أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - لبيب سلطان - الغزو الاميركي للعراق ـ3













المزيد.....

الغزو الاميركي للعراق ـ3


لبيب سلطان
أستاذ جامعي متقاعد ، باحث ليبرالي مستقل

(Labib Sultan)


الحوار المتمدن-العدد: 7574 - 2023 / 4 / 7 - 18:51
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


3. دراسة في تقييم النتائج ورؤية لمستقبل ناجح
تم في الجزء السابق من هذه الدراسة القصيرة للغزو الاميركي عام 2003 طرح ثلاثة اسباب اعتبرتها قد ساهمت في رسم صورة العراق لما بعد الاحتلال الاميركي وساضيف اخرى لاحقا. لقد دخل الاميركان بغداد يوم 9 نيسان واسقطت قواتهم تمثال الصنم في قلب بغداد بترحيب شعبي وهواجس ايضا ، ودون اية مقاومة لا من الشعب ، ولا من الجيش، ولا من الاحزاب والحركات السياسية ،بل جميعها رحبت بسقوط النظام الصدامي، علمانيينها ومتدينيها وقومييها من غير البعث الصدامي، والاحزاب الكردية وكل فئات الشعب العراقي ،عدا بالطبع عناصر من ارتبطت مصالحها بالنظام . وساندته المرجعية الدينية في النجف الاشرف، وكان النظام يخاف ان يمسها وهي تخاف ان تمسه، فسكوتها عن الغزو هو علامة الرضا لاسقاط النظام الصدامي، وإلاَّ لاصدرت فتوى بالجهاد كما فعلت عام 1914 عندما نزل الانكليز على ارض البصرة . الجميع اما رحب علنا او ابى الترحيب الصامت احتفاء بانهاء الديكتاتورية ، واختفت كتائب "فدائيي صدام " وامنه ومخابراته تحت الارض حالما هرب ان صدام وعدي وقصي الى جهة مجهولة ( حاول الاخيران اللجوء لسوريا ) .هكذا انتهى الحكم الصدامي في يوم واحد، وتنفس العراقييون من يومها الصعداء. ولعل افضل ماسمعت عن غزو الاميركان لبغداد جاء على لسان احد اصدقاء الطفولة وكان الوحيد باقيا على قيد الحياة من بين قرابة عشرة لم اجدهم ، عندما سألته في اول زيارة لي لبغداد بعد 33 عاما من مغادرتها ، كيف تلقى الناس هنا الغزو الاميركي " يمعود يا غزو ياربك ، صدام هو قام بغزو العراق قبل الامريكان بثلاثين سنة وجعله ملكا لولده وعشيرته ومرتزقته كنا رهائن عندهم " ،واضاف " وربك لولا الاميركان لكان بقي هو واولاده واحفاده مئة عام اخرى". اعتقد ان ماقاله فطرة هو ليس بعيدا عن الحقيقة، فالعراق الصدامي ليس دولة ، بل هو دولة لصدام، كما هي سوريا الاسد مثلا، فهذه البلدان رهائن عندهم، وليست دولا لشعوبهم.
ساطرح هنا ثلاثة مكاسب هامة للشعب العراقي اعتقد انها تحققت له من الغزو الاميركي عام 2003:
1. ازاحة النظام الديكتاتور الصدامي وتقويض اسسه وركائزه وادواته المخابراتية الدموية عن كاهل الشعب العراقي ومكنته من فتح صفحة جديدة في تاريخه ورسم مستقبله بعيدا عن الرعب والسطوة والتسلط ، ولولا الغزو الاميركي لما امكن ازاحة هذا النظام ، كما اعتقد ويعتقده اغلب العراقيين وحتى القوى السياسية العراقية، رغم تشدق بعضهم اليوم من مهرجي الولائية وميليشياتهم انهم كانوا قادرين عليه وسبقهم الاميركان ، ومهرجي البعث والستالينية العراقية والمنافقين من غيرهم. كان هذا في الحقيقة اهم انجازا لفتم الطريق امام شعبنا لبناء وتقرير مستقبله ، ودونه لبقي المستقبل مجهولا او على الاقل مغلقا امامه.
2. رفع وانهاء الحصار الدولي المقيت الذي فرض على الشعب العراقي وتجويعه وافقاره باسم اضعاف النظام. لقد تم اخيرا ومنذ عام 2003 رفع هذا الحصار الاقتصادي والسياسي والنفسي الذي دمر الشعب ودمر كيان العراق كدولة معه. وقامت اميركا فعلا بما وعدت به ، ساهمت بالغاء 100 مليار دولار من 140 مليارا كانت مديونية على العراق، وجمدت دعوات التعويض للدائنين المتبقين دوليا ، وتم رفع قيود التجارة والسفر والاتصالات والانترنت وارتفعت، خلال عشرة سنوات بين 2003-2013) نسبة الدخل القومي للمواطن العراقي اربعين ضعفا ( من قرابة 100-$-دولار سنويا للفرد عام 2003 ،اي 8.5 -$- شهريا، الى قرابة 4000 -$- دولار سنويا، او قرابة 330 -$- شهريا عام 2013 ) ، وسمحت للطبقة المتوسطة على الاقل، وخاصة الموظفين ، من الخروج من حالة الفقر والبؤس، وانقذت كل طبقات الشعب العراقي الفقيرة من الجوع الذي هيمن طوال العشر سنوات منذ غزو الكويت عام 1991.
3. اقامة نظام برلماني دستوري لحكم العراق يوفر قدرا معقولا وغطاء قانونيا لممارسة الحريات الفكرية وتشكيل الاحزاب واصدار الصحف واطلاق القنوات الاعلامية بعيدا عن هيمنة السلطة . اي وفرت الظروف لاقامة حياة شبه ديمقراطية في العراق ما بعد 2003.
لا اعتقد ان اي محلل موضوعي او سياسي معتدل ، وكذلك اغلب العراقيين ( عدا طبعا البعثيين والمهرجين والمعممين المعبئين مثل السلفيين الولائيين من اتخذ من اية الله او من الزرقاوي مرجعا ، او قومجيية من يرجع مرجعيته لعفلق وصدام ، او معممين علمانيين اتخذوا من ستالين مرجعا ) فهم اليوم يتنصلون عنها ، ولا غرابة في ذلك . فاطروحاتهم مؤدلجة وهي ابعد ما تكون عن الواقع والموضوعية. اقول انها منجزات ملموسة وقائمة على الارض والواقع المعاش منذ 2003، وهي مكاسب ليست هينة، بل يمكن الجزم انها كانت حازمة ومنقذة لمصير شعبنا ودولتنا، التي هي اول دولة في التاريخ، وربما لولاها لكان قد اصبح مثل سوريا اليوم، أو ربما اسوء منها.

عدا هذه المنجزات الثلاثة الاساسية والهامة جدا، حلت العشرات بل المئات من الاخفاقات وحتى الكوارث بالشعب ، وربما بنتائجها اليوم ، حيث هيمنة ايرانية خارجية، وسلفية ولائية داخلية من ميليشيات تصول وتجول كفدائيي صدام بأسم تحرير العراق من الامريكان اوتحرير القدس بينما هي تقوم بتصيد الوطنيين وتصفية النشطاء المدنيين ومصادرة الحياة السياسية وفرض ارادتها على المجتمع وتزوير الانتخابات وشراء الذمم بالمال العام المسروق ونهب الميزانية من جميع الاحزاب السلطوية وتوقف التنمية وتوقف تطوير البنى التحتية وتدمير الخدمات والاقتصاد عموما. ان ماحل من كوارث وفساد يرجعه المؤدلجون من العمائم الثلاثة اليوم الى اميركا ، وهي تتحمل جزء منه لاغير ،وساناقشه تحت، بينما كل ماحل من كوارث واخفاقات ارجعها جزئيا ايضا لواقع المنطقة المحيطة بالعراق، وباسباب داخلية عراقية صرفة ، بل نحن نتحمل المسؤولية الاعظم في كل هذه الكوارث والاخفاقات ، وساطرحها من واقع نظري ، عشته بعد زيارتي الثانية ( الاولى لشهر واحد فقط نهاية عام 2003 ),و لكن الثانية استمرت سبعة سنوات بعد تقاعدي من عملي الجامعي عام 2007 بعمر 55 عاما لاعوض بضع سنوات عن ابتعادي عن الوطن منذ عام 1972 للعيش بين شعبنا الطيب المغلوب على امره ، وزيارة ثالثة لسنتين من عام 2018 الى بداية 2020 ، وتشكل هذه السنوات سندا كافيا لدعم تحليلي للهدم الوطني الذي كنت اراه وتمارسه الاحزاب الفاسدة والميليشيات الولائية والمافيات بكل انواعها وهي جميعا مغطاة ومحمية سياسيا. ساطرح اسباب الاخفاقات والكوارث في ثلاثة مفاصل.
1. المساهمة الاميركية في الاخفاقات والكوارث
اجد ان اكبر خطأ ارتكبه الاميركان انهم لم ينصبوا حكومة وطنية حالا بعد دخولهم العراق كقوة احتلال ، او على الاقل تنصيب شخصية وطنية مستقلة وقادرة ، مثل الدكتور الجلبي او الدكتور اياد علاوي او الباججي او من غيرهم ، على ادارة امور البلد بعد دخولهم بغداد . وارجع هنا لما طرحته في الجزء الثاني لمقارنة العراق بالمانيا بعد الاحتلال، حيث قام اديناور عمليا وبالتعاون مع قوات الاحتلال باقامة سلطات مدنية محلية تتمتع بدعم القوات الاميركية، وكونه كان معروفا من الجميع باستقلاليته ووطنيته، التف حوله الجميع ( من حزب المسيحيين الى الاشتراكي وحتى الشيوعي الالماني ) لمساعدته ولوضع الدستور الالماني والبدء بانشاء حكم ديمقراطي راسخ في المانيا جنبتها مآزق الانتقام وقيام عصابات نازية او انتقامية ضدها ، ومنها لبدأت احترابات داخلية وخارجية يخلقها التمدد السوفياتي الى الجزء الغربي من المانيا مثلا. لقد غاب عن العراق الرجل الذي لعب دور اديناور في المانيا، او غاندي في الهند ، او مانديلا في جنوب افريقيا قادرا على العمل مع قوات الاحتلال والتفاوض معهم، واذ انحلت سلطة صدام، حل فراغا سلطويا ادى لحدوث فوضى داخلية عارمة. كنت اشرت في الجزء السابق لهذه القضية كاحدى اهم اسباب الاخفاقات ،فوزارة الخارجية الاميركية وقفت ضد الدكتور الجلبي وضد علاوي ليلعبا دور اديناور، والسبب في موقفها هذا كما علمت ليس الا لمواقف بيروقراطية صرفة ، اذ ان كلا الدكتور الجلبي وعلاوي كانا ينتقدان بشدة وعلانية مواقف وزارة الخارجية التي كان يرأسها جمهوري ، كولن باول ، ولكن معظم موظفيها وبرامجها يديره ديمقراطيون كان اغلبهم لايميل للغزو ، ومنه لعبت دورا سلبيا ، وفي رفض الجلبي وعلاوي ، بينما هي المسؤولة تحديدا عن وضع برنامجا مدنيا لحكم وادارة العراق بعد الاحتلال. ومنه فلا برنامج امتلكه الاميركان كما تم في المانيا، بل ارسلوا عجوزا اصلاحيا لايصلح حتى لادارة مدرسة، جي غارنر ، تلاه شابا متحمسا ، بول بريمر، الذي انشأ مجلس الحكم من قادة معروفين لاحزاب ،واخرين لم يسمع بهم احدا ، وبصلاحيات محدودة ، واصدر قرارات مرتجلة كانت تأتي من مستشارين جلبهم الاميركان معهم من عراقيين كان اغلبهم من العاطلين عن العمل في اميركا، وعددا قليلا فقط من المؤهلين التكنوقراط لا حول ولاقوة لهم، قضوا اشهرا في العراق ثم غادروا راجعين وروو لنا مارأوه من فوضى. واستمر الوضع المربك والمرتبك لمدة عام تقريبا حتى منتصف 2004 حتى عين بريمر الدكتور علاوي رئيسا للوزراء والياور رئيسا للجمهورية ، اي بعد 15 شهرا من الاحتلال سادت خلالها الفوضى كل مؤسسات الدولة ، واخذ الصداميون يعيدون تشكيلاتهم واغتيال الموظفين من يتعاون مع الاحتلال، وميليشيا بدر تقوم بدورها باغتيال وتصفية من يسمونهم البعثيين ، ومنها تنامت الاغتيالات والانفلات الامني الذي مهد فيما بعد لقيام جيوشا ميليشياوية مثل جيش الاسلام من البعثيين والقاعدة وجيش المهدي للصدر وجيش تحرير العراق للضاري وغيرها جيوشا طائفية جرت البلاد لحرب اهلية اكلت ارواح الاف الابرياء. انه سيناريو امريكي ،كما وصفته في الجزء السابق كارثي ، فحتى لو تذهب لبلد لفتح مطعم ماكدونالد عليك ان تعين مسؤولا يعرف شؤون البلد وثقافته ، وهم ذهبوا بخطة عسكرية لاسقاط النظام من دون خطة لحكومة وطنية في المنفى او داخلية تقوم حالا بعد اسقاط النظام وتحل محله لحين وضع ركائز للحكم الجديد ، كما جرى في المانيا مثلا بقيادة اديناور ، ولمنعت ربما ماحل في العراق. علل المسؤولون الاميركان ذلك فيما بعد انهم لم يريدوا ان يفرضوا حكومة من الخارج على العراقيين، بل ليساهم من في الداخل في تشكيل مستقبل الحكم في العراق، وهذه بحد ذاتها جلبت من يدعي تمثيل مظالم الكرد ومظالم الشيعة لتكون محور المساومات والانقسمات المجتمعية طائفيا وقوميا حتى في كتابة الدستور لعام 2005 ، الذي عمليا وضعه الحكيم – والبرزاني ، وحرمت الوطنية العراقية ان تكون هي المظلة التي يلتقي تحتها الجميع ،كما عمل اديناور في المانيا وكتب دستورها وفق هذه المظلة . انه خطأ كبيرا اقترفه الاميركان لازال اثره على العراق لليوم ، مما نراه من انقسام قومي وطائفي وفساد باسمها يسود في كل مؤسسات العراق. ان الطائفية ليست كما يقول المؤدلجون قد خلقها الاميركان ، فهي موجودة في داخل سياسيي العراق انفسهم وفي احزابهم ( وليست في المجتمع العراقي اطلاقا كما يروج لها البعض، بل هي طائفية سياسية تحديدا وليست اجتماعية). وكما اشرت في الجزء السابق ، كان قد طرحها في نيويرك المعممون باسم مظلومية ال البيت دامت 1400 سنة ويتهمون الطائفة السنية بها ، وكأن صدام يمثلهم ( بينما تم تصنيفه اساسا قائد حركة تحرر وطني تقدمي ضد الاستعمار كما طرحه السوفيت وقبلها على عبد الناصر والاسد ،وتبناه اليسار العربي منذ السبعينات) ، ويطرحها الكرد بمظلوميتهم من العرب ، ( وكأن صدام يمثل العرب) ، والقوميون والسنة الطائفيون بابعاد العراق عن محيطه العربي ( وكأن صدام فعلا يمثل مصالح السنة والامة العربية ) ، فجميعهم لهم قضية خاصة بهم في العراق ، ولكن العراق هو ليس قضيتهم، ولا هو قضية اي منهم.

2. دور ايران وسوريا في كوارث العراق
لعب كلا النظامان دورا اجراميا في احداث العراق مابعد عام 2003 ، فهما كانا المهندسان والممولان والمغذيان للحرب الطائفية المدمرة التي امتدت ثلاثة سنوات بين 2005 الى 2008. كان النظام الايراني يغذي قيام ميليشيات طائفية لبسط نفوذه على العراق مستقبلا، ويغذي عصابات القاعدة ( ،كعصابات الزرقاوي مثلا ) لمحاربة الاميركان . وكان النظام السوري يغذي البعثيين من الداخل ويجلب عناصر القاعدة من الخارج ( خصوصا المغرب وتونس والسعودية ) ويستقبلهم في مطاراته ليتم نقلهم وتدريبهم في اللاذقية ودير الزور ومنها ارسالهم لداخل العراق لتفجير سيارات مفخخة تحصد ارواح المدنيين العزل في الساحات العامة ،وتفجير البنايات الحكومية بموظفيها ، ويستهدفون خصوصا التجمعات في المناطق الفقيرة الشيعية حول بغداد ، لتقوم ميليشيات ايرانية مقابلها بالثأر من السنة وتفجيراتهم . ما اراده النظامان الايراني والسوري هو اغراق الاميركان في وحل حرب اهلية في العراق تمنعهم مستقبلا حتى التفكير في غزو واسقاط نظام الاسد مثلا، ودفع العراقيون الافا مؤلفة من مآسي القتل والتقتيل على الهوية ، جميعها من تخطيط عملاء سوريا وايران كل منهم يمسك ويغذي جماعة تبدو معادية للاخرى ، ولكن حبالهما بيدهما . وكلا الجانبان يدعي بنفس الوقت انه يحارب الاميركان لتحرير العراق من الاحتلال ولكن يقومون بقتل الابرياء من العراقيين باسس طائفية.

3. دور العوامل الداخلية العراقية الخاصة في الاخفاق والكوارث
انها عوامل كثيرة ومتعددة الاوجه والجذور، طرحت بعضها، مثل الطائفية والتشرذم السياسي، وغياب وعي مجتمعي عام بمفاهيم الدولة والحكم والديمقراطية والمواطنة وحقوقها ،ومعنى الاحزاب السياسية ، وفصل الدولة ومؤسساتها عن الحكومة ، وعن هيمنة حزب حتى لو فاز بتشكيل الحكومة ، وفصل الدولة عن الدين والايديولوجيا ، وانهاء دور الدولة عن السلطة والتسلط، وهي اساسا جميعها مفاهيم غربية تمثل جوهر الحضارة الاوربية ، ولكن لم ترها او تدرسها او تعايشها اجيالا من العراقيين ،لغياب احزابا ديمقراطية، غير مؤدلجة ، وان كان لهالاعقيدة فهي بناء دولة ديمقراطية حديثة في العراق كباقي دول العالم المتحضر. بل ان ماعاشه العراقيون وعرفوه كان نظم الانقلابات والتسلط البعثي الصدامي، ومعرفة مؤدلجة عن الدولة والحكم والسلطة والديمقراطية جميعها بمفهوم ديكتاتوري مناهض اساسا لحضارة الغرب ولأغراض دينية وقومية او مصالح سوفياتية ستالينية ، جميعها لاتمثل طريقا لبناء دولة ديمقراطية حديثة كما في باقي العالم. اضف غياب وضعف فهم ثقافة النشاط الاقتصادي الانتاجي الخاص ، واتكال الجميع على التوظيف في الدولة لكسب العيش، بل ان حتى الثقافة الاقتصادية المؤدلجة هي السائدة ، وتضع نموذج ادارة الدولة للمرافق الانتاجية بأسم القضاء على الطبقية والبرجوازية ، اما مايتبعه العالم من نموذج بخلق فرص العمل خارج الدولة من خلال الاستثمارات الانتاجية للقطاع الخاص والاجنبي لتطوير الاقتصاد الوطني فهو نموذج امبريالي ويؤدي لسيطرة استعمارية، انه دجل وتجهيل بواقع العالم وتجاربه في اكثر من مئة دولة ناجحة اليوم، فحتى هذه تركيا امامهم وكل اسيا تقريبا خلفهم وصولا حتى المحيط الهندي والهادي تطورت ووظفت ابناءها وخلقت مهارات وطنية وطورتها وشغلت الملايين في قطاعها الخاص خارج الدولة ، ويقف مايطرحونه شامخا نموذج كوريا الشمالية وحيدا ،ونو الذي جوع شعبه واستعبده، ونسخ قومية ناصرية او بعثية للاقتصاد السوفياتي، لم تجني منها شعوبنا غير التخلف وتضخم اجهزة الدولة وفسادها .
اود هنا لنقطة مناقشة فشل خطة الاميركان في اعادة اعمار العراق ،والتي ذكرتها في الجزء السابق في تخصيص مبالغ خيالية لها ، وشخصيا خاطلعت علي نسخة من برنامجه وميزانيتته التي اقرها الكونغرس الاميركي نهاية عام 2002 ، وهو من ثلاثمائة صفحة ، وتصل قيم التخصيصات الى قرابة مائتي مليار دولار قابلة للزيادة الى اربعمائة مليار مستقبلا. كانت كلف التدخل العسكري لمواجهة المجموعات المسلحة خلال اربعة سنوات قد اكلت الكثير منها ، وكان لتحرك الاميركان المحدود امام استهدافهم بالقتل، قد حد منها، ومنه ما اعطي من عقود لاصلاح المدارس والمستشفيات والمرافق العامة قد شابها الفساد ، والفساد يكثر حيثما وجد المال خصوصا وان صاحبه لايغادر مقره، فهي كانك تريد معالجة مريض وهو يريد رفسك او قتلك، ومنهى رجعت لاميركا معظم الاموال المخصصة لاعادة الاعمار وانعاش اقتصاده، اضافة ان للامريكان لاتوجد اية خبرة في اعادة منشئات اقتصادية تديرها الدولة، فهي لاتوجد في اميركا ، وعددها في العراق 175 شركة انتاجية تابعة لوزارة الصناعة وقرابة خمسين اخرى لوزارات اخرى ، توظف جميعها قرابة نصف مليون عامل وموظف ، ولا انتاج لها ولا احد يعرف من الاميركان او العراقيين كيفية التعامل معها فانسحبوا امام ضغط العوامل الاحترابية والايديولوجية المعادية لتحويلها لشركات خاصة او مشتركة مع الدولة كما جرى في الصين مثلا حيث طرحت الصين برنامجا للشراكة بين شركة حكومية مع شركة يابانية او اميركية او اوربية تستثمر فيها لتتم ادارتها من الطرفين وتعمل وفق قوانين السوق والقطاع الخاص ، ومنه نهض الاقتصاد الصيني وتطور كما نراه اليوم ( وكنت شخصيا في الصين عام 1993 وشهدت اتفاق بين شركة موتورولا مع شركة شانغهاي لاشباه الموصلات وكنت امثل شركتنا الصغيرة الكندية التكنولوجية ( كنا عشرة باحثين ومهندسين فقط ) اجزنا استخدام احدى تصاميمنا الحديثة لشركة موتورولا وطلب الصينيون استخدامها في انتاجهم ومنه كان سبب حضوري ، ورايت كيف عرض الصينيوة تغطية رواتب كافة العاملين من الحكومة الصينية نفسها لمدة عام كامل ، ومساهمة كل طرف %50 في تحديث الانتاج باحدث المعدات في شركة مساهمة خاصة تعمل وفق قوانين السوق، بل وحتى تم افراغ اهم بناية في شانغهاي تشغل مركز الحزب فيها واعطائها مجانا لتكون مركز الشركة الخاصة الجديدة ،وهي اليوم من انجح الشركات الصينية ) . كان ذلك بفضل برنامج الحكومة الصينية لتحديث الاقتصاد ولنقل الشركات الحكومية الفاشلة الى شركات خاصة شملت المئات ،ورفعت الثقل عن الدولة وساهمت بتطوير العمالة والتشغيل ونمو الاقتصاد الوطني الصيني بشكل صاروخي كما نعرف). هل كان لدى اية حكومة عراقية اي تصور اواهتمام بالاقتصاد والتنمية وتحويل هذه الشركات العراقية من ادارة فاسدة دون انتاج الى نماذج ناجحة كقطاع مشترك او خاص بعيدا عن فساد اجهزة الدولة . لقد استمر الوضع كما هو ولحد اليوم ،الدولة تدفع رواتب تستنزف ميزانيتها التنموية، ولا يوجد اي انتاج او فرص عمل انتاجية جديدة.
واقع الحال ان فهم السلطة والجكومة في العراق لدى الاحزاب هو الحكم والسيطرة على اكبر قدر من الوزارات لتقوم بنهب ميزانياتها، وهذه طبعا ليست لا ثقافة اميركية ولا رأسمالية غربية ، بل ثقافة ايديولوجيةعربية نمت في ظل انظمة فاشلة وفاسدة وافشلت كل فرص التنمية في بلداننا ، وجعلت شعوبنا تتكل في عيشها على رواتب الدولة، وهو نموذج مناسب للانظمة الديكتاتورية، حيث اذا سيطرت على وسائل عيش شعب سهلت قيادته واخضاعه لديكتاتور ليتحكم بالناس كيفما يشاء، وهذا ماشهدناه في صدام وهو اخذها من الستالينية في الدول الاشتراكية.
اود انى انهي تحليلي للاخفاقات والكوارث بنتيجة واضحة ان مسألة الفشل نتحملها نحن العراقيون بالدرجة الاولى ، فان بناء بلد يقع على كاهل ابناءه واحزابه ومؤسساته وشعبه . والاجدى تحديد عوامل الفشل داخليا ،لا نسبه لاميركا مثلا، واذ انسحب الاميركان من العراق منذ 12 عاما اواكثر، ظهر تعاظم دور ايران المزعزع والمدمر للعراق لاسباب داخلية ، فمنذ انسحابهم تسير الامور للاسوء ، فهذه ميليشيات ايران تسيطر على الدولة والمجتمع، ولو بقي الاميركان ، كما اعتقد ، لما رأيتهم كما اليوم، بل ربما لن تراهم اطلاقا. .
وعدا عوامل الخارج المعروفة، فالمسألة برمتها ، هي عراقية داخلية بحتة، ولايوجد غير ابناء البلد من يتحمل مسؤولية اصلاح بلدهم ، ووضع الفشل على الامبرياليين والرأسمال العالمي ماهو الاتهريج ايديولوجي فارغ، يقول به الولائيون والستالينيون معا ،فمعركتنا هي معركة داخلية اولا واخيرا.

- قراءة في خوض معارك ناجحة لمسقبل شعبنا
لابد لي في نهاية ماطرحته من مواضيع في هذه الاجزاء الثلاثة الا ان اطرح بعض الرؤى التي استخلصها من التحليل لفشل التجربة الحالية المستمرة منذ عشرين عاما.
الأول : يخص الاطار العام ويخص العمل والتخطيط الطويل لايصال القوى المدنية الوطنية لتشكيل الحكومات في العراق وبالطرق الديمقراطية السلمية والانتخابية الدستورية ، وهذا يعني الفوز باكبر عدد من مقاعد البرلمان العراقي، وهو مايفرض امرين الاول اعطاء اكبر الاهتمام لقضية الانتخابات والاعداد لها والعمل عليها على مدى اربعة سنوات كاملة بين انتخابين ، والثاني العمل على طرح عملي لبرامج تنفذ على الارض لها علاقة مباشرة بحياة الناس لكسبهم، وليست برامج خطابية نحن العرب بارعون في بلاغتها وتأتي فارغة المحتوى غالبا لدغدغة مشاعر الناس فقط، ولا تطرح حلولا عملية للمشاكل التي تواجههم وتواجه البلد ، مثل مشاكل البطالة ، وخلق فرص العمل للشباب، وسبل تطوير الاقتصاد الوطني ، وتشكيل جمعيات مدنية واغاثية وتعاونية ، وجمعيات تعليمية لمحو الامية وللتأهيل المهني للتشغيل، اي الالتصاق بمشاكل الناس الواقعية وطرح برامج لتحقيق مايمكن منها بجهود ذاتية وخارج السلطة ، والتحول من الخطاب او العقل الخطابي، الى الفعل والعقل الفعال المنتج الفعلي.

ثانيا: اجد ان على القوى المدنية الوطنية طرح ثقافة معرفية موضوعية، غير مؤدلجة للجمهور ، للتوعية حول مفهوم الدولة الحديثة ، والسلطة ، والحكومة ، ومعنى الديمقراطية السياسية والاجتماعية ، ومعنى المواطنة والحريات والحقوق ، ومعنى الوطنية والطائفية والعشائرية ،ومعنى المرأة، وتوعية بفهم الاقتصاد ،وفهم الاستثمار ودوره وكيفية تحويله الى قوة اقتصادية بدل نومه مدخراتا مكبوتة عن المنفعة الشخصية والعامة ، ودوره في توفير فرص النجاح لاصحابها، وتوفير فرص العمل والتشغيل للشباب،وتحولهم للانتاج. اجد ابعاد هذه الثقافة المعرفية عن الادلجة بكل اشكالها ، كون الاخيرة زائفة وفاشلة ( جميع التجارب الايديولوجية في العالم فشلت سواء دينية او قومية او ستالينية ،بل وجلبت الويلات والكوارث على شعوبها ولاتوجد لليوم تجربة ايديولوجية اقتصادية سياسية ناجحة واحدة في كل العالم ) . حان وقت انتاج ثقافة متفتحة وموضوعية ، ونبذ الايديولوجيا والتطرف ، وخلق فهم ووعي جماهيري لمفاهيم حكم وادارة المجتمعات المعاصرة وثقافة وطنية بمصالح شعبنا ورسم مستقبله وطنيا.
اني ادعو القوى الوطنية المدنية، وخاصة الحزب الشيوعي العراقي، الى التحول كما في كافة الاحزاب الماركسية الديمقراطية في البلدان الغربية التي تخلصت من التراث والارث الستاليني ونجحت في كسب المجتمع ، حيث ساهمت الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية في بناء وتطوير اغلب بلدان اوربا الغربية ووفق مفاهيم الحضارة الغربية وليس وفق الطروحات الستالينية والسوفياتية.
واني اعتقد ان على التجمعات الليبرالية والمدنية العراقية تشكيل حزب ديمبراطي موحد وطني ، ليتحالف مع اليسار العراقي في خوض هذه المعركة المشتركة لبناء العراق وتنميته الاقتصادية ومجابهة القوى السلفية التجهيلية بمنافسة انتخابية والفوز بها.
ككل الامور تبدأ من منهج صحيح ورؤية موضوعية عملية وعلمية تطرح برامج عملية لتحقيق اهدافا بسيطة لتتطور الى اكبر. هكذا كان الطريق لكافة الشعوب التي تطورت، ونحن لسنا اعجز منها، ولكن حان الوقت للتحلي بالرؤية الموضوعية والاستفادة من تجارب الشعوب الاخرى .

ارجو وبكل تواضع ان تكون هذه الاجزاء الثلاثة قد غطت بعضا من همومنا وتطلعاتنا نحن الوطنيين العراقيين ، فنحن بحاجة لخلق حوار وطني حقيقي لمعالجة مشاكل عراقنا مابعد اسقاط النظام الصدامي يوم 9 نيسان عام 2003 ، وبدون شك ،لولا اسقاطه لما تمكن شعبنا من التنفس والخوض حتى في نقاش بسيط لرسم مستقبله.
د. لبيب سلطان
07/04/2023



#لبيب_سلطان (هاشتاغ)       Labib_Sultan#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الغزو الاميركي للعراق 2
- الغزو الاميركي للعراق ـ1
- في رحيل الاخ الصديق ابراهيم الحريري
- نحو خلق ثقافةعربية علمانية جديدة متحررة -2
- نحو خلق ثقافة عربية علمانية جديدة متحررة من العقائدية
- فهم الله وألدين والعلمانية اولى خطوات الاصلاح العلماني العرب ...
- العوامل الدولية في اخماد انتفاضة اذار 1991 الخالدةـ وفق دفات ...
- فهم الله اولى خطوات الاصلاح العلماني العربي-1
- باخموت ..المدينة الصغيرة التي دخلت التاريخ
- قراءات في مستقبل حرب بوتين على اوكرانيا -2
- قراءات في فهم حرب بوتين على اوكرانيا -1
- العلمانية النظرية وزيف العلمانية العربية -2
- العلمانية النظرية وزيف العلمانية العربية -1
- من ذاكرة طفل عن فاجعة 8 شباط 1963
- بحث في نجاح النظم الملكية وفشل الجمهورية في العالم العربي
- فهم حضارة الغرب لمواجهة الاصوليات الشعبوية ـ3
- فهم حضارة الغرب لمجابهة الاصوليات الشعبوية -2
- فهم حضارة الغرب لمجابهة الأصوليات الشعبوية-1
- الحرب الروسية الاوكرانية من منظور أوسع-3
- الحرب الروسية الاوكرانية من منظور أوسع-2


المزيد.....




- الجيش اللبناني يعلن تسلمه 3 معسكرات تابعة لفصائل فلسطينية لب ...
- منظر مذهل في تركيا.. تجمد جزئي لبحيرة في فان يخلق لوحة طبيعي ...
- إندونيسيا تحيي الذكرى العشرين لكارثة تسونامي المأساوية التي ...
- ألمانيا تكشف هوية منفذ هجوم سوق الميلاد في ماغديبورغ، وتتوعد ...
- إصابات في إسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ حوثي
- شولتس يتفقد مكان اعتداء الدهس في ماغديبورغ (فيديو+ صور)
- السفارة السورية في الأردن تمنح السوريين تذكرة عودة مجانية إل ...
- الدفاع المدني بغزة: القوات الإسرائيلية تعمد إلى قتل المدنيين ...
- الجيش الروسي يدمر مدرعة عربية الصنع
- -حماس- و-الجهاد- و-الشعبية- تبحث في القاهرة الحرب على غزة وت ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - لبيب سلطان - الغزو الاميركي للعراق ـ3