|
القاعدة والأستثناء في نصوص القرآن بين المطلق والمقيد. 1
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 7594 - 2023 / 4 / 27 - 02:47
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
ظاهرة المطلق الحكمي في توصيف الحالة الحكمية كمعالجة لطبيعة علاقة موجودة أو مطلوبة، لكنها في التعميم تشكل نوعا من الإرهاق أو تسبب خروج من أحد الحدود الكلية الموضوعة سواء في التحريم والتحليل، في التحليل مثلا نجد "أنكحوا ما طاب لكم" القاعدة التحليل ثم عاد فحدد المباح بقاعدة أخرى الهدف منه تقصير العام في حدود خاصة، هذه القاعدة وما تبعها لا تمثل مطبق ومقيد ولا عام وأستثناء، بل توضح حدود العام على أنه ليس بدون نهاية أو مطلق كامل تماما مثل "لا تفتلوا النفس التي حرن الله، هذا في التحريم ولكن قصر القاعدة لتكون "إلا بالحق: فالحق هنا ليس أستثناء بقدر ما هو تحديد للمحرم، الموضوع في المنطق يقول أن المستثنى هو تعيل جزئي من قاعدة كلية متعلق بعلى الأستثاء تحديد، يوجد بوجودها ويعدم بعدمها مثل " إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ۖ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ " فالأستثناء هنا ليس من سنخ تحديد المطلق وتهريف، بل جهل شيء من هذا المحدد خارج الحكم مع بقاء المطلق على إطلاقه. نسقيا أننا نجد أن القرآن من خلال تحديد المعيار الأستثنائي أو معيار الأستثناء يربط بين المصلحة العامة والظرف الخاص دون أن يترك أو يهمل عامل التوازن الطبيعي المطلوب كما في "حرمت"، لكن في التحديد في المثال الأول وتعيين المطلق الممكن لا يستهدف التوازن بالمصلحة والضرر بل يكشف لنا حدود الإطلاق، هناك الأمثلة الكثيرة للفكرتين أو للموضوعين محل البحث وهما سنحدده تسلسليا حيل ورود النص في القرآن الكريم، لنخرج بالنهاية أن ليس كل تحديد للمطلق هو أستثناء وليس كل أستثناء هو تفييد المطلق بحد ما، نبدأ من سورة الفاتحة في الآيتين الأخيرتين تحديد المطلق (ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ) هذا المطلق (صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ) وهذا تعريف المطلق وتحديده). لعل سورة البقرة بطولها وتشعب الأحكام فيها وورود الكثير من القوانين والقواعد التي يمكن أستقصائها منها، هي الأكثر أيضا في إيراد الأمثلة المحددة للنطاق المطلق أو حالات الأستثناء التي تتمايز كل منها بخصوصيتها، وبالرغم من أن مقدمة السورة ولغاية الآية 23 نرى فيها تعريفات وتوصيفات تتعلق بمطلق ومقيد لكنها في المجل لا تعد مثالا صالحا بالكامل لشرح الفكرة حتى نأتي للآية 24 التي تنص (وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ) هذا الأمر المطلق الذي يجب تنفيذه، فكلن الأستثناء هنا واضح وبين (إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ) العلة التي دعلت حالة الأستثناء هنا هي علة تعليلية تفسيرية مكمنها المصلحة التقديرية عن من أستثنى من أمر الطاعة (وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ)، هذه النتيجة أن الرحمة والرضا في المطلق والكفر واللعنة في الأستثناء، هنا يدور سؤال حقيقي هل يمكن أعتبار هذا الأستثناء يناء على النتيجة تحديد للمطلق، بمعنى أن الطاعة هنا مطلق المطلق لا يمكن بأي حال تحديدها بمدى أو حد، والأستثناء هنا ليس أستثناء حكمي بل هو نتيجة مخالفة المطلق، وبالتالي فالصورة تبدو مطلق ومقيد والحقية، أنه لا مطلق فيها ولا مقيد ولكنها مجرد إخبار لا يبني حكم خارج القواعد المعروفة. نعود لقراءة سورة البقر للبحث عن الأمثلة المدونة للحالتين والتي لا بد أنها في النهاية تخضع لقواعد موحدة تبين الفرق بين الأستثناء والتحديد، في الآية التالية صورة واضحة عن المطلق والمقيد الأستثنائي (وَقُلۡنَا يَٰٓـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ وَكُلَا مِنۡهَا رَغَدًا حَيۡثُ شِئۡتُمَا) هذا أمر مطلق واضح وصريح والأستثناء محدد أيضا واضح وصريح بعلة المصلحة (وَلَا تَقۡرَبَا هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ)، فالشجرة ليست هدف بذاتها بقدر ما تنتج منها من أثار معنوية حتى دون أن نعرف ماهية الشجرة (فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ)، هنا يبدو الأمر كما هو واضح أطلاق وتفييد المستثنى بصيغة جليه، ولكن عند تدبر الآية والنص هذا ليس أستثناء ولا تحديد بل الحقيقة هو حكم التعدي على مخالفة المطبق كما في النص الذي قبله، فالأستثناء هو أما إلاحة مؤقتة تتعلق بعلة أو منع مؤقت أيضا بعلة، فمنع الأقتراب من الشجرة لا يشترك لا بالأكل لأفتراق في الموضوع وعلاته، فهولا هي إباحة مؤقته ولا منع مؤقت ولا إخراج حقيقي من الحكم المطلوب أن لا ينتهك وهو المطلق المعين بالنص. بعكس الآية اللاحقة التي يظن البعض أنها خالية من المطلق والمقيد بظاهر الحال، يأ الأستثناء حكميا كاملا فيها، النص يقول (فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ عَنۡهَا فَأَخۡرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِۖ وَقُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوّٞۖ وَلَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُسۡتَقَرّٞ وَمَتَٰعٌ) هذه حالات المطلق الذي حرره النص وتبدأ بقلنا والقول هنا حكم من ناص النص على ما نص فيه إلزاميا وجوبيا بالتنفيذ لا خيار فيه، أما الأستثناء أو الرخصة الممنوحة في عمومية النص، "أن هذا الحكم ليس أبديا على المحكوم به أو المحكوم عليه وإن كان أبديا في ذاته وشكله كحكم تام إِلَىٰ حِينٖ"، فهو يتعلق بالنفاذ النسبي لأن المخاطب به ليس أبديا أو قابلا للأستمرار به لذا جاء الأستثتاء هنا " إِلَىٰ حِينٖ" فالمستقر والمتاع هنا مؤقتان معلقان على بقاء المحكوم به بناء على مقدار تحقق المصلحة للمخاطب به أو يحدث بعد ذلك أمرا. ومثل النص السابق جاءت الآية 62 من السورة بمثال قياسي أخر يبن المطلق والمقيد فكل الذين أمنوا لهم أجرهم ووو ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، هذا مطلق ظاهر فقط والمقيد هو ما يعرف بمفهوم المعاكسة (إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّٰبِـِٔينَ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ)، فالمقيد إذا هو من لم يشملهم وصف الإيمان من الفئات المذكورة بالنص، وستكون النتيجة أن الهم والخوف والحزن من نصيل أولئك الذين لم يراعوا المطلق في مداه المحدد، هذا من جهة ومن جهة يشارك هذا النص أيضا في تحديد حدود المطلق عندما حدد بشكل واضح من هم الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، بأنهم (الذين ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّٰبِـِٔينَ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا)، إذا فليس كل من هو عليها لهم أجرهم عند ربهم، فقد لا يكونوا لا من الذين وصفهم النص ولا ممن يشملهم الوصف المعاكس وهذه فئة ثالثة من ظاهر القول ودلالته وقد وردت نصوص فيما يخص المرجون لأمر الله فأما أن يعذبهم، فيعتريهم الحوف والحزن، أو يعفوا عنهم وبذلك نالوا أجرهم من ربهم.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لست داعية ولا رجل دين بل محب لله 10 والأخيرة
-
لست داعية ولا رجل دين بل محب لله 9
-
لست داعية ولا رجل دين بل محب لله 8
-
أنقذيني من وهج الحريق
-
لست داعية ولا رجل دين بل محب لله 7
-
الليل الهارب
-
لست داعية ولا رجل دين بل محب لله 6
-
لست داعية ولا رجل دين بل محب لله 5
-
لست داعية ولا رجل دين بل محب لله 4
-
لست داعية ولا رجل دين بل محب لله 3
-
لست داعية ولا رجل دين بل محب لله 2
-
لست داعية ولا رجل دين بل محب لله
-
الجل خامس -الشاطر على الأشرار- عظيم أوروك وباني أسوارها الذي
...
-
طير الياسمين
-
ذكر إنما أنت مذكر... ح 7
-
سيرة حياة نبي... ج3
-
سيرة حياة نبي... ج2
-
سيرة حياة نبي... ج1
-
الطبيعة التوصيفية الفقهية الدستورية لنظام الحكم في العراق بع
...
-
الصراع بين الطبيعة التكوينية وضرورات السلام؟
المزيد.....
-
سارت خلف المنضدة وهددته.. كاميرا توثق ما فعلته سيدة بعد مهاج
...
-
دخلت قصر صدام وحاولت الإيقاع بالقذافي.. -فخ العسل- ورحلة الت
...
-
السفارة السورية في الأردن تحصي عدد الجوازات التي أصدرتها بعد
...
-
إسرائيل.. مستشفيات الشمال تخرج من تحت الأرض بعد أشهر من الحر
...
-
تايلاند: إحياء الذكرى العشرين لتسونامي المحيط الهندي في بان
...
-
المغرب.. السلطات تحرر الحسون (صور)
-
عاجل | مراسل الجزيرة: جيش الاحتلال الإسرائيلي يحاصر مستشفى ك
...
-
الائتلاف السوري ينضم للإدارة الجديدة بمهاجمة إيران
-
طعن شرطي تونسي خلال مداهمة أمنية
-
قتل ودمار وحرق.. هذا ما خلّفه الاحتلال في مخيمات طولكرم
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|