|
أفكارٌ حولَ مثَالية الفيلسوف -هيغل - ..
زكريا كردي
باحث في الفلسفة
(Zakaria Kurdi)
الحوار المتمدن-العدد: 7566 - 2023 / 3 / 30 - 03:27
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ترجمة لمداخلتيْ الخاصة ، رداً على سؤالِ طُرحٍ في اجتماعِ الجمعيةِ الفلسفيةِ الهولنديةِ . هلْ كان حقاً ، ينتمي هيغلْ إلى الفلاسفةِ المثاليينَ ..؟!! Was het werkelijk Hegel die tot de idealistische filosofen behoorde? - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - دأب دارسو الفلسفةِ ، والمهتمينَ بشؤونِ التفكيرِ الفلسفيِ ، على التفريقِ المدرسيِ البسيطِ لتياراتِ ونماذجِ التفكيرِ بشكلٍ عامٍ . واصطلحوا بأكثريتهم ، على أنَ سبلَ الفلسفةِ برمتها، تنقسمُ إلى أنموذجينِ وحسبً ، هما : الماديةَ أوْ المثاليةِ . منهمْ منْ قالَ " إنَ الواقعَ ليسَ سوى ما شيّدهُ أذهاننا لنا.. وأنَ الذهنَ هوَ الوعاءُ الأولُ والأخيرُ ، لفهمِ كلٍ منْ السببِ والنتيجةِ ، وهو المحضنُ الأساسُ لإدراكِ كلِ علاقاتِ الواقعِ . وأنَ وجودَ الفكرِ ( الوعيُ ) يسبقُ كلُ شيءٍ آخرَ ، ولولاهُ لما أدركنا وجودُ ذاكَ الشيءِ الآخرِ ( المادةُ ) . وهؤلاءِ همْ روادُ جانب " المثاليةِ ". ورأى آخرون أنَ المادةَ هي الاصل ، ومنها يتكونُ كلَ شيءٍ في الكونِ ، وبالطبع ،تتأتّى منها جميع غرائزَ البشرِ، وكلِ عملياتِ وعيهمْ و جذور عواطفهمْ ، بل هيَ أصلُ كافةِ مناحي نشاطاتهم وفعالياتِ أذهانهمْ . وانهَ يجبُ أنْ يكونَ لها - أيْ " للمادةِ " - الأولويةُ والأهميةُ القصوى في الفهمِ والتفسيرِ . و هؤلاءِ همْ روادُ جانب " الماديةِ . يرى بعضُ الفلاسفةِ منْ كلا الجانبينِ، أنَ فلسفةَ هيغلْ مثاليةً صرفةً ، لكونها تقومُ - في تقديرهمْ - على أساسِ المخيالْ الفكريَ المحضِ، أوْ الميدانِ النظريِ البحتِ . أوْ لأنَ صاحبها -في زعمهم - لا يرى في الواقعِ ، إلا تعبيرا عنْ العقلِ . كما اعتبرَ كثيرُ منهمْ أنَ الفلسفةَ الهيغليةَ هيَ مثاليةٌ خالصةٌ ، لأنها حاءتْ ردا على مثاليةٍ " باركلي " التي - كما نعلمُ - ربطُ الوجودِ بشرطِ إدراكهِ أولاً . لكنْ بحسبِ زعمي في فهمِ فلسفةِ هيغلْ ، وقراءتي المستمرةُ لأفكارهِ ، أقولُ : - أنَ فلسفةَ هيغلْ ليستْ مثاليةً خالصةً حقا ، لأنهُ لا يعتقدُ أنَ الحقيقةَ عقليةً بحتةً أوْ ذاتيةٍ مستقلةٍ عنْ الوجودِ والواقعِ الموضوعيِ . - بلْ ، كانَ يعتقدُ أنَ الواقعَ هوَ تعبيرٌ عنْ العقلِ المطلقِ الواعي بذاتهِ والعالمُ ، وأنَ العالمَ والتاريخَ يمرونَ بعمليةِ تطورٍ . - إنَ الوعيَ عند هيغلْ رغمَ معانيهِ المتعددةِ ، إلا أنهُ - كما فهمتْ - ليسَ بمتعالْ عنْ الوجودِ العيانيِ ، بلْ هوَ محايثْ لهُ . بمعنى أنَ الوعيَ والوجودَ الماديَ الطبيعيَ هما في عروة لاتنفصمْ . - وكما فهمتْ فإنَ النسقَ الدياليكتيكي الذي قدمهُ لنا ، يصالحَ الوعيُ على المادةِ ، بلا أسبقيةٍ وبلا تفاوتٍ . . - وأفهمُ أنهُ كانَ يعتقدُ ، أنْ ليسَ هنالكَ تعارضا مطلقا في الطبيعةِ بينَ المادةِ وبينَ العقلِ ، والاختلافُ بينها ربما في الرتبةِ ، فالعقلُ أسمي شأنا منْ المادةِ فقطْ . . أما جوهرهما . . فواحدٌ ، ألا وهوَ " الحركةُ " . وبناءً عليهِ لا يصحُ - في تقديري - القولُ إنَ فلسفةَ هيغلْ تنتمي إلى التصنيفِ المدرسيِ البسيطِ للأنساقِ الفلسفيةِ ، أيْ إما إلى " المثاليةِ " أوْ الماديةِ " وهنا أزعمُ أيضا ، أنَ هذا القولِ ، هوَ مجردُ خطأِ شائعٍ كرستهُ بعضُ الإفهامِ الماركسيةِ ، التي استندتْ على الفهمِ القائلِ ، بأنَ منهجَ هيغلْ مقلوب ، وأنهُ يقفُ على رأسهِ ، لأنهُ قامَ على على اعتبارِ الوعيِ سابقا للمادةِ .. - وهذا الفهم ببساطةِ غيرُ صحيحٍ . لأنَ الوعيَ عند هيغل سمةٌ لازمةٌ ، تتمثلَ في أنهُ - الوعيُ - الذي لا يبتعدُ في أيِ منْ معانيهِ عنْ الوجودِ ، بأيِ شكلِ منْ الأشكالِ ولا بأيِ حالِ منْ الأحوالِ . - منْ المهمِ أنْ نذكّرَ هنا ، أنَ هيغلْ يعتبرُ أنَ كلَ ما في الوجودِ منْ نظمٍ فكريةٍ أوْ بشريةٍ أوْ ظواهرَ ماديةٍ أوْ طبيعيةٍ ، ما هيَ في النهايةِ ، إلا مظهرا منْ مظاهرِ تشكلاتِ الروحِ المطلقِ ، التي يحكمها قانونُ الجدلِ الذي قوامهُ سيرورةً دائمةً . -وفي مفهوم المطلقَ عند هيغلْ، الواقعِ غيرِ المشروطِ الذي يتجاوزُ الوجودُ المحدودُ والمشروطُ ، وقدْ رأينا كيف وظفَ هيغلْ هذا المفهومِ ليفسرَ بهِ منطقيا هذا العالمِ . -وأنَ الغايةَ لتلكَ الروحِ هيَ أنْ تعيَ نفسها ، ووسيلتها في بلوغِ هذا الوعيِ الدينِ والفنِ والفلسفةِ . - بالإضافةِ إلى أنَ هذا الوجودِ الذي قصدهُ هيغلْ ليسَ بعيدا بالطبعِ عنْ مجموعِ أنواعِ الوجودِ الأرسطيةِ ( الوجودُ الماديُ - الوجودُ بالقوةِ - الوجودُ بالفعلِ - الوجودُ بالتصورِ . لأنَ هيغلْ على - حدُ فهمي لنسقهِ الفلسفيِ - قدْ يعتقدُ بفكرةِ الكرسيِ التي قدْ تسبقُ وجودهُ بالفعلِ ، لكنْ أيضا يعي تماما ، أنهُ كانَ لهذهِ الفكرةِ أصلَ متساوقْ في الوجودِ الماديِ للشجرةِ . وبحسبِ رأيِ هيغلْ ، فإنَ الوحدةَ التي يجبُ أنْ تضمَ كلُ شيءٍ ليستْ مجردَ حلقةٍ متوسطةٍ بينَ الروحِ والطبيعةِ ، وإنما هيَ وحدةٌ أعلى منْ الذاتِ والطبيعةِ على حدٍ سواءٍ ، فالطبيعةُ ذاتها هيَ جزءٌ منْ حياةِ العقلِ نفسهِ ، وليسَ لها وجودٌ مستقلٌ عنهُ ، وهذه الفكرة تختلفُ عما تقومُ عليهِ النظريةُ الماركسيةُ - كما أفهمها - على اعتبارٍ أنَ المادةَ سابقةٌ للوعي ، أيْ على اعتبارٍ أنَ المادةَ هيَ فقطْ ، منْ تحددُ وتنتجُ وتعكسُ مداركُ الوعيِ ، وبالتالي يتطورُ الوعيُ بتطورِ المادةِ المحيطةِ بالانسانَ . قصارى القولِ : رغمَ أني لا أتفقُ معَ قولِ بعضِ المفكرينَ - أنَ هيغلْ فيلسوف مثاليٍ صرفٍ ، لكوني أوقن بعمقٍ ، أنهُ كانَ يعتقدُ أنَ الواقعَ والتاريخَ يخضعانِ لعمليةِ تطويرِ وإدراكِ معا . . . إلا أني أوافقهمْ تماما ، على أهميةِ أنْ ندركَ جيداً ، أنَ الأشخاصَ بعامة مختلفينَ باستمرارِ في الفهمِ ، الذي يفرقهمْ ، على عكس العقل الذي يوحّدَهم ( على حدِ تعبيرِ هيغلْ )، ولذلكَ منْ الطبيعيِ أنْ يكونَ لديهمْ تفسيراتٌ مختلفةٌ ، لفيلسوفِ ما ، أوْ مفهومٍ فلسفيٍ معينٍ .
#زكريا_كردي (هاشتاغ)
Zakaria_Kurdi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مِمَّا تَتَأتَّى أَهَميَّة اَلمبْدِع - وِلْيم شِكْسبِير -...
...
-
قصّة كهفِ أفلاطونْ ..
-
عبرةُ - تَاجِرُ اَلْبُنْدُقِيَّةِ - ..
-
المِهنْ الآيلة للزوال بسبب ثورة الذكاء الاصطناعي القادمة
-
العِلْم الحَقيقي وَالعِلم الزَّائف ..!
-
تَوضِيح حَوْل مَعنَى - النَّظريَّة العلْميَّة -
-
لِلنَّاسِ فِيمَا يُفكِّرون مَذاهِبْ..
-
أَحزان الشّاب - فارتر- .. ل غوته
-
حَدِيثُ اَلدِّيمُقْرَاطِيَّةِ . . ( 2 )
-
دِينُ اَلطَّبِيعَةِ عِنْد - جَانْ جَاكْ رُوسُّو -
-
سؤالٌ أكْبر مِنْ إجابَتهِ ..
-
كتاب - هَكذَا تَكلَّم زرادشْتْ -
-
كِتَاب - تَطوُّر مَفهُوم الإله -
-
لَسنَا وحْدنَا فِي هذَا الكوْن 2
-
لسنا وحدنا في هذا الكون ..!!
-
حَدِيثُ اَلدِّيمُقْرَاطِيَّةِ .
-
رسالةٌ إفتراضية..
-
أفكارٌ حول أهمية الإنسان -جبران خليل جبران-
-
رسالة حول التسامح ..
-
لإرهاب عدو الانسانية جمعاء..
المزيد.....
-
طفل بعمر 3 سنوات يطلق النار على أخته بمسدس شبح.. والشرطة تعت
...
-
مخلوق غامض.. ما قصة -بيغ فوت- ولِمَ يرتبط اسمه ببلدة أسترالي
...
-
-نيويورك تايمز-: إسرائيل اعتمدت أساليب معيبة لتحديد الأهداف
...
-
خمسة صحفيين من بين القتلى في غارات إسرائيلية على قطاع غزة
-
كازاخستان: ارتفاع حصيلة ضحايا تحطم الطائرة الأذربيجانية إلى
...
-
تسونامي 2004.. عشرون عاماً على الذكرى
-
إسرائيل تعلن انتهاء عملية اقتحام مدينة طولكرم بعد مقتل ثماني
...
-
الولايات المتحدة.. سحب قطرات عين بعد شكاوى من تلوث فطري في ا
...
-
روسيا.. تطوير -مساعد ذكي- للطبيب يكشف أمراض القلب المحتملة
-
وفد استخباراتي عراقي يزور دمشق للقاء الشرع
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|