|
مقارنة فلسفية بين المعتقدات والمعارف
أحمد رباص
كاتب
(Ahmed Rabass)
الحوار المتمدن-العدد: 7600 - 2023 / 5 / 3 - 02:47
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يمكن القيام بهذه المقارنة الفلسفية بين ذينك الحدين من خلال طرح سؤالين اثنين. يصاغ السؤال الاول بهذه الصيغة: هل المُعتقدات معارف؟ في حين يطرح السؤال الثاني على هذا النحو: ما الفرق بين المعارف والمعتقدات؟ جوابا عن السؤال الأول: هل المُعتقدات معارف؟ قال الكاتب المغربي حسَن الرّحيبي في تدوينته التي نشرها مؤخرا على الفيسبوك إن رجالُ الدّين والوعاظ كثيراً ما يستعملون دلائل من المعتقدات على أساس أنها تمثّل حقائق لا غُبار عليها ولا يأتيها الباطل من خلفها ولا من بين أيديها. للتدليل على هذه القضية، يورد حسن أمثلة كانشقاق القمر، وولادة عيسىٰ بدون أب، وبقاء مريم عذراء رغم إنجابه، وعدم قتله وإنما شُبّه لهم (من الفكر الأفلاطوني في نظرية المثُل: يموت الشّخص وتبقى فكرة الإنسان )، وعذاب القبر، وحشر الأجساد في الآخرة، وتعريضها للجزاء بنعيم الجنّة أو عقابها بعذاب النار ، وغيرها من أصناف الوعد والوعيد والترغيب والترهيب التي يقول عنها سبينوزا إنها وسائل أو آليات لدمج الأشخاص قسراً في طاعة الجماعة. وذهب حسن الرحيبي إلى أن المعجزات التي وردت في كتب الدين بالنسبة للفيلسوف المذكور مجرّد خرافات من أشخاص جاهلين بقوانين علم الفيزياء، لأنهم لم يكونوا فيزيائيين في الأصل . كقول يوشع بتوقف الشّمس كي يمرّ جيش موسىٰ، أو طلوع الشمس من الغرب يوم القيامة بالنسبة لبعض المتشدّدين، والقول بعذاب القبر وما إلى ذلك.. فكل هذه الأفكار الجماعية - يتابع حستدن - لا تخاطب العقل؛ لأن الأخير خاضع للمنطق الشخصي، بل تخاطب الجماعة أو العقل الجمعي الوجداني لتحقيق الإيمان والتصديق بأشياء ليس لأنها صحيحة، وإنما لأنها واجبة أخلاقياً من أجل الانتماء للجماعة الدينية أو العرقية أو السياسية أو العسكرية أو الرياضية.. ويرى ابن رشد، وفق المدون، أن الإيمان والتصديق يتطلبان استخدام الأسلوب الخطابي لإقناع العامّة الذين لا سبيل لهم للاقتناع سوى بهذه الطريقة التي تسلب العقول بسحرها وفتنتها الأسطورية الخارقة، وتستعمل سحر البيان وبلاغة اللغة وضرب الأمثال ( عاد، ثمود، نوح، آدم، حواء ، إلخ..)، وتلجا إلى أسلوب التّرغيب والتّرهيب حتى يتحقق الاندماج بواسطة التصديق والإيمان اللّامشروط والطاعة المطلقة؛ الشيء أدّى بالعامّة والفقهاء إلى إحراق كتب ابن رشد على غرار سبينوزا الذي جنى عليه موقفه العقلاني ونفيه للمعتقدات الجماعية بطرده من الجماعة اليهودية بأمستردام وهو لا زال في ريعان شبابه! هنا يلتفت حسن إلى جهة المعرفة ليقول إنها صادرة عن الشخص وتفكيره، وليست قائمة على التصديق والإيمان، بل على مفاهيم ومنهج وموضوع وهدف وجمهور خاص يقصد فهم وتفسير الظواهر على أساس التحليل؛ أي معرفة مكونات الظاهرة، والبرهان؛ أي الاستدلال على صحة المكونات وعلاقاتها بالمنطق والرياضيات، أو بإقامة التجربة لإثبات صحة علاقات المكونات أو نفيها مثل الماء الذي ينشأ من خلال علاقة ثابتة بين ذرّتين من الهدروجين وذرة واحدة من الأوكسيجين، والأمر نفسه في علوم الطبيعيات والرياضيات والفيزياء والبيولوجيا التي تكتسي مفاهييمها ونتائجها طبيعة كونية التي يعني بها المدون فرض النظرية العلمية على جميع الشعوب والثقافات والعقول، بينما يستحيل إقناع اليابانيين بعذاب القبر لأنهم يحرقون جثث موتاهم ويذرون رمادَها في الجبال والوديان قبل دفنها وانتظار عقابها وحسابها الذي يرجع إلى تصور الفراعنة واعتنائهم بالجثث بتحنيطها كي تحافظ على سلامة أعضائها، ووضعها في توابيت مع الحرص على إخفائها في مدافن ومعابد وأهرامات يصعب العثور على متاهاتها ومساربها حتى لا يقع إزعاجها، وتوضع حليّها ومأكولاتها إلى جانبها كي تتمتع بها في الحياة الأخرى كما يظنون. والآن ماذا عن السؤال الثاني: ما الفرق بين المعارف والمعتقدات؟ الجواب الساذج هو القول بأن "المعرفة موضوعية وصحيحة" بينما "الإيمان شخصي وليس بالضرورة صحيحا". لكن القيام بذلك يغير المشكلة فقط، ومن ثم يتعين على المرء أن يشرح الفرق بين "الموضوعي" و "الذاتي" وبين "صحيح بالضرورة" و "ليس بالضرورة صحيحا". لن نسير في هذا الطريق أكثر من ذلك. وإذا انطلقنا من نزعة متشككًة، نشك في جميع المعلومات التي نتوصل بها، وكذلك تلك المتوفرة لي من خلال الملاحظة أو حتى التجربة الشخصية. في الواقع، الطريقة الوحيدة الجيدة لإدراك الحقيقة بشكل صحيح هي النظر في الأمور بطرق احتمالية. يجب اعتبار جميع المعلومات على أنها محتملة إلى حد ما على نحو قبلي، ثم يجب تقييم موثوقية المصدر، ويجب أن يؤدي ذلك إلى بداهة قبلية جديدة، مع احتمالات جديدة حول صحة المعرفة، حول الأسئلة المتعلقة بالموضوعات المعنية من قبل معلومة معطاة. عندما نبدأ في التفكير في العالم بهذه الطريقة، نشعر أنه يمكننا أخيرا الاقتراب أكثر من الحقيقة، لكننا نشعر أيضا بأنه لا يوجد فرق حقيقي بين المعرفة والاعتقاد، حيث لا تكون المعرفة إلا اعتقادا نضع فيه ثقة كبيرة. المعتقدات هي أشكال المعرفة التي يحصل لنا اعتقاد فيها، ولكنها معرفة محدودة للغاية. كان من الأحسن إنهاء هذه الإجابة عند هذا الحد، لكننا ذهبنا طرا إلى تعريف للكلمتين اللتين يتكون منهما الزوجان :(معرفة/لمعتقد)، حيث يكون لكل فرد معارف يمكنه أن يعتبرها بطريقة عقلانية أكثر أو أقل موثوقية، واعتبارات حول العالم، يمكن أن ينسب إليها مستويات مختلفة من الإيمان. يمكننا بعد ذلك أن نقول إن امتلاك معتقدات عقلانية يعني أن نعزو لكل واحد من هذه الاعتبارات مستوى من الاعتقاد يتناسب مع مصداقية المعرفة المتعلقة بهذا الاعتبار. ومع ذلك، نجد هذا التعريف البديل غير جذاب لأن الناس عموما لا تسأل عما إذا كانت أسباب اعتقادهم بأن المعلومات صحيحة هي أسباب منطقية أو غير منطقية. من كل ما تقدم، نخلص إلى هذه النتيجة: يوجد فرق حقيقي بين المعرفة والاعتقاد. المعرفة ليست سوى معتقدات نثق فيها بقوة.
#أحمد_رباص (هاشتاغ)
Ahmed_Rabass#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فلسفةرتشارد رورتي وموقعها في الفكرالأمريكي
-
فلسفة رتشارد رورتي وموقعها في الفكر الأمريكي (الجزء السادس و
...
-
بيان جماهيري من المكتب السياسي للحزب الشيوعى السودانى
-
أي مستقبل للحلم المغاربي؟
-
فلسفة رتشارد رورتي وموقعها في الفكر الأمريكي (الجزء الخامس)
-
انخراط المغرب في الرأسمالية المتوحشة ضرب التضامن الاجتماعي ف
...
-
الاجواء والظروف الحالية التي يمر في ظلها الاحتفال بعيد الشغل
...
-
فلسفة رتشارد رورتي وموقعها في الفكر الأمريكي (الجزء الرابع)
-
إشكالية الأنا والأخر في -رواية السيد إبراهيم وأزهار القرآن-
...
-
فلسفة رتشارد رورتي وموقعها في الفكر الأمريكي (الجزء الثالث)
-
فلسفة رتشارد رورتي وموقعها في الفكر الأمريكي (الجزء الثاني)
-
في السجال بين ديكارت وهوبز حول الانفعالات
-
فلسفة رتشارد رورتي وموقعها في الفكر الأمريكي (الجزء الأول)
-
هيئات سياسية ومدنية ونقابية تتضامن مع سكان دوار الجديد أمحيج
...
-
هل حميد المهدوي صحافي كما يصف نفسه؟
-
محللون وخبراء يتوقعون حربا مطولة في السودان مع تهديد بالتدخل
-
قراءة في كتاب -التواصل والتنازع: مناظرة هابرماس وليوتار- لغا
...
-
قراءة نقدية لاطروحة محمد بلفقيه الداعية لاستبدال العلوم الان
...
-
السودان: عمليات إجلاء المدنيين والدبلوماسيين الأجانب جارية ع
...
-
كيف حاكم نيتشه الفلسفة الأخلاقية والسياسية لأفلاطون؟
المزيد.....
-
بعد تصريحاته عن -التهجير-.. الملك عبدالله سيلتقي ترامب بواشن
...
-
جورجيا: احتجاجات في تبليسي بعد تشديد العقوبات على عرقلة الطر
...
-
بدل نقل الأسماك.. تحقيق يفضح تهريب بقايا النمور المهددة بالا
...
-
الكبد الدهني.. خضار وفاكهة تساعد في العلاج والوقاية من الإصا
...
-
تحديد هوية المسؤول عن جريمة سودجا
-
غزة.. إسرائيل تخلف معدات عسكرية مدمرة
-
بيان من الرئيس السوري أحمد الشرع بعد لقائه ولي العهد السعود
...
-
أسير إسرائيلي أمريكي محرر يوجه رسالة شكر إلى مقاتلين في -الق
...
-
النيابة الإسرائيلية تفتح تحقيقا جنائيا ضد سارة نتنياهو في أع
...
-
خامنئي: الشعب الإيراني لديه الشجاعة ليقول -الموت لأمريكا-
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|