أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - شلومو زاند - خياران لا ثالث لهما: نكبة ثانية أو دولة ثنائية القومية















المزيد.....

خياران لا ثالث لهما: نكبة ثانية أو دولة ثنائية القومية


شلومو زاند

الحوار المتمدن-العدد: 7609 - 2023 / 5 / 12 - 14:49
المحور: القضية الفلسطينية
    



"في نهاية كل جملة تقولونها بالعبرية يجلس عربي مع نرجيلة"، قال الفنان مئير اريئيل، في حينه. بهذه الروحية يمكن القول إنه في هامش كل حوار حول الصراع القومي المؤلم لدينا ما زالت النكبة رابضة. مرت 75 سنة ولم ينس الفلسطينيون. مرت 75 سنة وما زال الإسرائيليون لا يريدون التذكر. ماذا بعد؟ جميعنا على قناعة، بدون أي شك، بأن ذلك كان ذنب العرب؛ لأنهم هم الذين شنوا الحرب التي جلبت عليهم كارثتهم.

إذا كان من السائد حتى تسعينيات القرن الماضي نفي طبيعة النكبة، والادعاء بثقة أن اللاجئين لم يطردوا أبداً، وأن دعاية العرب هي التي دفعتهم الى الهرب، فإنه منذ أن نشرت أبحاث بني موريس وايلان بابيه وآخرين تغيرت المقاربة. فقد عرف الكثيرون عن اعمال الطرد، بل عرفوا عن التوق غير الخفي للتهجير الذي وقف خلفها. مع ذلك، هناك أمر واحد بقي قائماً ايضاً في أوساط الليبرالية الواعية والمتفهمة: صحيح أنه حدث ظلم، لكن رفض العرب الشديد الموافقة على قرار الامم المتحدة 181 الصادر في 29 تشرين الثاني 1947، الذي اقترح تقسيم البلاد، وحقيقة أنهم شنوا الهجوم الواسع على الاستيطان العبري الفتي، هي التي أدت الى هذه المأساة.

سأعترف بالحقيقة؛ حتى أنا كنت أميل لفترة طويلة للموافقة على مبادئ هذه المقاربة التاريخية. كما هو معروف ففي حين أن اليمين التنقيحي رفض التقسيم فإن كل اليسار قام بتبنيه، وحتى اليسار اليهودي غير الصهيوني، الى درجة أن ستالين أيد في تلك الفترة بانفعال اقامة دولة يهودية، وأمر جميع توابع الاتحاد السوفييتي وأتباعه المحليين بتأييد التقسيم. عرفتُ بأنه بعد عقد ونصف من ذلك، عند انضمام دول مستعمَرة سابقاً للأمم المتحدة، فإنه من شبه المؤكد أن القرار المصيري لم يكن مقبولاً، لذلك اعتقدت بأنه من الجيد أن تسلسل الاحداث كان هكذا؛ أُقيمت دولة إسرائيل "بمعجزة" في اللحظة الاخيرة.

مثل الكثيرين لم أتعمق في مبادئ قرار التقسيم. عرفت في مرحلة متقدمة جدا أنه من ناحية جغرافية منح القرار منطقة أكبر لليهود (62 في المئة)، وعرفت ايضا أن جزءا كبيرا منها كان صحراء. في العام 1947 كان في فلسطين الانتدابية مليون وربع المليون عربي و600 ألف يهودي، أي 67 في المئة من السكان الأصليين المحليين و33 في المئة من المستوطنين، الذين في معظمهم كانوا مهاجرين جدداً. أخذ قرار التقسيم في الحسبان بأن المهجرين اليهود الآخرين سيأتون في السنوات التالية من المعسكرات في المانيا. لم ترغب معظم الدول التي أيدت التقسيم بهم على أراضيها، وكان من المريح لها أن تؤيد اقامة دولة يهودية على بوابة العالم العربي.

لكن ماذا كانت أُسس التقسيم الديمغرافية لهذا القرار؟ اراضي الدولة العربية العتيدة كان يجب أن تشمل 725 ألف عربي و10 آلاف يهودي. وفي اراضي الدولة اليهودية سيكون 598 ألف يهودي. وحسب جميع الآراء فإن هذا عدد منطقي جدا. كانت مفاجأتي الكبيرة عندما اكتشفتُ بأنه كان يجب أن ينتمي للدولة اليهودية ايضا 497 ألف عربي، أي أن الدولة اليهودية المخطط لها لن تخصص وبحق لتكون "يهودية"، بل ستكون أقرب إلى "ثنائية القومية".

كان نصف مليون عربي تقريباً عالقين في مشروع، من ناحية قومية لم يكن مشروعهم، حتى لو أنه في أفضل الحالات كان يحق لهم أن يصبحوا فيه مواطنين إسرائيليين. لذلك، من غير الغريب أن جميع المؤسسات والحركات العربية في فلسطين وفي العالم العربي، باستثناء الشيوعيين العرب، عارضوا على الفور التقسيم الذي اعتبر غير منطقي، وبدأوا اعمالاً عدائية ضد الدولة اليهودية المستقبلية. يمكن الافتراض أنه لو كانت مبادئ التقسيم معكوسة وتميل لصالح الجانب العربي فإن كل اجزاء الحركة الصهيونية، وليس فقط اليمين التنقيحي، سيرفضونها تماماً.

لم تتحقق الدولة "ثنائية القومية" في العام 1947، فقد منعت الحرب والنكبة خلالها تحققها. رغم أن معظم السكان المحليين من الفلاحين العرب لم يشاركوا في المعارك فعلياً، إلا أن نحو 750 ألفاً منهم تم تهجيرهم واضطروا الى ترك اراضيهم داخل اراضي إسرائيل التي توسعت حدودها، وبقي فقط 150 ألفاً منهم في أراضيها. إسرائيل، التي توسعت أكثر، بدأت في 1967 مرة اخرى في خلق واقع ثنائي القومية. الـ 150 ألف عربي الذين بقوا فيها في 1948 أصبحوا الآن مليونين؛ 21 في المئة من مواطني إسرائيل. في الضفة الغربية وفي شرقي القدس يعيش تحت حكم إسرائيل العسكري نحو 3,25 مليون فلسطيني آخرين، وفي القطاع يعيش 2,25 مليون عربي. بالإجمال، 7,5 مليون فلسطيني. هذا رقم يساوي عدد الإسرائيليين غير العرب الذين يعيشون بين النهر والبحر، وغير بعيد اليوم الذي سيعيش فيه مليون منهم خلف الخط الأخضر. ورغم عدم المساواة المدنية والقانونية والسياسية والصراع الدموي الذي ينبع من ذلك، إلا أن المجموعتين السكانيتين تندمجان مع بعضهما أكثر فأكثر.

يحلم الكثير من الإسرائيليين في السر بنكبة ثانية، وهم يدركون أن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر فترة طويلة. اليمين الواهم الشريك في الحكم الحالي، يدفع قدماً بزخم ليس فقط المستوطنات، بل أيضاً بانفجار كبير يؤدي الى طرد السكان العرب الى ما وراء نهر الأردن. ولكن مصالح الغرب في الشرق الأوسط تحبط هذه النظرة. طرد 2 – 3 ملايين فلسطيني الى الأردن أو السعودية أو مصر سيؤدي كما يبدو الى انهيار الأنظمة في هذه الدول.

في موازاة هذا الوضع غير المحتمل، الذي ينطوي على الدمار، فإنه على هامش المعارضة الكبيرة للانقلاب القضائي الذي يدفعه قدماً اليمين، بدأت تظهر مرة أخرى أفكار حول الكانتونات والفيدرالية أو الكونفيدرالية. أدى الوعي المتزايد لعدم إمكانية تقسيم البلاد الى طرح أفكار لتقسيم السيادة فيها. هذه ليست أفكاراً أصيلة. فمنذ آحاد هعام وآرثر روبر ومارتن بوبر وحنه ارنديت ويهودا ماغنس وحتى ميرون بنفنستي وأ. ب يهوشع وأبراهام بورغ، تم طرح اقتراحات مفصلة أكثر بقدر معين عن اشكال الحكم المشترك، الى جانب الاعتراف بهويتين منفصلتين لمجموعتين تدمجان معاً في جزء من الأجهزة من اجل اختيار الممثلية السياسية لها وتحول أسس الدولة الى ثنائية القومية.

خيار كهذا لتقسيم السيادة لا يعتبر خياراً مثالياً. وسيادة وطنية موحدة مفضلة عليه أكثر. يجدر ايضا الاضافة بأن أنظمة ثنائية القومية أو متعددة القوميات في شرق اوروبا انهارت في الصراعات القاسية، لكن في اماكن اخرى مثل كندا وبلجيكا وسويسرا واسبانيا وبريطانيا وايرلندا، التي جرت في جزء منها في الماضي البعيد والقريب مواجهات شديدة وعنيفة، فإن الأطراف توصلت الى تفاهمات أدت الى حياة مشتركة. عدم وجود خيار آخر، وليس الحب الزائد، هو الذي ادى بالباسك الى العيش مع الكاستليانيين في اسبانيا، ودفع الكاثوليك للعيش مع البروتستانت في إيرلندا. رغم التوتر بين بريطانيا وأسكتلندا في بريطانيا أو بين الفلاميين والفالونيين في بلجيكا، إلا أن هذه الدول الليبرالية ما زالت دولاً فيدرالية مع مواطنة متساوية وسيادة مقسمة.

هل سنتمكن من رؤية اليوم الذي ستقام فيه كونفيدرالية بين إسرائيل والفلسطينيين؟ العقبات كبيرة وشديدة، واحتمالية ذلك ضعيفة. مع التشابه الكبير بين الدين والقومية الراديكالية، سواء في أوساط الإسرائيليين أو في اوساط الفلسطينيين، فإنه يصعب الآن تخيل عملية مصالحة وقبول للآخر. لكن إزاء الشعبين المرتبطين ببعضهما كتوأم سيامي، فان أي بديل آخر لوضع ثنائي القومية يبدو خيالياً جداً.

يذكرني هذا بتجربة شخصية صغيرة: في المرة الأولى التي اجتزت فيها في القطار الحدود بين فرنسا وسويسرا في طريقي الى جنيف، جلست الى جانبي فتاة من سويسرا تتحدث الفرنسية. وعندما اقترب القطار من جنيف سألتها عن المحطة التي يجب عليّ أن أنزل فيها لشرقي المدينة. ذكرت الفتاة لي اسم المحطة. وسألت بسبب لهجتي من أين أنا. قلت لها: أنا من إسرائيل. بعد دقائق ابتسمت وقالت بسخرية: احذر إن أضعت المحطة وواصلت، فأنت ستسقط مباشرة في يد الألمان.



#شلومو_زاند (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هوية إسرائيل: من الوطن القومي إلى أرض التوراة الموعودة
- أنا لست تشارلي Je ne suis pas Charlie
- كيف ننتمي لشعب


المزيد.....




- ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه ...
- هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
- مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي ...
- مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
- متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
- الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
- -القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من ...
- كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
- شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
- -أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج ...


المزيد.....

- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - شلومو زاند - خياران لا ثالث لهما: نكبة ثانية أو دولة ثنائية القومية