|
التنميط والبرمجة لافتعال الفرح فى الأعياد
منى نوال حلمى
الحوار المتمدن-العدد: 7591 - 2023 / 4 / 24 - 21:43
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
---------------------------------------------- عند مجئ الأعياد ، أشعر بمزيد من الغربة والاغتراب . وخاصة أن أعيادنا ممتزجة بشهوة الطعام . وأنا لا أحب الشهوات التى اعتاد عليها البشر ، ويمكن أن تدفعهم الى سلوكيات بدائية الغرائز ، وأنانية ، عنيفة الانفعالات ، ضد التحضر والحكمة والتعقل . منذ أزمنة طويلة ، والناس فى بلادنا يحتفلون بعيد " الكحك " ، وعيد " الخرفان " ، و عيد " فسيخ شم النسيم " ، وأعياد ومناسبات أخرى كثيرة . ما علاقة الأكل ، وحشو المعدة ، بالأعياد ؟؟. أنا أختار ماذا يدخل فمى ، متى أشاء ، كيفما أريد . كل أنواع الوصاية ، أتمرد عليها ، ولا أسمح لها أن تغير مجرى النهر ، الذى اخترت السباحة فيه ، ولا أن تفرض ما يعكنن مزاجى ، ويفسد أسلوب تفكيرى ، أو يخدش قناعاتى ، نحتها على جدران الكون ، بدمى ، وقلمى ، وأعصابى ، وألمى . فى الأعياد والمناسبات ، أختفى عن الأنظار ، أصمت ، أحتمى بوحدتى ، وهدوء صومعتى ، وشدو القصائد ، وشجن الذكريات . " الكتابة " هى الشهوة الوحيدة التى أعيش من أجلها ، وأنتظر حضورها ، وأنا فى كامل أناقتى ، ومنتهى جنونى ، وقمة عدم انتمائى . الاحتفال بالأعياد المدونة فى الأجندة ، لا تهمنى ، ولا تعنينى ، وليس بامكانها أن تمنحنى لحظة هدوء أو لحظة تحقق أو لحظة فرح . برمجة الناس على افتعال الفرح ، وتأدية طقوس معينة ، فى أوقات محددة سلفا ، كما فى الأعياد ، يرسخ حضارة المجاميع المتشابهة ، ويسهل تعبئتهم فى قوالب جاهزة التركيب . والناس أو معظمهم ، فى كل زمان ومكان ، يشعرون بالأمان عندما يصبحون ترسا فى آلة ضخمة ، أو جزءا من قبيلة ، أو مجموعة ، أو حزب ، يفعلون مثلما يفعل أفراد القبيلة ، ويفكرون مثما يفكر الجميع فى المجموعة ، ويسرى عليهم ما يسرى على أعضاء الحزب . أنا لا افرق كثيرا بين الأعياد ، والأحزاب . كلاهما يهدف الى دمغ الناس بختم معين ، والغاء فرديتهم ، وبرمجتهم فى جميع مواقف الحياة . وشهر رمضان فرصة مواتية للمشاركة فى تنميط الناس ، عن طريق المسلسلات التليفزيونية ، وبرامج الترفيه ، وغيرها من تسالى رمضان . لا أتذكر أننى فى يوم من أزمنة رمضان ، شغلنى التفكير ، وأرقنى التساؤل ، " هل الممثلة فلانة لها مسلسل ؟ " . أو " هل الممثل علان عاملنا مفاجأة فى رمضان ؟ ". كنت دائما أندهش ، من اهتمام الناس بمسلسلات رمضان ، وجلوسهم بالساعات ، أمام الشاشات ، لمتابعة الحكايات والحواديت . وكأن الفن والابداع ، قد تم اختصارهما فى هذه المسلسلات . أو كأن رمضان لا يكتمل ، ولا يصح ، بدون هذه المسلسلات . ويحدث وهذا وارد ، وطبيعى ، ومتوقع ، أن يكون واحد من المسلسلات ، ردئ فكريا ، وفنيا ، أو ربما كلها . ولكن الناس لا ينصرفون عنه . بل يظلون مثبتين على الكراسى أمام الشاشات بالساعات ، رغم استيائهم من اقتحام الاعلانات ، التى تفسد متعتهم وتركيزهم . عندما يعلم أحد ، أننى لا أتابع ، ولا أشاهد ، مسلسلات رمضان ، ولا أشترك فى تقييمها من نواحى الابداع المختلفة ، ينظر لى كأننى كائن غريب هبط من الفضاء ، أو لست " مصرية " بما فيه الكفاية ، أو لا أعطى شهر رمضان ، ما يستحقه من اهتمام ، وتقدير. ان الطقوس الموروثة للاحتفال بالأعياد ، وما يرتبط بها من زحام الكبار ، ودوشة الأطفال ، وهرولة النساء والرجال الى الشراء ، والزيارات المفروضة ، وحفلات الزواج والزفاف والخطوبة ، والعزايم والهدايا ، وأخذ العيدية ، جزء لا يتجزأ من عملية التنميط والبرمجة والتعليب والقولبة . هل مجرد قدوم يوم أو شهر ، له عادات وتقاليد منذ أزمنة سحيقة ، كفيل أن يزرع فينا الفرح ، والبهجة ، وعناق الحياة عناقا حقيقيا ؟؟. فى الأعياد ، أجد التساؤل مُلحا أكثر . ما الهدف من الحياة فى بلادنا ، ذات المركز الأخير فى جودة الحياة ؟؟. أهو الأكل والشرب والشغل وزيارة الأصدقاء والأقارب حاملين معنا الكحك والذبائح والفسيخ والبصل ، نشترى الأشياء ونتعامل مع أحدث الأجهزة ونتزوج ونتكاثر، ونتفرج على مسلسلات للاستهلاك ، ثم نُزف الى قبورنا ؟؟. منذ قرون ، وبلادنا تذبح الأضحية ، وتأكل الكحك والفسيخ ، ولا شئ يُذكر تغير فى ثقافتنا وأفكارنا ومعاييرنا الأخلاقية . كل الذى نفعله - وسوف يفجر كارثة قريبا - أننا أصبحنا 108 مليون نسمة تقريبا هذا العام . أعتقد أن الفرح الحقيقى ، نحن الذين نصنعه بطريقة تفكيرنا ، والأهداف التى نشتغل لتحقيقها ، والابداعات التى ننجزها . الفرح الحقيقى أبعد ما يكون عن الصخب . الفرح الحقيقى دائما ما يأتى مخفيا ، يتسلل الى مسامات الشعور بنعومة وهدوء وسلاسة . فى حفلات الزواج والزفاف ، يبالغ الناس فى استعراض الفرح ، لتغطية غياب الفرح الحقيقى ، النابع من علاقة ليس قوامها البيع والشراء ، ليس فيها طرف أعلى وطرف أدنى ، علاقة عادلة ، صحية ، سوية ، لا تبحث فيها المرأة عن واحد ينفق عليها ، ولا يبحث فيها الرجل عن واحدة تخدمه وتطيعه وتلبى نداء النكاح الشرعى ، متى تعفرتت غريزة نصفه الأسفل . هل يمكن أن يعوض أكل الخرفان وأكل الكحك وأكل الفسيخ ، عن عدم العدالة بين العروس والعريس ، أو عن الأساس التجارى الذى قامت عليه الزيجة ؟؟. تماما مثل الافراط فى استعراض مظاهر وطقوس الدين ، لتعويض عدم وجود التدين الحقيقى ، والتغطية على " بيزنس " التجارة بالدين . وهل يمكن لأسرة أن تبتهج حين تخرج لشم النسيم ، فاذا بها تشم عادم السيارات ، الذى أصبح من معالم حياتنا ، ولا جهة تتدخل لفعل شئ رادع . ماذا تفعل وزارة البيئة ؟؟. تجئ وتروح الأعياد بطقوسها وأطعمتها ، سنوات وراء سنوات ، ولم تتحسن أخلاقنا ، ولم تقل جرائمنا . العيد الحقيقى ، هو نجاحنا فى كسر الحدود ، وتجاوز الخطوط الحمراء ، التى تبقينا داخل سجون ثقافة نحن الذين خلقناها وأبقينا عليها ، ثقافة متخلفة ، عنصرية ، " ماشية جنب الحيط " ، تستهلك ولا تنتج ، تنافق ولا تواجه ، ذات معايير للشرف والفضيلة مريضة ومختلة ، تخاف النقد لا ستئصال الجذور العفنة ، وبدلا من التخلص من صفائح القمامة ، تثبتها فى مكانها وترش عليها العطور . الأعياد التى تفرح وتبهج وتسعد ، هى : 1- يوم نسف الذكورية فى البيت والدولة . 2 - سحب الجنسية المصرية لمنْ يذبح الفتيات والنساء بسبب فقد غشاء البكارة . 3 - تساوى معايير الشرف ومعايير العُهر بين النساء والرجال . 4 - الغاء المادة الثانية من الدستور . 5 - الغاء الوصايا الدينية ومنع استعراض الرموز والاعلانات والأزياء الدينية . 6 - زواج مدنى موحد يعدل بين النساء والرجال . 7 - الغاء مكبرات الصوت فى أى مكان . 8 - تجريم التلصص على الحياة الشخصية للنساء والرجال . 9 - تحديد النسل ، بطفل واحد للأسرة . 10 - بناء المستشفيات والمصانع ودور الترفيه والمساكن اللائقة فى القرى . من الواضح أن هذه الأعياد التى تدعو الى الفرح الحقيقى ، هى شغل " الثورة الثقافية " . فى 30 يونيو 2013، كانت الثورة السياسية ، أنقذت مصر من الضياع والخراب والدمار . كان من المفروض أن تبدأ بعدها مباشرة " الثورة الثقافية " . وهذا لم يحدث . ان مصر ، " ثقافيا " تستحق ما هى عليه الآن ، وهى ممتلئة بالطاقات والمواهب المبدعة ، التى تحلم بالتغيير الثقافى . لكنها مهمشة ، ومحتجبة ، ويائسة ومحبطة . أول وأهم شئ ، يجب أن يكون فى الأذهان ، هو أن هناك فارقا هائلا بين تقديم " الأنشطة الثقافية " ، وتقديم " الثقافة " . ان اقامة المهرجانات والحفلات والمعارض والندوات ، هى" أنشطة ثقافية " ، وليست " ثقافة ". تقديم " الثقافة " ، فهو تغيير المفاهيم والقيم والتوجهات الفكرية ، المعششة فى عقولنا منذ قرون ، ولا أحد يمسها .
#منى_نوال_حلمى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا أحد يحب الفقراء الا أمهاتهم
-
حتى - فساتينى التى أهملتها - فرحت بى وأنا أكتب لذكرى ميلاده
...
-
كانت أمى .. قصيدة فى يوم ذكرى الرحيل الثانية
-
الصفقة .. أخيرا قررت قصيدتان
-
رجل أحبه اسمه - عادل خيرى - النجم اللامع رغم الجحود والنسيان
-
8 مارس والبيعة الفاسدة
-
رائحة العُهر المرخص ... خمس قصائد
-
الكهنوت الذى يمشى مختالا فى طرقات الدولة المدنية
-
رجل .... أربع قصائد
-
يا منْ تتسلق الجبال .. لك الاختيار ....... قصيدتان
-
ليلة فالنتين ... قصيدة
-
- مى - أختى لم تنجبها أمى وشبيهتى الى حد الأسى والمرارة
-
اعادة فهم العاطفة .. أرقى ما نملك
-
يا أنت .. ماذا أريد منك .. امرأة البحر ...... ثلاث قصائد
-
لست امرأة الأبد .... خمس قصائد
-
30 يناير اغتيال - غاندى - : الحقيقة تبقى حقيقة حتى لو لم يؤم
...
-
هو لا يتكلم وأنا لا أعود ... قصة قصيرة
-
امنحينى قليلا من الوقت ... قصيدة
-
الشخصيات المبدعة - محميات طبيعية -
-
تنقصنى الشجاعة الكافية .... قصيدة
المزيد.....
-
هذا الكاتب أكل في أفخم مطاعم العالم وهذه أفضل الوجبات التي ت
...
-
المغرب.. غزارة الأمطار تغرق شوارع طنجة
-
مأساة تزلج تتكرر بعد 63 عاماً، حادث طائرة واشنطن يعيد كابوس
...
-
عضلة أنسجة اصطناعية تنمو مع القلب.. حل علمي مبتكر قد يعالج ا
...
-
بيسكوف: -بريكس- لا تعتزم إصدار عملة موحدة بل منصات استثمارية
...
-
-ترامب لن يستسلم-.. تعليق إسرائيلي على الضغوط الأمريكية على
...
-
مشاهد قريبة وجديدة للحظة تصادم مروحية عسكرية بطائرة ركاب فوق
...
-
أمريكا تحذر لبنان: لا مكان لـ-حزب الله- في الحكومة الجديدة
-
باشينيان يقترح تعديل نص النشيد الوطني الأرمني ويحدد -القافية
...
-
تقنية حديثة تكشف أسرار مدينة مفقودة عمرها 600 عام مدفونة تحت
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|