الحكمة ، وكان فيثاغورس هو أول من استعمل المصطلح في القرن السادس قبل الميلاد ، وإذا كانت الفلسفة هي : النظرة إلى العالم والوجود الحي والأفكار والمعتقدات للإنسان وحوله وموقعه ودوره ، فإن للجماعات الإنسانية منذ البدء بهذا المعنى فلسفاتها.
وإن كانت الفلسفة هي : التفكير النقدي في مشكلات الإنسان ، أي التفكير حول الفكر نفسه وبه . فهي إذن بدأت في مرحلة متقدمة من وعي الانسان بذاته ووجوده لينتقل بهذا الوعي من مرحلة الوعي نفسه إلى مرحلة نقد الوعي أو وعي الوعي ؛ بمعنى آخر البدء بمرحلة نقد الوعي نفسه ودراسته وتحليله والتفكير في ما سبق من وعي ، بالتالي فإن الفلسفة تجاوز الوعي الانساني لذاته بجدلية خاصة هي الفلسفة.
إن أردنا تعريفا عربيا يمكننا القول الفلسفة هي : نقد المعقولية الإنسانية ، وأقول معقولية هنا ولا أقول عقل ؛ لأن العقل في المفهوم الإصطلاحي العربي الدقيق لا ينصرف إلى نتاج استخدام عقل الانسان وإنما إلى العقل الأداة الحاسة العاقلة نفسها ، وهذا ما يجعلني أستعمل مصطلح معقولية للدلالة على النتاج نفسه أي نتاج استعمال العقل وإنتاج الفكر بواسطته.
استنادا إلى المعنى الذي سقناه للفلسفة باعتبارها عمل نقدي للوعي الانساني السابق أو القائم ، فإن الفلسفة ليست مستقلة عن الثقافة ، وهل يمكن أن نتصور إنفعالا عقليا ينتج معرفة إلا في إطار ثقافي موضوعي ، فكيف نتصور إذن نقدا لهذا الإنفعال إلا في ظل وجودها ، فالفلسفة إذن معرفة وضعية بالضرورة ، وسنعود لهذا لاحقا بالتفصيل لكن بقدر ما يسمح به كوننا هنا نصوغ مدخلا.
كانت الفلسفة في بدايتها وعاء عام للمعرفة بمختلف مناحيها إلى أن بدأت العلوم تنفصل عنها تباعا مستقلة بقوانينها ونظرياتها ومناهجها ، فما هو مدى هذا الانفصال وما حدوده؟
إن الأكيد أن دائرة المعارف المبحوثة فلسفيا فقط تضيق باتساع دائرة المعارف الإنسانية التي تبحثها وتدرسها العلوم ، هذا أنتج خلافا جذريا حول أهمية الفلسفة نفسها مع تقدم العلوم واتساع دوائر نورها المعرفي ، فنجد كارل ماركس يقول : حتى الآن اقتصرت الفلسفة على تأويل العالم ولكن المسألة هي في تحويله
بمعنى آخر إذا كانت غاية الفلسفة هي ذاتها غاية العلم وهي البحث عن الحقيقة فالمفروض أن نعول على العلم لأنه هو الذي أثبت فعاليته في هذا المضمار، دفع هذا ماركس نفسه وزميله فردريك انجلز إلى تصنيف فلسفتيهما المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية كعمل عملي ، أي جعلا من فلسفتهما عملية عَلمنة للفلسفة إن جاز التعبير أي جعلها عملا علميا.
إلا أن العلم يظل يبحث في الجزئي (MICRO) واتجاه البحث العلمي بشكل عام يتجه دوما نحو مزيد من الحصر لظواهر الدراسة أي لتجزيء ما جزّأه أصلا ، فلا يتسنى له تحقيق النتائج إلا بهذا التعميق والتفصيل للبحث أكثر وأكثر ، وهكذا فإن الكلي (THE MACRO) يصير تراكمات معرفيه ضخمة وغير منظمة من انتاج العلوم ، كيف إذن تترابط منجزات العلوم معا ؟
لا يتسنى للفلسفة أن تحقق معانيها وترسم معالمها إلا برسم التصور العام الذي تتموضع داخله الأجزاء وتنسجم ، إن الفلسفة هنا إذن : تنظيم المعارف الإنسانية وإكتشاف حركتها ونظامها ، بهذا فإن المعرفة العلمية نفسها هي موضوع للفلسفة وهكذا فإن أدوات العلم موضوع بحث بذاته من مواضيع الفلسفة وهذا يدخل في أقانيم البحث الفلسفي في إطار ما يسمى علم القيم (AXIOLOGY) وعلم المنهج (METHODOLOGY) وعلم المعرفة (EPISTIMOLOGY) التي يفتقر إليها العلم.
إن كان بإمكان العلم أن يبحث في نتائج العمل فإن الفلسفة تبحث أيضا في غاياته وقيمه ، علم المعرفة في ذاته يمثل فلسفة للعلوم ، فالعلوم مستقلة عن بعضها بل والمباحث المتفرعة داخل العلم الواحد كذلك واتجاه العلم كله نحو المزيد من التفكك بين المباحث وهذا كله يجعل العلم ونتاجه معا يبدو مفككا وغير مفهوم كيف يتحرك وكيف يتداخل نتاجه وكيف يعمل معا لخدمة وتطوير الانسان ؟ فلسفة العلوم هنا هي المسؤولة عن تقيم هذا الكل وانسجامه إنها تجعل الباحث أكثر وعيا بطبيعة العمل الذي يؤديه ودوره ومكانته منسجما مع فلسفة العلوم بعامة ، وهي التي ترسم حدود المنهج وتحدد نوع وتوجه البحث العلمي واهدافه النهائية.
كما تهتم الفلسفة ببحث الميتافيزيقيا أو الماورائيات ، فتحاول الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بطبيعة المادة والحياة والفكر وعلاقة الروح بالجسد والكائن والموجود ........الخ
إن الإنسان موجود ، بالتالي الفلسفة هي محاولته لفهم منظم لهذا الوجود.
(يتبع)
#عمر_أبو_رصاع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نحن نعلق الجرس: من لبنان إلى العراق تفكيك الوطن
-
المقاومة و مبادئ حقوق الانسان
-
هل الجماعات بريئة من دمائنا؟
-
بيان إهدار دم والرد عليه
-
عبقرية طه حسين (11) من يرفع شعار التكنولوجيا أيضا كالماء وال
...
-
عبقرية طه حسين (10) هل يخرج من محبسي أبي العلاء؟
-
موضوع الرسالة: عبقرية طه حسين (9) خروجه من الجبة والقفطان
-
عبقرية طه حسين (8) أول من منحته الجامعة درجة الدكتوراة
-
عبقرية طه حسين (7) كيف أصابت الثورة طه حسين
-
عبقرية طه حسين (6) سقوطه في العالمية وانحيازه للجامعة
-
عبقرية طه حسين (5) ثورة طه حسين على الأزهر
-
عبقرية طه حسين (4) طه حسين طالب الأزهر
-
عبقرية طه حسين (3) وحيدا مهملا بلا أنيس أو خليل
-
عبقرية طه حسين (2) الألفية وما أدراك ما الألفية
-
عبقرية طه حسين (1) لماذا يهاجمون طه حسين؟
-
مبدعٌ متبعٌ معاً
-
فلسطين إلى أين؟
-
مصر والنهضة
-
حمدي قنديل ضيفا
-
يسقط فقه الذكرية
المزيد.....
-
إسرائيل تُعلن تأخير الإفراج عن فلسطينيين مسجونين لديها بسبب
...
-
الخط الزمني للملاحقات الأمنية بحق المبادرة المصرية للحقوق ال
...
-
الخارجية الروسية: مولدوفا تستخدم الطاقة سلاحا ضد بريدنيستروف
...
-
الإفراج عن الأسير الإسرائيلي غادي موزيس وتسليمه للصليب الأحم
...
-
الأسيرة الإسرائيلية المفرج عنها أغام بيرغر تلتقي والديها
-
-حماس- لإسرائيل: أعطونا آليات لرفع الأنقاض حتى نعطيكم رفات م
...
-
-الدوما- الروسي: بحث اغتيال بوتين جريمة بحد ذاته
-
ترامب يصدر أمرا تنفيذيا يستهدف الأجانب والطلاب الذين احتجوا
...
-
خبير: حرب الغرب ضد روسيا فشلت وخلّفت حتى الآن مليون قتيل في
...
-
الملك السعودي وولي عهده يهنئان الشرع بمناسبة تنصيبه رئيسا لس
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|