|
العمل في عصر ما بعد الرقمنة: أي مهن لسنة 2030.
رويدة سالم
الحوار المتمدن-العدد: 7584 - 2023 / 4 / 17 - 19:35
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
كتاب: العمل في عصر ما بعد الرقمنة: أي مهن لسنة 2030. للمؤلِّف: دومينيك تورك * ظهر هذا الكتاب، من منشورات HORS COLLECTION, Dunod، في 20-02-2019 للكاتب الفرنسي دومينيك تورك وهو دكتور في العلوم الاجتماعية والإدارة من خريجي HEC و EHESS. ويعمل مستشارا للمديرين التنفيذيين في الشركات الكبرى والعديد من الإدارات الحكومية، قدَّمت له مسيرته المهنية، على مفترق الطرق بين العالم الأكاديمي والعالم الاقتصادي، خبرة دولية كبيرة ونظرة أصلية ومتعددة الأبعاد وملموسة للقضايا الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة. وقد أسس سنة 2004 معهد بوستزون Boostzone وهو مركز بحثي واستشاري يختص في بحث مستقبل عالم العمل واستراتيجيات المنظمات وفكِّ شيفرات تغييرات تقنيات تنظيم وعمل المؤسسات وتقديم رؤى استباقية حولها ويستند عمله، بشكل خاص على مفهوم "الإدارة المعززة". ويضم هذا الكتاب فصلين يتناول الأول، "أساسيات عصر ما بعد الديجيتال" ويحوي الثاني إجابات عن "أي مستقبل للعمل؟" صارت الرقمنة رهانا ميدانيا لتغيير عالم العمل والمؤسسات وتحديد خاصيات كل منهما. يكون التغيير أحيانا عنيفا فيخلق تباينات وتوترات.إذ أن كل تحول ينجم عنه له، في ذات الوقت، فوائد وخسائر وهذا التحول نحو عالم أكثر رقمنة ليس استثناء. ومع ذلك فالثورة الرقمية هي بالفعل في مرحلة توطيد وتكييف وكل فاعل سواء كان فردا أو مؤسسة أو هيكل تنظيم يعلم جيدا وجوب التأقلم وبدأ في رؤية الحدود الجديدة لهذا التكيف. لكن ما عشناه منذ خمس عشر سنة لا يعلن عن مجيء فترة قابلة لأن تكون من جديد ثابتة. بل على النقيض من ذلك ، حال اعتيادنا الرقمنة سيتوجب علينا الاستعداد لثورات كبرى اخرى في عالم العمل والتكيف معها. وبما العمل ليس مبدأ معزولا عن بقية المشاغل البشرية، ولا يمكن إدراكه إلا في سياق اقتصادي وتكنولوجي واجتماعي وثقافي فالتطورات على هذه المستويات هي دائمة وهامة والعمل المستقبلي، عندما تصير الرقمنة جزء لا يتجزء من حياتنا "اليومية" سيكتسي اشكالا بالغة الاختلاف عن التي تميزه اليوم. وبما أننا قد ولجنا هذه المرحلة لذلك يؤكد المؤلف أن من الممكن تخيل المراحل القادمة، مقدِّما في "الفصل الأول"، خلاصة ذكية لجملة العناصر التي من شأنها، في المستقبل القريب، تغيير العمل بعد عصرنا الرقمي، الذي صارت فيه التكنولوجيا التي نستعملها اليوم أمرا "شائعا" جعلنا ننسى كيف شكّل ظهورها ثورة. ويشرح أيضا، ما ستسهم به العلوم العصبية في العلاقات بين الأفراد وما كرّس علماء الاجتماع الكثير من أعمالهم له، وتحوّل عمليات صنع القرار، وظهور نظام اجتماعي يصفه بأنه سيكون أكثر تعاونية، على الرغم من أنه، حاليا، ما يزال يشكل تحديا للمنظمات التي لم تنجح إلا نادرا في معالجته. وأهم ما جاء فيه النقاط التالية: * أساسيات ما بعد الرقمية في ما يمكن أن نسميه "ما بعد الرقمية" – ستأتي ثورات اخرى من افاق اخرى، في عصر ما ندعوه ما بعد الرقمنة، اي حين يصير الديجيتال "عاديا" مثل الكهرباء اليوم. يوضح هذا الجزء مصادر موارد تلك الثورة ويحلل نتائج كل منها على عالم العمل سواء على مستوى طبيعة العمل أو تطور سوق العمل أو مكانة العمل في اسراتيجيات المؤسسات. الذكاء الاصطناعي التطبيقي والثورات التي تنجم عنه خصوصا فيما يتعلق بالقيمة (الاقتصادية والاجتماعية) للعمل الانساني: إن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد امتداد للـ"ديجيتال" حتى وإن بنيت على مكتسبات هذا الآخير (البيانات الكبيرة على وجه الخصوص). إنه تمثل تحديًا ذى طبيعة جديدة ستقلب جميع جوانب العمل. * العلوم المعرفية التطبيقية والاضطرابات التي ستتسبب فيا خاصة على مستوى التفاعلات الاجتماعية وانواع العلاقات بين البشر وطرق اكتساب المهارات وعمليات اتخاذ القرارات. ان العلوم العصبية هي ثورة قادمة سريعا بالنسبة الى اتخاذ القرار ورئاسة المؤسسات وادارة أي وظيفة انسانية للمؤسسة سواء كانت العلاقة مع العملاء أو ادارة الموارد البشرية. البيولوجيا والعلم الجيني التطبيقيين والتغيرات التي سنجم عنهما في المجتمع وبالتالي في عالم العمل وعمليات انتقاء والتنمية البشرية. علينا ان لا ننسى ان البيولوجيا كانت بالاساس، عبر التلقيح والمضادات الحيوية، ثورة تكنولوجية واقتصادية عن طريق خصوصا طابعها الديموغرافي في القرن العشرين. * نظام اجتماعي جديد هو في أوج تشكله ويتمحور خاصة حول المزيد من التشاركية وطلب الاستهلاك المسؤول من طرف المستهلكين واعادة خلق مهوم التقارب البشري وبحث متزايد عن المعنى وحاجة هامة للابداع والحاج على النقاء والصحة والحقيقة "من الحركة البيولوجية إلى ممارسة الرياضات أو التأمل ...إلخ). إن النظام الاجتماعي سيتغير طرقنا في التفاعل وسيزيد من تقارب الحياة المهنية والحياة الشخصية. * تحكم اجتماعي جديد: أن التريبادفيزوريزاسيون (Tripadvisorisation ) أي التقييم المعمم لما نحن عليه ولما نفعله وتتبع انشطتنا ومسيرتنا الخاصة أو المهنية وبالتالي وولادة وجهنا الثاني الرقمي الأكثر تعقيدا مما من اي وقت مضى - سوف ينطوي على تحكم جديد في هويتنا الاجتماعية، ونظام جديد في إدارة البشر والمؤسسات. سيضطر كل فرد إلى تطوير قدرة جديدة على "الاستمرار على قيد الحياة". وستتمثل التحديات اساسا في اكتساب مهارات جديدة لإدارة الفرد لصورته الشخصية وللمتعاونين معه والعملاء و"الجهات المؤثرة". سوف تؤدي إدارة هوياتنا الرقمية المختلفة إلى عدم مساواة جديدة، وإلى سلوكيات اجتماعية جديدة. * مناخ تقبل عالم ما بعد الحقيقة غير مألوف: من المؤكد أن الأخبار المزيفة (infox) ، وكل ما يدعوه علماء الاجتماع الحديثون بالهراء (bullshit)، مرتبط جزئياً بمواقفنا الخاصة المتعلقة بالتقييم الاجتماعي وسلوكنا الشخصي على شبكات التواصل الاجتماعية. لكنها مرتبطة أيضًا بالمواقف الاجتماعية الجماعية الجديدة. سوف ينجم عن هذا الوضع العديد من الاضطرابات، خاصة فيما يتعلق بالعلاقة بالخبرة والعلوم والتكنولوجيا والسلطات المختلفة. سيصبح حسن التمييز قيمة أساسية للشخصية ويمكن أن يصبح عاملا différentiant مشكلا للفرق في عالم العمل. * دور المؤسسة: سيكون من الضروري إعادة ابتكار (وتحقيق في الممارسة) تعريف جديد للمؤسسة في دورها، المتوقع أكثر فأكثر، ك"ملكية عامة" وكحِّز قانوني للعمل. وسيتحتم عليها، أيضا، وفي نفس الوقت، "السيطرة" أكثر فأكثر، في ما سوف يصير ممكنا بشكل متزايد عبر التطورات الاجتماعية والتكنولوجية التي سبق ذكرها، و في أن "تجعل سعداء" أولئك الذين يعملون داخلها لأن دورها الاجتماعي الجديد وجاذبيتها، سوف يعتمدان على ذلك. وسوف يكون عليها، في النهاية، أن تكون متنبهة حقا لبيئتها (المسؤولية الاجتماعية للشركات RSE). إن هذه التعددية في الالتزامات ستخلق لها مفارقة تناقضا ظاهريا (مفارقة) من النوع الفصامي. كما سيجد الموظفين فيها (مهما كان دورهم) أنفسهم في مواجهة هذه الرهانات لأنهم سيصيرون بشكل تصاعدي فاعلين في الممارسات الجديدة، وسفراء في عالم العمل، مع تواصل بقائهم بالاساس مواردا اقتصادية. ويتناول الجزء 2 "بانوراما العمل في الـ 10 سنوات القادمة" تحليلات سياقية، لتعريف العمل في المستقبل، من ابرز ما جاء فيها هو أن علينا التمييز بين التغيرات التي ستتطال العمل بالنسبة للأفراد (أي مستقبل، كيف يمكن التصرف أثناءه؟)، وبالنسبة للمدراء الشركات (أي نوع من العلاقات مع العمال وأي المهارات الجديدة يجب بتطويرها؟)، وبالنسبة للمؤسسات (أي نظم جديدة واي مقاربة استراتيجية للمهارات، واي علاقة جديدة مع التطوّر المجتمعي، يجب اعتمادها ؟)، وبالنسبة للمجتمع والاقتصاد (أي مكانة يجب ان يحتلها العمل العمل، واي مكافآة يجب منحها، واي رهانات للعمل الجماعي؟). ومن بين النقاط البارزة حول مكانة العمل في مجتمع الغد التي وقع تناولها نستنتج بخصوص رأس المال البشري النقاط التالي: ضرورة إعادة النظر في هذا المفهوم انطلاقا من الكفاءات الجديدة وضرورة ظهور استقلالية ذاتية جديدة للأفراد، واعادة تقييم الرهانات الاقتصادية والاجتماعية له سلبا أو ايجابا ومكافئته حين سيظهر نوع من ضد تيلورية المهام والمهن وبشكل مواز العمل على بعض المهام التي سيقوم الروبوتات بجعلها تايلورية. يعالج المؤلف نقطة اخرى هامة وتتمثل في انقسام سوق العمل (أي التفاوتات بين العمال) والذي سيتطور ويتخذ أشكالاً جديدة. ومبدأ التطلعات (الاجتماعية والنفسية والإدارية) المتعلقة بالعمل وبالتالي معناه، والخصائص الجديدة للعلاقة بالعمل، وبالقانون الاساسي ، وبوقت العمل، ومكانه. والحاجة إلى مراجعة (متجددة دوما) قانون الشغل ولكن أيضا للعمل بطريقة متعددة التخصصات حقا. والعلاقة الجديدة بين العامل وعناصر الهياكل / الأنظمة / ثقافات للمؤسسة و ما قد يعني ذلك في سبيل اعادة تشكيل هذه الاخيرة. وكيفية يمكن تحويل فارس مسلح وصارم ليصبح جيدي متيقظا وسريع الحركة؟ إن تأثير كتاب دومينيك تورك، على القارئ، لا مراء فيه. إن أنه يعيد النظر في الطفرات التكنولوجية التي تهز اليوم عالم العمل: الذكاء الاصطناعي، وعلم الأعصاب، وعلم الأحياء التطبيقي، وعلم الوراثة (...)، ويتحدَّث عن العمل باعتباره موضوعا راهنا تناوله كثيرون وحاولوا جاهدين فهم ووصف الصلات بينه وبين والإدارة والتنظيم، ويركِّز على العمل في المستقبل وتحديدا، في العصر ما بعد الرقمي، بنبرة بالغة التفائل وتشخيص واضح وحجج قوية.
#رويدة_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل تُشكِّل الروبوتات والذكاء الاصطناعي خطرا على البشرية؟
-
إيقاعُ الجسد وفلسفةُ الرّقص
-
مبدعاتٌ إيرانياتٌ يُحارِبْنَ شرورَ وطنٍ بصِيغة المُؤنَّثِ :
...
-
ميناتا ساو فال: رائدة الكاتبات الفرانكفونيات
-
باتريك شاموازو: النيوليبراليّة عملية غادرة تستنزف إنسانيةَ ا
...
-
أي مهن للمستقبل في ما بين سنوات 2030 و2050 ؟
-
هو وهي والquiproquo الازلي
-
الأنوثة بين التجريم الذكوري والبناء الحضاري
-
قصور من رمال
-
الانثى في الرواية التونسية
-
بداية القرن XIX تأليف صحيحي مسلم والبخاري
-
ذهان Psychoses
-
التعليم والأصولية وتفريخ العنف
-
التاريخ وهم أم حقيقة: مقبرة توت غنج أمون مثالا
-
دهشة الملائكة : هيفي
-
دهشة الملائكة 1 : لاجئ إيزيدي
-
بعض مما روي عن الصبايا
-
خربشة على أسوار ذاكرة مهدرة
-
وهم الثورة وجنون الرعاع
-
وكان لولادة الآلهة أنبياء صاغوا نيرا من اوهام
المزيد.....
-
-سقوط مباشر واحتراق آلية-.. -حزب الله- يعرض مشاهد لاستهدافه
...
-
صنعاء.. تظاهرات ضد الحرب على غزة ولبنان
-
فصائل العراق المسلحة تستهدف إسرائيل
-
الديمقراطيون.. هزيمة وتبادل للاتهامات
-
القنيطرة.. نقاط مراقبة روسية جديدة
-
عرب شيكاغو.. آراء متباينة حول فوز ترامب
-
مسؤول أميركي: واشنطن طلبت من قطر طرد حركة حماس
-
إعلام سوري: غارات إسرائيلية على ريف حلب
-
بعد اشتباكات عنيفة بين إسرائيليين وداعمين لغزة.. هولندا تقرر
...
-
هجوم بطائرة مسيرة يوقع قتيلًا و9 مصابين في أوديسا
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|