|
القتل الجماعي
سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 7606 - 2023 / 5 / 9 - 13:05
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لإنسان حيوان قاتل ٧ - القاتل بالجملة
الرومانسيون كانو آخر المختصين فى الإنتحار. بعدهم صار الإنتحار عرضة إلى عدم الإتقان. من أجل تحسين نوعيته، نحن فى حاجة كبيرة إلى مرض جديد للعصر. إيميل سيوران
أما القاتل الجماعي Mass Killer.. فهو إنسان من نوع آخر، مفتون بتراكم الجثت وإرتفاع عددها، ويأمل قتل أكبرعدد ممكن من الأشخاص في نفس الوقت حين يقتحم محلا تجاريا أوكنيسة أو مدرسة ليفرغ مدفعه الرشاش في الحاضرين دون تمييز. يتواجد في الظروف العادية في المدن الكبيرة ويقوم بعملياته في الأماكن العامة كالمدارس والمساجد والكنائس والتجمعات المختلفة مثل الأسواق أو الشوارع المزدحمة، وفي عديد من الحالات ينتهي القاتل بأن يطلق النار على نفسه أو تقتله فرق الشرطة المتخصصة في هذا النوع من المواقف. وهناك من يبدأ بقتل والده أو والدته أو أطفاله، أو بقتلهم جميعا دفعة واحدة قبل أن يتجه إلى المكان الذي اختاره لتكملة المجزرة. وتشير الإحصائيات إلى وجود أكثر من ١٢٠ قاتلا جماعيا منذ سنة ١٩٨٠، وأن عدد ضحاياهم تفوق ال٨٠٠ قتيل وعدة آلاف من الجرحى والمعاقين. وآخر هؤلاء القتلة الجماعيين هو آنديرس بيهرنق برايفيك Andres Behring Breivik الذي أطلق النار بطريقة عشوائية في تجمع للشباب في جزيرة أوتويا، قريبا من أوسلو في النرويج يوم ٢٢ يوليو ٢٠١١، وقتل ٦٩ شابا أغلبهم بين الـ ١٥ والـ ٢٠ سنة من أعمارهم. وقد قام بهذه المذبحة حسب إعترافاته من أجل الدعاية لأفكاره ومعتقداته السياسية والدينية - العنصرية والتي تمجد الرجل الأبيض المسيحي ـ التي نشرها في وثيقته تضم أكثر من 1500 صفحة. نتوقف هنا عن سرد مثل هذه القصص والتي للأسف الشديد تعد بالمئات إن لم يكن بالألوف، والمستغلة من قبل الأدباء والفنانين في مجالات عدة، وبالذات في مجال الصناعة السينمائية التجارية، والتي تساهم بدورها، بطريقة غير مباشرة، في إلهام وتشجيع العديد من المشاهدين لإرتكاب أعمال مشابهة. الذي نريد التأكيد عليه هو وجود هذه الفوارق العديدة بين القتلة وبين دوافعهم النفسية والإجتماعية والسياسية، فبينما القاتل المتسلسل يقتل مرة وثانية وثالثة.. على فترات زمنية متفاوتة، ولا نعرف ما الذي يدور في ذهنه في هذا الوقت الذي قد يدوم أسابيعا أو شهورا وأحيانا سنوات، يكون القاتل عادةً في تلك الفترة بين كل جريمة وأخرى يعيش حياته العادية بين أهله وأصدقائه ويمارس عمله، وإن كان من الصعب التكهن بحالته النفسية وما يدور في ذهنه وأحلامه وكيف يدبر للعمل القادم. بينما القاتل الجماعي يعد خطته لعملية واحدة يقتل فيها أكبر عدد ممكن من الضحايا، وربما تستغرق عملية الإعداد شهورا حتى يتم تنفيذها ذات يوم، مثله مثل القاتل الإنتحاري، ويعرف أنها آخر عملية يقوم بها، فإما أن تقبض عليه الشرطة أو تقتله وإما أن يقتل نفسه. وهذا فرق لا يستهان به بين هؤلاء وبين الجندي أو الطيار الذي يلقي بقنبلته المدمرة على المدينة ويفجر عشرات البيوت بضغطه على زر أمام شاشة المراقبة، ثم يعود إلى بيته بعد العملية ليشاهد مباراة البيسبول لفريقه المفضل مع أطفاله وعائلته. فالقاتل الفردي المعزول إجتماعيا ونفسيا عن بقية البشر، يعيش جريمته بطريقة مغايرة تماما للقاتل المحترف والمدرب على القتل وعلى طريقة التعامل مع القتيل. غير أن سياسة القتل، كوسيلة للتعامل مع الآخر، لا تتوقف عند القتل الجماعي في الحروب أو في فترات الإضطرابات السياسية والإجتماعية، والتي تغطيها عادة "شرعية" مشبوهة تتمثل في قرارات حكومية محلية ودولية، ولا عند أنواع الجرائم التي سبق ذكرها حتى الآن والمتعلقة بأفراد يعانون من إضطرابات نفسية عميقة، ولا عند العمليات الإرهابية المختلفة مثل السيارات المفخخة أو وضع عبوات ناسفة لتفجير الأماكن العامة ولا العمليات الإنتحارية المختلفة، حيث أن كل هذه العمليات لا تستهدف شخصا أو فردا بعينه، فالضحية في كل هذه الحالات هويات مجهولة بلا إسم ولا تاريخ وتتواجد أو لا تتواجد بالصدفة في المكان، والهدف من هذه العمليات هو الضغط السياسي على النظام القائم وترهيبه وذلك لإمكانية التفاوض معه أو إجباره على الرضوخ لمطالب سياسية معينة. فهناك نوع آخر من سياسة القتل يختلف جوهريا عن كل ذلك، في أن الضحية محددة مسبقا ومعروفة، وليست مجهولة الهوية، والهدف هو التخلص منها بالقتل، وهذا هو ما يسمى عادة بالإغتيال. وإذا كانت أسطورة قابيل وهابيل تعتبر نموذجا للإنسان القاتل لأخيه لمبررات ودوافع عاطفية ومصلحية في مواقف الغضب والغيرة والحسد وغيرها، فإن النموذج الذي يمثل ظاهرة الإغتيال هو أسطورة إيزيس وأوزيريس المصرية.
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصحراء
-
الدلالة الغائبة
-
ومن الجوع ما يقتل
-
أول مايو والثورة القادمة
-
إمكانية الثورة المستحيلة
-
الديموقراطية والرأسمالية: المعادلة المستحيلة
-
الجريمة والعقاب
-
خرافة الطبيعة البشرية
-
جبل قاسيون
-
فوضى السطور
-
حكاية قابيل وهابيل
-
جدلية القاتل والمقتول
-
لوحة
-
البداية الثانية
-
بضاعة الفن
-
ذعر الرأسمالية من غضب الشارع
-
-بنك فلويد- ضد الحرب والإحتلال
-
الحركة والثبات عند هيرقليط
-
النساء والإنتاج الفني
-
هايدغر ولغز اللوغوس
المزيد.....
-
فيديو مراسم ومن استقبل أحمد الشرع عند سلّم الطائرة يثير تفاع
...
-
نانسي عجرم وزوجها يحتفلان بعيد ميلاد ابنتهما..-عائلة واحدة إ
...
-
-غيّرت قراراتنا في الحرب وجه الشرق الأوسط-.. شاهد ما قاله نت
...
-
ماذا نعلم عن الفلسطيني المقتول بالضربة الإسرائيلية في الضفة
...
-
باكستان: مقتل 18 جنديا و23 مسلحا في معركة بإقليم بلوشستان
-
واشنطن بوست: إسرائيل تبني قواعد عسكرية في المنطقة منزوعة الس
...
-
قتلى وجرحى في غارات جوية إسرائيلية في الضفة الغربية
-
أحمد الشرع إلى السعودية في أول زيارة له خارج البلاد
-
ترامب يشعل حربا تجارية بفرض رسوم تجارية على كندا والمكسيك وا
...
-
-الناتو- يطالب ألمانيا بزيادة الإنفاق على الدفاع
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|