|
الجد الأكبر - جبتو مصرايم - هيروغلي.عبراني (7)
محمد مبروك أبو زيد
كاتب وباحث
(Mohamed Mabrouk Abozaid)
الحوار المتمدن-العدد: 7587 - 2023 / 4 / 20 - 23:13
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
نكمل حديثنا حول برديات مانيتون السمنودي الذي أسس لتاريخ المصريين القدماء باللغة الهيروغليفية، ووضع لهم قواعد علم التاريخ وقسم الأسرات والحقب التاريخية ، وما زال علماء الآثار يعتمدون على كتاباته حتى اليوم في تفسير التاريخ كله ، باعتباره الأب الروحي للمصريين وأنه المؤرخ الوحيد الناطق بلغتهم وبلسانهم، وسنكشف في هذه السلسلة من المقاتلا كيف أن مانيتون هذا شخص يهودي متخفي يقوم بعملية تدليس صهيوني مبكرة ، وأنه كان ضمن فريق الصهيونية المبكرة الذين عملوا على إعداد وجبات غذاء ثقافي للشعوب بحيث تصبح مرجعية الشعوب الثقافية بيد الصهيونية ، وفي برديات الجبتانا سنقرأ معاً بعض نصوصها لنكتشف هوية المؤلف الحقيقة، وكيف أنه شخص عربي يهودي بدوي صرف، وليس قبطياً بأي حال..
حيث يطرح المؤلف في كتاب الجبتانا عدة حكايات وأساطير تعرضنا لها في المقالات السابقة ، ثم تتطور الأسطورة حتى يصل المؤلف إلى رغبة جبتو في إنشاء جبتانا ثانية، فيقول: بعد وجبة الصباح في يوم من أواخر أبيب، قام الجبتيون بجمع كميات كبيرة من البوص والخيزران والبامبو الجاف، وقاموا بتحزيمها وتربيطها مكونين عدداً كبيراً من الأرماث بعضها من حزمتين وبعضها الآخر من اثنتي عشرة... أثناء ذلك جُمعت أمتعة الأسر الراحلة وهي أسر جبتو ولابانو وآسو وجبجبا، (إشارة: اسم لابانو؛ من اللغة العبرية ولا وجود له في الهيورغليفية) كما جُمعت أمتعة الفتيات والفتيان والغلمان والصبية الذين اختاروا الرحيل مع جبتو... فوجئ الجميع بجبتو يحفر بمعوله الحجري قبر "جبتو مصرايم". ولما وجدوه يفعل ذلك ساعده مجموعة من شباب القرية واستخرجوا عظام "جبتو مصرايم" وقام جبتو بغسلها بالماء ثم وضعها مرتبة من الرأس إلى القدمين على جلد بقرة ثم لف الجلد وربطه بحبل من الليف ونقلت اللفافة ووضعت على طوافة من الطوافات ومعها الأمتعة الخاصة لجبتو مصرايم "
ونلاحظ؛ يحاول المؤلف هنا التقعيد لنظرية التحنيط وحفظ جثث الموتى، ويلفت نظر القارئ إلى جذور فكرة الاهتمام برفات الموتى، لكنه سيقع في خطأ يكشف كذبه.. إذ أنه ادعى أن الجبتيين كانوا يدفنون موتاهم بوضعهم في قبورهم على وضعية القرفصاء، بحيث يضع المتوفى رأسه بين ركبتيه وإهالة التراب عليه والأحجار، وهذا لم يحدث وما كان أن يحدث، لأن الإنسان بالفطرة يسعى لإراحة المتوفى إما بوضع الجثمان مستلقياً على ظهره أو على أحد جانبيه، وقد عُثر على حالة من أقدم عمليات التحنيط في العصر الحجري، وكان المتوفى مستلقٍ فيما يشبه بانيو بيضاوي الشكل، والجثمان مستلقٍ على جانبه منحني للأمام نسبياً وحوله بعض القوارير والأواني.
وتقول الأسطورة أن الجبتيين تقدموا وعلى رأسهم جبتو إلى منطقة المغارات وقد تركوا أرماثهم وطوافاتهم مربوطة بحبال إلى أشجار الشاطئ... وصلوا إلى المغارات في التلال البيضاء... نظفت الأسر المغارات لتستخدمها للإقامة بدلاً من الأخصاص، وعرف الغلمان الفتيات وكونوا أسراً جديدة في المغارات الكثيرة في منطقة التلال البيضاء... واختار جبتو ساحة كبيرة لتكون مركز القرية، وخصص مكاناً منها لنار القرية وأحجار التقدمة المقدسة... وأخذ جبتو يحفر ومعه مجموعة من الشباب في الجانب الغربي من الساحة... ولما كانت الأرض تزداد صلابة كلما حفروا واكتفوا بحفرة طويلة كأنها رسم إنسان، وحمل جبتو حزمة عظام أبيه " جبتو مصرايم" ووضعها في ذلك القبر جاعلاً الرأس في مواجهة الشرق حيث مشرق رع ووضع في القبر أمتعة جبتو مصرايم الشخصية سكينه الحجرية وعصا الصيد وذات الرأس الحجرية ووعاء الشرب المصنوع من عقلة البامبو.. ثم أهيل التراب على بقايا جبتو مصرايم " (الجبتانا " ص 133)... وتكمل الأسطورة بأن جبتو ارتكن على باب بيته وذلك في أواخر شهر مسرى سعيداً بجبتانا الجديدة ... جبتانا البيضاء.. التي أطلقوا عليها اسم "عين شمس" نظراً لأن الشمس في الصباح والغروب كانت تعكس سهامها الذهبية على بنابن أو قمم التلال البيضاء، فيظهر قرص الشمس وقد جنحته السهام الذهبية.. ارتكن جبتو على باب بيته سعيداً بعين شمس التي اعتبرها حرماً لرع... وخاطب جبتو رع بترنيمة الصباح ..
ونلاحظ أن السياق الفكري للقصة أعقد من سياق الأحداث الساذج البدائي، فلا يوجد بها انسجام بين الفكر وطبيعة الحدث وعصره؛ إذ أن المؤلف كان يحاول العودة إلى الجذور الإثنية والطبيعة الديمجرافية للشعب الجبتي وحياته الاجتماعية على ضفاف وادي النيل فرسم سيناريو أحداث بدائي جداً (حياة الكهوف والمغارات والصيد في الغابات)، لكنه في ذات الوقت حمّله بأفكار متطورة جداً لا تتسق ولا تنسجم مع سياق الحدث، حيث يقول أن القبيلة تستخدم الصوت الإشاري " جبتو.. جبتو " ويعيشون حياة الغاب البدائية، وفي ذات الوقت تدور القصة حول مدينة منف وعين شمس ورمزية انعكاس أشعة رع، وحول " أبي الهول" وهو يمثل قمة التطور الفكري في إيجبت القديمة.
فعقيدة التاسوع المقدس متطورة جداً إذا ما قورنت بسياق الرواية، إذ يفترض أن عبادة الإنسان في هذا الوقت كانت بدائية على قدر معيشته البدائية.. تقول الأسطورة: بمجرد أن هجرت الآلهة أرض مصر تصحرت الفيافي الغربية والشرقية ونضبت مياهها وجفت غدرانها.. وترتب على ذلك صراع رهيب بين عائلات النيلوس الجبتية التي كانت تقيم في كهوف الفيافي والبراري الغربية .. قبيلة تغير علي قبيلة يحدوها قانون البقاء والقبيلة المنتصرة ربما تبيد القبيلة المنهزمة إبادة كاملة... بل ربما كانت أمخاخ المهزومين وأكبادهم وقلوبهم وليمة أولى للمنتصرين... ولهذا بدأ الزحف البطيء في اتجاه النيل..." ( الجبتانا " ص 55 ).
فهل من المتوقع أن تكون هذه القبائل المتصارعة قد تطورت عباداتها وعقائدها إلى المستوى الذي تتحدث فيه الجبتانا ! فالجبتانا ترسم أبطال بدائيين جداً للقصة (هم من وحي المخيلة اليهودية وطبيعة حياة العرب)، وتستخدم في ذات الوقت أفكار عقائدية متطورة جداً مثل عبادة الإله تحوت إله الحكمة، والإلهة نوت ربة السماء والإله جب رب الأرض، والإله حابي إله النيل، والشادوف السماوي والإله رع والإله آمون والإلهة حتحور والإله أنوبيس..إلخ، ثم يقفز عبر الزمان ليذكر مدينة منف ومدينة عين شمس، بينما هو يتحدث عن حياة قبلية بدائية حيث الأسرة لا تفرق في الجنس، وتدع جميع الذكور للجميع وجميع الإناث للجميع ! برغم أن هذه العقيدة، لن نقول أنها لا يمكن أن تحدث في مجتمع وادي النيل، بل إنها لا تحدث في الإنسان عامة بالفطرة ولا حتى في الحيوان ! فهي فكرة يهودية شيوعية صرفة من قديم الزمان .
ثم يصفهم بالحيوانات البشرية فيقول: في أدغال ومستنقعات النيل عاشت حيوانات وزواحف الأدغال كما عاشت المسوخ والتنانين والمردة والأوتان ومسوخ أبي الهول ذات الوجوه البشرية والأجساد الحيوانية. أما الحيوانات البشرية التي تفرعت عن سلالة الآلهة وهم الجبتيون فقد عاشوا إلى الغرب وإلى الشرق بعيداً عن أهوال أدغال النيل وكانت معظم أنسال الآلهة من الحيوانات البشرية تقطن الغرب. ( " الجبتانا " ص 49 ). فهل نتوقع من كاهن مثل مانيتون أن يقع في هذا التناقض المعرفي ! كيف يصف الجبتيين بأنهم أبناء الآلهة، وأنهم المقربون إلى الله، ثم يصفهم بأنهم حيوانات بشرية تعيش حياة همجية !
وفي صفحة 48 تقول: هجر الآلهة الأرضين إلى السماء واهتم الآلهة بجنة السماء وبالنيل الذي في السماء " وابتدأ الذي في الأرض يفيض مرة واحدة في العام بعد أن كان يفيض في كل شهر... وقل ماؤه الذي كان يفيض فيصل إلى جميع أرض الجبتوس وانحصر ماؤه في مجرى النيل الأصلي.. وبدأت جنة الآلهة الأولى وهي جبتانا أرض الجبتوس تصبح أرضاً تقل فيها المياه.. وبالتدريج تحول الجبتوس فصاروا حيوانات بشرية متصارعة.." ( " الجبتانا " ص 48 ) . ((هذا الأسلوب لا يمكن أن يخرج من لسان مانيتون لأنه يتحدث بلسان الغريب وكأنه ليس ابناً من أبناء هؤلاء الجبتوس، ثم كيف يصفهم وكأنهم حيوانات متصارعة.. والسياق العام للأسطورة يتحدث على لسان شخص من الغير وليس من ذات الشعب. أي لا يوجد أي انتماء بين المتحدث والذين يتحدث عنهم باعتبارهم أجداده، فهناك شعور دفين بالاغتراب لدى المؤلف، ما يؤكد أنه مؤلف لا ينتمي إلى من يكتب عنهم.
في صفحة 61: مات الغلام فقد لدغته أفعى أثناء الصيد وحفروا له حفرة خارج المعسكر وأجلسوه القرفصاء داخل الحفرة ثم أهالوا عليه التراب والحصى. وجمعوا كمية من الصخور والحجارة ووضعوها فوق قبره، حتى لا تصل إلى جسده حيوانات الليل النابشة... وتذكر الكبار من الجماعة حياتهم في براري الغرب وكهوفه ودارت في رؤوسهم تلك الحوادث القديمة حين كانت القبيلة تتخلص من المرضى وكبار السن برميهم من فوق المرتفعات أو بتركهم فريسة لوحوش البراري. .. الموت إذن حدث عابر والمهم أن يكون عدد المواليد أكبر من عدد الوفيات حتى تنمو قبيلة جبتو وتشعر بالأمان، فالنساء يلدن والأطفال ينتمون للرمز الإشاري للقبيلة "جبتو.. جبتو" كما ينتمون لأمهاتهم ولم يكن العرف في ذلك الزمن السحيق يهتم بتنظيم دقيق للعلاقة بين الذكور والإناث فالذكور كلهم للقبيلة والإناث كلهن لها. وكذلك النسل الجديد.
وفي موضع آخر يقول:" شاءت إرادة رع أن يشق نهر عظيم في الأرضين وأمر رع ذلك النهر أن يتحول ماؤه إلى خمر... وشربت التوائم المتلاصقة من خمر النهر فسكرت فأمر رع ملائكته ومعاونيه من الأرباب والآلهة أن يأخذ كل واحد منهم شعرة من رأس رع وأن تستخدم الشعرة المقدسة لفصل تلك التوائم المتلاصقة.. فصل جبتانا عن جبتو وكذلك فصلت الذكور عن الإناث من كل التوائم ونشأ شعب هم الجبتوس أو النيلوس، ومن النيلوس كانت تسمية ذلك النهر المقدس النيل... وما أن فصلت تلك التوائم حتى ضعفت إلهيتها وظهرت حيوانيتها فعرفت الموت والزواج وانتصرت إرادة رع... لكن الجن والشياطين والأبالسة بدأت تكون جبهة ثالثة.. سيطرت هذه الجبهة الشيطانية على الجبتوس أو النيلوس.. وبدأ الحيوان البشري يناصر الآلهة أحياناً " ( " الجبتانا " ص 47 ) ... هذه التصورات الشيطانية العدوانية ليست من بنات أفكار شعب وادي النيل، لأنهم كانوا يقدسون الآلهة ويحترمونها، ولا يمكن أن يتحدث كاهن عن هذه الآلهة المقدسة بهذه اللهجة وبهذه الدرجة من البجاحة، وحتى وإن وجدت هذه التصورات والصراع بين الخير والشر، لكن لا يمكن إعادة توثيقها وتقديسها في المتون حتى عصر مانيتون، بل إن اليهود هم الفئة الوحيدة من البشر التي تتعامل مع الإله ببجاحة.
الأسطورة في مجملها غير مترابطة العناصر لأن مستوى الفكر الذي تتناوله والآلهة نوت وحتحور، هذه الفلسفة متطورة جداً إذا ما قورنت بسياق الحشو القصصي الذي يدور حول بداية الخلق وقبيلة جبتو مصرايم التي تعيش في أخصاص من القش والطين وتمارس الصيد في البراري وتذبح بالحجر، فهذه البيئة البدائية والحياة البدائية لا يتطور فيها عبادة نوت وحتحور، بل إن هذا العبادات كانت وليدة مراحل متطورة جداً من الفكر في إيجبت القديمة واستغرقت دهوراً طويلة جداً عكف الكهنة في المعابد على صياغة تراتيل ورسم تصورات هذه العبادة، ولا يتصور نشوء هذه العبادة بالتزامن مع عشيرة "جبتو مصرايم" التي تعيش حياة فقيرة وبدائية، بل إنها تستخدم الحجر في الذبح التشظية في الإشعال ما يعني أن عبادتها على ذات المستوى من تطور الفكر...
وفي الإصحاح الرابع: مع نهاية شهر مسري بدأت مياه النيل في الانحسار وذلك أن حابي إله النيل والمياه الذي يقيم في جنات عدن كان في نهاية مدة استخدامه للشادوف المقدس الذي صنعه له الإله بتاح. والذي نصباه عند البوابة الذهبية لمنبع النيل. لقد استمر حابي يعمل بشادوفه المقدس طوال أشهر الفيضان الثلاثة بؤونة وأبيب ومسرى. وآن له أن يرتاح. استعد للعمل بالشادوف السماوي في العام القادم لنقل المياه من جنات عدن إلى بوابة النيل الذهبية (هذه التعبير في حقيقته " لنقل المياه من جنات عدن إلى بوابات النيل الذهبية " يعبر تعبيراً صادقاً وصريحاً عن مكنون المؤلف في نقل جذر السلالة اليهودية من جنة عدن الموصوفة باليمن إلى نهر النيل..) ... بعد توقف الفيضان تخلفت بحيرات وبرك ومستنقعات وأدغال مليئة بالطيور والأسماك وبثمار أشجار الموز والنخيل والعنب والرمان وكذلك جفت الأراضي والغابات وامتلأت خضرة كما امتلأت بأعداد من أسراب البقر والوعول والغزلان والخنازير وكافة فصائل الحيوان.. ولا يزال جبتو يصاب بالحيرة إذا ما تذكر " جبتو مصرايم" فرأي صورته بعين خياله أو رآها فيما يرى النائم في حين أنه يعلم أن جبتو مصرايم الجسد لا تزال جثته راقدة في خندق السور..." (" الجبتانا " ص 95 ) فهل كان جبتو ما زال على قيد الحياة في الكهوف ويتذكر أبيه جبتو مصرايم، في الوقت ذاته الذي تطورت فيه الحياة إلى أن وصت الحضارة إلى وضع تقويم كامل ودقيق !
فالمؤلف يستخدم أدوات التقويم بكفاءة عالية جداً من حيث أشهر السنة القديمة، حيث ذكر أسماء الشهور (مسرى – بنشنس- برمهات- وكهيك – توت – بؤونة - أبيب ..إلخ) وذكر من شهور السنة السريانية (نيسان و أيار) ( " الجبتانا " ص 205 - 206) وكذلك أشار إلى ظاهرة النسيء ( " الجبتانا ص 193 )، وهي التي يتم فيها إضافة ستة أيام إلى السنة كي تنضبط وينضبط التقويم بحيث تصبح السنة 365 وربع بالتمام والكمال، وهذا ما يعني أن القصة تم تأليفها في عصور متأخرة جداً فماذا كان الغرض من تأليفها ! بينما تم حشر كلمة مصرايم وهي ظهرت في الوجود في عصر متأخر جداً بعيد كل البعد عن بداية الحضارة في وادي النيل لأن مصرايم هذا هو مصرايم ابن نوح خمسة آلاف عام فقط قبل الميلاد.
ثم يعود في جولة أخرى إلى البدايات الأولى؛ حيث دائماً ما يربط بداية إطلاق المسميات وتفسيراتها، مثل إله الأرض جبت، وزعيم القرية ابن الإله الذي صار اسمه جبتو، ثم بعد فترة من إنجابه ابنه جبتو صار اسمه جبتو مصرايم، وبداية إطلاق كلمة نيلوس على النيل وبداية تشكل قبيلة نيلوس وقبيلة جبتوس، وبداية الزواج والعلاقات الجنسية الهمجية، وبدايات تشكل فكرة العبادة وإطلاق أسماء الآلهة، يقول المؤلف: بعد العشاء وقبل أن يتكاثف الظلام اتجه جبتو إلى الحظيرة ليضع مزيداً من الأغصان المورقة والأعشاب للحيوانات المستأنسة فرأى الثور الجديد.. وتبادر إلى ذهن جبتو أن يسمى البقرة الأولى فسماها باسم البقرة حتحور وسمى الثور باسم أبيس" وأبيس اسم كانت تطلقه قبيلة جبتو مصرايم على كل ذكر فاتح رحم يؤدي إلى نسل جديد. ويستوي في ذلك ذكور الحيوان الإنساني أو الحيوانات الأخرى. أما حتحور فهي ربة الأنوثة والخصوبة واهبة الحياة وراعية الوالدة والمولود " ( " الجبتانا " ص 111 ) . ونلاحظ هنا بجلاء أن كلمة " أبيس " هي كلمة عربية قديمة وهي اسم العجل الذي كان يعبده العرب القدامى وتمسك بعبادته بني إسرائيل رغم محاولات موسى وعمران المستميته لإبعادهم عن عبادة العجل ، وهذا الإله العجل له تماثيل كثيرة مصورة في الآثار اليمنية القديمة والنقوش، فهو جزء من التراث اليمني لا جدال ..
وفي موضع آخر يقول المؤلف عن أصل اسم فتاة: استلقت الفتاة على الفراش بجوار مِرِن، فما لبث أن استيقظ وأخذ يربت على شعرها ليشعرها بالاطمئنان وأشار إلى نفسه وقال " مِرِن" ثم أشار إليها مستفهماً فقالت " هاجار " فأخذ يردد اسمها وهي تبتسم.. ودبت الحركة في منف وتراجعت الكلاب خلف الأسوار وتجمع أهل منف للطعام وعجبوا من أن هاجار صارت كواحدة منهم بمجرد أن قضت ليلة مع مِرِن في خصه وأكلت من طعامهم ورددت البنات أسماءهن وهن يشرن لأنفسهن وطلبن من هاجار بالإشارة أن تذكر اسمها فقالت " هاجار" فشعرن بقربها منهن حتى باللسان لأن اسم "هاجار" من الأسماء المألوفة لهن، كما أن بعض كلامها مفهوم لهن." ( الجبتانا " ص 145 ) .. وهذه الفتاة كما يقول المؤلف كانت مجموعة من الشباب قد خطفوها في الليلة السابقة من قبيلة أخرى اعتدوا عليها، ثم يحاول المؤلف بأسلوب ماسخ أن يخترع جذر لغوي لكلمة هاجار، حتى لا يأتي أحد بعد ذلك ويقول بأن هاجر أم إسماعيل ليس قبطياً ..
ويحاول المؤلف بحرفية عالية جداً صياغة أصول الكتابة والتدوين لكنه يقع وقعة سوداء تكسر عنقه؛ إذ أنه يقول: وقف أوزير أمام الجميع وقد ثبت على الحائط ورقة كبيرة من أوراق البردي ومعه وعاءان صغيران، أحدهما فيه مداد أسود وريشة مشذبة والآخر فيه مداد أحمر وريشة أخرى، ثم رسم تخطيطاً بيضاوياً لوجه ثور ذي قرنين وقال:" هذا هو الرمز الأول في كلامنا وكتابتنا وهو الرمز " أ " ونسميه " ألفا " والألفا عندنا هو ثور القطيع. وهو الأول من كل شيء " ثم رسم خُصّا أو بيتاً مبسطاً وقال:" الرمز الثاني من كتابتنا وفي كلامنا هو " با " ونسميه " بيتا " . ثم رسم عنق ورأس جمل وقال: والرمز الثالث من كتابتنا وفي كلامنا هو " جا " ونسميه " جيميل" ونرمز إليه برأس ورقبة الجمل " واستمر أوزير يوضح للحضور كتابة الرموز المصرية وكتابة الأرقام... وكانت تعليقات الحضور:" حقاً إن المصريين قد سبقوا في كل شيء.. حقاً إن أوزير ابن الآلهة قد تعلم على أيدي الآلهة " ( " الجبتانا " ص 198 )...
العجيب هنا هو أن الجمل ليس له أي وجود في إيجبت القديمة إطلاقاً، وهذا الأمر لم يعد بحاجة إلى إثبات، ما يعني أن المؤلف وقع في خطأ ما كان له أن يتفاداه حتى وإن ركب البراق كعادة اليهود ! فالمؤلف هنا عبر عن قوميته دون أن يشعر، ربما لأن الجمل فعلاً كان موجوداً في إيجبت زمن كتابة الجبتانا، لكن ذلك كان أول وجود له في هذا البلد والمؤلف لا يعرف هذه المعلومة الخطيرة. أما السقطة الثانية والأخطر فهي أن الهجائية الجبتية القديمة (الهيروغليفية أو بناتها) لا تتخذ من رأس الثور ألفا، ولا من رمز البيت بيتا ولا من الجمل جيميلاً، بل إن هذه الرمزية على التوالي وبالترتيب هي الرمزية التي اعتمدتها اللغة السامية الأصل، خاصة العبرية والكنعانية القديمة، حتى أن الحروف ذاتها لها معانٍ واضحة، فحرف الألف؛ يعني بقرة، والـ جيميل؛ يعني جَمَل، والـ "ب " ؛ يعني بيت، والدالت ؛ يعني باب.. إلخ (كتاب تاريخ اللغات السامية – ولفنسون ، ص99-100، وكتاب الذات الجريحة – سليم مطر، ، ص 281 ).
وهذا ما يعني أن المؤلف سقط عنه غطاءه وظهرت هويته السامية بجلاء؛ لأن الهجائية الهيروغليفية تبدأ برسمة جانبية لطائر كرمز لصوت " أ "، ثم برسمة الريشة كرمز للصوت " إ "، ثم رسم الساعد كرمز للصوت " ب "، وهكذا وفي الترتيب السابع للرموز تأتي رسمة واجهة معبد كرمز للصوت " ج " وليس خُصاً أو كوخاً أو بيتاً كما توقع المؤلف، بل إن ثقافته البدوية البدائية تظهر بجلاء هنا، وهي غير منسجمة مع النظام الجبتي، حيث كانت مرحلة ابتكار التدوين يعاصرها فكر مدني متطور. يُتبع ... (قراءة في كتابنا : مصر الأخرى – التبادل الحضاري بين مصر وإيجبت ) (رابط الكتاب على نيل وفرات): https://tinyurl.com/25juux8h (رابط الكتاب على أمازون) : https://cutt.us/sxMIp ( رابط الكتاب على جوجل بلاي ): https://cutt.us/KFw7C #مصر_الأخرى_في_اليمن): https://cutt.us/YZbAA #ثورة_التصحيح_الكبرى_للتاريخ_الإنساني
#محمد_مبروك_أبو_زيد (هاشتاغ)
Mohamed_Mabrouk_Abozaid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجد الأكبر - جبتو مصرايم - هيروغلي.عبراني (6)
-
الجد الأكبر - جبتو مصرايم - هيروغلي.عبراني (5)
-
الجد الأكبر - جبتو مصرايم – هيروغلي.عبراني (4)
-
الجد الأكبر - جبتو مصرايم - هيروغلي عبراني (3)
-
الجد الأكبر - جبتو مصرايم – هيروغلي.عبراني (2)
-
الجد الأكبر - جبتو مصرايم - هيروغلي عبراني (1)
-
رحلة الغزو الثقافي اليهودي لشعوب الشرق الأوسط (8)
-
رحلة الغزو الثقافي اليهودي لشعوب الشرق الأوسط (7)
-
رحلة الغزو الثقافي اليهودي لشعوب الشرق الأوسط بتزوير الكتاب
...
-
عنوان الموضوع: رحلة الغزو الثقافي اليهودي لشعوب الشرق الأوسط
...
-
رحلة الغزو الثقافي اليهودي لشعوب الشرق الأوسط بتزوير الكتاب
...
-
رحلة الغزو الثقافي اليهودي لشعوب الشرق الأوسط بتزوير الكتاب
...
-
رحلة الغزو الثقافي اليهودي لشعوب الشرق الأوسط بتزوير الكتاب
...
-
رحلة الغزو الثقافي اليهودي لشعوب الشرق الأوسط بتزوير الكتاب
...
-
إيچبت ... ليست هي مصر (3)
-
إيچبت ... ليست هي مصر (2)
-
إيچبت ... ليست هي مصر (1)
-
قراءة في كتاب؛ ( مصر الإسرائيلية ) - 2
-
قراءة في كتاب؛ مصر الإسرائيلية
-
حضارة العرب من منظور التوسع الاستعماري (5)
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|