|
أَغِيلَاسْ
عبد الله خطوري
الحوار المتمدن-العدد: 7586 - 2023 / 4 / 19 - 15:01
المحور:
الادب والفن
.. فَراااغ.. وحده (أَغِيلَاسْ) كلب المنزل العجوز آلمنعزل مُصَفَّدٌ (سْيَجْ أوزيكِيرْ دَازَكْرَارْ) (٢) بحبلٍ مضفور يشبه السلسلة ذات الحلقات، يلهث بلا فائدة داخل بطن (تافْجَا) إحدى الزيتونات العتيقة العملاقة المحاذية لباب الدار الخضراء لتاوُورْتْ تَازيزَافْتْ نْ تَادَّارْتْ (٣) التي بَنى أبي ذات شباب من حياة ماضية. خشيتُ أنْ ينبح، لكنه لم يعرني بالا وراحَ ينهمكُ في ما كان فيه من حركات عشوائية تروم التخفيف من حدة القيد ربما أو مغالبة قهر الذباب اللاصق والقراد العالق وهوام من الحشرات التي تدب أو تطير لا ترحم بدنه المهلهل المتسخ ... لقد قيده أصحاب البيت بهذا الطوق مكرهين بعد أَنْ خاض ما خاض من مغامرات كان يصارع فيها ذئاب الوهاد وأبناء آوى وحيدا يصدُّ هجماتها على قطعان القرية ليلا، فلم تجرؤ، بعد آلبلاء الذي أبلاه مرارا، أيةُ محاولة تقوم بها كلاب البر للنيل من آلمواشي، فآنقطعَ حسيسُ مناوراتها الليلية عن فضاءات البلدة إلا ما كان يُسمعُ بعيدا في آلجوار؛ غير أنّ أمرا غريبا حدث بعد ذلك، جعل الأهالي يوجهون آتهاماتهم إلى أغيلاس دون غيره بعد ما وجدوا مجموعة من تيوسهم مبقورة البطون مقطوعة الأوصال .. لا يمكن أنْ يفعل أي كلب من كلاب القرية مثل هذا الفعل .. هو وحده مَن يملك هذه القوة الشرسة، ولا تجرؤ بقية الكلاب أَنْ تفتك مثل هذه الفتكة اللعينة في حضوره المباشر، فهو يقظ متخفز حاضر أبدا لا تفلت له شاردة ولا واردة؛ ومما دفع بهذا الافتراض إلى واجهة اليقين، رؤيته يذرع شعاب البلدة بعد الواقعة مضرجا في دماء كثيفة لم يَتَسَنَّ لهم معاينتها عن قرب للتأكد من مصدرها، لكن جَدي ظل ينفي مزاعمهم طيلة الوقت رغم أنه رضخ إلى مطالبهم .. إما أن يُقَيد أو يموت آدْيَقَّنْ نَّغْ آدْيَمَّتْ .. فلم يجد بُدا من ربطه وسط عرض الزيتونة عوض تركه عرضة للاغتيال آلعشوائي، خصوصا بعد أَنْ تبين للجميع سلامته من السعار الذي كان يمكن أَنْ يودي به دون مناقشة أو موافقة من أهل الدار .. سلامة الناس أولى من أي شيء آخر .. وآستمر الحال كذلك حتى حلَّت إحدى الصباحات فُوجئ الناس فيها بفقدان أكثر من رأس من زرائبهم، أو بالأحرى صُدِمُوا من هول بشاعة المجزرة التي عرفتها القطعان في أكثر من دار في أكثر من مربض؛ وآستمرت عملية الفتك تنتشر في مدارج الدوار ليل نهار، حتى إن السكان ألفوا سماع العواء في كل وقت وحين؛ وعبثا حاولوا مع جدي أَنْ يطلق سراح أغيلاس بعد أَن تأكد لهم براءته مما كانوا يزعمون، إذْ أن كبرياء بَبَا حَدُّو سَلْغَنْضَرْتْ نَّسْ (٤) وآستياءه من عدم تصديقهم إياه، جعله يرفض مطالبهم جملة وتفصيلا، فما كان منهم إلا أَنْ شمروا عن سواعدهم وأنياب كلابهم من أجل حل المشكلة دون أغيلاس .. وما إنْ بدأت عملية المطاردة حتى بُوغتَ المطاردون بوجوده في المقدمة يَقُودُ ينبح يَهرُّ يُوَعْوِعُ يتشمم يتتبع الأثر يطارد يقاتل ويَقتل؛ ويحكي الجميع قصصا تقرب إلى الخرافة تروي بأس أغيلاس ودهاءه وبطشه بالذئاب، روايات ظلت لزمن مديد يقصها الكبير للصغير والحاضر للغائب بنكهة آختلط فيها التنويه بالإعجاب بالإكبار بالتقدير .. واهَتا حاشا مادِيلي داقْزين (٥) ..هذا بركة مَنَّ بها الله على البلدة كي يحميها ويدرأ عنها الفاسدين من الوحوش وغير الوحوش؛ ومنذ ذلك الحين، جعلوا يُسمون جراءهم حديثي الولادة بآسم أغيلاس حتى أمسى في كل دار في بلدة (الفحص) أغيلاسُها الخاص، وكان الواحد منهم إذا نطق الاسم ينادي كلبا بعينه أجابت باقي الكلاب كلها بالنباح، فآستتب أمن البلدة من هذه الناحية وقلَّت هجمات المفترسين وخلا الجو للكسيبة والقطعان ترتع في المراعي بلا خوف أو وجل .. والغريب، والذي لم يفهمه جَدي ولا العائلة ولا بقية الفحصيين، أَنْ يعمد أغيلاس بعد واقعة المطاردة مباشرة إلى التوغل داخل أحشاء الزيتونة المعمرة يغطس فيها بدنه يئنُّ أنينا غير مألوف لم يفهم مبتغاه أحد، وعبثا حاولوا ثنيه عن سلوكه غير المفهوم، فنهروه وألحوا عليه ليترك المكان دون فائدة؛ كان يمسك بالحبل بفكيه ينظر إلى آلمارين نظرة مُلِحة يحرك ذنبه يدور حول نفسه يحدر رأسه يهز جسمه ينبح يعاود النبح يزمجر ويعيد؛ ولما تيقن الحيوان من عدم آستجابتهم، ألحَّ في طلبه مضاعفا النباح تلو النباح دون آنقطاع لأيام عديدة حتى خِيفَ عليه أنْ يصيبه مكروه، فتدخل جَدي على مضض وعَقله بالشجرة .. وما إنْ آطمأن من متانة آلرباط، حتى هدأتْ روعة أغيلاس سكن وجعل يأكل يشرب كآلمعتاد لتعود إليه عافيته بالتدريج ... وظل كذلك طيلة سنين في المكان نفسه لم يبرحه .. حتى ..أووه.. ما أعندك يا أغيلاس ما أصلبك .. أووف.. ليتني أوووف ليتني ...
☆إشارات: ١_أغيلاس : النمر أو الفهد (le léopard)، ويطلق الاسم على حيوانات أليفة كالكلاب تقديرا لمقامها في حياة البدويين في الجبال ٢_سْيَجْ أوزيكِيرْ دَازَكْرَارْ : بحبل طويل ٣_لتاوُورْتْ تَازيزَافْتْ نْ تَادَّارْتْ : باب الدار الخضراء ٤_بَبَا حَدُّو : بترقيق الباء، كذلك كان أحفاده ينادونه _سَلْغَنْضَرْتْ نَّسْ : بكبريائه وأنفته سَلْغَنْضَرْتْ نَّسْ ٥_واهَتا حاشا مادِيلي داقْزين :هذا حاشا أن يكون كلبا
#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لَا خيارَ لَدَيْنَا
-
طُفُولَةٌ بِلَا عَرِين
-
مَوْتُ أَبِي آلْخَيْزُرَانِ
-
مَارِسِ آلْجُنُونَ قَبْلَ يُمَارسَكَ آلْجُنُونُ
-
طَبْلُ أُوسْكَار
-
وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى آلْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى
-
اَلزَّطْمَا
-
ضُبَاح
-
عَنِ آلْهِرَرَةِ وأشياء أخرى
-
خَرَجَ وَلَمْ يَعُدْ
-
رَذاذُ نِيسَانَ
-
اَلْحُوذِيُّ وَآلْحِصَانُ
-
ذُهَان
-
تَادَوْلَى(العودة)
-
عَطَبُ آلْوُجُودِ في قصيدة بَكيتُ عَلَى أَحِبّةٍ بَكوا عَلَي
...
-
سلااااام
-
ديستوبيا الحاضر
-
قَلَانِسُ نِيسَانَ
-
وَجَدْتُهَا
-
رَحِيقُ آلْجِبَالِ
المزيد.....
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
-
3isk : المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بجودة HD على قناة ATV
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|