|
هل تُشكِّل الروبوتات والذكاء الاصطناعي خطرا على البشرية؟
رويدة سالم
الحوار المتمدن-العدد: 7584 - 2023 / 4 / 17 - 01:13
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
أجرى الصحفي فرانسوا لانغلي François Lenglet، المختص في مجال الاقتصاد، حوارًا مع كلٍّ من الفيلسوف الفرنسي ميشال سار Michel Serres (الذي يؤمن بأن "الإنترنت- سوف يُظهر قانونا جديدا، مختلفا تماما، عن قانون فضائنا القياسيّ القديم") والمصرفي الفرنسي حكيم القروي Hakim El Karoui الذي يعمل شريكا مع رولاند بيرغر للاستشارات الاستراتيجية، كما عمل مديرا سابقا في بنك روتشيلد، ومستشارا تقنيا لرئيس الوزراء الفرنسي السابق جون بيار رافاران. وهو حوار يسائلهما فيه هذ الصحفي عن تأثير الروبوتات على المهن باعتبار أن الروبوتات، سواء تعلَّق الأمر بالصناعة أو بالخدمات، تحتاز لها مكانة تتزايد أهميتها بين الناس باطراد، ناهيك عن أنّ الذكاء الاصطناعي، هو بدوره، في أوج ازدهاره الآن، حيث تدعمه مشاريع المجموعات الكبرى على غرار فيسبوك. فهل تُشكِّل الروبوتات والذكاء الاصطناعي خطرا على البشرية؟ وهل يتحتّم علينا القلق من هذا التطور؟ ثم كيف نُعيد التفكير في علاقتنا بالآلات، سواء أكان ذلك في حياتنا المهنية أم الشخصية؟ * ميشال سار، أنت فيلسوف فرنسي بارز. هل أنت " روبوت متفائل"؟ وكيف تتصور تعايشنا وتفاعلاتنا المستقبلية مع الروبوتات؟ - ميشال سار: يعتمد الأمر على ما تسميه روبوت. إذا كان، بالنسبة إليك، آلة تعمل ضمن سلسلة في مصنع، فإنها آلة مثل أي آلة أخرى. ما أجده مرعبًا، هو الروبوتات التي سنلتقيها في الشارع، والتي سيكون لها شكل بشري ولن يكون بإمكاننا تمييزها. إن الالتقاء بمثل أولئك "الأشخاص"، أي الروبوتات الموجودة في الشوارع، من شأنه أن يجعلني غير مرتاح. هل ذلك ممكن؟ لا أعرف الإجابة. * وأنت، حكيم القروي، هل عندك تفاؤل بظهور هذه "الآلات البشرية"؟ - حكيم القروي: يعتمد الأمر على المنظور الذي نتبنّاه. فيما يتعلق بالابتكار، دوما ما تظهر منتجاتٌ وخدماتٌ جديدة، وهذا يمكن أن يكون ذا نفع عظيم للمجتمع. سنكون قادرين على التحرُّرِ من بعض المهام التي كانت بالغة الإزعاج. لكن من حيث التأثيرُ على تنظيم مجتمعنا، فلدينا من الأسباب ما يجعلنا أكثر قلقًا. سيتمكن الأشخاص ذوو التأهيل العالي من تصنيع الروبوتات واستخدامها. أما الآخرون، الأقل تأهيلاً، فسيكونون قادرين على الاعتناء بها أو العمل في مجال الخدمات الشخصية. لكن الطبقة الوسطى، ستشعر بالقلق لأن مجالات عملها لا تحتاج إلى التشغيل الآلي. - ميشال سار: نعم، يمكن ملاحظة ذلك، بالفعل، مع أجهزة الكمبيوتر. ترى أشخاصًا مؤهلين جدًا ومختصين جيدًا في هذه الأجهزة وأشخاصًا آخرين لا يمكنهم التكيف معها حقًا. * حكيم القروي، لقد قمت بدراسة، لصالح رولاند بيرغر، تتوقع اختفاء ثلاثة ملايين وظيفة في فرنسا من الآن وحتى 2025. وفي ذلك التاريخ، ستكون 40٪ من فرص العمل الفرنسية مهددة بالأتمتة (التشغيل الآلي ) Automatisation... - حكيم القروي: نعم، هذا الرقم يمثل حوالي نصف الوظائف التي سيتمّ تشغيلها آليا في 2025. قريبا، لن ترى المزيد من العمال في المصانع، أو سترى فقط عددا قليلا يقوم بالتحقق من عمل الروبوتات. الجديد هو أنك سترى روبوتات في مواقع البناء، أو أن بعض الحرف الفكرية سيقع تنفيذها بواسطة البرمجيات. لأن الروبوت، يمكن أن يكون أيضا برنامجا يقوم بأتْمَتَةِ (automatisation) المَهامِّ. إذا أخذت، كمثال، المحاسبين أو الصحفيين، فإن بعض البرامج قد بدأت، اليوم، فعليا، في القيام بعملهم. يمكن أيضا استبدال المهن الفكرية بالآلات. لكنّ مهنًا جديدة ستظهر، أيضا. إدارة قواعد البيانات الضخمة، على سبيل المثال، والقيام بإدارة المجتمع أو مهمة متابعة الطائرات المُسَيَّرة. من الطبيعي أن تظهر وظائف وتختفي أخرى. سنشهد تسارعا في الدمار لكن هل سنكون قادرين على تسريع الابتكار؟ * هل نتجه نحو مجتمع تصير فيه المهن أكثر ندرة؟ - حكيم القروي: نوع معين من المهن سيصبح أكثر ندرة وهي المهن التي تتطلب المهارات المتوسطة. سيكون هناك دائما وظائف في الخدمات التي تتطلب يدا بشرية، وفي المجالات التي تكون فيها العلاقة الإنسانية مهمة جدا. سوف نحتاج دائمًا إلى مهن ذهنية فائقة، وهي التي ستنتج قيمة مضافة قوية. لكن ما الذي يحدث بين هذين النوعين من المهن؟ أسئلة حقيقية تطرح هنا. ما حدث مع العولمة بالنسبة إلى عمال الياقات الزرقاء (الأعمال اليدوية الميدانية) يمكن أن يحدث للعمال ذوي الياقات البيضاء (المهن الذهنية). لقد وضعنا العمال الفرنسيين والغربيين في منافسة مع العمال المهرة في البلدان الناشئة، فارتحل العملُ إلى هناك. قد يحدث الشيء نفسه بالنسبة إلى المهن الذهنية: لكن حينها لن يذهب العمل إلى البلدان الناشئة، بل إلى الروبوتات. يعتقد بعض الاقتصاديين، وهم يتصورون مستقبلا آليا فائقا، أنه سيتوجَّب إنشاءُ دخلٍ عالميٍّ لتلبية احتياجات ضحايا المكننة. * حكيم القروي، هل يبدو لك هذا الأمرُ تطورا محتملا ومرغوبا فيه؟ - حكيم القروي: إنه ليس محتملا حقا ولا مرغوبا فيه تماما. إن ذاك التطوّر سينجح إذا كان بإمكان الوظائف الجديدة خلق ثروة كبيرة، أي ثروة يمكن إعادة توزيعها فيما بعد. إن الثورة التكنولوجية التي نعرفها اليوم لم تخلق الكثير من الثروة. أو بالأحرى، فعلت ذلك، لكن تلك الثروة ذهبت إلى عدد قليل جداً من الناس. وهذا يعني توزيعا سيّئا، ممّا يجعل إمكانية وجودِ دخلٍ عالميٍّ أمرًا غيرَ ذي مصداقيّةٍ. ومن الناحية الاجتماعية، لا يمكن لأحد التفكير في أن مجتمعًا لا يعمل فيه الناس يمثل أمرًا جيدا، وأننا نرغب في السير باتجاهه. * منذ عدة أشهر، حذَّر العلماء من واقع أن الآلات سوف تصبح قوية أكثر فأكثر، إلى أن تسيطِر علينا وتتحكّم فينا. من بين هذه الأصوات، يمكن ذكر العالم البريطاني العظيم ستيفن هوكينج. هذا الخوف من الآلات، ومن الذكاء الاصطناعي، هل كان موجودًا دومًا؟ - ميشال سار: يعتمد الأمر على ما نقصده بالذكاء الاصطناعي. لقد خلق اختراع الكتابة ذكاء "موضوعيا"، في المخطوطة، وفي الكتاب وفي الوسائط المطبوعة. وقد كان هذا، بالفعل، تجاوزا لقدرات الإنسان. أنت لم تقرأ كل ما هو موجود في مكتبة فرنسا الوطنية، ولا أنا أيضا! وبذلك فقد وقع تجاوزنا. إن ذاكرة حاسوبِك الشخصيّ أكبر بكثير من ذاكرتك. وتجاوز الذكاء الاصطناعي للإنسان كان دوما معلومًا. نحن نشهد تسارعًا في هذا التجاوز، ولكنه ليس جديدا. لا أريد أن أكون متفائلاً بغباء، لكن رُهاب التكنولوجيا، أحيانًا، يجعلني أضحك. نحن، في الواقع، مرتبطون بالعديد من التكنولوجيات. وهي غالبا ما تتجاوزنا، لكنها تساعدنا أيضا. إذا كان على الإنسانية أن تختفي، أعتقد أنه سيكون لأسباب أخرى غير الذكاء الاصطناعي. * يوجد، بالفعل، في هونغ كونغ، روبوت يرأس مجلس إدارة شركة. ويعود إليه الناس من أجل نصائحه وتحليله. هل يمكننا تخيل أن يقود روبوت شركة، في يوم من الأيام؟ - حكيم القروي: يمكن للمرء أن يتخيل ذلك. في حالة هونغ كونغ، توجد هناك برمجية حاسوبية، تعالج كمية لا متناهية من البيانات: لديها الكثير من السيناريوهات الممكنة في قاعدة بياناتها مما يجعلها قادرة على اتخاذ القرارات. وهذا موجود أيضا في الطب. إن الروبوت "واتسون" هو اليوم أفضل من الأطباء، الأكثر كفاءة، في تحديد الوصفات، لأنه ببساطة يمتلك الملايين من الحالات المحتملة ويقدر على تحليلها. لكن هناك افتقار للحساسية في كل هذا، لأن كل شيء يصبح عقلانيا. وفي عالم الاقتصاد كما في الحياة، لا شيءَ عقلانيًّا. ربما سنرى روبوتا يلعب دور رئيس شركة في يوم مّا، لكنه، على الأرجح، لن يكون الأفضل. فرجل أعمال ممتاز يجب أن يعتمد على غريزته، ويجب أن يتفاعل مع التغيرات في المجتمع والسوق، وأن يكون لديه حس الإبداع. -ميشيل سار: في هذه الحالات، نسقط في عقلنة كاملة يكون فيها النسق هو السيد. بيد أن الابتكار هو خروج عن النسق. وظيفة رئيس شركة هي ابتكار المستقبل بطريقة مّا. والابتكار لا يمكن حصره أبدا في نسق مّا. غير المتوقع وغير المنتظر هو، تحديدا، ما يصنع المستقبل وسيكون دور الروبوت دومًا التنسيق فقط.
دمتم بخير
#رويدة_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إيقاعُ الجسد وفلسفةُ الرّقص
-
مبدعاتٌ إيرانياتٌ يُحارِبْنَ شرورَ وطنٍ بصِيغة المُؤنَّثِ :
...
-
ميناتا ساو فال: رائدة الكاتبات الفرانكفونيات
-
باتريك شاموازو: النيوليبراليّة عملية غادرة تستنزف إنسانيةَ ا
...
-
أي مهن للمستقبل في ما بين سنوات 2030 و2050 ؟
-
هو وهي والquiproquo الازلي
-
الأنوثة بين التجريم الذكوري والبناء الحضاري
-
قصور من رمال
-
الانثى في الرواية التونسية
-
بداية القرن XIX تأليف صحيحي مسلم والبخاري
-
ذهان Psychoses
-
التعليم والأصولية وتفريخ العنف
-
التاريخ وهم أم حقيقة: مقبرة توت غنج أمون مثالا
-
دهشة الملائكة : هيفي
-
دهشة الملائكة 1 : لاجئ إيزيدي
-
بعض مما روي عن الصبايا
-
خربشة على أسوار ذاكرة مهدرة
-
وهم الثورة وجنون الرعاع
-
وكان لولادة الآلهة أنبياء صاغوا نيرا من اوهام
-
وكانت الحكمة تاجا من اشعة شمس داستها نعال الجهلة
المزيد.....
-
كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب
...
-
شاهد ما رصدته طائرة عندما حلقت فوق بركان أيسلندا لحظة ثورانه
...
-
الأردن: إطلاق نار على دورية أمنية في منطقة الرابية والأمن يع
...
-
حولته لحفرة عملاقة.. شاهد ما حدث لمبنى في وسط بيروت قصفته مق
...
-
بعد 23 عاما.. الولايات المتحدة تعيد زمردة -ملعونة- إلى البرا
...
-
وسط احتجاجات عنيفة في مسقط رأسه.. رقص جاستين ترودو خلال حفل
...
-
الأمن الأردني: تصفية مسلح أطلق النار على رجال الأمن بمنطقة ا
...
-
وصول طائرة شحن روسية إلى ميانمار تحمل 33 طنا من المساعدات
-
مقتل مسلح وإصابة ثلاثة رجال أمن بعد إطلاق نار على دورية أمني
...
-
تأثير الشخير على سلوك المراهقين
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|