سعيد موسى
الحوار المتمدن-العدد: 1711 - 2006 / 10 / 22 - 11:46
المحور:
القضية الفلسطينية
((مابين السطور))
ليس من الغريب أن يقع الجميع في وحل جدلية التسميات الزائفة للحكومة الفلسطينية, فعندما يبتعد هؤلاء عن جوهر المعضلة إلى شكليات لا تغني ولا تسمن من جوع, فهذا مؤشر لا يبشر بخير على الإطلاق, وكأن الدنيا ضاقت بتسمية الوليد السياسي الذي طل على مشارف الحياة الملوثة, ليصبح وليدا معاقا, يحتاج إلى دعم وتأهيل, حتى يستطيع استيعاب لغة العصر السياسية, وهنا ابدأ مقالتي بسؤال ربما يشير إلى جوهر الأزمة والشرك السياسي الذي جاء بحكومة أتضح من اسمها الفلسطيني المستقل أنها تحتاج إلى مفردات تساعدها على إكمال الاسم أو حتى استبدالة للخروج من النفق:
الم يعلم القادمون أن وصف المؤسسة الحكومية, مجرد مسمى لا يرقى على المستوى الإقليمي والدولي, لمقومات المصطلح السيادي(حكومة)؟
وذلك ببساطة فان الحكومة بحاجة إلى دولة, فلا دولة بدون حكومة, ولا حكومة بدون دولة, فكانت لنا مجرد حكومة كمسمى, فلاهي حكومة حرب, ولا حكومة سلام, حيث لبس روادها زي السلام, وتحدثوا بلغة الحرب, فأصبحت حكومة منذ مهدها, بلا جدوى يتلاءم ومفهومها المنقوص سياسيا, وعمليا, وما المسمى سواء بطاقة عضوية غير رسمية, في نادي الحكومات الدولي, مجرد مسمى من اجل إكمال بيانات العضوية, من خلال تلك البيانات التي من المفترض أن تفرزها العملية السياسية, وفي مقدمتها عملية السلام المزعوم, وعليها أجيزت الانتخابات, وحكومة, وبرلمان, مجرد مسميات في غير زمانها ومكانها.
الأزمة والانغلاق
فبعد أن تفاقمت أزمة الحكومة الفلسطينية, وبلغت ذروة العجز السياسي والإداري والاقتصادي والأمني, جراء الحصار الإسرائيلي والدولي الخانق, انطلاقا من عدم اعتراف الحكومة الفلسطينية الحالية, بالاتفاقيات والمبادرات, والمرجعيات السابقة, ابتداء من نهج م. ت. ف, ومرورا بالمبادرة السعودية التي تبنتها الدول العربية, على اعتبار أن السلام خيار استراتيجي, وصولا إلى خارطة الطريق التي تشرف عليها الرباعية الدولية, ورفضت الحكومة التعاطي مباشرة مع كل الالتزامات الفلسطينية, والعربية, والدولية, فتم التعامل معها بالمثل, مقاطعة, وعدم اعتراف بشرعيتها السياسية, وتجفيف مصادر الدعم, حتى أقدم الكيان الإسرائيلي على تجميد عائدات الضرائب الفلسطينية, البالغة مئات ملايين الدولارات, وفرض حصار خانق على الشعب الفلسطيني بسبب ذلك السلوك الحكومي, فكان لهذا الوضع المتأزم تداعياته الخطيرة على المؤسسات الفلسطينية, من صحة وتعليم وقطاع خاص وقطاع عام, فشُلت المؤسسة, وبلغت الضائقة الاقتصادية ذروتها, حيث يرزح الشعب الفلسطيني بكاملة تحت وطأة العوز وشبح المجاعة, فكان ضحية لهذا الانغلاق السياسي, والحصار المقيت كردة فعل على تحدي الإرادة العربية والدولية.
وقد ازدادت الأوضاع سوءا بسبب الفوضى الأمنية, التي استشرت في الجسد الفلسطيني, ناهيك عن ازدواجية المؤسسة الأمنية, والمناكفات الدموية التي تجاوزت خطوط حرمة الدم الفلسطيني الحمراء, فأصبح لامناص من البحث عن مخرج, جاد وعملي وعاجل, فالأوضاع المأزومة لا تحتمل أي تأجيل, وأصبح صراع الأجندات عبئا على الشعب الفلسطيني, وخروجا على كل أسس ومفاهيم الشرعية والديمقراطية, فالشعب الفلسطيني الذي هو مصدر السلطات, بات يدفع ثمنا باهظا فوق طاقة الاحتمال, لذا فانه من العدل عندما تصل الأمور إلى حد التصلب على المواقف أن يستفتى الشعب في مصيره المؤقت والدائم, حتى لا تفرز عملية التجاهل والاستهتار, إلى حد أن تجلد فئة قليلة عامة الشعب وبالتالي تحدث ثورة شعبية عارمة, وهذا احتمال وارد كتحصيل حاصل لازدياد المعاناة, التي وصلت إلى الحد الذي لا يستطيع المواطن أن يسد رمق أبنائه.
وعليه بدأت رحلة الصدام والوفاق المحدود بين قطبي القيادة السياسية, حتى امتد ميدانيا إلى قوة الإسناد القطبية على مستوى الأحزاب والمؤسسة الرسمية, ولم توفر هذه الأجواء المتعنتة أدنى مقومات الأرضية الخصبة للوفاق الجاد, ولم تُحسم الأزمة السياسية ولا الاقتصادية, فالحكومة حوصرت, وأجندتها السياسية أطبقت الحصار عليها وعلى الشعب الفلسطيني, وانعدمت البدائل التي من المفترض أن تُخرجها من النفق السياسي المظلم, وقد أيقن الجميع بعد ما يزيد على الثمانية اشهر من ميلاد الحكومة الجديدة, ان المخرج الحقيقي يكمن في العمل الجماعي ومشاركة الأحزاب السياسية الأخرى في إدارة الأزمة الداخلية والخارجية, وبدأت المبادرات وكانت الانطلاقة التي لم يكتب لها النجاح, من قاعدة وثيقة الوفاق الوطني, وقد تعثرت الجهود الرامية إلى بزوغ فجر الوحدة الوطنية, متمثلة في حكومة وحدة وطنية, وذلك نتيجة التصلب في الشروط السيادية, والاختلاف في تفسير بنود الوثيقة عندما أُريد لها الترجمة العملية الميدانية.
مسميات متعددة لحكومة عاجزة
أخذت تتوالى على مسامعنا العديد من التسميات لمولود, أريد له ان يكون معاقا وبحاجة إلى مساندة دائمة, فتارة نسمع بحكومة تكنوقراط, وتارة نسمع بحكومة إنقاذ وطني, وأخرى حكومة طواريء, وخامسة حكومة مستقلين, وكان المشكلة في المظهر والمسمى لا في الجوهر والجدوى. والحقيقة ان المعضلة تكمن في جدية التعاطي مع المعطيات السياسية المحلية والإقليمية والدولية, بروح عالية من المسئولية التي تضمن استثمار الأجواء السياسية لتحقيق أعلى سقف من الطموحات والأهداف الوطنية, وما المسميات سوى مضيعة للوقت ولا جدوى من اللهث خلف مزيدا منها, وأي مسمى جديد سيزيد من معاناة الشعب ولن يساهم في وفير الأمن والأمان, بل ربما يزيد السيئ سوءا, والمناكفة المحدودة إلى دموية واسعة, بل الشعب بحاجة إلى قيادة رشيدة وحكيمة, لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية, بعيدا عن روح التعصب الحزبي والتحجر السياسي, والمغالاة في شعار الصمود بلا حدود.الشعب بحاجة إلى حكومة تعي جيدا كيف تدار المعركة الدبلوماسية, كما تدار المعركة العسكرية, حكومة منفتحة في حدود التكتيك السياسي الممكن, وقابضة على جمر حدود الثوابت الاستراتيجية.
وقد طل علينا أخيرا مسمى جديد, هو حكومة الكفاءات, وان دل ذلك إنما يدل على حالة التخبط السياسية والتشتت الوطني, والصراع العقيم بين إرادة الأحزاب, وثوابت الأجندات, فربما يحمل هذا المسمى واجهة براقة, ومعنى رائع لا يختلف عليه اثنان, وحقيقة الأمر يخفي في باطنه أصول المشكلة الوطنية, ونفس تفاصيل الأزمة السياسية.فالاقتصاد يحتاج إلى متخصصين وكفاءات والإدارة تحتاج إلى متخصصين وكفاءات, وكذلك المؤسسة الأمنية, وجزء من المعادلة السياسية بحاجة إلى متخصصين في علم المفاوضات, والتاريخ, والجيولوجيا, والاقتصاد, أما الشق الأهم وهو بيت القصيد ونواة التشرذم والانفلات, هو القيادة السياسية التي ستصبح مجالا لجدلية المعايير التي تحدد الكفاءات.
وعين الحقيقة ان كل تلك المسميات التي سمعنا عنها, والتي من المحتمل ان نسمع بجديدها كل يوم, هي أجزاء ومكونات للجسم الصالح الذي يتم تجاوزه ونعته بمسميات فضفاضة, ألا وهو حكومة الائتلاف الوطني أو حكومة الوحدة الوطنية.
كفاءات حزبية وتستمر المعضلة السياسية
فحكومة الكفاءات جيده ومفيدة لإدارة مؤسسة بشكل سليم من اجل توظيف الأدوات والإمكانيات السياسية والاقتصادية على أكمل وجه, لكن مرجعيات تلك الكفاءات هي مرجعيات حزبية سياسية, وهذا التفاف لا ينتج عنه إلا مزيدا من التأزم والعودة لأصل المشكلة, فهنا الأحزاب تفضل ان تختفي خلف تلك المسميات هروبا من مواجهة الحقيقة لتحافظ على الأيدلوجية والشعارات.
فالاقتصاد مثلا ورغم توصية المتخصصين والكفاءات يحتاج إلى قرارات سياسية, والتعليم والصحة وكل المرافق والخدمات مرجعيتها سياسية وحزبية, إذن المشكلة مهما ابتعدنا بها جهلا أم عمدا عن جوهرها, ستعيدنا الممارسة السياسية والشرعية والدستورية الواقعية إلى أصلها في كل المجالات, اقتصاد, وصحة, وتعليم, وإدارة, ومياه, وكهرباء, ومعابر....الخ, فكلها متغيرات داخلية تتبع وتتأثر صعودا وهبوطا بالثابت السياسي على المستوى الخارجي, لتعيدنا إلى المربع الأول للصراع الفلسطيني_ الإسرائيلي, وسبل التعاطي مع المشاريع السياسية العربية والدولية, في حدود عملية التسوية السلمية وفق القرارات الدولية, بهدف الوصول إلى الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف, وطالما وجدت حكومة وبرلمان دون دولة واستقلال فالطريق هو المفاوضات والبديل الحرب, وبين هذا وذاك مفاوضات ومقاومة يسيران بخطى متوازية, مع تغليب احدهما على الأخر حسب سلوك وجدية الطرف الأخر.
وفي النهاية فأنني على قناعة بان المسميات والتسميات ماهي إلا هدرا للوقت, ومجال اختلاف وتأزم, لا مجال وفاق وانفراج, ولن تكون التسميات هدف بحد ذاتها لأنها لن تؤدي للانعتاق من أزمة الوحل السياسي والاقتصادي, وقد أصبح المواطن الفلسطيني يجتر البدائل من اجل الاولويات, فقد أقدم الغالبية العظمى من الشعب على بيع أثاثهم وقطع زينة أطفالهم من اجل مأكلهم, لكن الأمر سيتدهور ويؤدي إلى انفجار حتمي طالما استمرت الأقطاب القيادية بهذه الحالة من اللا مبالاة والاستخفاف بهذه المعاناة, وحينها لن ينفع قوة ولا إسناد امني في مواجهة شعب اعزل سحق الغزاة بحجارتهم وإرادتهم الفولاذية التي سترفض كل الصراعات والمناكفات على حساب حياة ومعاناة أسرهم.
ولا اشك بان الجميع سيعود إلى المربع الآمن ذو المسمى والجوهر الوطني الأصيل وهو حكومة وحدة وطنية وعدم الانجرار خلف دعاة الفتنة وتغليب لغة التلويح والتهديد السياسي على ح-ساب الشرعية شرط ان يكون لدى الحكومة الحالية أفق سياسي وفق معايير واقعية لا انغلاق ولا تفريط, حكومة وحدة وطنية والعمل على تذليل العقبات وجسر الهوة والاختلاف في السيادة والصلاحيات والتمثيل وتوزيع الحقائب, فلا مفر من حكومة وحدة وطنية وتوزيع الأدوار, ودون ذلك الهلاك الوطني, مهما لوح هذا أو ذاك بشعارات التعنت والتحدي الرئاسي والحكومي, فلن يعود هذا التحدي والتصلب على الشعب الفلسطيني, إلا ومزيدا من المعاناة والمأساة التي لم تعد تُحتمل, وما لهذا منحكم الشعب الفلسطيني السلطة وإنما من اجل مصيره ورفاهية أبنائه.
#سعيد_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟