|
التبادل التاريخي بين مصر وإيجبت (6)
محمد مبروك أبو زيد
كاتب وباحث
(Mohamed Mabrouk Abozaid)
الحوار المتمدن-العدد: 7609 - 2023 / 5 / 12 - 20:54
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
نكمل معاً حكاية الكتاب الذي قام بتأليفه كاهن مؤرخ صهيوني عربي وانتحل اسم أسقف قبطي وضعه على غلاف الكتاب ليدس سمومه في عقل الشعب متخفياً تحت اسم مثقف من أبناء وطنهم، وهو في هذا الكتاب الخدعة يقوم بنقل تاريخ قرية مصرايم اليمنية وتلبيسه لإيجبت باعتباره تاريخها الوطني.... يكمل (المؤلف) على لسان يوحنا قائلاً: وكان هناك رجل مصري عطوف راضِ بالتعب حكيم محب للصالحات اسمه شنوفي وترجمته بشارة (1) ، وكان هذا الرجل يهتم كثيراً ببناء المدن والقرى وفلح الحقول حتى شيد جميع قرى مصر في زمن وجيز وجدد مصر وجعلها كما كانت قبل. وكان هناك رخاء عظيم في أيامه وكثر المصريون جداً وكثرت حيواناتهم كذلك، وحكمهم ثمانية وأربعين عاماً في سرور وسلام، وذلك لعودة أسرى المصريين مرة ثانية، ومات في إكبار. وقبل أن يموت أحصى المصريين وكان عددهم 500,000 ألف نسمة (2) ... وبعد موت شنوفي ظل المصريون دون ملك زمناً طويلاً (3)، بيد أنهم أدوا الضرائب لفارس وللآشوريين جميعاً (4) وعاشوا في سلام حتى ولوا عليهم فرعوناً آخر ملكاً. وأدوا له الضرائب ..."
وهذه الفقرة تأتي تصديق تاريخي على النص التوراتي ، فقد هجم عليهم البابليين وأخذوا منهم ما يقارب الخمسين ألف سبايا، خمسين ألف من عشيرة المصريين وخمسين ألف من عشيرة إسرائيل، وتحررت كلتا المجموعتان على يد الملك الفارسي قورش بعدما اكتسح الإمبراطورية البابلية التي كانوا مُستعبدين فيها.. وملاحظاتنا على هذا النص كالتالي: 1- اسم بشارة: هذا الاسم كما هو واضح تم تصحيفه ، حتى أن الكاتب قد أوضح أن ترجمته بشارة ، وهي كلمة عربية واضحة ، بينما الشخص نفسه لا وجود له تاريخياً كما يوضح المترجم د. عمر صابر، وبالتأكيد هذا الشخص حكم مصرايم بعد العودة من السبي البابلي إنما لم يحكم إيجبت بلاد القبط .
2- ذكر المؤلف أن عدد المصريين وصل إلى 500.000 نسمة : ومن الواضح جداً أن هذا الخبر يقصد عشيرة المصرايمين الذين وقع أغلبهم في السبي البابلي مع بني إسرائيل وكانوا رفقاء في السبي، وبعد عودتهم جميعاً عمّر اليهود مملكتهم أورشليم أو يهوذا، وعمّر المصرايمين مملكتهم أيضاً وتزايدت أعدادهم حتى وصلت نصف مليون (قرية مركزية وحولها مجموعة نجوع) وهذا من المتصور لممالك الجزيرة العربية، بينما هو مستحيل تصوره في إيجبت بلاد القبط ، حتى أن المؤرخ اليهودي يوسيفوس ذكر عرضاً أن عدد القبط في القرن الثالث ق.م كان ((سبعة ونصف مليون)) في تاريخ موازي لمصرايم التي كان أقصى تعداد سكاني لها نصف مليون بعد مبالغة اليهود.
3- ذكر المؤلف أنه بعد موت شنوفي ظل المصريون دون ملك زمناً طويلاً ، و هذا مستحيل تصوره، لأن مملكة القبط إيجبت لا يمكن أن تعيش لحظة بدون ملك حاكم، بل إنه منذ أن وحد الملك مينا القطرين سنة 3400 ق.م استمر الحكم بالتداول وكانت إمبراطورية عظمى ولها نظام إداري ضخم ومؤسسات ووزراء وموظفين وأمراء ، حتى في أضعف حقبها تحت الاحتلال كان لها ذات النظام الإداري المعقد جداً بمنظور ممالك العرب، وحتى في فترات الاحتلال كان هناك حاكم أجنبي وحاكم إداري جبتي لأن الأجانب لا يستطيعون السيطرة على البلاد وتنظيمها إدارياً، فكيف يتصور أن تعيش بدون حاكم وتدفع الجزية لفارس؟ إلا إذا كان الكلام عن مصرايم العربية فهذا ممكن تصوره.
4- - يذكر المؤلف أن القبط أدوا الضرائب لفارس وللآشوريين جميعاً؛ و هنا يتضح أمر التلفيق الذي قام به المؤلف، بين إيجبت ومصرايم، وبين قمبيز ونبوخذ نصر، وبين البابليين والآشوريين، حيث تم الخلط والخض والعجن، إذ أن البابليين احتلوا الجزيرة العربية ومصرايم ولم يدخلوا إيجبت إطلاقاً، بل الفرس حرروا سبي اليهود وسبي المصرايمين من بابل عندما اكتسحوها ودمروها، فكيف يقول أن الجبتيين كانوا يدفعون الجزية لبابل وآشور معاً !! غير أنه لم يكن هناك اجتياح بابلي ولا فارسي لإيجبت إنما الاجتياح كان متعاصراً لممالك اليهود ومصرايم العربية الواقعة في ذات النطاق الجغرافي، ولم يكن بينهم توحد في النطاق الجغرافي بل توحد المعتدي عليهم والمحرر لهم في ذات التوقيت ، وكل هذا لا علاقة له بالأقباط، وما كان يوحنا يخطئ في خلط كل هذه الأحداث دون سبب بل لأن المؤلف يريد نقل تاريخ القرية العربية الجنوبية إلى دولة عظمى خارج الجزيرة.
ومُجمل هذا يوضح لنا أن اليهود عند الإعداد لمشروع الترجمة السبعونية نقلوا تاريخ مصرايم إلى إيجبت، وكان أمامهم مقترحان يفاضلان بينهما، وهو أن يضعوا اسم منف بدلاً من مصرايم العربية وتنطبق بذلك معالم مصرايم على منف وحدها حيث أن كلاهما يعبر شرقيه نهر، ومن السهل إطلاق لقب مدينة مصر أو مصرايم على مدينة منف وترويج ذلك في كتب التاريخ التي يؤلفونها خصيصاً لهذا الغرض، وكان هذا مقترحاً جيداً ومقبولاً، بينما المقترح الثاني كان استبدال مسمى مصرايم بـ"إيجبت " البلد كلها، لكن ذلك كان صعب تطبيقه في الواقع ، وكان الممكن فقط تطبيقه نظرياً في كتب التوراة، أي أن يتم حذف مصرايم بالكلية ووضع إيجبت في الكتب ويتم تطبيع قناعات اليهود على أن قصة موسى وفرعون كانت في إيجبت دون أي ذكر لمصرايم.. وهذا المقترح هو الذي تم اعتماده في مشروع الترجمة.
ومع ذلك بقي أثر للمقترح الآخر في الواقع هو إمكانية إطلاق مسمى مصر على مدينة منف واستبداله بحيث تصبح منف هي مسرح الأحداث ومحورها وليس إيجبت كلها، ولذلك انتشرت أقاصيص وحكايات حول مدينة منف متعلقة بيوسف الصديق وكانت معظمها على المستوى الشعبي، أي كادت أن تنقلب منف إلى مصر ويصبح بذلك المقترحين قائمين طول الوقت وأيهما انهار يحل محله الآخر أو يدعمه، ولذلك أول ما دخل العرب بالقرآن ناطقاً باسم "مصر" دون أي ذكر لإيجبت، انطلق المقترح الثاني على منف وتم سريعاً تعديل اسمها إلى "مدينة مصر" تماشياً مع القرآن، وتوسع الأمر وتمدد الاسم لتصبح مدينة مصر هي كل إيجبت ولا تحل محلها حتى لا يحل القرآن محل التوراة إنما تبقى التوراة ناطقة بـ "إيجبت" وهو الاسم الأصلي المعروف في العالم كله حتى الآن والقرآن ناطقاً بـ"مصر" وصار هذا الاسم المحلي المعروف في الشرق العربي، وبذلك يكون اليهود قد استفادوا من المقترحين القديمين معاً ووظفوا القرآن والتوراة معاً لاحتلال وطننا !!
... الغريب أن (المؤلف) يحكي عن باديسنيوس الذي وصفه بأنه أحمق وقد غرق بأفراسه وفرسانه في البحر الأحمر ثم ينتقل مباشرة ودون فاصل للحديث عن كورش الفارسي (خلال فترة السبي) وكان بنو إسرائيل بينهم نبي اسمه دانيال، يتحدث (المؤلف) وكأن كورش دخل منف ذاتها وأخذ منها بني إسرائيل والجبتيين معاً في زمرة واحدة! ويحكي عن الأحداث في مصرايم والسبي البابلي الذي حدث بالتزامن وكأن كل ذلك وقع في منف ! ... كان يكتب تاريخ اليهود ليس باسم مصرايم وأورشليم وإنما إيجبت، وحتى التاريخ العربي واكتساح نبوخذ نصر لمنطقة جنوب غرب الجزيرة العربية عندما أخذ منها خمسين ألف سبايا إلى بلاده وتركها خراباً ثم أعادهم بعد خمسين أو أربعين عاماً(حادثة السبي البابلي لليهود) (تاريخ مصر ليوحنا النقيوسي - ص 72) ..
ونبوخذ نصر اكتسح الجزيرة العربية عام 605 ق.م، لكن (المؤلف) يقول أن قمبيز غير اسمه وتسمى بـ" نبوخذ نصر" (تاريخ مصر ليوحنا النقيوسي - ص 66) . برغم أن قمبيز فارسي ونبوخذ نصر بابلي! (وما بينهما مائة عام ! حكم إيجبت خلالها ملوك الأسرة السادسة والعشرين ، وهذا ما أكده هيرودوت ، ولم يذكر أي شيء عن هذا السبي البابلي للقبط ! برغم أنه وصف أحوالهم بدقة متناهية، وقال أن المرأة الجبتية تتمتع بوضع إنساني مرموق وتمارس نشاطات اقتصادية إلى جانب الرجل مثل حياكة الملابس..). وفي ذات الصفحة نجد (المؤلف) يقول:" وكذلك كان أبريا ملك مصر وكان يقيم في مدينة طيبة ومنف ومدينتي: موهيب وسوفيرو".
وهنا نلاحظ بجلاء مدى التلفيق التاريخي الذي قدمه اليهود طعاماً لأبناء إيجبت، فـ كل أسماء هذه القرى عربية خالصة ( منف وطيبة و موهيب و وسفيرو ) لا علاقة لها بالهيروغليفية إطلاقاً، لكن المؤلف نقل الأحداث التاريخية بأسماءها الجغرافية كي تنسجم عملية التطبيع مع باقي المراجع التاريخية الأخرى فلا ينكشف تزويره ، وقمبيز لم يغير اسمه إطلاقاً، إنما كان قمبيز فارسي جاء في فترة تاريخية لاحقة بعد سقوط الدولة البالية أي بعد نبوخذ نصر والفارق بينهما سبعين عاماً، والفرس لم يظهروا إلا بعد دمار الدولة البابلية واكتساحها وتحرير اليهود والمصرايمين منها، لكن اليهود أرادوا نقل أعمال نبوخذ نصر البابلي إلى قمبيز الفارسي، ونقلوا اسم حاكم مصرايم "أبريا " العربي وقت هجوم نبوخذ نصر عليها، فأصبح حاكم إيجبت، بينما أبريا العربي هذا كان حاكم مصرايم ويقيم في موهيب وسوفيرو، فعادة ما يتنقل الحكام من مكان لآخر وقت الهجوم لإعادة ترتيب القوة، ومسمى" موهيب" واضح من لفظه أنه عربي، فهذا الاسم معروف في منطقة جنوب غرب الجزيرة، لكن اليهود قاموا بتزوير التاريخ ووضع أسماء حكام مصرايم مكان حكام إيجبت ووضع مقرات العواصم الأربعة للطرفين مجتمعة (مدينتي طيبة ومنف ومدينتي: موهيب وسوفيرو" ! وكذلك جعلوا الجبتيين يدفعون جزية للبابليين والآشوريين معاً !! أي دمج المعتدين ودمج الضحايا !! فاليهود عملوا مجزرة لكتب التاريخ وليس لأسفار التوراة فقط.
بينما نجد (المؤلف) (ينقل عن كتب اليهود) ذات الوقائع وفي ذات المكان وذات المدينة ولكن يغير اسم ملوك القبط بأسماء عربية، فيقول في صفحة 70:" أما الآشوريين فقد حاصروا القصر وفتحوه ليلاً، وأسقطوا مدينة منف العظيمة ، وكان أحد ملوك مصر، واسمه موزاب، أرسل سراً إلى ابنه واسمه إلكاد ليأتي بالمال الذي كان له ولجميع حكامه وللأربعين سيدة اللاتي كن زوجات قمبيز وهو نبوخذ نصر.." . ويعلق المترجم د. عمر صابر على ذلك في الهامش رقم (2) بقوله:" لم استطع التعرف على اسم هذا الملك وابنه (موزاب وابنه إلكاد) "... وبالفعل لم يستطع التعرف على أسماء الملك وابنه لأنهم ليسوا أقباط وإنما عرب آراميين خلفاء فرعون موسى وهم حكام مصرايم ومنف القرية العربية التي حملت اسمها أعظم عواصم العالم القديم في إيجبت،
-.. ونظراً لأن المترجم عالم لغويات وليس مؤرخ، فلم يدرك هو أو أي من المترجمين السابقين عليه بالفرنسية والإنجليزية أن (المؤلف) في هذه المخطوطة كان ينقل من كتب اليهود أسماء أشخاص عربية وأحداث دارت على أرض عربية جنوب غرب الجزيرة، وقام اليهود بغرسها في الثقافة الجبتية، وكان ذلك تزامناً مع الترجمة السبعونية للتوراة في عهد البطالمة ولذلك لا نجد إلا أسماء مطعمة بنكهة إغريقية (اوس-os) على اعتبار أنها لغة البلد والحاكم في هذا العصر أو أسماء عربية آرامية غير موجودة في بلادنا، وفي كل الأحوال لا نجد أبداً اسم ينتمي إلى جذر لغوي هيروغليفي، وجاء (المؤلف) ليقرأ فقرأ غير ما هو مدون على جدران المعابد والأهرامات، قرأ بالطبع مدونات اليهود التي صارت ملء المكتبات وفي كل مكان، ودمج بين تاريخ اليهود ومصرايم العربية وبين تاريخ القبط، وهذا ما أحدث ارتباكاً في حركة التأريخ لدى مؤرخي العصور الوسطى، وحدث معه ارتباك شديد في الوعي الجمعي.
وبرغم أن الدكتور عمر ليس مؤرخاً ومع ذلك فقد أدرك بوضوح جانباً من الفراغ أثار استغراباً بداخله، فيقول في مقدمته :" إذا كان النص الذي في متناول أيدينا مشوباً بالاختصار المخل بالمعنى نتيجة لعبث المترجم الحبشي، فإن ذلك لا يمنع من استنتاج أن الجزء الأسطوري الخاص بالتاريخ المصري القديم يتفق كثيراً مع ما ورد في مصادر التاريخ اللاحقة (ابن البطريق- ساويرس ابن المقفع - غابيوس المنبجي - ابن عبد الحكم - الطبري - المقريزي وغيرهم) وهو ما يوضح بأن ثمة تراثاً عن هذه الفترة كان متداولاً في إيجبت بشكلٍ ما ، وكان هذا التراث هو المصدر الذي استقى منه كل هؤلاء المؤرخين مادته في الكتابة عن هذه الفترة الموغلة في القدم من فترات التاريخ المصري. (ص 39 ) .. هذا التراث الغريب الذي يتحدث عنه الدكتور عمر هو البذور الثقافية التي غرسها اليهود بعد الترجمة السبعونية للتوراة وضمن مشروع صهينة العالم بالكامل، حيث سيطروا على مكتبة الإسكندرية وخنقوها إلى أن أحرقوها وأحرقوا علومها وتاريخها وحلوا محلها بتراث الدس اليهودي هذا.. إنما ليس من المنطق أبداً القول بأن الأقباط انتقلوا من مكتبة الإسكندرية وعلومها العامرة فجأة إلى عصر من الأساطير ! فقد استمر أثر مكتبة الإسكندرية إلى العصر المسيحي وحتى عصر العالمة هيباتيا التي عملت بالرياضة والفلك والفلسفة، وكان والدها فيلسوفاً وأستاذا .. كان ذلك في القرن الرابع ميلادي ، فهل نتصور انتقال حركة التاريخ فجأة من هذا التطور العلمي إلى مستوى الخرافات والأساطير!
في الواقع كان مشروع اليهود يقوم على طمس التاريخ الجبتي وإحلاله بالتاريخ المصرايمي، لكن الأقباط لم يقتنعوا بهذا التاريخ الخرافي المصرايمي حتى جاء عصر الاحتلال العربي وبدأت أولى مراحل التأليف العربي هي التي هضمت هذه الخرافات اليهودية وجعلتها تاريخاً لإيجبت، فلا نجد أي أثر قبطي قبل ذلك يتبنى مثل هذه الخرافات، سوى بعض المصادر التاريخية التي نقلت عن التوراة السبعونية المزورة ونقلت من مؤرخين يهود مثل يوسيفوس وكان ذلك كله بعد تمام مشروع الترجمة، إنما قبل ذلك مستحيل نجد أثر لهذا التاريخ الخرافي لا في مصادر قبطية ولا يونانية ولا رومانية، بينما هذا التاريخ الخرافي الأسطوري تبناه فقط العصر العربي مثل (المقريزي وابن عبد الحكم واليعقوبي وابن البطريق وغيرهم.. لأن هذه الأسماء انتحلها اليهود وعملوا تحتها الكثير من المؤلفات، ما يعني لنا بيقين أن كل التراث العربي الإسلامي ما هو إلا تأليف صهيوني سار عليه العرب خطوة بخطوة لأن العرب عقلية أدبية حكائية وليست عقلية علمية.. أما قبل ذلك فلم يظهر أي أثر فعلي للتأليف اليهودي في إيجبت سوى الجبتانا التي احتوت كلمة واحدة فقط هي (جبتو مصرايم ) .
في الواقع إن مخطوطة يوحنا النقيوسي تكشف لغزاً كبيراً عن التزوير الذي أدخله اليهود ، وتثبت أنه لا وجود لليهود إطلاقاً في بلاد وادي النيل، إنما هم أجهدوا أنفسهم بتأليف الكتب ووضع توقيعات مزيفة عليها، لكن بعدما جاء الإسلام وكشف الكثير من جوانب حياة بني إسرائيل اضطروا للتراجع نسبياً وسحب المسميات اليونانية التي فضحها القرآن العربي، ثم بعدما بدأت قراءة جداريات المعابد في القرن التاسع عشر شعروا أنهم وقعوا في أزمة تاريخية إذ لم يعد أمامهم سوى البحث عن جذر لكلمة فرعو أو برعا وجذر لكلمة مصرو أو مصر ... إن هؤلاء لصوص التاريخ والأوطان.. غرسوا مراسلات تل العمارنة التي تتحدث عن تاريخهم في مصرايم وجنوب غرب الجزيرة العربية، نقلوها إلى بلادنا كي نصبح نحن على يقين بأنها تمثل بلادنا !! لأن الآثار والجداريات أصبحت هي المصدر المعتمد للتاريخ، ولم تعد التوراة معتمدة كما كان في السابق باعتبارها كتاب مقدس بل صارت مدعاة لسخرية الباحثين ..
ويضيف (المؤلف) فرعون آخر في صفحة 74 يقول:" وعندما علم سكطانافوس وهو آخر الفراعين من السحرة العظام.." ويوضح المترجم بالاستناد إلى الترجمة الفرنسية أنه نقل خاطئ عن الكلمة العربية نكظاناقوس، ويقول أنه ورد لدى سعيد ابن بطريق أن اسمه شاناق (انظر الهامش رقم 1 ص 74 " تاريخ مصر ليوحنا النقيوسي - رؤية قبطية للفتح الإسلامي" من ترجمة د. عمر صابر عبد الجليل) ، ولكن بعدما تم تلبيس تاريخ مصرايم لـ منف، جاء الفراعين هؤلاء موزاب وإلكاد وغيرهم ليصبحوا بفعل اليهود ملوكاً لإيجبت بدلاً من أحموس الثاني وأبسماتك الثالث!...
ثم يقول (المؤلف):" وحين عرف إلكاد بموت أبيه هرب إلى بلاد النوبة ... وفي الحال جمع جيوشاً كثيرة من الحبشة والنوبة وحارب جيوش قمبيز شرقي نهر جيحون..."( تاريخ مصر ليوحنا النقيوسي -- ص 71) بينما الحقيقة أن إلكاد بعدما علم بموت أبيه موزاب في مصرايم هرب إلى قرية النوبة باليمن حيث تسكنها عشيرة كوش وجمع منها جيشاً (مجموعة صعاليق جبلية) وحاول التصدي لجيوش بختنصر شرقي نهر جيحون على حدود اليمن والسعودية... والمشكلة الكبرى أن كعب الأحبار كان معاصراً لـ(المؤلف) وكان يحكي للعرب الجهلاء عن نهر جيحون هذا باعتباره نهر الخمر في الجنة وأن نهر النيل هو نهر العسل ! فلم يكن كعب قد قرأ مخطوطة يوحنا ولم يعرف أن زميله قال للقبط أن نهر جيحون هو نهر مصر العظيم يعني المقصود نهر النيل المار بمحاذاة منف- مصرايم. وكل هذا الارتباك لأن اليهود خلعوا الخريطة والجغرافيا من جنوب الجزيرة ولم يستطيعوا تركيبها بإحكام في إيجبت..
كان (المؤلف) يحكي هذا التاريخ بلسان يوحنا النيقوسي باعتباره حدث في بلادنا إيجبت، وكان سرد من حملة قمبيز وحملة نبوخذ نصر على مصرايم جنوب غرب الجزيرة، فكان يقول أن نبوخذ نصر أخذ من القبط خمسين ألف سبايا وأعادهم بعد خمسين عاماً !! لهذه الدرجة تجرأ اليهود أن يجعلوا الجبتيين يتحدثون عن اليهود وكأنهم يتحدثون عن أنفسهم ! فالجبتيون في هذا الوقت كانوا على قناعة بأن السبي البابلي حدث للأقباط أنفسهم، ولم يدركوا أن هناك مصرايمين وقعوا في السبي مع اليهود ! وذلك بعدما أشربهم اليهود تاريخ مصرايم العربية القديمة وأقنعوهم بأنهم هم سكان مصرايم!! فقد كانت التوراة في هذا الوقت هي "أم الكتاب" وقد هرب العقل والحكمة من رؤوس الأقباط وتفرغوا للتعبد والخلاوي والرهبنة، ولم يمارسوا السياسة بقدر ما مارسوا الرهبنة والدروشة وعاشوا في غيبوبة عقلية، وأصبح العلم هو علم الكهنوت، ومصدره العتيق أسفار التوراة، حتى أننا نجد المؤرخين والكهنة ينهلون الكثير والكثير من نصوص التوراة ظناً منهم أنهم يتحدثون عن تاريخ إيجبت (لم يدركوا أن هناك فرق بين التاريخ والدين) كان العلم في نظرهم هو الدين وما تحمله كتب الدين من معلومات تاريخية فكانت أصدق في نظرهم من أي مصدر آخر يعتمد على العقل والعلم، وقد استغل اليهود حالة الانبطاح العقلي والاضمحلال الحضاري هذه التي يعيشها الجبتيون وقاموا بغرس نفاياتهم الثقافية العربية حتى القاع...
إلى هنا ولم يعد لدينا شك في أن مؤلف الجبتانا يهودي الهوية من خلال الدلائل التي قدمناها سابقاً، وإن كان من الصعب على الباحث استخدام ذات الأدوات للاستدلال على هوية مؤلف (تاريخ مصر والعالم) نظراً لأن هذا الكتاب جاء في فترة انتشرت فيها الديانات الثلاث، وكان الشخص الممهور الكتاب باسمه وتوقيعه (يوحنا النقيوسي) مسيحي الديانة، ما يعني أنه يعتنق العهدين معاً؛ العهد الجديد (الإنجيل) والعهد القديم (التوراة)، ومن ثم لا يكفي الاستدلال بإشارات العهد القديم للدلالة على أن هوية المؤلف يهودية، لأن أي شخص مسيحي يحمل داخله قناعات يهودية أو مشتركة مع اليهود بالطبع، وبالتالي فلم يبق أمامنا من وسائل الاستدلال سوى الهوية الوطنية، وتحديد ما إذا كان المؤلف ينتمي للبلد التي يتحدث عنها أم ينتمي لقومية مغايرة، وقد ظهر ذلك في استخدام اللغة العربية بما يخالف المنطق والمعقول إذا ارتبط الأمر بالأسقف القبطي يوحنا النقيوسي الذي كره العرب (وفقاً للكتاب ذاته) وكره دينهم، وليس من المتصور أن يعتنق لغتهم ويجيدها إلى الدرجة التي تجعله يقدم إبداعاً لغوياً كما لو كان مولوداً في فمه ملعقة عربية.. بل إن المؤلف يتلاعب بأوتار اللغة بحرفية عالية جداً، خاصة عند استخدام التعبيرات المجازية والكناية والاستعارة. هذا الأمر مستحيل تصوره مع قبطي يكره العرب... وأما الثاني، فهو من غير المتصور أن يقوم شخص عربي مسلم بفبركة هذا الكتاب ضد قومه العرب المسلمين، بل في الغالب أن مؤلف هذا الكتاب هو زميل من زمرة كعب الأحبار، وعلى ما يبدو لنا أن الكعب كان مختصاً ببلاد العرب مكة والمدينة في الحجاز والشام، أما هذا المجهول فكان مديراً إقليمياً مختصاً بإيجبت وادي النيل .
يُتبع ... (قراءة في كتابنا : مصر الأخرى – التبادل الحضاري بين مصر وإيجبت ) (رابط الكتاب على نيل وفرات): https://tinyurl.com/25juux8h (رابط الكتاب على أمازون) : https://cutt.us/sxMIp ( رابط الكتاب على جوجل بلاي ): https://cutt.us/KFw7C #مصر_الأخرى_في_اليمن): https://cutt.us/YZbAA #ثورة_التصحيح_الكبرى_للتاريخ_الإنساني
#محمد_مبروك_أبو_زيد (هاشتاغ)
Mohamed_Mabrouk_Abozaid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التبادل التاريخي بين مصر وإيجبت (5)
-
التبادل التاريخي بين مصر وإيجبت (4)
-
التبادل التاريخي بين مصر وإيجبت (3)
-
التبادل التاريخي بين مصر وإيجبت (2)
-
التبادل التاريخي بين مصر وإيجبت (1)
-
الجد الأكبر - جبتو مصرايم – هيروغلي.عبراني (8)
-
الجد الأكبر - جبتو مصرايم - هيروغلي.عبراني (7)
-
الجد الأكبر - جبتو مصرايم - هيروغلي.عبراني (6)
-
الجد الأكبر - جبتو مصرايم - هيروغلي.عبراني (5)
-
الجد الأكبر - جبتو مصرايم – هيروغلي.عبراني (4)
-
الجد الأكبر - جبتو مصرايم - هيروغلي عبراني (3)
-
الجد الأكبر - جبتو مصرايم – هيروغلي.عبراني (2)
-
الجد الأكبر - جبتو مصرايم - هيروغلي عبراني (1)
-
رحلة الغزو الثقافي اليهودي لشعوب الشرق الأوسط (8)
-
رحلة الغزو الثقافي اليهودي لشعوب الشرق الأوسط (7)
-
رحلة الغزو الثقافي اليهودي لشعوب الشرق الأوسط بتزوير الكتاب
...
-
عنوان الموضوع: رحلة الغزو الثقافي اليهودي لشعوب الشرق الأوسط
...
-
رحلة الغزو الثقافي اليهودي لشعوب الشرق الأوسط بتزوير الكتاب
...
-
رحلة الغزو الثقافي اليهودي لشعوب الشرق الأوسط بتزوير الكتاب
...
-
رحلة الغزو الثقافي اليهودي لشعوب الشرق الأوسط بتزوير الكتاب
...
المزيد.....
-
مشاهد من مناورات واسعة يجريها الجيش الإيراني غربي البلاد
-
كانت مخزنة في إسرائيل.. واشنطن تسلم أوكرانيا 90 صاروخا من طر
...
-
بعد مقابلة رئيس الوزراء القطري مع قناة إسرائيلية: من سيطبّع
...
-
حلقة جديدة من التوتر.. لماذا استدعت الجزائر السفير الفرنسي؟
...
-
الضفة.. اقتحام مخيمات جنين وطولكرم
-
هل تنجح إيران في التوصل لتسوية مع ترامب؟
-
RT ترصد تحركات الجيش اللبناني في الجنوب
-
إضرام النار بسفارة فرنسا بالكونغو
-
الجيش الإسرائيلي: مقتل عامل إسرائيلي وسط قطاع غزة بنيران صدي
...
-
-وحدة ما في غيرها-..الشرع يرحب مازحا بزوجته خلال لقائه وفدا
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|