|
سيميائية العنوان في ديوان الشاعر -كمال الشاطي- (صخب الصمت)
حسين عجيل الساعدي
الحوار المتمدن-العدد: 7619 - 2023 / 5 / 22 - 04:49
المحور:
الادب والفن
سيميائية العنوان في ديوان الشاعر "كمال الشاطي" (صخب الصمت)
يقول الناقد الفرنسي "ميشال هاوسر":(قبل النص هناك العنوان، وبعد النص يبقى العنوان). فهو يعد مفتاحاً إجرائياً ومدخلاً أساسياً لأي نص، بل نواة دلالية ولغوية أولى له، لأنه يشكل لحظة تكوين الوعي لدى المتلقي، وعلى هذا الأساس شكل إشكالية حداثوية لدى القارئ في الكشف عن البعد الدلالي والرمزي للنص، وتفكيك شفراته، فهو (إشارة مختزلة ذات بعد إشاري سيميائي... يؤسس لفضاء نصي واسع، قد يفجر ما كان هاجعاً أو ساكناً في وعي المتلقي أو لاوعيه من حمولة ثقافية أو فكرية يبدأ المتلقي معها فوراً عملية التأويل)، "بسام قطوس، سيمياء العنوان، ص36". لقد كان للعنوان حضوره الواسع في الدراسات والبحوث السيميائية، وهذه الدراسات لا تبحث عن دلالة العنوان فحسب بل عن طرق تشكيله، وتحليله من منظور سيميائي، وهذا شائع في القراءات النقدية الحديثة، فهو عند "رولان بارث" (نظام دلالي سيميولوجي) وقد عرفه "ليوهوك" في كتابه (سمة العنوان) بأنه (مجموعة من العلاقات اللسانية التي يمكن أن ترسم على نص ما، من أجل أن تشير إلى المحتوى العام، وأيضا من أجل جذب القارئ )، "عبد الفتاح الجحمري، عتبات النص/البنية والدلالة، ص70". ومن خلال هذه الرؤية تتأكد دلالة العنوان في المجموعة الشعرية للشاعر "كمال الشاطي" (صخب الصمت)، كونه شكل (نصاً موازياً ) لا يقل أهمية عن المكونات النصية الأخرى، بل هو سلطة النص، فلغتة غرائبية بتنافرها وانزياحها مما يحفز المتلقي الى فهم ماهيته. وعليه لا يمكن لأي قارئ أن يلج عوالم النص وأستنطاقه، وتفكيك بُنيته التركيبية والدلاليـة، دون أمتلاك المفتاح الأولي وهو (العنوان)، الذي يرافق المتلقي كنص موازي، لان البنية الدلالية له، فتحت مجال التأويل أمام المتلقي وسمحت بتعدد القراءات له. وهذه التعددية عائدة الى الشاعر حين لجأ الى الأسلوب السريالي الذي يقفز على الواقع في وضع العنوان. إذاً العنوان (إبداع لغوي، يتواصل من خلاله القارئ مع النص فبالإضافة إلى تحديده لهوية النص ووصف خصائصه الشكلية والموضوعاتية، له مجموعة من الوظائف الأخرى التي يؤديها، والتي من بينها إغواء القارئ والتشويش عليه من خلال أحتمالات غير متوقعة بكسر أفق أنتظاره)، "جوزيف بيزا كامبروبي، وظائف العنوان، ص40". الإشارة الأولية لعنوان المجموعة الشعرية للشاعر "كمال الشاطي" تتشكل من مركب أضافي (صخب الصمت) يشير الى ضدية وتنافر أعطته صبغة شعرية، من خلال الخروج عن السائد الشعري المتناقض مع طبيعة الاشياء، وتأويل كلمتي العنوان (صخب الصمت) أو كما يطلق عليها "جون كوهين" (المنافرة) وأقامت التناقض الدلالي بين (الصخب) و(الصمت)، وهذا الطرح يتناسب مع ما يحدث في العالم من خلل فكري وإيديولوجي عندما يكون اللامعقول هو المعقول. العنوان (صخب الصمت) هو مجتزء من أحد نصوص المجموعة نظراً لما يتميز به من رمزية وكثافة لغوية، ذات دلالة مختزلة، ومعيار جمالي خارج عن المألوف في لغته الانزياحية، ويشير الى دلالات سيميائية كامنة في لا وعي المتأمل له، فلايمكن أن نرى ملامحه الكلية إلا بقراءة النص. فـ(صخب الصمت) ينبغي التوقف عند تركيبته اللغوية والنحوية من جهة والدلالية من جهة أخرى. فالبنية اللغوية والنحوية التي يتركب منها العنوان (الصَخِب:َ الضَجِيج النَاتِج عَنِ اخْتِلاَطِ الأَصْوَاتِ وَارْتِفَاعِهَا وَجَلَبَتِهَا)، "لابن منظور لسان العرب"، جاء جملة مجتزئة وهي (شبه جملة) دالة على (الثبوت والأستمرارية) ومكونة له، فهو يبدأ باسم نكرة (صخب)، وهو مضاف أي التكثيف الدلالي يقع عليه، ويعطيه أتساع في الدلالة لأن العلاقة بين العنوان والنص تمثل في (أتساع الرؤية وضيق العبارة)، فهناك علاقة بين الدال الأول الـ(صخب)، المضاف، وبين الدال الثاني (الصمت) المضاف إليه، وهذا يدل على أن المضاف هو المجهول (النكرة)، والمضاف اليه هو المعلوم (المعرفة)، وفي هذه الحالة أكتسب المضاف (النكرة) التعريف. إن حالة البدء بأسم نكرة ظاهرة لغوية مهيمنة على أكثر من عنوان في المجموعة الشعرية (خلف العيون/ أنت العيد/ مقاطع الحنين/ نافذة الذاكرة ...). وهذه ظاهرة شائعة في لسان العرب، (لأن الاسم إذا كان سمة شيء ما فانه إلى التنكير أقرب). فالنكرة أصل والمعرفة فرع، لأن النكرة لا تحتاج إلى قرينة للدلالة عليها، أما المعرفة فتحتاج إلى قرينة، يقول سيبويه في كتابه:(واعلم أن النكرة أخف عليهم من المعرفة وهي أشد تمكناً، لأن النكرة أول ثم يدخل عليها ما تعرف به، فمن ثم أكثر الكلام ينصرف الى النكرة)، "كتاب سيبويه الجزء الثالث". الجانب الآخر في العنوان هو الانزياح وثنائية التضاد أو التنافر الذي تضمنه والتي تشير الى أن (الصخب) لايمكن أن يكون صامتاً إلا في حال وجود مصدات له. وهذه الثنائية في تضادها تعطي تأويلاً يتعلق بالمفردة الثانية(الصمت) ليكون لهذا الصمت صخب. سواء كان الصخب صامتاً أو الصمت صاخباً، وعلى الرغم من إحالة المضاف (الصخب) الى المضاف اليه (الصمت) فهو يخفي لدى الشاعر بوحاً داخلياً ومقدار من الالم النفسي لا يسمعه ويعرفه إلا هو، فكان لـ(صخب الصمت) صرخة في سكون موحش، عبر عنه الشاعر في نصه المعنون (صخب الصمت): مخالبُ الوحشة تنهشُ النّورْ تُمزق جمال الزمكان سكونُ الوحدة سرابُ التمني يُدحرجُ الذّاكرة .. عبرّ شريط الوجوه، على أكفِّ القناديلِ المبتورة..
الشاعر "كمال الشاطي" يختط أسلوباً فلسفياً يتسم تارةً بالغموض وتارةً أخرى بالرمزية التي هي منجم ثري لكل شاعر، فهو يقرأ الصخب بغير لغه الأخر. أما القارئ يأخذ بلغة الدلالة التي يستنطقها بشيء من التحليل، فالصمت في الصخب يصنع هدوءاً داخلياً. والمرء بعض الأحيان يحتاج للصمت وليس للهدوء، أي يحتاج لوقار الصمت، فهو شطحة صوفية ذات عمق وجودي وأختزال فلسفي، وأستجابة لعقل وروح الإنسان.
(سيقان لاهثة) وسط صخب القلق تَحدَّثْ بهدوء .. ،،،،،، (اليوغا) لا صوتَ لي .. وسطَ الصخبِ كيف الوصولُ إليكَ ؟ ،،،،،،، (اليوغا) لتلتصقَ روحينا وَتتوضّآ بماء الصمت على دكّةِ القدر ،،،،،،،، (كأس) الكأسُ الممتلئةُ بالصمتِ صوتُهَا حقيقة في مسارح الأيام
قد يصعب على القارئ أستحضار المعاني في نصوص الشاعر "كمال الشاطي"، لأن ذلك يتطلب قراءة لمضامين ميثولوجية ولغوية وفلسفية، وهذه المفاهيم التي استند إليها في مجموعته تنبع من ثلاث مصادر شكلت مرجعية معرفية له، وهذه المصادر هي النفسية والفلسفية والميثولوجية الأسطورية. فأغلب نصوص المجموعة تتسم بدلالة رمزية متشظية الأبعاد متحركة ومتنوعة، تحمل في طياتها مفاتيح تفتح به مغاليق نصوصها. فهو يستحضر رموزه المتنوعة مع وجود دالة لاتخلو من جمالية ورؤية. (عشبة الخلُود) (مجنون ديستوفسكي) (مسخّ كافكا) (عمى يعقُوب) (صخرة سيزيف) (قوانين مندل وأينشتاينْ) (وتر قوس أوديسيوس) كذلك النص يمثل معادل موضوعي للشاعر "كمال الشاطي" نفسه، محملاً بصخب الحديث الداخلي للنفس، لأن الصورة الشعرية فيه تتمثل في البؤرة الدلالية الأكثر صخباً والتي تتجسد في الموقف من الواقع المزري الذي يعيشه. استطاع الشاعر بالرغم من تكثيف استخدام الدلالات الرمزية في النص الشعرية الذي يحتاج الى سعة اطلاع وثقافة عالية لدى القارىء للخروج من حالة الغموض التي تربكه عندما لا يستطيع الربط بين الدلالات والرموز وغالبا ما يلجأ اليها الشاعر لزيادة توضيح رؤية النص الشعري في ذهن المتلقي.
(ومضات) تجري الآن .. في مَسارحِ الأرضِ .. فوبيا القتلِ وَ التدميرِ على مرأى وَ مسمعِ السماءِ في ذاكرتي عصافيرٌ طارَتْ بلا أجنحة الجسدُ أوراقٌ محترقةٌ وَالروحُ مصباحٌ … في كل زمانٍ صعاليكٌ محترفونَ يتمردونَ على القوالبِ وَلا ينتظرون غودو ،،،،،،
الموتُ هو الحقيقةُ المُطلقةُ في هذه الحياةِ العراق الآن مثلثٌ فيه : مربع الحروب يساوي مربع الفتنة زائد مربع الجهل ،،،،،، رغم أنفِ الطغاةِ لي دمٌ أحرقتهُ الحروبُ وَروحٌ يعتصرها الوجعُ لكنني .. على العهدِ ما زلتُ أنثرُ الورودَ على الدروبِ ،،،،، (أين أنت) هولاكو على الأبوابِ حسامُهُ يقطّع هشاشةَ الأعناقِ وأمتي أرملة .. تستجدي متاهتها مذعنة للطغاة نيرون قادم بحرائقه فرانكنشتاين وَطِنَ بغداد قصعته الانفجاراتُ ومساربُ التفرقة إيه أيها التّأريخ كم أنت غشاش ؟ ،،،،،،،، سكارى نحن .. نترنح في الحاضرِ نصنع الموتَ ونزيّنُ التّوابيتَ بألوان الرّايات الكلّ يدهسنا بأقدامه وفراعيننا آلهة .. أين أنتَ يا محمد ؟
#حسين_عجيل_الساعدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العنونة وثنائية الضوء والظل قراءة في ديوان الشاعر -د.علي حسو
...
-
نص الجسد و لذة النص قراءة في نص الشاعر -فائز الحداد- (هيبتان
...
-
الأنا والآخر قراءة في نص الشاعرة التونسية -د. آمال صالح- (ال
...
-
وخزات اللاوعي) في شعر -جاسم ال حمد الجياشي-
-
الصورة الذهنية في ديوان الشاعر علاء الدين الحمداني (زغ
...
-
دراسة في نص الشاعر -جاسم آل حمد الجياشي- (أوهام موصدة / ومفا
...
-
فيافي الغربة
-
تجليات الاغتراب قراءة في نص الشاعر جاسم آل حمد الجياشي (تسوي
...
-
الشاعرة السومرية أنخيدوانا شكسبير الادب السومري
-
سيميائية العنوان في ديوان الشاعر -كمال الشاطي-
...
-
جدلية الألم و الحزن في الشعر العراقي المعاصر
-
ميتافيزيقيا الماء والتنوع الدلالي في ديوان الشاعر -رجب الشيخ
...
-
فنطازيا اللامعقول
-
(في انتظار غودو)*
-
التشكيل البصري في نصوص الشاعر جاسم آل حمد الجياشي ( سيميائية
...
-
الأغتراب قراءة في نص الشاعر قاسم سهم الربيعي (غربة الروح)
-
قراءة في نص الشاعر -علاء الدين الحمداني- ( ضفة الشيطان)
-
الدلالة الوجودية في نص الشاعر جواد الشلال(البياض)
-
ثنائية الطفولة والحرب قراءة في نص الشاعر يعقوب زامل راضي (طي
...
-
قصيدة اللحظة سيرورة الزمن الشعري قراءة في ديوان ((أقرب مما ي
...
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|