|
نقد سياسات الطغمة الحاكمة بالمغرب و تداعياتها على الشأن العام
طارق الورضي
الحوار المتمدن-العدد: 7561 - 2023 / 3 / 25 - 02:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد اندثار و تلاشي الايديو لوجيات التي كانت تتبناها الأحزاب السياسية المغربية بمختلف تلاوينها منذ ما يناهز ستين سنة، ابتداءا من اليسار الذي كان يروج للاشتراكية و صيانة حقوق الطبقة العاملة و إزالة الطبقية، مرورا بالأحزاب التقدمية التي تروج لحقوق الإنسان و الحريات العامة و مساواة المرأة و انتهاءا بالأحزاب الإسلامية التي تتبنى الخطاب الديني. هذه الاحزاب التي لم تستطع التماهي مع مطالب الشارع المغربي في تحقيق العدالة الاجتماعية و الحرية و الكرامة ببرامج ميدانية و واقعية لها تأثير مباشر على الواقع اليومي المعيش للمواطن المغربي، بعيدا عن الخطابات الرنانة و الوعود الزائفة، خصوصا أن الشعب المغربي مر بتجربة التناوب خلال حكم اليسار، و بتجربة الإسلاميين بعد حراك الربيع العربي، التي عكست نفس الأداء السياسي الهش و المترهل، والذي ينأى عن تحقيق أي تغيير يذكر في المعيش اليومي للمواطن المغربي. بعد هاته التجارب السياسية الجوفاء، يجد الشعب المغربي نفسه امام فئة حزب نادي رجال الاعمال الذي يتزعمه وزير الفلاحة و الصيد البحري عزيز أخنوش، و الذي احتكر الاستوزار لمدة 14 عاما، صدرت في حقه خلالها و كذلك في حق بعض أعضاء مكتبه السياسي كمحمد بوسعيد وزير المالية و محمد اوجار وزير العدل و محمد الطالب العلمي وزير الشبيبة و الرياضة تقارير من المجلس الاعلى للحسابات تتهمهم بعدم الكفاءة و تبذير المال العام. فعزيز أخنوش عضو الامانة العامة لحزب التجمع الوطني للأحرار الذي يحتكر قطاعات اقتصادية مهمة بالمغرب كقطاع المحروقات، و يستثمر في قطاع الاتصالات و في قطاع السياحة كما أنه يحتكر بيع الاوكسجين للمستشفيات المغربية، لا يخفى انه صدرت في حقه تقارير المجلس الاعلى للحسابات تتهمه بالإهمال ، كما صدرت في حقه تقارير مجلس المنافسة تتهمه باحتكار السوق، ناهيك عن انه تعرض لغضبة ملكية بسبب مشروع من مشاريعه السياحية لأنه يجمع بين المال و السلطة. هؤلاء الذين من المفروض ان تصدر في حقهم النيابة العامة قرار المنع من الاستوزار، هم المرشحون اليوم لتصدر لائحة الحزب الفائز باستحقاقات 8 شتنبر 2021. لا شك ان هذه المعطيات تدل على انعدام ربط المسؤولية بالمحاسبة في الحياة السياسية المغربية، وأن الاحزاب السياسية المغربية لا تعدو كونها أحجار في رقعة شطرنج النظام، لأن الدستور الممنوح ل 2011 يركز كل السلطات بيد الملك، و يجرد الاحزاب منها. لا يمكن في ظل حكم ينعدم فيه فصل السلط، و ينعدم فيه القضاء النزيه وربط المسؤولية بالمحاسبة، أن ينبثق و اقع سياسي رصين و ناجح، يمكن ان يراهن عليه المواطن المغربي لتحقيق المعادلة العسيرة في تحقيق مطالبه و آماله و تطلعاته إلى الرخاء و الازدهار و العيش الكريم، خصوصا ان الملفات الحارقة التي لا زالت تراوح مكانها دون تقدم يذكر و على رأسها الشغل و الصحة و التعليم، عرفت انتكاسا كبيرا في ظل حكم حزب العدالة و التنمية الإسلامي الذي مني بهزيمة ساحقة خلال الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، ولا شك أن ذلك كان ردا من الشارع المغربي على استهتار هذا الحزب و كوادره بالقضايا الرئيسية التي تشغل بال المواطن المغربي، و كان مؤشرا واضحا على حجم تقلص شعبية هذا الحزب الذي تصدر المشهد السياسي بالمغربي لفترتين. لا بد لكل مستبصر بالشأن السياسي المغربي و مدقق في حيثياته أن يستشف أن هناك طغمة سياسية فاسدة تتحكم في دواليب الدولة و لها نفوذ قوي داخل أجهزتها، كما أن لها تحالفات مع قوى استعمارية خارجية لحماية مصالحها و امتيازاتها و كراسيها من احتمال نشوء أي حراك جماهيري مرتقب أو ثورة شعبية قد تعصف بمصالحها و ثرواتها التي راكمتها من خلال السطو على مقدرات البلاد و نهب خيراتها. تحالف هذه الطغمة المافيوية مع القوى الامبريالية الخارجية جعلها تأتمر بتعاليم المؤسسات الرأسمالية الدولية وتخضع لإملاءاتها وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي، الذي ظلت هاته الطغمة الفاسدة تستدين منه ديونا تقدر بملايير الدراهم، ثم تدعي زورا و بهتانا أن هاته الأموال تستعمل في دعم القطاعات الحيوية في الدولة كالتعليم و الصحة و الشغل، بينما في حقيقة الأمر ظلت هاته المافيا تقتسم هاته الأموال الطائلة فيما بينها و تعمل على تهريبها إلى الخارج، وظلت المديونية تتراكم حتى وصلت البلاد إلى مقاييس رهيبة ، حيث بلغت الديون الخارجية حد 91% من الناتج المحلي الخام و هذه كارثة سياسية و اقتصادية بكل ما تحمل الكلمة من معنى لا يدرك تداعياتها على اقتصاد البلاد و سلمها الاجتماعي إلا خبراء الاقتصاد، كالبروفيسور المغربي نجيب أقصبي. كان من تداعيات سياسات الطغمة الحاكمة المقربة من مراكز صنع القرار في المغرب، إغناء و إثراء مجموعة من العائلات المتحكمة في أجهزة الدولة حد الثراء الفاحش، و التي لا تشكل أكثر من 5% من ساكنة المغرب في مقابل تفقير ما يقارب 90٪ من أبناء الشعب المغربي، تحت سقف سياسة ( طحن مو ) و بمنطق القوي يأكل الضعيف، و بالتالي تؤكد المعطيات السالفة أننا لسنا أمام دولة مؤسساتية بالمعنى المعاصر، أي دولة حديثة تحتكم للدستور و للمؤسسات بشكل قانوني بقدر ما هي شبه زريبة إن صح التوصيف، يعبث فيها الأقوياء و المتنفذون في الدولة كما يشاؤون ووقتما يشاؤوون دون حسيب و لا رقيب. يصنف مؤشر التنمية البشرية العالمي المغرب كبلد متخلف جدا على مستوى التعليم خصوصا حيث يحتل المراتب ما قبل الأخيرة ، و هذا شئ مقصود عملت المافيا على تحقيقه لتجهيل أبناء الشعب و عدم تمكينهم من التعليم و التثقيف الذي يمكنهم من شغل مناصب عليا داخل الدولة، لكي تبقى هاته المناصب حكرا على أبنائهم الذين يتلقون تعليمهم في معاهد عليا خارج البلاد وبالتالي يعودون محملين بشهادات عليا للحصول على أرقى المناصب و الامتيازات في الدولة، أي أن مؤسسات الدولة أصبحت تخضع لمفهوم التوريث أبا عن جد، بينما في الدول الديموقراطية يكون معيار الحصول على المناصب العليا هو الكفاءة ثم الكفاءة، هذا قد يفسر ظاهرة نزيف الأدمغة أو هجرة المثقفين بالمغرب، حيث يغترب عدد لا يستهان به من المهندسين و الدكاترة و الاطباء و الاساتذة الباحثين هروبا من بلد لا توفر لهم حتى الحدود الدنيا من مقتضيات العيش الكريم، أو إمكانيات البحث العلمي. من تمظهرات تداعيات سياسات الطغمة الحاكمة تلاشي و اضمحلال و ربما انعدام الطبقة الوسطى ،و القضاء على هاته الطبقة الإجتماعية، التي تشكل صمام أمان لكل المجتمعات الديموقراطية، كان تدبيرا ممنهجا منذ الثمانينات من هذا القرن، على اعتبار أن الطبقة الوسطى كانت أرضية خصبة لإنجاب طليعة المجتمع من المثقفين و المناضلين و الباحثين و الأكاديميين، الذين ظلوا يقضون مضاجع المافيا الحاكمة بخطاباتهم و نضالاتهم الرامية إلى تحقيق الديموقراطية السياسية و العدالة الاجتماعية و المجالية و تحصين الحريات العامة و حماية حقوق و مكتسبات الطبقة العاملة بالإضافة إلى تأطير المواطنين. وما نشهده اليوم في بلدنا على المستوى السياسي و الاقتصادي و السياسي و الاجتماعي ليس إلا تحصيل حاصل لا محالة ، و نتائج لمقدمات صنعتها المافيا بسياساتها العدائية لأبناء الشعب. إن المشهد السياسي المغربي الراهن يحتاج لضخ دماء جديدة تحدث قطيعة مع فترات الفساد و الريع السياسي، و تحتكم إلى قانون ربط المسؤولية بالمحاسبة و استقلال القضاء. نعم يحتاج المغرب اليوم إلى قوى سياسية جديدة واعدة لم يتم استهلاكها، تضع نصب أعينها سبل تنزيل مشروع الحماية الاجتماعية الذي سنه الملك، و سبل النهوض بالقطاعات الحيوية التي تمس المعيش اليومي للمواطن المغربي بعيدا عن الخطابات الإيديولوجية و البراغماتية الجوفاء التي لا جدوى منها و لا أثر لها في الواقع.
#طارق_الورضي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
على هامش التصريح الأخير لوزير التعليم العالي و البحث العلمي
-
سلطة الإعلام و إعلام السلطة
-
المهرولون : قراءة في مخرجات الحوار الاجتماعي بين الحكومة و ا
...
-
الحراك الشعبي الأخير في ظل استعار موجة الغلاء
-
شهادة الباكالوريا و دلالاتها في الميزان
-
لماذا أقاطع التصويت في الانتخابات المغربية
المزيد.....
-
إطلالة مدهشة لـ -ملكة الهالوين- وتفاعل مع رسالة حنان ترك لجي
...
-
10 أسباب قد ترجح كفة ترامب أو هاريس للفوز بالرئاسة
-
برشلونة تعاني من أمطار تعيق حركة المواطنين.. وفالنسيا لم تصح
...
-
DW تتحقق - إيلون ماسك يستغل منصة إكس لنشر أخبار كاذبة حول ال
...
-
روسيا تحتفل بعيد الوحدة الوطنية
-
مصر تدين تطورا إسرائيليا -خطيرا- يستهدف تصفية القضية الفلسطي
...
-
-ABC News-: مسؤولو الانتخابات الأمريكية يتعرضون للتهديدات
-
ما مصير نتنياهو بعد تسريب -وثائق غزة-؟
-
إعلام عبري: الغارة على دمشق استهدفت قياديا بارزا في -حزب الل
...
-
الأردن.. لا تفاؤل بالرئاسيات
المزيد.....
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
المزيد.....
|