|
مو عنذا بوالحوب اوا
عذري مازغ
الحوار المتمدن-العدد: 7592 - 2023 / 4 / 25 - 01:23
المحور:
الادب والفن
كل شيء يتحول: الفن، الشعر، الموسيقى، اللغة، الحياة بشكل عام، اليوم وبعد جولة في الصباح، عدت للمنزل للاسترخاء قليلا، فتحت فيديو للسماع للموسيقى بشكل تتغير الأغنيات بشكل تلقائي إلى أن سقطت صدفة أغنية لم اتوقعها، كانت هي الاولى التي رنمت حسي الطفولي، شعرت بكيمياء غريبة ربطتني بالأغنية كما سمعتها في طفولتي، نفس المطرب، نفس النساء نفس الأداء والإيقاع، الأغنية كانت : "موعنذ بولحوب أوا! أذاس إشِيبْ إخف لاَوْغُورْس يِيوِيضْ" (الأغنية تقول: المصاب بالحب، يشيب رأسه قبل الأوان) المقطع برغم انه غير مسجل بشكل جيد (أدخله صاحب الفيديو ضمن منوعات بشكل لم تكن الأغنية كاملة) ، نعم كانت قصيرة وتتضمن فقط ثلاث أبيات شعرية غير مرتبطة الموضوع كما في جل الأغاني الكلاسيكية الامازيغية بالأطلس المتوسط لكن ليس هذا موضوعي! أثارني بيت شعري بشكل غريب يتكلم عن الدجاج والرحيل بشكل طرحت السؤال التالي: ما علاقة الدجاج بالرحيل وبالحب الرومنسي ؟ أي رومنسية مثلا يثيرها الدجاج في العشق؟ لكن السؤال هذا من منظور الآن (الحاضر) لكن بالنسبة لجيلي يمثل رومنسية رائعة خصوصا بصوت الرائعتان يامنة عقى وتاوسيدانت .. يقول البيت الشعري: "كَرْفَاث إفُلُّوسْن سْغْ إيلا أُحبيب الرّْحيل سْغوإسيكا أحيوض أَتْتابْعَخْ أرْ إِيوْحِيلْ" البيت الشعري مأثور كما في أغلب الغناء الامازيغي الكلاسيكي بالأطلس المتوسط (استعمل دائما كلمة مأثور للشعر الذي لا يعرف صاحبه واصلا قريحة قائله غالبا كانت في غناء جماعي كجل الشعر الغنائي في الأطلس لمتوسط في مرحلة ما بعد دخول الملكية الخاصة) بعبارة أخرى إنه ينتمي إلى الشعر الرحالي وهذا هو القصد من الحديث عن هذه الأغنية. يقول البيت الشعري هذا: "اربطوا الدجاج بما أن حبيبي يريد الرحيل بما أنه أحمق، دعوني أتبعه حتى يتعب" بالطبع تكبيل الدجاج لا يحيل إلى شيء إلا إذا ربطناه بمرحلة معين كان ربطة إشارة تدل على الرحيل والمرحلة هذه هي مرحلة الترحال بين الجبل وأزاغار ولذلك اعتقد أن البيت الشعري لم يستقيم فهم للجيل الجديد إن لم يعش تلك المرحلة، بمعنى أن الدجاج هنا هو رمز إلى عملية أكبر من الدجاج ذاته، هي مجموعة اعمال إن شئنا ترتبط بالرحيل، لكن لماذا تكبيل الدجاج هو الرمز الذي اختاره الشاعر هنا، ببساطة لأن الحيوانات الأخرى ترحل قبل إتمام الرحيل أو بعده لا يهم تقديم رحيلهم أو تأخيرهم ولأنه ببساطة الدجاج لا يساق بل ينقل وفي المرحلة هذه، مرحلة الترحال كانت وسيلة النقل هي البغل (الدواب بشكل عام) والناس تعرف حينها ان القافلة قافلة رحيل حتى وإن غطوا حمولتهم فهم لا يمكنهم ان يغطوا الدجاج. لكن لماذا الدجاج وليس حيوان آخر لا يساق؟ إنها إحالة أخرى لنمط البادية: يفترض في الرحيل أن يكون في بداية النهار وليس مساء ويفترض ارتباطا بهذا ربط الدجاج قبل أن يفيقوا من نومهم في الصباح الباكر . بالنسبة للحبيب في البيت الشعري وافترض هنا ان الشاعر يقصد هجر الحبيب فإنه هنا يعبر من خلال نمط الرحيل على رغبته الشديدة في تحمل الهجر ولو بالرحيل الكلي الذي رمزه هنا ربط الدجاج، وطبعا ما يفيد أنه هجر وهروب هو وصف الشاعر(ة) له بالأحمق ومعناه: بما انك احمق سأتبعك في حمقك وبالثمن الغليظ: بعملية ترحال كاملة. جيلنا بالطبع يستحضر هذه النمطية أما جيل الراب فلا أعتقد وهذا يعني أن حتى الدلالت في اللغة تتحول من نمط إلى آخر واعتقد ان الهالة المرتبطة بالدجاج في وقتنا الحالي لها ارتباط بعالم ونمط مختلف، في النمط الرحالي يرتبط ببنية كاملة من الأعمال البدوية ما قبل الرأسمالية، يرتبط بحياة إيكولوجية، بينما الآن يرتبط بالاستهلاك والتغذية. بيت شعري آخر له علاقة بالدجاج في نفس الأغنية (موعنذا بولحوب، المصاب بالحب) لكن هذه المرة يختلف سياقها عن سياق الرحيل لكن يبقى البيت هذا منمطا بالحب ومرتبط أكثر بالحياة البرية الافتراسية: "ثْنَّاشْ اثْفُلُّوسْث أناوظْ ابدُّوزْ انْفَرْظْ لاثقَّار إِلْباز أَذِيزْلَّعْ ثاذاوْثْ نَّسْ" قالت لك الدجاجة: لنصل إلى المزبلة ونحفر إنها تنادي الباز أن يفجر ظهرها يمكن اعتبار البيت الشعري هذا مثل امازيغي في التفاهة، الحياة تعني الحرص وعدم التهور والبيت الشعري هنا يعكس البيئة التي فيها انتج وهو الاطلس المتوسط الذي في جيلنا كانت تكثر فيه الغابات وبسبب من هذه البيئة كان المجتمع الإنساني في نضال يومي لحماية دواجنه ومواشيه باعتبارها مصدر رزق ، نضال ضد الطبيعة غي الحرث والانتاج الزراعي، ضد الحيوانات المفترسة والتي في طفولتي لم يكن فيها الأسد والنمر (كان حضوره في قصص الجد والجدة) لكن حيوانات اخرى لم تنقرض بعد مثل النسر والباز والذئب والآدم الوحشي واعتقد هو المقصود في الأغنية: لا مجال للتفسح في بيئة فيها وحوش، الشعر هنا يكرس وضع السكان النائيين عن سيطرة الأمن المخزني بعد الاستقلال وحتى لا أبالغ في تسييس الوضع ودعونا نتكلم عن الحياة الإيكولوجية الأطلس متوسطية: إن البيت الشعري يعطي المثل للحبيب انثى كان أو ذكر المتهور الذي يعتقد انه في سلم وسلام مع البيئة المحيطة به أو بها ويمكن ان ننتقل ببساطة للتحول في المجتمع مع ظهور التبرج: الدجاجة في المزبلة إحالة إلى استعراض فاتن مغري ينادي من هب وصب والشاعر أو الشاعرة هنا متحفظ أو متحفظة بشكل هما ضد التبرز في مكان ظاهر. والحال يقول ان التبرج قد يصيب بما لم يكن مقصودا في الإغراء. قد لا تنال حبيبا بل مغتصبا، وعموما قصدي من هذا هو توظيف تلك اللغة الجميلة البدوية في التعبير التي ربما لا يستوعبها الجيل الجديدمن منطلق واقع التحول: ابن "الباب" من هذا الجيل لم يشاهد يوما دجاجة في مزبلة كما أعتقد ولا يمكنه ان يمنحنا تعبيرا يصل إلى مستوى المثل او الحكمة. البيت الثالث لا علاقة له بالدجاج لكن له علاقة بالحكمة والمثل وهنا أعود لأقول بان الأغنية الامازيغية الأطلس متوسطية لا تنسب إلى ما يسمى حاليا بوحدة الموضوع: إنها اغنية ذات إيقاع معين وكل الأبيات المأثورة التي يتناسب وقعها مع إيقاعها يمكن إدخالها في الأغنية بدون أية عقدة. البيت يقول: حين تجدون شخصا ترك أهله فذاك يعني انه فقد عقله، ورغم ان الاغنية عاطفية إلا انها تجلب أمثلة في نمط الإجتماع الإنساني المغربي. ما أريد قوله هو ان الفهم في الأدب والعلم والفن يتأثر بالإطار التاريخي الذي أنجبه وإذا كانت الفيزياء والرياضيات والعلوم الأخرى تحتفظ بألف بائها التي تؤطر لعهود قديمة بشكل تحافظ على تطورها فإن مجال الادب والفن لا يفهم إلا في سياقه التاريخي وأن اللغة في نمط قديم ليس لها نفس المدلول في نمط جديد. الدجاجة لا تثير أية رومنسية لجيل "الباب" لكن كانت تثيره في زمن آخر، نعم كانت تثيره في زمن بدوي ايكولوجي وهذا هو الفارق . بدأت أكتب هذا المقال وفي نفس الوقت نشرت في صفحتي الفايسبوكية جزءا منه، صادفني في التعليق واحد من اعز أصدقائي الذي أحالني إلى فكرة مركزية، تعليقا على الموضوع وهو الدكتور مصطفى فاروقي الذي قال في تعليقه: اعلم ذلك صديقي ، وما اثارني بالضبط في تدوينتك وكان باعثا على تعليقي العابر هو حسك التأويلي لسلوك قد يبدو لغير العارف بالسياق نافلا لكنه ليس كذلك والدليل ان صورته اليوم أصبحت حكمة ...لمن أراد أن يخطط لعملية من العمليات عليه اخذ الوقت( لي بغا يدي الدجاج ل السوق خصو يكتفو بالليل) وهو رد اعتبره مقنع ويتجاوز قدرة تحليلي .
#عذري_مازغ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثورة البقر في الرباط
-
عيشة قنديشة (كل الثائرات متشابهة)
-
فارس اليانصيب
-
من هم سكان المغرب الأقدمون؟
-
عودة إلى إشكالية اللغة والهوية
-
الأمازيغية حين ترفض بهواجس عنصرية
-
شمال إفريقيا وإشكالية التراث
-
حول المانعة الثقافية
-
الإرهاب الفكري أو الترهيب في الفكر
-
الغش في المونديال
-
نارجيلة الإخوان لتدخين الإيمان
-
حديث الجبل والغابة 6
-
مقال قصير
-
حديث الجبل والغابة (5)
-
امنحني قليلا لأني جننت
-
أزمة السوريين في صحراء النيجر
-
مقتطف رابع: حديث الجبل والغابة (تتمة للمقطتفات (4))
-
مقتطفات 3 (تتمة)
-
تتمة للمقتطفات 2
-
الأنسنة قبل البحث عن كوكب آخر
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|