|
مراسلات تل العمارنة مزورة (4)
محمد مبروك أبو زيد
كاتب وباحث
(Mohamed Mabrouk Abozaid)
الحوار المتمدن-العدد: 7621 - 2023 / 5 / 24 - 23:51
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
قرائي الأعزاء ، أحدثكم اليوم عن " الفن في تزوير الآثار " فنحن نعرف مسبقاً أن " الفن " يكون عادة في الرسم والنحت والتصاميم المعمارية وغيرها من ألوان الموسيقى والأشعار .. لكننا اليوم سنتعرض لفنٍ جديد على فننٍ جديد في شجرة التزوير التاريخي العالمية ، ألا وهو تزوير الآثار؛ وتزوير الآثار ليس بسذاجة من يقوم بنحت قطعة فنية ودفنها في الرمال فترة لتبدو شبه عتيقة بالية، فيظن الناظر إليها وكأنها أثر .. لا ، ليس هذا سوى عملية ساذجة يلجأ إليها لصوص الآثار عادة لخداع تجار وجامعي التحف والإنتيكات ، إنما نحن نتحدث عن تزوير الآثار الذي ينطلي على عقول علماء الآثار إلى درجة تجعلهم على يقين من أن هذه القطعة أو تلك هي أثر حقيقي وأصلي 100% .. إذن هو ليس تزوير مادي ساذج، بل تزوير معنوي خفي، وببساطة أن يتم نقل قطعة أثرية من مكانها وغرسها خلسة في مكان آخر بطريقة لا تثير الشك لدى العلماء والمستكشفين ، والطريقة الثانية؛ أن تقوم بدبج ترجمة تأويلية للأثر بعيداً عن الترجمة الحرفية، على اعتبار أن تأويل الأثر هو ما يفتح المجال لفهم الظروف الاجتماعية والسياسية المصاحبة له .. لكن الأمر ليس بهذه البساطة ، فهناك مراحل تمهيدية تسبقها، قد تمتد إلى ضرورة تزوير وعي الشعب بالكامل وعلى مدار آلاف السنين كتمهيد لاعتناق الترجمة المزورة ، بل وتقديسها دينياً !
ولأجل تمرير كل هذه الخدع، نجد المستشرقين خلال عمليات الترجمة في مراسلات تل العمارنة، قد عكسوا اتجاه القراءة واتجاه الترجمة واتجاه العبارة وسياقها السياسي وجغرافيتها كذلك حقبتها الزمنية وجنسيتها، فبدلاً من أن تكون الرسالة صادرة من حاكم قرية " مصر" معين باليمن جعلوها قادمة إلى ملك دولة مصر وادي النيل !.. ونكتشف ذلك بمساعدة الصديق الأستاذ حامد معارج في قراءة عينة من المراسلات المكتشفة في تل العمارنة سيتأكد لنا أنها بابلية عربية جنوبية وليست قبطية بأي حال، وليس لها أي صلة ببلاد وادي النيل، وهذه الرسالة على ما يعتقد تحمل الرمزEA 9 اطلع عليها في المواقع متحف برلين ، فيقول أن المستشرقين ربما اعتمدوا على هذا في تسمية مُزر أو مُصري الواردة في عبارة (a.na ni-ip-hu-ur-ri-ri-ia Lugal kur mi-is-ri-i ,,h ) والتي ترجمها علماء الآثار المستشرقين بمعنى " إلى إخناتون ملك مصر".!
يرى الأستاذ حامد أن ذلك خطأ فادح في الترجمة، لأن الترجمة الصحيحة تكون" أنا أمير مقاطعة مُصري " وأن هذه الرسالة من المحتمل أنها مرفوعة من مقاطعة بابلية إلى الملك البابلي. والبادئة الأولى ( آ-نا a.ana) بالأكادية هي ضمير المتكلم " أنا "، وتلفظ في مناطق أخرى الأكادية بـ ( آني - ( a.ni ، وهو ذات ضمير المتكلم الذي لاحظناه في رسائل عبيدي هيبا السابقة إن تفضل القارئ بالعودة إليها.
فالرسائل عادة ما تبدأ بتعريف الراسل بنفسه للمرسل إليه، وهكذا تبدأ الرسالة بتعريف الراسل وليس المرسل إليه، كما جاء في رسالة النبي محمد (ص) إلى المقوقس عظيم القبط، بدأت بـ:" من محمد ابن عبد الله إلى المقوقس عظيم القبط ..."
ورسالة النبي محمد إلى كسري ملك الفرس جاءت بذات الديباجة المتعارف عليها في العالم في عصرها، بنصها:" من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى..."،
وكما جاء في رسالة عبيدي هيبا السابقة رقم EA 286، يقول مطلعها: "رسالة خادمك عبدي هيبا...".
وما جاء في رسالة داريوس إلى الإسكندر الأكبر، قال فيها " من داريوس ملك الملوك وسائر أمم الأرض إلى الإسكندر المكدوني..." (المصدر: المؤرخ اليهودي يوسيفوس: الفصل الأول ص 20 ) .. وأجاب الإسكندر على رسالة داريوس بقوله:" من المتملك من الله عبد الله الإسكندر ملك اليونانيين إلى داريوس المستعلي المتشامخ ترفعاً وكبراً.." (يوسيفوس: الفصل الأول ص 25)
وكذلك ما جاء في نقش Eduard Glaser النص المعيني الذي يحمل رقمG11155 ويبدأ بعبارة " أنا عمصدق.. حاكم مصر ومعن مصرن ..." هذا بشأن ضمير المتكلم أو العبارة الافتتاحية للرسالة ،
أما عن الكلمة الثانية " ni-ip-hu-ur-ri-ri-ia" فهي اسم الراسل نفسه وينطق بالعربية (نبو رياش) وهو أحد الأمراء الخاضعين لسلطة زعيم بابل، ومعروف أن كلمة نبو متلازمة لفظية يمنية ذات نكهة سريانية، وكلمة رياش تعني الريش، ونابو رياش أو نبو رياش أو ذو الرياش هو لقب أخذه الملوك زعماء العشائر اليمنية في صراعاتهم حيث كانوا يضعون ريش على رؤوسهم لتميزهم بالبطولة في الحروب القبلية وأعمال الصعلقة، وبعضهم كان يضع جناح نسر على كتفيه فيلقب بـ ذو الجناح، وبعضهم كان يضع قرني خروف على جبهته فيلقب بـ ذي القرنين وهكذا تسير حياتهم في تلك الأدغال الجبلية ..
أما الكلمة التالية: " كور" ( kur) بالأكادية تعني نفسها بالعربية كورة وجمعها كور، أي مقاطعات ولا تعني أرض أو بلد كبير، بمعنى دولة أو إمبراطورية عظمى مثل إمبراطورية وادي النيل. وكلمة "لوكال " Lugal في اللغة الأكادية تعني أمير أو والي أو قيل .. زعيم عشيرة، ولا تعني أبداً ملك حاكم إمبراطورية عظمى مثل الصين والهند وإيجبت ادي النيل..
فكيف ترجموا a.na)) بمعنى حرف جر ( إلى) ؟! وزعموا أن الرسالة تبدأ بعبارة ( إلى نفخوريا ملك مصر)! وهل يمكن أن يكون " نابورياش ni-ip-hu-ur-ri-ri-ia" هذا هو الملك إخناتون كما يقول المستشرقون؟! وهل أن هذا الاسم موجود في الهجائية الهيروغليفية؟! فهذا الاسم ليس من الأسماء الشخصية التي كانت معروفة في إيجبت مثل رعمسيس وأحمس وسقنن رع ؟، ويمكن لأي باحث عن الحقيقة أن يبحث عنه في المعاجم. فيكون معنى الرسالة " آني نابورياش حاكم مقاطعة مُصري " .
وما يؤكد ذلك أن كل كلمة مُزر أو مُصر أو مُصري وردت في ألواح بابلية وبلغة بابلية وحروف بابلية وبلهجة بابلية مضموم آخرها أو أولها، وعبارة " لوكال كور مُصر" تعني أمير مقاطعة مُصر؛ أي (عزيز مصر) التي وردت في القرآن. حيث أن لفظة " لوكال " تعني عزيز أو كبير أو والي أو أمير ولا تعني ملك، والرسائل باللغة الأكادية وجوابها كذلك باللغة الأكادية، فلا علاقة لبلاد إيجيبت أو الاسم السابق كميت وإيجبت أو إقبط. وخصيصاً الأمير استخدم ضمير المتكلم " آني " الذي يساوي في العربية الفصحى الضمير "أنا " وإن كانت بعض القبائل تنطقه " آني " ، وهذا ما يؤكد جنسية هذا الحاكم. .. وعلى هذا الطرح يكون معنى الرسالة بادئاً بعبارة : أنا نبورياش أمير مقاطعة مُصري" فهل من المنطق أن تكون هذه الرسالة صادرة من إيجبت بهذه الصياغة ؟! فمنذ متى كان نابورياش حاكماً على إيجبت ؟!
ووفقاً للطرح الثاني (ألترجة الخاطئة المعتمدة من علماء الآثار ( إلى نفخوريا ملك مصر) فباقي عبارات الرسالة تقول بوضوح أن الراسل بابلي الهجة واللغة ، فهل يكون ملك إيجبت مثل إخناتون قد وضع حاكماً بابلياً على إحدى مستعمرات له ؟!
فلا غرابة أن يأتي علماء الآثار الصهاينة بترجمة مطلع الرسالة " a.na ni-ip-hu-ur-ri-ri-ia Lugal kur mi-is-ri-i ,," لتأتي الترجمة:" إلى نفخوريا (امنحوتب الرابع)، ملك مصر"... والمفترض أن نفخوريا هذا هو إخناتون، أو الملك الجبتي لبلاد وادي النيل، طالما الرسالة موجودة في بلاد وادي النيل ! وكل الفوارق المنطقية تذوب على اعتبار أن البابليين لا يستطيعون نطق كلمة إخناتون أو امنحتب الرابع سوى بـ" نفخوريا " ! ... بينما الترجمة الصحيحة " آنا نابورياش حاكم إمارة مُصري " ، وهناك رسالة أخرى تذكر الاسم بصيغة:" بر برياش " وهذا ما يعني بجلاء أن هذه القطه الأثرية والمعروفة عالمياً بـ " مراسلات تل العمارنة " هي منقولة خلسة من الموقع الذي كان يعيش فيه شخص اسمه " نبورياش " .. و " بر برياش " .. وهنا فقط نترك الميكرفون للإخوة الباحثين اليمنيين ....
ونرى أنه من الضروري إعادة استقراء تاريخ العالم بالكامل من خلال متخصصين محليين وطنيين مخلصين للعلم لا لأوطانهم وقومياتهم أو أيديولوجياتٍ أخرى، لا أن يتم العبث بوعينا وتاريخنا وثقافتنا وحاضرنا ومستقبلنا ونصير ألعوبة في يد الموساد مرة وفي يد جده كعب الأحبار مرة..
يُتبع ... (قراءة في كتابنا : مصر الأخرى – التبادل الحضاري بين مصر وإيجبت ) (رابط الكتاب على نيل وفرات): https://tinyurl.com/25juux8h (رابط الكتاب على أمازون) : https://cutt.us/sxMIp ( رابط الكتاب على جوجل بلاي ): https://cutt.us/KFw7C #مصر_الأخرى_في_اليمن): https://cutt.us/YZbAA #ثورة_التصحيح_الكبرى_للتاريخ_الإنساني
#محمد_مبروك_أبو_زيد (هاشتاغ)
Mohamed_Mabrouk_Abozaid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مراسلات تل العمارنة مزورة (3)
-
مراسلات تل العمارنة مزورة (2)
-
مراسلات تل العمارنة مزورة (1)
-
التبادل التاريخي بين مصر وإيجبت (6)
-
التبادل التاريخي بين مصر وإيجبت (5)
-
التبادل التاريخي بين مصر وإيجبت (4)
-
التبادل التاريخي بين مصر وإيجبت (3)
-
التبادل التاريخي بين مصر وإيجبت (2)
-
التبادل التاريخي بين مصر وإيجبت (1)
-
الجد الأكبر - جبتو مصرايم – هيروغلي.عبراني (8)
-
الجد الأكبر - جبتو مصرايم - هيروغلي.عبراني (7)
-
الجد الأكبر - جبتو مصرايم - هيروغلي.عبراني (6)
-
الجد الأكبر - جبتو مصرايم - هيروغلي.عبراني (5)
-
الجد الأكبر - جبتو مصرايم – هيروغلي.عبراني (4)
-
الجد الأكبر - جبتو مصرايم - هيروغلي عبراني (3)
-
الجد الأكبر - جبتو مصرايم – هيروغلي.عبراني (2)
-
الجد الأكبر - جبتو مصرايم - هيروغلي عبراني (1)
-
رحلة الغزو الثقافي اليهودي لشعوب الشرق الأوسط (8)
-
رحلة الغزو الثقافي اليهودي لشعوب الشرق الأوسط (7)
-
رحلة الغزو الثقافي اليهودي لشعوب الشرق الأوسط بتزوير الكتاب
...
المزيد.....
-
شهقات.. تسجيل آخر محادثة قبل لحظات من اصطدام طائرة الركاب با
...
-
متسلق جبال يستكشف -جزيرة الكنز- في السعودية من منظور فريد من
...
-
المهاتما غاندي: قصة الرجل الذي قال -إن العين بالعين لن تؤدي
...
-
الهند وكارثة الغطس المقدس: 30 قتيلا على الأقل في دافع في مهر
...
-
اتصالات اللحظات الأخيرة تكشف مكمن الخطأ في حادث اصطدام مروحي
...
-
وزير الدفاع الإسرائيلي يشكر نظيره الأمريكي على رفع الحظر عن
...
-
-روستيخ- الروسية تطلق جهازا محمولا للتنفس الاصطناعي
-
الملك الذي فقد رأسه: -أنتم جلادون ولستم قضاة-!
-
زلزال بقوة 5.8 درجة يضرب ألاسكا
-
سماعات الواقع الافتراضي في مترو الأنفاق تفتح أفقا جديدا في ع
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|