أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - طاووسيةُ الموسيقارِ الجميلةُ














المزيد.....


طاووسيةُ الموسيقارِ الجميلةُ


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 7611 - 2023 / 5 / 14 - 11:27
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


للموسيقار "محمد عبد الوهاب"، الذي تحِلُّ ذكراه هذه الأيام، شخصيةٌ فريدةٌ، وتلك طبائعُ الأمور. فالفنانُ الاستثنائيُّ لابد أن يكون ذا طبيعة استثنائية لا تشبه بقية البشر.
اقرأوا معي هذه الكلمات، ثم خمّنوا مَن كاتبُها: "محمد عبد الوهاب فنانٌ عبقريّ، لو أنَّ اللهَ خلقَه في أيِّ عصر، أو أيّ مكانٍ، لكان مخلوقًا فَذًّا. يؤمنُ تمامًا بأن مكانَه الطبيعيّ بين صفوف الزعماء. استطاعَ بفضل فنّه أنْ يكتبَ اسمَه بحروفٍ كبيرة في التاريخ."
هذا الرأيُ، الصحيحُ قطعًا، في الموسيقار الكبير "محمد عبد الوهاب"، ليس من كلماتي مع إيماني الكامل بكل حرف فيها، ولا هي كلماتِ ناقدٍ موسيقيّ حصيف، وليس تعريفًا مكتوبًا في إحدى الموسوعات عن قامةٍ مصريةٍ رفيعة؛ إنما المدهشُ والعجيب، والطريف كذلك، أنَّ كاتبَ تلك الكلماتِ هو آخرُ شخصٍ في الكون يمكن أن نتوقّعه يكتبُها. إنه الموسيقار "محمد عبد الوهاب" نفسه! تصوروا الطرافة! وسبب كتابته تلك الكلمات هو أن مجلة "الكواكب" طلبت إليه عام ١٩٥٠، أن يكتب شهادةً فنية عن نفسه، فكتبَ ما سبق. ثم اقتطفت الدكتورة "رتيبة الحفني" تلك الشهادة لتُصدِّر بها كتابَها الجميل: "عبد الوهاب... حياتُه وفنُّه".
ولك الحقُّ، عزيزي القارئ، أن تندهش من أن يكتبَ إنسانٌ عن نفسه كلمات الإطراء تلك، وإن كانت صحيحة. وربما تضع تلك الشخصية في خانة "النرجسية والغرور". ولكن قبل أن تُصدر أحكامك، دعنا نُقرُّ بأن كلَّ مبدعٍ لابد أن يحملَ قدرًا من الاعتداد بالنفس والشعور بالفرادة والتميّز، خاصةً إن كان مبدعًا خارقًا في حجم "عبد الوهاب". والحقُّ أن ذلك الشعور بالتميز هو أحد محرّكات الإبداع والاستثنائية. ولهذا فالمدهشُ ليس "نرجسية المبدع"، لكن الدهشة من إعلانها. فالنرجسيةُ تسكن جميع المبدعين الكبار، لكنهم عادة ما يتظاهرون بالتواضع؛ حتى يضعون كلماتِ التقدير على ألسن الآخرين. فيكونُ الحقُّ ما شهدَ به الآخرون.
وحتى لا تختلط الأمورُ ويُظنُّ ما لم أقصد؛ دعونا نُميّزُ بين "طاووسية الفنان الجميلة"، وبين الصفات غير المحببة التي نهانا عنها الله، ومنها: الكِبرُ، والغرور، وتضخّم الأنا، والأنانية، ونفي الآخر، والأثرة، والبارانويا، وغيرها من الرذائل المريضة التي تودي بالإنسان إلى التهلكة. ما أعنيه هنا لا ينتمي بحالٍ إلى تلك القائمة المرضية الشائكة. طاووسيةُ الفنّان شيءٌ طفوليٌّ بريء ونقيٌّ ونبيلٌ، تجعله يرى نفسَه مختلفًا وجميلا. وهي سِمةٌ شخصيةٌ ضرورية يمنحها اللهُ للمبدع الجميل، حتى تحثَّه على صناعة الجمالَ. فلو اعتبر الفنانُ نفسَه عاديًّا، لقَبِل، بالتالي، أن يُنتجَ شيئًا عاديًّا. وهذا، بظني، أحدُ أسبابِ انهيار الجمال في زمن الكساد الفني. فكثيرٌ من صنّاع الفنون في آونة الانهيار المجتمعي يرون أنفسَهم عاديين، لأنهم عاديون بالفعل، فيُنتجون العاديَّ، فيهبط الفنُّ. ومع الوقت تنحطُّ الذائقةُ، فيقبلُ الناسُ العاديَّ، باعتباره فنًّا، ثم يُدمنونه ويطلبونه، ولا يعودون يتذوقون الفنَّ الرفيعَ. لهذا يهربُ الذوّاقةُ من الناس إلى "دار الأوبرا"، و"مسرح معهد الموسيقى العربية"، وغيرهما من حصون الجمال، لكي يتنفسوا أكسجين الفنّ الحقيقي، فينجون من الاختناق بالملوثات الصوتية. هنا تغدو "الطاووسيةُ الفنية" من الخصال الحتمية للفنان الحقيقي. لأنه حين يرى نفسَه مختلفًا وجميلا واستثنائيًّا، يظلٌّ يعيشُ في رعبٍ دائم على تلك الاستثنائية؛ يخشى زوالَها، فيأبى إلا أن يُقدّمَ المدهشَ طيلة حياته. ولهذا فنحن نقبلُ من المبدع ونحترم تلك الطاووسية الفنية، رِهانًا على أنها أداةُ إبداعِه الرفيع، ومن ثمَّ سببُ مُتعتنا. لذلك أحببنا نرجسيةَ الشاعرَ المُغادِر الجميل "محمود درويش" حينما كان يختالُ ويتدلّلُ ويفِرُّ من الصحافة والمعجبين، وفتنتنا طاووسيةُ الشاعر الجميل "أحمد عبد المعطي حجازي" وهو يلقي قصائدَه مثل مايسترو؛ عصاهُ يدُه؛ تُطوّعُ الحرفَ نَبْرًا وقَطْعًا وحركةً وسُكونًا وإدغامًا وإشباعًا، فيخرجُ الحرفُ مشحونًا بالغناء. تمامًا مثلما ابتسمنا بمحبة واحترام لقول "أبي الطيب المتنبي" عن نفسه: "سيعلمُ الجمعُ مِمَن ضمَّ مجلِسُنا/ بأنني خيرُ مَنْ تسعى به قدمُ/ أنا الذي نظرَ الأعمى إلى أدبيْ/ وأسمعتْ كلماتيْ من به صَمَمُ/. كَمْ تطلبونَ لنا عيبًا فيُعجِزُكم/ ويكرهُ اللهُ ما تأتون والكرمُ/ ما أبعدَ العيبَ والنقصانَ عن شرفي/ أنا الثريا وذان الشَّيبُ والهِرَمُ."
لذلك نقبلُ ونثمّنُ ونُقرُّ بكل كلمة قالها عن نفسه الموسيقارُ الفريد "محمد عبد الوهاب"، أولا لأنها كلماتٌ حقيقية، وأولًا كذلك لأنه كان ومازال وسوف يظلٌّ يملأ حياتَنا جمالا وإمتاعًا فريدًا، لا مثيل له، ولا شبيه، وثانيًا لأن: "هكذ الحُسنُ قد أمر!" رحم اللهُ الموسيقار "محمد عبد الوهاب"، أحدَ أهراماتِ مصر الشاهقة. وعلى ذِكر الأهرامات، دعوني أُذكِّركم بأن ألمانيا استعارت من حضارتنا الخالدة تعبير: "الأهرامات الثلاثة"، وأطلقته على قِمم موسيقاها الكلاسيكية الثلاث: Three B s لتعبّر عن عظماء ثلاثة تبدأ أسماؤهم بحرف الباء: “باخ"، "بيتهوفن"، "برامز". شكرًا للفن الرفيع، وطوبى لصُنّاعه.

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فضيلةُ الحذف ... والبخل في الكلمات
- سكنتُ على مقربةٍ من هذا العظيم!
- صانعُ الجُرم … والمشيرُ إليه!
- جميعُنا: ذَوو احتياجات خاصة
- رسائل جعفر العمدة
- غنّيتُ مكّةَ … وأعزَّ ربي الناسَ كلَّهمُ
- انشطارُ واجهةِ الهرم... في عيد الحياة
- أفطروا بأمانٍ … فنحن نحمي الوطنَ!
- سعفةُ نخيلٍ خضراءُ … من أجل مصرَ
- التوحّدُ .. التنمّرُ … الإناءُ المصدوع
- في اليوم العالميّ للتوحّد … قطوفٌ من عُمَر
- شنودة يعودُ إلى بيته … شكرًا للشرفاء!
- أبله فضيلة … صوتٌ صنع طفولتَنا
- في رمضان … نصومُ معًا!
- أيها الكبارُ … لن أحتفل ب عيد الأم
- مشروع الفُلك حدوتة مصرية
- هاني شنودة ... صانعُ الصِّبا والفرح
- زوجةٌ عظيمة ... لزوجٍ عظيم
- الله يسامحك! … السِّحرُ كلُّه
- واحد اتنين …. سرجي مرجي


المزيد.....




- كيفية استقبال قناة طيور الجنة على النايل سات وعرب سات 2025
- طريقة تثبيت تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2025 TOYOUR BAB ...
- الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال اقتحم المسجد الأقصى المبارك 21 ...
- ” أغاني البيبي الصغير” ثبت الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- زعيم المعارضة المسيحية يقدم -ضمانة- لتغيير سياسة اللجوء إذ أ ...
- 21 اقتحامًا للأقصى ومنع رفع الأذان 47 وقتاً في الإبراهيمي ا ...
- 24 ساعة أغاني.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 على النايل ...
- قائد الثورة الاسلامية:فئة قليلة ستتغلب على العدو المتغطرس با ...
- قائد الثورة الاسلامية:غزة الصغيرة ستتغلب على قوة عسكرية عظمى ...
- المشاركون في المسابقة الدولية للقرآن الكريم يلتقون قائد الثو ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - طاووسيةُ الموسيقارِ الجميلةُ