|
كتابُ ال لفياثانْ Leviathan
زكريا كردي
باحث في الفلسفة
(Zakaria Kurdi)
الحوار المتمدن-العدد: 7574 - 2023 / 4 / 7 - 20:28
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
---------------- هوَ كتابٌ ضخمٌ في إشكالياته ، و هامٌ جداً في مدلولاته ، غني بالأفكارِ ، يصعبُ - في نقديري - تلخيصهُ . ألّفه الفيلسوفِ الإنكليزيِ " توماسْ هوبزْ " . ( 1588 - 1679). جاءَ الكتابُ الذي يُعتبر عالمياً منْ العلامات الفارقة في تاريخِ الفلسفةِ السياسيةِ. مُقسماً إلى أربعةِ أجزاءٍ : - في الجزءِ الأولِ ، شرح الفيلسوف فيه كيفيةَ عملِ عقلِ الإنسانِ والطبيعةِ البشريةِ والقوانينِ الطبيعيةِ التي تحكمُ سلوكهُ . - في الجزءِ الثاني ، برّر لنا لماذا هناك ضرورة لإقامةِ دولةٍ قويةٍ تستندُ إلى عقدٍ اجتماعيٍ بينَ المواطنينَ، حيثُ يتخلونَ عنْ حقهمْ في كلِ شيءٍ مقابلَ حمايةِ حقهمْ في الحياةِ . - في الجزءِ الثالثِ ، تحدثَ بإسهابٍ، عنْ دورِ الدّينِ في المجتمعِ والسلطةِ المدنيةِ، و رفض فكرةَ الفصلٍ بينهما. كما دافع عنْ تفسيرهِ للإرادةِ والقانونِ منْ منظورٍ ديني. - في الجزءِ الرابعِ ، هاجمَ هوبزْ المذاهبُ والأفكارُ التي تخالفُ رأيهُ، أوْ تشككُ في سلطةِ الفكر المحافظِ . كما حذرُ منْ خطورةٍ “ مملكةِ الظلامِ ” التي تستغلُ جهلَ وخوفَ الشعبِ لإضعافِ دولتهِ . لكي نتوسع أكثر في فهم متن تلك الأجزاء قليلاً ، أرى # بدايةً ، وجوب شرح معنى كلمةٌ " االــ لفياثانْ " : هيَ مفردةٌ عبريةٌ ، تعني ذاكَ الوحشِ الأسطوريِ المخيفِ ، غيرَ المرئيِ ، ذو القوةِ الساحقةِ ، الذي يتلوى بخفةٍ وخفاء، ليتحكمَ بكلِ ثنايا الأشياءِ ، أوْ يلتفُ بمهارةٍ على الأجواء ، كيْ يحكمَ قبضتهُ الصماء ، على كافةِ مفاصلِ الحياةِ للمجتمعِ . حسب تقديري، فإن إدراك جوهر الفكرةُ الرئيسةُ لهذا الكتابِ ، تقتضي منا التذكير بنقيضها الفكري، المُتمثلُ في فلسفةِ الفرنسيِ " جانْ جاكْ روسو " الذي رأى أنَ الطبيعةَ الإنسانيةَ خيرةً بفطرتها وطيبةَ ، وأنَ شرورَ التقدمِ وأنانيةِ إعمالِ العقلِ ، وسحرٍ المنجزِ الحضاريِ، هيَ منْ أفسدتْ حياةَ البشرِ ، ولهذا يتوجبُ على إفهامِ الناسِ التصالحِ فيما بينهمْ ، على تنظيمِ عقدٍ اجتماعيٍ ، يكون ملزماً ، ويقومَ في جوهرهِ على سلطةِ القانونِ الصارم، الذي يجبُ أنْ تكونَ حسب روسّو " كالموتِ لا تستثني أحداً ، أياً كان. في سطور الــ لفياثانْ، خالفَ هوبز أفكار روسو ، و شرح لنا كيف أنَ البشرَ أنانيونَ وعنيفونَ في طبيعتهمْ ، ولهذا عليهم منْ أجلِ الهروبِ منْ شرورِ هذهِ الحالةِ الطبيعيةِ العنيفةِ، وضمانَ بقائهمْ على قيدِ الحياةِ ، الدخولُ في عقدٍ اجتماعيٍ معَ بعضهمْ البعضِ ، حيثُ يتنازلونَ عنْ بعضِ حقوقهمْ وحرياتهمْ الفرديةِ ، إلى سلطةٍ مركزيةٍ ، تتمتعَ بسلطةٍ مطلقةٍ على كلِ مواطنيها ، مقابلَ تقديمها لهمْ الحمايةُ والأمنُ ، ومنعَها المجتمع منْ الانهيارِ ، والدخولُ في حالة الفوضى والعنفِ . مما سيعني العودةِ إلى حالةِ الطبيعةِ الإنسانيةِ البدائيةِ - الحالةُ الافتراضيةُ للبشرِ في غيابِ حكومةٍ أوْ حضارةٍ - التي هيَ حالةُ حربٍ وعنفٍ مستمرينَ كما قلنا ، وحياةُ " منعزلةٌ ، وفقيرةٌ، سيئةً، وحشيةً ، وقصيرةٌ ". تتهض على حقيقة أنَ -" الإنسانَ ذئب أخيهِ الإنسانِ" لذلكَ لابد منْ وجودِ السلطةِ السياديةِ المطلقةِ ، والتي تمثلُ في رأي هوبز الحكومةُ المركزيةُ الشديدة، و قد رمزُ إليها بوحشٍ عملاقٍ قويٍ للغايةِ Leviathan، الذي يقوم على فرضِ العقدِ الاجتماعيِ، وحماية الافراد من طبيعتهم الشريرة، ومنعهم بالقوة، منْ العودةِ إلى حالةِ الطبيعةِ العنيفةِ . و وفقاً لـ هوبزْ ، يجبَ أنْ تكونَ قوةٌ الــ لفياثانْ ( الحكومةُ ) مطلقةً ولا جدالَ فيها ، لأنَ أيَ تحدٍ لسلطتها أو الثورة عليها ، سيؤدي إلى الفوضى وضياع الامن والامان ، وتفاقمِ الظلمِ الذي سيسببهُ الناسُ لبعضهمْ البعضِ . وإنَ شرعيةَ هذهِ القوةِ السياديةِ المطلقةِ ، تتأتى فقطْ منْ قدرتها على الحفاظِ على النظامِ وتوفير الامن و حمايةِ مواطنيها ..الخ قصارى القولِ : لا شك في أنَ كثير منا ، سيجد أفكارَ هوبزْ مثيرةً للجدلِ ، ولا غرابةَ أنْ انتقدَها كثيرونَ . لكنَ من المؤكدَ أنَ هذه الأفكارِ العميقة ، قدْ أثرتْ بالفعل في العلومِ الإنسانيةِ قاطبةَ، وما زالتْ تناقشُ فيها حتى يومنا هذا . ومنها بالطبعِ " علمَ النفسِ . . الذي تجادلُ علماؤهُ ، - ومازالوا - حولَ أنَ كلَ السلوكِ البشريِ يمكنُ تفسيرهُ منْ حيثُ المصلحةُ الذاتيةُ ، وأنهُ حتى الأفعالِ غيرِ الأنانيةِ - على ما يبدو - كانتْ مدفوعةً في النهايةِ بالرغبةِ في تحقيقِ مكاسبَ شخصيةٍ . وكذلكَ امتدَ تأثيرها على " علمِ الأخلاقِ " . . وفيه اعترض كثيرٌ منْ المفكرينَ على رفضِ هوبزْ للمفاهيمُ التقليديةُ للأخلاقِ ، وبالذات قولهُ إنَ الصوابَ والخطأَ لا يمكنُ تحديدهما إلا منْ خلالِ القوانينِ والمعاييرِ التي وضعها المجتمعُ . ولذلكَ على الأفرادِ اتباعُ هذهِ القوانينِ ، ليسَ لأنهمْ عادلونَ أوْ أخلاقيونَ بطبيعتهمْ ، ولكنْ لأنَ القيامَ بذلكَ يصبُ في مصلحتهمْ الذاتيةِ، ويساهمُ في استقرارِ المجتمعِ ككلٍ . كما رأى بعضَهم في تأكيدَ هوبزْ على أهميةِ وجودِ حكومةٍ مركزيةٍ قويةٍ مطلقةٍ ، مبررا فكرياً غير منصف للاستبدادِ والطغيانِ ، لكن في زعمي ، يبقى منْ أهمَ ما قيلَ عنْ الــ لفياثانْ هوبزْ هوَ أنهُ يقدمُ حجةً قويةً لضرورةِ وجودِ حكومةٍ مركزيةٍ قويةٍ للحفاظِ على النظامِ الاجتماعيِ ، ومنعَ انهيارِ المجتمعِ في الفوضى والعنفِ . بخاصةٍ ، إذا كانتْ تلكَ المجتمعاتِ متخلفةً أوْ تعاني منْ تدهورٍ عقليٍ وعلميٍ كبيرٍ . و في رأيِ الشخصيِ، لقدْ أهملَ هوبزْ مفهومَ " العدالةِ " الاجتماعيةِ ، ولمْ يتطرقْ - للأسفِ - إلى تلكَ القيمةِ الأخلاقيةِ الأساسيةِ الساميةِ ، التي ينهضُ عليها - في زعمي - استقرارُ وازدهارُ أيِ سلطةٍ أوْ دولةٍ ، و ربّما غابَ عنْ ذهنِ فيلسوفنا، أنهُ عندما يكونُ العدلُ غائباً في مجتمع ما ، فلنْ يلمسَ الناسُ كثيراً ، الفرقُ بينَ سلطةَ الدولةِ وقطاعِ الطرقِ . . وحينئذٍ لنْ تختفي شرورُ تلكَ الفوضى في المجتمع ، ولنْ يغيبَ العنفُ في جوهرِ الناسِ ، بلْ قدْ يُكْبتُ الشرّ إلى حينٍ فقطْ . zakariakurdi
#زكريا_كردي (هاشتاغ)
Zakaria_Kurdi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفنان التشكيليِ السوري - محمودْ الساجرْ -
-
حوارٌ معَ صَديقي المُتَديّنِ . .
-
أفكارٌ حولَ مثَالية الفيلسوف -هيغل - ..
-
مِمَّا تَتَأتَّى أَهَميَّة اَلمبْدِع - وِلْيم شِكْسبِير -...
...
-
قصّة كهفِ أفلاطونْ ..
-
عبرةُ - تَاجِرُ اَلْبُنْدُقِيَّةِ - ..
-
المِهنْ الآيلة للزوال بسبب ثورة الذكاء الاصطناعي القادمة
-
العِلْم الحَقيقي وَالعِلم الزَّائف ..!
-
تَوضِيح حَوْل مَعنَى - النَّظريَّة العلْميَّة -
-
لِلنَّاسِ فِيمَا يُفكِّرون مَذاهِبْ..
-
أَحزان الشّاب - فارتر- .. ل غوته
-
حَدِيثُ اَلدِّيمُقْرَاطِيَّةِ . . ( 2 )
-
دِينُ اَلطَّبِيعَةِ عِنْد - جَانْ جَاكْ رُوسُّو -
-
سؤالٌ أكْبر مِنْ إجابَتهِ ..
-
كتاب - هَكذَا تَكلَّم زرادشْتْ -
-
كِتَاب - تَطوُّر مَفهُوم الإله -
-
لَسنَا وحْدنَا فِي هذَا الكوْن 2
-
لسنا وحدنا في هذا الكون ..!!
-
حَدِيثُ اَلدِّيمُقْرَاطِيَّةِ .
-
رسالةٌ إفتراضية..
المزيد.....
-
توقيع اتفاقية تعاون عسكري بين مصر والكويت
-
مشاهد من تحرير الجيش الروسي نوفوفاسيليفكا في جمهورية دونيتسك
...
-
حريق مفاجئ في مطار رفيق الحريري من دون تسجيل إصابات
-
الشرع يناقش مع ولي العهد السعودي تعزيز العلاقات ومستقبل سوري
...
-
بوندسليغا.. ليفركوزن يفوز بعشرة لاعبين ويواصل مطاردة بايرن ا
...
-
روبوت سداسي الأرجل صيني يؤدي مهمات في القطب الجنوبي
-
بوتين: نخب أوروبا ستخضع لأوامر ترمب
-
إيران تزيح الستار عن صاروخ -اعتماد- الباليستي بمدى 1700 كيلو
...
-
-تلفزيون سوريا-: ظهور شقيق للرئيس أحمد الشرع علنا في السعودي
...
-
الرئيس البنمي يعلن إنهاء مشاركة بلاده في مبادرة الحزام والطر
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|