أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - سعفةُ نخيلٍ خضراءُ … من أجل مصرَ














المزيد.....

سعفةُ نخيلٍ خضراءُ … من أجل مصرَ


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 7579 - 2023 / 4 / 12 - 12:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



غرقت مصرُ في أخضرها مع عيد الشعانين أو "أحد الزيتونة" أو "أحد السعف"، الذي يحتفل فيه المصريون بجدل سعف النخيل تذكارًا لدخول السيد المسيح، عليه وعلى والدته السلام، إلى مدينة القدس الشريف، حيث استقبله أهلُها بأغصان الزيتون وجدائل سعف النخيل وفروع الأشجار، وفرشوا ثيابهم تحت قدميه الشريفتين ليسير عليها مُكلّلاً بالمحبة والنصر وأكاليل الغار، كما يليق برسول السلام والمحبة الذي جاء ليعلّم الناسَ أن يجولوا يصنعون خيرًا وأرشدهم كيف يواجهون الشرَّ بالمحبة، ويغفرون للمُسيء ويُحبّون العدوَّ من بني الإنسان وإن آذاهم، فيتضامنون معه من أجل محاربة عدو البشرية الأوحد، عدو الخير، الشيطان. وبدأ "أسبوعُ الآلام"، الذي سار فيه السيدُ المسيح على طريق الآلام الوعرة من باب الأسباط حتى كنيسة القيامة بالقدس الشريف، في مثل هذا الأسبوع من ألفي عام، حاملاً صليبَه الخشبيَّ الهائل، وحاملاً آلامه وجراحه ودماءه ورجاءه في خلاص البشر من شرور العالم وخطايا بني الإنسان، واضعًا إكليلَ الشوك على جبينه النقيّ من الدنس، يقطرُ منه الدمُ الطاهر. وحين ظمِأ السيدُ المسيح، قدّم له جندُ اليهود والرومان كأسَ الخلّ لكي تخفَّ آلامُ جروحه قليلا، لكنه رفض أن يحتسيه لكي يتجرّع الألمَ حتى مُنتهاه، لقاء قوله الحقَّ في وجه سلطان جائر. وكان في أثناء رحلته الشاقة على تلك الطريق القاسية يقوم بتعزية المريمات وصبايا أورشليم المنتحبات عليه، طالبًا منهن أن يتوقفن عن البكاء. وينتهي أسبوعُ الآلام الأحد القادم بعيد القيامة المجيد، الذي يُنهي فيه أشقاؤنا المسيحيون صيامَهم، ومازلنا في شهر رمضان الكريم، تقبّل اللهُ منهم ومنّا صيامَنا جميعًا.
ومازلتُ أتذكّرُ ذكريات طفولتي في هذا العيد المبهج: “أحد السعف”. في مثل هذه الأيام الربيعية الجميلة، كنا نجمع عيدان السَّعف ونتبارى في جدلها لنصنع أشكالا رائعة نضعها على رؤوسنا تيجانَ، أو نلبسها في أصابعنا خواتمَ وفي معاصمنا أساورَ، أو نصنع منها حِملانًا وطيورًا وعصافيرَ وفراشاتٍ نعلّقها على جدران غرفنا، أو ندُسُّها تحت بلورات مكاتبنا، أو نهديها لأصدقائنا ومعلّمينا في المدرسة. ولا ننسى أن يصنع كلٌّ منّا تاجًا جميلا من السعف، ثم يركضُ إلى أمّه ليتوّجها به، فنحصدُ من أمهاتنا تلك الابتسامة الجميلة المحفورة في قلب كلٍّ منّا، وكأنها صكُّ الحياة. ومازلتُ حتى اليوم أشتري كل عام باقةً من سنابل القمح المصري الفاتن، أعلّقها على باب شقتي مثل سنبلة من الذهب؛ وتلك عادة مصرية قديمة توارثناها عن أجدادنا، تجعلنا نطمئنُ أن سنبلة القمح تلك تجلبُ الخير وتمنعُ الشرور من دخول البيوت.
وحين تدور الأرضُ دورتَها حول الشمس كلّ عام، ويدورُ القمرُ دوراتِه حول الأرض، ويترافق التقويمان الشمسيُّ والقمريُّ على طريق الزمان، يحدث أن تتداخل السنةُ الميلادية مع السنة الهجرية فيتزامن صيامُ شهر رمضان المعظم مع صيام أشقائنا المسيحيين صومهم الكبير. حين يحدث هذا التزامنُ يمتدُّ ثلاث سنوات متعاقبة، بدأ الماضي ويستمر العامَ القادم بإذن الله. لهذا فجميع المصريين مسلمين ومسيحيين صائمون هذه الأيام، نرفعُ أكفّنا جميعًا ضارعين بالدعاء لكي يحمي اللهُ مصرَ ونيلَ مصرَ وشعبَ مصرَ من كل شرّ، وأن يردَّ كيدَ الحاقدين إلى نحورهم حتى تعلو مصرُ كما يليق باسمها الشريف. يجمعنا حبُّ مصرَ، وقانونُها الخالد: الحق الخير الجمال.
في زمن الطفولة المصرية البريئة، كنّا نفرحُ بكل عيد، فهو عيدُ مصر كلها. نحتفلُ مع المسيحيين في أعيادهم، ويحتفلون معنا في أعيادنا. لم نكن نقول عيدنا وعيدكم. فكل عيد يخصُّ مصرَ هو عيدٌ للجميع. ونحن صغار، أيام الزمن الجميل، كنّا نفرح معًا ونلعب معًا ونحتفل بأعيادنا معًا؛ لأن مصرَ الطيبةَ تجمعنا معًا، وقبل هذا تجمعنا الإنسانيةُ الواسعة. العقائدُ شأنُ الله وحسب وشأنُ كلّ إنسان على حدة مع الله تعالى، أما المحبة والإخاءُ والوطنُ فهي شأننا جميعًا معًا. علّمنا أهلُنا الطيبون في بيوتنا ومعلمونا الطيبون في مدارسنا أننا جميعًا نعبد إلهًا واحدًا، لأن لهذا الكون ربًّا واحدًا، كلٌّ يراه عبر منظوره وعقيدته، فلا موجبَ مطلقًا للخلاف، وثمّة ألفُ موجب للتوافق والحب والإخاء.
أكتبُ لكم هذا المقال وأنا أجدلُ السعفَ مع أطفالي وأسرتي، وقد امتلأت شوارعُ مصر بسنابل القمح وجريد النخيل. ندعو الَله أن نصطفّ جميعًا، نحن المصريين، قلبًا واحدًا وحُلمًا واحدًا ويدًا واحدة تحمل أكاليلَ السَّعف لنستقبل بها مصرَ الحرّة الكريمة الناهضة المكللة بأوراق الغار، ونقدّم لها سعفة نخيل خضراء ريّانة بالعمل والأمل والوطنية والحب. كل سنة وأقباط مصر مسلمين ومسيحيين بخير وفرح وأمان ومحبة، ومصر في حرية وتحضّر.
***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التوحّدُ .. التنمّرُ … الإناءُ المصدوع
- في اليوم العالميّ للتوحّد … قطوفٌ من عُمَر
- شنودة يعودُ إلى بيته … شكرًا للشرفاء!
- أبله فضيلة … صوتٌ صنع طفولتَنا
- في رمضان … نصومُ معًا!
- أيها الكبارُ … لن أحتفل ب عيد الأم
- مشروع الفُلك حدوتة مصرية
- هاني شنودة ... صانعُ الصِّبا والفرح
- زوجةٌ عظيمة ... لزوجٍ عظيم
- الله يسامحك! … السِّحرُ كلُّه
- واحد اتنين …. سرجي مرجي
- عيد ميلاد عمر ... خارج الشرنقة
- ذكرى مذبحة الأقباط في ليبيا
- تشارلي ... الصامتُ إذا تكلّم!
- أضيئوا بالحبِّ قلوبَكم
- أخبرني الخيميائي … عن الماكياج
- المتواضعُ العظيم … السنبلةُ الثقيلة
- إقبال بركة … الجميلةُ التي أقبلت
- بقلم: البروفيسور أحمد عكاشة
- كيف تقتلُ الأدبَ؟


المزيد.....




- الرجل الأسطورة متحدثا عن أغلى أمنياته: -لو عشت مرة أخرى لكنت ...
- جيش الاحتلال يجند 3 آلاف شخص من يهود الحريديم
- تأثر مارتن لوثر بالإسلام.. تمرد على الكنيسة والثالوث ورفض ال ...
- إسرائيل.. أوامر فورية للجيش بتجنيد 3 آلاف شخص من يهود -الحري ...
- كيف ترى الصهيونية الدينية الضفة الغربية والقدس؟
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف موقع حيوي في إيلات ...
- حرب غزة: قرار إلزام اليهود المتشددين بأداء الخدمة العسكرية ي ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تضرب هدفاً حيوياً للاحتلال في إ ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن استهداف موقع حيوي في إيل ...
- إلى جانب الكنائس..مساجد ومقاهٍ وغيرها تفتح أبوابها لطلاب الث ...


المزيد.....

- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - سعفةُ نخيلٍ خضراءُ … من أجل مصرَ