|
ثلاث استراتيجيات باباوية لاعادة احياء المسيحية
ايمانويل والرشتاين
الحوار المتمدن-العدد: 1717 - 2006 / 10 / 28 - 09:49
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الاسبوع الماضي، القى البابا بنديكت السادس عشر خطابا في الجامعة العتيقة، ريجينسبرج، بالمانيا. في خطبته، ضمن البابا قسما مختصرا نقل فيه قولا على لسان امبراطورا بيزنطيا خامل الذكر من القرن الرابع عشر الميلادي، جاء به تحليلا معاديا للاسلام. هذا القسم القصير من الخطبة استقبل استقبالا سلبيا جدا في العالم الاسلامي وأدى الى اعمال شغب اضافة الى اشكال ادانة متعددة. اعتذر البابا، اربعة مرات حتى الان، ولكن طريقة الاعتذار سببت فقط الكثير والكثير من الانزعاج على عكس المتوقع. وقد توقف اعتذار البابا قريبا من القول بأن التقييم الذي ورد كان خاطئا بشكل جوهري. ومنذ هذه الازمة الدبلوماسية الخاطفة، تجادل المحللون في العالم حول الكيفية التي يقع بها شخص على هذه الدرجة من الالمعية والثقافة في مثل هذا "الخطأ". ربما لم يكن ذلك خطأ، وكان امرا مقصودا.
فكروا بطبيعة الكنيسة الكاثوليكية الرومانية. قامت هذه الكنيسة لمدة تقترب من ٢٠٠٠ عام. انها كنيسة تؤمن انها تحيط بالحقيقة – حقيقة الرب وحقيقة الدور الضروري للكنيسة في سعيها من اجل تحقيق غايات الرب. انها تؤمن ان دورها هو تحويل العالم كله للايمان بالمسيحية وان تصل الى عالم يمارس فيه كل شخص دون استثناء المعتقدات الكاثوليكية الرومانية.
الان فكروا بتاريخها كمؤسسة. في البداية، كانت كنيسة في حالة توسع بمنظور الاعداد التي تدخل في العقيدة. وكانت تنتشر بشكل ثابت، اوليا عبر اوروبا واجزاء من الشرق الاوسط، لمدة حوالي الف سنة. ثم واجهت اول انقسام له وزنه عدديا في القرن الحادي عشر، وكان انقسام الكنائس الارثوذكسية الشرقية. كنتيجة لذلك انحصرت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية في غرب ووسط اوروبا بشكل واسع. في القرن السادس عشر، واجهت هذه الكنيسة الاصلاح البروتستانتي، والذي ادى الى خسارة معظم شمال اوروبا. ومن القرن الثامن عشر حتى الان، بدأت الكنيسة خسارتها للكاثوليك الذين يمارسون العبادة فيما كانت تراه الكنيسة كسرطان العلمانية والتفكير الحر في اوروبا.
في الفترة التي اعقبت ١٩٤٥، اعداد الكاثوليك الذين هجروا ممارسة الشعائر الدينية في العالم الاوروبي انخفض بشكل درامي بسبب انتشار القيم العلمانية. في البلدان التي تتشكل اغلبية سكانها من الكاثوليك اسميا – ايطاليا واسبانيا وفرنسا وبلجيكا والنمسا وايرلندا وكويبك –لم تنخفض فقط اعداد الكاثوليك الذين هجروا التردد على دور العبادة ولكن انخفضت ايضا بشكل درامي اعداد من يرغبون الانخراط في سلك الرهبنة. وكان ذلك صحيحا ايضا ولكن بدرجة اقل في امريكا اللاتينية الكاثوليكية بشكل واسع، حيث بدأت الكنيسة الكاثوليكية تخسر بعض المواقع لصالح البروتستانتية الانجليكانية. ومع ذلك عموما، في جنوب الكوكب، كانت عضوية الكنيسة تتسع، بسبب عوامل مجتمعة من معدلات المواليد المرتفعة هناك اكثر مما هي عليه في اوروبا والجاذبية الاقل للافكار العلمانية. من هنا، لم تعد الكنيسة اوروبية بشكل اولي؛ كانت تتحول نتيجة لاتساع عضويتها من شعوب جنوب الكوكب.
لم تكن مشكلة الكنيسة هي انها تخسر اراض امام الاديان الاخرى. لم يحدث تحول الكاثوليك الى الاسلام او اليهودية او البوذية. كما لم يتحول المسلمون او اليهود او البوذيون الى العالم المسيحي. كان السؤال المطروح على الكنيسة منذ ١٩٤٥ كيف تتفاعل هي مع هذا الانحراف التنظيمي الجماعي. قامت ثلاث استراتيجيات باباوية مختلفة لقلب موقف الكنيسة الكاثوليكية – تلك هي استراتيجيات البابا جون الثالث والعشرين، والبابا جون بول الثاني، وبنديكت السادس عشر.
دعا البابا جون الثالث والعشرون الى “الاجيورنامنتو” للكنيسة، اي “تحديث الكنيسة لتساير العصر”. مجلس ممثلي الكنائس المختلفة الذي دعا البابا الى عقده، الفاتيكان الثاني، صنع العديد من التغييرات في ممارسة الكنيسة: رؤية اكثر مرونة للخلاص من الخطيئة خارج الكنيسة، استخدام اقل للغة اللاتينية في الصلوات العامة داخل الكنيسة، دور اكبر للقساوسة في الكهنوت . تلك التغييرات على ما يبدو استهدفت اوليا التعامل الايجابي مع الانتقادات الصريحة والقاطعة الموجهة للكاثوليك في العالم الاوروبي، الذي اراد من الكنيسة الا تكون خارج سياق القيم الغربية المعاصرة. تزامن مؤتمر الفاتيكان الثاني مع بزوغ ما يعرف بلاهوت التحرير داخل الكنيسة خصوصا في امريكا اللاتينية. كانت اهدافه على ما يبدو هو الوقوف في وجه الرأى القائل بأن الكنيسة باتت منحازة لصف الاراء السياسية للمحافظين المتطرفين.
ظهرت انتقادات كثيرة من داخل الكنيسة بأن تلك الاصلاحات قد “سارت لأبعد من اللازم”. اعاد البابا جون بول الثاني التشديد على القيم الكاثوليكية التقليدية فيما يخص الحياة الجنسية، ودور المرأة في الكنيسة، وخضوع وتبعية القساوسة للبابا. هاجم البابا جون بول الثاني لاهوت التحرير، واستبدل القساوسة الاصلاحيين بآخرين غيرهم اكثر تقليدية عبر اوروبا كلها. ركزت استراتيجيته لاعادة احياء الكنيسة على ما يبدو على الطاقات الكامنة لصالح الكنيسة في جنوب الكوكب. لهذا السبب، اهتم البابا اهتماما غير عادي بالدخول في حوار مع الاديان الاخرى. احد النتائج التي كان ولابد انه يفكر بها، هي اتاحة وزيادة فرص الوصول الى الكنيسة في المناطق الغير اوروبية.
يمتلك بنيديكت السادس عشر بوضوح رؤية ثالثة. فهو يتفق مع جون بول الثاني في شد لجام اتجاه مسايرة الكنيسة للعصر (الادجيورنامنتو). ولكنه لا يتفق معه في ان مستقبل الكنيسة يعتمد على الحوار ما بين الاديان. تركز استراتيجيته على اعادة حيازة الكنيسة للقواعد التقليدية للكنيسة – جذورها الاوروبية. الخطاب الذي القاه في ريجنسبرج هو بشكل جوهري هجوم على العلمانية الاوروبية، وحجة ملحة لاعادة احياء المذهب والممارسة الكاثوليكية بخطابها الكامل في اوروبا.
وهذا يتناسب تماما مع نقده السابق لدخول تركيا المحتمل الى الاتحاد الاوروبي، واصراره الفاشل على ان الدستور المقترح للاتحاد الاوروبي يجب ان يتضمن اشارة صريحة واضحة للدور المحوري للمسيحية في اوروبا. من مثل هذا المنظور، استخدام عبارات معادية للاسلام لامبراطور بيزنطي يتناسب تماما مع السياق. ويمكن النظر اليه كنمط لتجييش اوروبا ضد عدو، ومن هنا يشجع كل الاوروبيين على تأكيد جذورهم المسيحية. ويبدو ان البابا على استعداد للمخاطرة استثارة غضب اسلامي من اجل وضع اساس متين لقاعدة اوروبية.
ثلاث استراتيجيات – اجيورنامنتو، العمل خارج حدود اوروبا في جنوب الكوكب في تواطؤ مع الكنائس والاديان الاخرى، تشييد قاعدة اوروبية قائمة على القواعد الكاثوليكية التقليدية. أيهم، ان لم يكن ولا واحدة منهم، سوف تكون مثمرة في القرن الآتي؟
"حقوق النشر لايمانويل والرشتاين. كل الحقوق محفوظة. يمنح الاذن بالانزال واعادة التوجيه الالكتروني والارسال بالبريد الالكتروني وبالنشر على مواقع الانترنت للهيئات غير التجارية، بشرط ان تبقى الدراسة من غير تعديل وان تظهر ملحوظة حقوق الملكية. لترجمة هذا النص ونشره مطبوعا و/او بغير ذلك من الاشكال، بما فيها على مواقع الانترنت التجارية والاقتباسات، يرجى الاتصال بالمؤلف على [email protected] فاكس:” 1-203-432-6976 هذه التعليقات التي تنشر مرتين شهريا، ترمي الى ان تكون انعكاسا لمشهد العالم المعاصر، كما يُرى من منظور بعيد المدى وليس متابعة للعناوين الصحافية الآنية
التعليق رقم ١٩٤، ١ اكتوبر ٢٠٠٦. ZNet - كفاية زي نت العربية
#ايمانويل_والرشتاين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما هو الاختلاف الذي سوف يصنعه كونجرس ديموقراطي؟
-
الزاباتا: المرحلة الثانية
-
كانكون: انهيار الهجوم النيو ليبرالي
-
البرازيل والنظام العالمي: عصر لولا
المزيد.....
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|