|
قوات العم السريع السودانية والحشد الشعبي العراقي
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 7606 - 2023 / 5 / 9 - 01:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قوات الدعم السريع السودانية والحشد الشعبي العراقي
الحرب القائمة في السودان بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع : تقدم نموذجاً لما ستؤول اليه الامور في كل بلد تتقاسم سلطته قوتان او اكثر . فهذه الحرب - والعراق مرشح لها - نتيجةً من نتائج ازدواجية السلطة وتقاسم السيادة …
نظمت المجتمعات البشرية المتقدمة علاقة قادة الجيش بالقوة التي يديرونها : بايجاد مؤسسات الدستور ودورية الانتخابات ( ادارة الصراعات الاجتماعية سلمياً ) وتقسيم السلطات ، وبهذا التنظيم شكمت قادة الجيش من ركوب القوة ، وتسييرها لتحقيق طموحاتهم الشخصية . يوحي تاريخ اوربا بوجود ترابط ضروري بين العلمانية : التي تعني عزل الدين عن التدخل في توجيه السياسة باسم النصوص المقدسة وتطبيق شرع الله ، وبين اقتناع المجتمع بضرورة : ادارة الصراعات المجتمعية سلمياً والتخلي عن العنف في الوصول الى السلطة . ولاننا ابناء ثقافة غير قانونية وغير دستورية ، لم نفكر بخطورة ايجاد قوة موازية لقوات الجيش ، ولم نناقش علناً تداعيات الغاء سيادة الدولة بايجاد مراكز قوى متعددة …
ما الضرورة الوطنية التي دفعت الرئيس السوداني عمر البشير الى اتخاذ قرار ايجاد : قوات الدعم السريع ؟ هل سوى تحقيق طموحه الشخصي في ان يستمر بشد قبضته على الدولة ، والتحكم بالقرار . وانقاذه في حالة الثورة او الانقلاب عليه ؟؟؟ بينما الضرورة الوطنية تحتم عليه : المباشرة بصناعة قوة السودان لا صناعة قوته الشخصية ، وصناعة قوة السودان تمر من طريق واحد : هو طريق اطلاق الحريات ، والمزيد من الحريات ، لا مصادرة الحريات وتكميم الافواه باسم تطبيق الشريعة ؟؟ ...
وما الضرورة الوطنية التي دفعت مقتدى الصدر الى تأسيس جيش المهدي ؟ لا توجد ضرورة مهما استرسل اعلامه في تعدادها . الضرورة الوحيدة التي حملته على انشاء جيش المهدي تتلخص بوجود مستشارين لا يعترفون بشيء اسمه : سيادة الدولة ، فاوحوا له بأن اقامة ميليشا مسلحة في العراق ستحقق له ما يطمح اليه سياسياً ، وهو اعتقاد اثبتت السنين خطأه . لقد فتح مقتدى الصدر - بتأسيس ميليشيا جيش المهدي - باباً عريضاً لهذه الصناعة المتخلفة : فتكاثرت الميليشيات ، وتكاثر معها تدخل الخارج الاقليمي وخاصة دول الخليج وايران في دعم هذا التأسيس بدلاً من دعم اعادة الاعمار وتحديث الاقتصاد . لم يثبت هذا التوجه نجاعته في تحقيق طموحات " القائد " السياسية ، فمحاولاته العسكرية ضد الاميركان وضد المالكي في صولة الفرسان ، ومحاولاته المتكررة في الهجوم على الخضراء : كانت جميعها مجرد خربشات سياسية او ، وفقط حين مال الى حيازة برنامج وطني للتنمية والاصلاح : لا عسكري ، حصل على مقاعد في البرلمان اعلى بما لا يقاس مما حصل عليه في الدورات الانتخابية السابقة …
اصبحت عقيدة الجيش السوداني الرسمية بشكل واضح هي : الجهاد ، منذ الانقلاب الذي قاده الضابط عمر البشير 1989 ، بتخطيط من الدكتور حسن الترابي زعيم الجبهة القومية الاسلامية . وحين نتحدث عن عقيدة الجهاد ، فانما نعني بذلك اعلان الحرب الدائمة ، وليس المؤقتة ، على القبائل الافريقية في الجنوب " الكافرة " ( قبائل الشمال في غالبيتها : مسلمة وعربية ) . ثم تفتقت عبقرية الاسلام السياسي السوداني بعد احداث دارفور 2003 ( آلاف القتلى من قبائل السودان غير العربية ) عن ايجاد تنظيمات الجنجويد الوحشية ، التي تطورت الى قوات شبه نظامية ممثلة بقوات الدعم السريع ، ومعظم افرادها من القبائل العربية التي تمارس : الغزو على انه محور نشاط الانسان الاساسي في الحياة : الذي لا بد له - كأي نشاط - من انتاج ثقافته الخاصة التي تسترجع دائماً ثقافة السلف الصالح المتمثلة : بثقافة الغنيمة ، السبي ، ملك اليمين ، الجزية ، والخراج …
لم ينفرد الجيش السوداني و " حركة الانقاذ السريع " بتبني عقيدة الجهاد القائمة على اضطهاد الجماعات غير المسلمة في جنوب وغرب السودان ، انما تجتر جميع الجيوش العربية عقيدة الجهاد هذه ، وتمارس اضطهاداً توقعه باستمرارية تاريخية على اشهر قوميتين : الكردية في الشرق الاوسط ، والأمازيغية في شمال افريقيا . ويمارس اصحاب وملاكي هذه الجيوش بالتنسيق والمشورة مع اصحاب وملاكي قوى الامن : اضطهاداً سريّاً ضد المسيحين والديانات الاخرى ، لحملها على على الهجرة لمصادرة املاكها : وهذا الفعل اللاانساني تتميز به افعال الاحزاب الاسلامية العراقية وحشودها الشعبية الحاكمة : التي استولت على املاك اليهود والمسيحيين ، كما مارسته داعش وحلفاؤها القومچيين في مصادرة املاك الايزديين وسبي نسائهم واستعبادهم …
لا فرق عندي بين قوات الدعم السريع السودانية وبين قوات الحشد الشعبي العراقية : فكلاهما يسعى الى افتتاح مرحلة جديدة في تاريخ الدول العربية ، تتمثل بازاحة مؤسسات الدولة المعروفة واستبدالها بفوضى التنظيمات الميلشياوية . وقد حدث هذا التوجه بعد صعود الفكر السياسي الاسلامي اثناء ثورات الربيع وبعدها . قائد هذا التوجه في السودان ، كما هو معروف ، المفكر الاسلامي الدكتور حسن الترابي المهووس بشيئين : الانقلابات العسكرية ، والانقلاب على ثقافة العصر ومفاهيمه الحديثة عن الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان بالهجرة الى مفاهيم العصبية الطائفية والعنصرية والقبائلية وعموم ثقافة الحضارة الزراعية ، وقد طبقها المشير عمر البشير بشكل وحشي - أما في العراق فقد قامت ميليشيات الحشد الشعبي : منذ 2014 بالاستيلاء على القرار السيادي في الدولة ، سابقة بذلك قوات " الانقاذ السريع " السودانية في الثورة على جيش الدولة .
عام 2014 أُريد لجيش عراقي جرار ان ينهزم امام فلول " داعش " : للحط من سمعة الجيش ككل ، بتبخيس قدرته وعقيدته القتاليتين ، لكي ينفسح المجال رحباً امام استراتيجية بناء الميليشيات كبديل عنه . لقد ضربوا - كما يقول المثل - عصفورين بحجر واحد ، وبهذا يتحقق حلم الجهات التي يعمل عملاؤها على جعل العراق هيكلاً خاوياً وحديقة خلفية لهم . والحقيقة - كما اثبتت لجنة البرلمان التحقيقية - ان الامر بانسحاب الجيش من المواجهة قد صدرت عن القائد الاعلى للجيش ، وتبعتها فتوى المرجع الشيعي : آية الله علي السيستاني عن الجهاد الكفائي .. وليست دولة ذات سيادة هذه التي يصدر قائد جيشها العام امراً بالانسحاب من مواجهة الغزاة ، ويتبعه رجل دين باصدار امرٍ ( فتوى )بتشكيل جيش يدافع عنها …
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في سياسة رئيس مجلس الوزراء العراقي
-
عيد العمال العالمي
-
واهداني الكاتب احمد الفارابي هدية العيد
-
هل كانت امريكا هي التي تثير التناقضات الطائفية بين السعودية
...
-
- المحتوى الهابط - في طريقة اختيار رئيس مجلس الوزراء العراقي
-
اليمين الاسرائيلي واليمين الفلسطيني وجهان لعملة واحدة
-
القوّة وحدها تملك امكانية تسمية الامكنة
-
في العام الجديد ( 2 ) المستوى السياسي
-
في العام الجديد
-
تسريبات الصحافي علي فاضل وشكل الحكم القادم في العراق .
-
هل هي صورة مجرم ام صورة لفائز بجائزة ؟
-
بنية الاحزاب الشيعية أم النظام النيابي وراء استمرار العنف في
...
-
بنية الاحزاب الشيعية أَم النظام السياسي النيابي وراء استمرار
...
-
بنية الاحزاب الشيعية أم النظام النيابي وراء العنف في العراق
...
-
النظام النيابي ام البنية الطلئفية وراء عنف الحوار في العراق
...
-
ثورة المرأة الايرانية : الجزء الثالث
-
ثورة المرأة الايرانية : الجزء الثاني
-
ثورة المرأة الايرانية
-
نقيضان لا يلتقيان : الحشد والدولة
-
- ناسا - زيارة الى وكالة الفضاء الامريكية
المزيد.....
-
بعد زيارة وزير خارجية أمريكا.. بنما لن تجدد اتفاق -الحزام وا
...
-
اتهامات بالتحريض وترهيب الشهود.. النيابة الإسرائيلية تفتح تح
...
-
سوريا تحت قيادة الشرع تفتح صفحة جديدة مع الخليج، فهل تنجح بإ
...
-
إسرائيل تصعد عملياتها العسكرية في جنين: نسف 21 منزلا وسقوط خ
...
-
لقطات جوية تكشف حجم الكارثة.. أحياء بأكملها تغرق في كوينزلان
...
-
كيف تتلاعب روسيا بالرأي العام في أفريقيا؟
-
هل نجح نتنياهو بتغيير ملامح الشرق الأوسط؟
-
الأطفال الفلسطينيون المرضى والجرحى يصلون إلى مصر بعد فتح معب
...
-
المتمردون من حركة -إم 23- يدعون حكومة الكونغو الديمقراطية لل
...
-
مصر.. خطاب للسفارة الأمريكية اعتراضا على تصريحات ترامب
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|