أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - فرانكشتاين















المزيد.....

فرانكشتاين


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 7612 - 2023 / 5 / 15 - 01:03
المحور: الادب والفن
    


بعد أن انتهيت من قراءة هذه الرواية، فرانكشتاين، للروائية ماري شيلي المولودة في العام 1797 أصبت بالذهول، خاصة أن هذه الفتاة لم تكن قد أكملت الثامنة عشرة من عمرها عندما انتهت من كتابة روايتها الأولى المذكورة أنفًا.
النص الروائي قصير جدًا، لا اعتقد أنه يتجاوز العشرة آلاف كلمة، لكن هذا النص، رائع وقيم في بساطته وفي قراءته، الغني جدًا بمضمونه:
" أكتشفت أنني أستطيع أن أبعث الحياة في مادة ميتة"
استطاع النص أن يدخل عالمنا المعاصر من الباب الواسع، يحلله، يفكك رموزه المعقدة بلغة سهلة، بقدرة الروائية على رؤية ما لم يراه الكثير في عصر الحداثة على الرغم من وجود كم هائل من الروائيين العباقرة في القرون القريبة من نشوءها، قرون المسرح والرواية والمبدعين والفلاسفة والكتاب والعباقرة
" كان العالم في نظري سرًا كبيرًا أردت أن أسبر أغواره"
من هنا يبدأ الشيطان كرمز للشر والسوء، يتحرك ويلعب في جمجمة الإنسان، الساعي لسبر أغوار هذا العالم، واكتشافه:
ـ هذا هو سر القلق الإنساني كله، رغبته في سبر سر هذا الكون الغامض الشبه مستحيل.
ويهتف فكتور فرانكشتاين:
ـ "وظلت الطبيعة مثار تساؤل وغموض لي. بحثت عن سر الحياة. في حقيقة الأمر أردت أن أصنع حياة" و" لقد نجحت إنها تعمل "
هنا، يقصد فكتور أنه صنع المسخ على الضفة الاخرى من الإنسان المعاصر.
بيد أن الحياة هي الحياة، ما فعله الإنسان المعاصر أنه وهب الحياة لموضوع، كائن أخر، خرج منه وخارج عنه.
لقد وهب الحياة لكائن مشوه، مسخ، بفرح وسرور، قال:
ـ "ولد وتشكل ".
وأضاف:
ـ " وعندئذ على بصيص الضوء الخافت، رأيت المسخ يفتح عينين صفراوين كسولتين، وخرج من فمه نفس، وتحركت ذراعاه وساقاه. لقد دبت فيه الحياة"
في الحداثة الرأسمالية، الذي أحالت الحياة إلى حطام:
ـ " بدأت أبكي في الحال تقريبًا، لم تكن دموع الفرح كما قد يخال لك. لقد بكيت بؤسًا وندمًا"
وصرخت:
ـ ما الذي فعلته؟! يا للكارثة!
بدأ المسخ، اللامنتمي الذي انتجته المخابر يدافع عن لا انتماءه، بدأ بقتل فكتور، خالقه، سيده، بدأ مشواره بزرع الرعب في البشرية كلها.
هذه الرواية نبوءة، إشارة إلى التحولات العميقة في عصرنا، عصر الحداثة والتنوير كموضوع، والانتقال إلى استخدام الذات، إخضاعها لتحسين الموضوع، فينقلب الموضوع على الذات ويحوله إلى مسخ.
الحداثة شوهت الإنسان بل حولته إلى تابع لها، أسيرها أو فاقد الفعالية أو الأهلية، إلى كائن مستلب عاجز، خادم أمين لمؤسساتها.
هذه الرواية العظيمة فيها إشارات إلى عصرنا، عصر الآلة الفتاكة التي فتكت وتفتك بالإنسان، وتحوله إلى لا كائن، إلى شيء منمط، إلى مجرد آلة في خدمة آلة، إلى نظام كامل متكامل، يلغي الإنسان ويعلي من شأن المسخ، ويحول النظام القائم برمته إلى مسخ.
ربما رواية، الساعة الخامسة والعشرون، تتناغم مع الرواية التي بين أيدينا، على الرغم من أن المسافة الزمنية بين الروايتين مئة عام، كلها إشارات مخيفة ومرعبة تشير إلى انتهاء عصر الإنسان والانتقال إلى عصر الآلة الاجتماعية التي ستلغي الزمن الاجتماعي الطبيعي.
اليوم حين نقتفي آثار الطريق الذي سارت عليه رواية فرانكشتاين، عندما نرصد ولادة بطل الرواية، المصنوع في المخبر، الكائن الجديد الذي سيلازم الإنسان الحياة المصنعة، الذات التي تحولت إلى جسر للموضوع.
إن المسخ، الكائن المشوه، خرج من لحم ودم الموتى في المخابر، تحول هذا الميت إلى كائن حي، البشع في الشكل والمضمون، القبيح المدرك لذاته القبيحة.
هذا المسخ لم يعد يقبل أن يبقى وحده، أنما اراد أن يرى الجميع مسخًا مثله، أن يتحركوا ويتنفسوا ويسيروا في الشارع كالخيال أو الوهم، أن يتحولوا إلى أشباهه.
وعلى بالرغم من أنه مشوه وقبيح، لكنه معتد بنفسه، لا يكتفي بذاته، لهذا كان يرغب بإطلاق أفكار غريبة تفوق في الغرابة غربة وجوده، أن يطلب من صانعه أن يصنع له مسخًا أخر، رفيقا له يبدد غربته وانفصاله عن نفسه وزمنه.
هذا المسخ أول فعل قام به هو قتل أخو فكتور، ثم حبيبته إليزابيت، ثم قتله.
هذا الشبح، الواقع الموضوعي الجديد، الذي نعيشه في عصرنا المشيء، سيبقى مستمرًا ونافذًا إلى أن ينهي وجود الإنسان ويحل محله.
خلال مسيرة الإنسان الطويلة استطاع أن يصنع أصنام كثيرة، يخضع لها، يصلي لها، بل يقدسها على الرغم من أنها مشوهة ولا تزال تشوهه، هذه الأصنام المصنوعة بيديه لا يزال يبجلها ويهابها ويحافظ عليها، لأنها تشعره بقيمته العدمية.
يقول فرانكشتاين:
" الشيء الوحيد الذي كان يهمني هو الاهتداء إلى اكتشاف عظيم"
هذه هي مشكلتنا، نصنع من أنفسنا غرباء عن أنفسنا، أصنام منّا وفينا أو خارجة عنّا لا مشكلة، أو من أعماقنا، مع هذه الغيرة ننفصل عن أنفسنا ونلتحم بالصنم أو الشبح، على جناحيه الوهمية نتغرب، نحلق في الخيال ونحول هذا الخيال إلى أشباح أو رموز، نجلهم ونعبدهم.
الأن نعلم أن الشبح الذي صنعناه، تحول تحولات هائلة، ذهب منّا ثم عاد إلينا مسلحًا بالخيال، بالآلة الذي تفتك بنا.
عندما ننطلق في عملنا من دوافع غريزية، إرضاء الذات المكسورة المهزومة من الداخل، من دوافع خبيثة:
" علمت أن المبادئ الاساسية تحوي الخيط الذي سيمكنني من بناء مجدي الشخصي، أجل أجل، أنا فكتور فرانشتاين سوف أكتشف حقيقة أعظم أسرار العالم، ما الذي يبعث الحياة في كائن ما"
لقد استطاع هذا الفكتور أن يعزز في نفسه العطش للجنون، لجنون العظمة، لجنون العبودية، لتأكيد عطشه الدائم لذاته، للاستعلاء، ليقول للأخرين أنظروا إلي، أنا مميز، أعلى منكم شانًا.
كل ما فعله الإنسان عبر التاريخ هو دق الباب أو قرع الجدار الفارغ، لتأبيد مخاوفه الوجودية، لهذا يهرب إلى الأمام، للتعويض عن الحرمان من الجنة المفقودة، من البدائية السعيدة أو الطفولة. وفي مسيرة الهروب تحول إلى مسخ أو عبد بدلًا من الوصول إلى السعادة القابعة في الذاكرة الأولى.
العبد النائم في أحضانك يدرك ذلك، يحثك ويصرخ فيك دائمًا، يقول لك، أنا لم أرتو بعد، ولن ارتوي، كل كنوز الدنيا لن تردم هزيمتي الداخلية، لأنني الخاسر في السباق حتى لو ربحته.
هذا الجنون عزز في الإنسان عبوديته، عزز الأنا المريضة في ذاته عبر خلق المزيد من الآلات.
يقول فكتور:
" كنت أمضي الساعات في القبور وسط الجثث أراقب كل مرحلة من مراحل التغير التي تمر بها الجثث، وأذهلني الفروق بين الحياة والموت، وكنت ألحظ كل فرق منها"
استطاعت الروائية ماري شيلي أن تصور لنا الحداثة بهذا الشكل، أن تحيا الجثة من الحياة وتقضي على الحياة.
أرادت أن تقول أن العلم ليس حياديًا، أنه معبأ بكتل ثقافية وله مواقع وحمولات وفلسفة، ويمكنه أن يقودنا إلى إعادة إنتاج أنفسنا بشكل مسخ بدلًا أن يوظف في خدمة القيم الإنسانية كالحب والعدالة والحرية،
تم تحويل العلم إلى كينونة، موضوع منفصل عنا، موضوع خارجي غريب عنا. أضحى هذا العلم في ظل الحداثة إلى قوة مستقلة عنا مشوهة لنا.
لهذا نتساءل:
هل الذكاء هو الفخ، هل العقل المجرد الذي استخدم العلم هو المصيدة التي بطشت بالإنسان أم بنية هذا الإنسان هي المنحرفة أم أن بنية الحضارة المنفصلة عن الطبيعة هي المنتجة لهذا النوع، لهذا الكائن المضطرب المأزوم؟



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة متأنية في رواية الرحيل إلى المجهول للكاتب آرام کرب ...
- الهيمنة
- البشموري
- والدي العاقر
- المثقف العضوي
- مشكلة سبينوزا
- الكبت في رواية عندما بكى نيتشه
- عندما بكى نيتشه
- الوعي المغيب
- نيتشه في رواية
- تدمر العسكري أقسى سجون العالم
- الأثير
- أدم وحواء
- أبق حيث الغناء ـ 20 ـ
- أبق حيث الغناء ـ 19 ـ
- أبق حيث الغناء 18
- أبق حيث الغناء 17
- أبق حيث الغناء 16
- أبق حيث الغناء 15
- أبق حيث الغناء 14


المزيد.....




- ح1 جزء ثاني صلاح الدين.. تردد قناة الفجر الجزائرية الناقلة ل ...
- لبنان-.. -أبو سليم- يسقط على المسرح أثناء تكريمه (فيديو)
- مارلون براندو: -وحش التمثيل- الذي رحل قبل عشرين عاماً
- -متحف البراءة-.. بوح باموق من الصفحات إلى أعين الزائرين
- ترددات قنوات الكرتون .. تردد قناة توم وجيري الجديد 2024 على ...
- اطلع على موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 165 مترجمة عبر ق ...
- أغنية مصرية للأطفال تحقق مليار مشاهدة (فيديو)
- أثارت جدلا.. ليلى عبد اللطيف تتوقع مصرع فنان وتورط ممثل عربي ...
- إنزو باتشي: حرب إسرائيل هي تطهير عرقي، ونعيش مرحلة تاريخية م ...
- الليبي سعد الفلاح يهزم البلجيكي ساجورا بالضربة الفنية القاضي ...


المزيد.....

- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - فرانكشتاين