أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - لبيب سلطان - نحو خلق ثقافة عربية علمانية جديدة متحررة من العقائدية















المزيد.....


نحو خلق ثقافة عربية علمانية جديدة متحررة من العقائدية


لبيب سلطان
أستاذ جامعي متقاعد ، باحث ليبرالي مستقل

(Labib Sultan)


الحوار المتمدن-العدد: 7560 - 2023 / 3 / 24 - 16:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


اود اولا الوصول مع القارئ على تقاسم بعض المشتركات في فهم ورسم العلاقة بين مصطلحات مثل الثقافة ،المعرفة ، الفكر، والايديولوجيا، القائم كلا منها بذاته، ولكل منها عالمه الخاص، ويمكن كتابة او قراءة اكثر من مجلد عن كل منها منفصلا . ولكي لانخوض كثيرا في دروب تعاريفها وتقاطعاتها دعونا نحاول الوصول الى بعض المشتركات . اولها ان الثقافة ، والمعرفة عموما ، هي نتيجة لممارسة عملية فكرية يقوم بها مفكر ما يهدف لانتاج معرفة ، او ثقافة بمفهومها المعرفي ( اي ليست المرتبطة بالعادات والتقاليد) ،وهذه تساهم بشكل او باخر في تكوين الوعي على المستوى الفردي أو الجمعي او الاجتماعي. ومنه يمكن تشخيص اهمية دور المفكر في تكوين المعرفة والثقافة والوعي، فهو "الالة" التي تنتج المعرفة ومنه مساهمته في تكوين الثقافة المعرفية ، وكلاهما يؤثر في تكوين الوعي الفردي والجماعي.
ويمكن ايضا ولحد ومقبول طرح ان الممارسة الفكرية التي يقوم بها اي المفكر أي " الالة " التي تنتج المعرفة ، تعتمد على المنهج الذي يتخذه ويستند عليه في انتاجها، اي ان نوع المعرفة مرتبط بالمنهج الفكري للمفكر نفسه الذي ينتجها. فالمفكر الديني مثلا ينتج معرفة ذات اسس وتوجهات دينية ، والماركسي ينتج معرفة ذات اسس وتوجهات ماركسية ، والقومي كذلك ذات اسس وتوجهات قومية ، وهكذا.
وعموما يمكن ايضا الاتفاق على وجود ممارسة فكرية محايدة يمثلها العلم الموضوعي المحايد ويمكن تسميتها المدرسة الفكرية العلمانية ،فهي لاتقوم على موقف مسبق وتكون متحررة منه في ممارستها الفكرية في انتاج المعرفة. واذا اقررنا بذلك ، وهو امرا لايصعب اثباته على الاقل في الواقع المعاش في الممارسة الفكرية في الجامعات المعتبرة اليوم، فيمكن التمييز بين منهجين في انتاج المعرفة ، وخاصة في مجال دراسة وعرض وفهم ومعالجة الظواهر والقضايا الاجتماعية.
احدهما يمكن تسميته المنهج العلماني او المحايد ، والاخر يمكن تسميته المنهج الايديولوجي . الفرق بينهما ان الاول يقترب من منهج العلم في الحيادية في دراسة الظواهر وعدم الانحياز او التقيد بمقولة مسبقة او مواقف مسبقة في ممارسة العملية الفكرية، والثاني يقيم منهجه على مقولة او مقولات مسبقة يعتبرها المفكر (اي منتج المعرفة ) انها من المسلمات ويستخدمها للتوصل لاستنتاجاته وطرحها بشكل معرفي. ومن هذين المنهجين سنحصل على نوعين من المعرفة والثقافة. الاولى العلمانية ( أي الغير مؤدلجة ) ، والاخرى المعرفة والثقافة المؤدلجة وهي متعددة وفق تعدد مدارسها . كلاهما نتاج الممارسة الفكرية ، وكلاهما يمكن ان يتخذ نفس المسار في الانتاج الفكري الذي يمر عادة في مراحل ثلاث : جمع معطيات القضية او الظاهرة ، ثم القيام بدراستها بتحليلها تركيبا ام تفصيلا وبحثا عن العلاقات بينها ،او اعادة التشكيل والتركيب والتفريد والتحليل ، وغيرها من طرق البحث والفحص للهيكلة والوظيفة والهدف ،يليه الخروج بنتائج وطروحات لتشكل اما اضافة ولو جزئية للمعرفة القائمة ، او نفيا لبعض ما هو معروف وقائم ،او العكس يأتي في سياق تأكيد المعرفة القائمة ودعما لها.
ان الفرق الجوهري بين منهجي انتاج المعرفة اعلاه ، ان ألأول يعمل دون قيود مقولة اوفكرة منحازة مسبقة للمارسة الفكرية، والثاني يعمل وفق مقولة مُقَيدة للممارسة الفكرية .في الاول تأتي النتائج من المعطيات نفسها ويمكن اثبات النتاج على اساسها ، والثانية يمكن ان تصل الى نفس النتائج ( حسب الظاهرة تحت البحث ) ، او تأتي متناقضة بين المعطيات وبين المقولة المسبقة التي قيدت الباحث، وعندها يقوم "الباحث المؤدلج" غالبا بايجادمخرج من هذا التناقض ويطرح ما يمكن تسميته المبررات لعدم صحة المقولة ويلقي باللوم على ظروف خارجية او ذاتية لتبرير التناقض ،فهو لايشكك ابدا بجدوى وصحة المقولة التي استخدمها كمنهج له .
ومنه فهناك نوعان من المعرفة احداها يمكن دعوتها المعرفة العلمانية ومنها الثقافة العلمانية ،والاخرى المعرفة المؤدلجة، ومنها الثقافة المؤدلجة . ويمكن ، ومن الناحية العلمية اي وفق المنهج العلمي في دراسة الظواهر بشكل حيادي ، الادعاء بان الاولى هي معرفة موضوعية والثانية، أي الايديولوجية، هي معرفة منحازة وأغلبها ( وليس كلها ) يمثل معرفة زائفة في طرحها للواقع ،كونها جاءت وفق نتاج للمقولة المسبقة المقيدة للمنهج وليس فقط من خلال دراسة الواقع كما هو بمعطياته والتحرر من تقييد المقولة في طرح النتائج المعرفية ، ومنه فثقافتها باغلبها ( وليست كلها )مزيفة ايضا. ولتوضيح مااقصده "اغلبها " وليس "كلها" ان فبعض الاحيان القليلة تلتقي نتائج البحث المؤدلج مع نتائج البحث العلماني المحايد حسب طبيعة القضية تحت البحث .ساقوم بتوضيح الفرق بين المعرفة العلمانية وتلك المؤدلجة في كلتا الحالتين من خلال بعض الامثلة التي اوردها ادناه.
والمشكلة تحت البحث اني ازعم ان الثقافة العربية المعاصرة اليوم باغلبها هي ثقافة مزيفة كونها قامت على معارف واسس مؤدلجة ، فنادرا ما تجد انتاجا معرفيا عربيا يكون علمانيا محايدا وموضوعيا وبعيدا عن تأثيرالمدارس المؤدلجة فيه ، والتي تسيطر اليوم على الفكر العربي من خلال انتاج مفكريها ، أي الات انتاجها، كونهم يطرحون المعرفة في اطار مؤدلج.
سأستخدم مثالين لتوضيح الطرح اعلاه حول هذا الزعم . المثل الاول سافترض انه لو تم طرح دراسة قضية "اهم سبب للتخلف في مجتمعاتنا العربية " ومعها معطيات مطروحة تشير لمواطئ التخلف ، فالباحث الديني سيحاول ارجاع السبب الى مقولة انه الابتعاد عن تعاليم الله والدين الحنيف ، فهي اهم اسبابه ، والقومي سيرجعها الى دور اسرائيل التخريبي وعدم الاخذ بفكر ومصالح الامة واقامة الوحدة العربية لتجميع طاقاتها لمواجهتها ومنه القضاء على التخلف، وربما سيضع الماركسي الامبريالية والراسمالية كنظام اقتصادي دولي الذي يتحالف مع البرجوازية والرجعية الدينية المحلية ومن خلالهما التآمر الامبريالي العالمي لجعل بلداننا متأخرة هو أهم سبب للتخلف ، وهو الذي يمنع خروج مجتمعاتنا منه . في ثلاثتها يمكن تلمس استحالة ايجاد حل لقضية التخلف كون المقولات المقيدة اعلاه حول تشخيص سببه لايجاد الحل تحمل في طياتها امورا يصعب تحقيقها بشبه الاستحالة ، فلا الاخذ بتعاليم الرب والدين ممكنة ( والدليل انها لم تطبق مثلا منذ 1400 سنة منذ ظهور الاسلام ) ، ونفس الامر على المنهج القومي الذي سيطر على مجتمعاتنا لعقود وفشل حتى باقامة وحدة بين بلدين مثل العراق وسوريا، ومثله الماركسي ، فلا احد يعلم متى يمكن القضاء على اميركا وعلى الرأسمالية المحلية والامبريالية العالمية لنتمكن من التخلص من التخلف.
الباحث العلماني، وكونه محرر من قيد وسطوة المقولة والموقف السابق ربما سيطرح مثلا انه يمكننا الخروج من حالة التخلف حتى لو وجدت كل هذه الاسباب الثلاثة أعلاه ويستشهد بتجارب ناجحة لدول كانت في ظروف مماثلة لبلداننا، ليقوم بدراستها واستخلاص ما يصلح و مايعتقده مفيدا منها او تشخيص حلولا ذاتية ممكنة للخروج من التخلف،وفق منهج علمي ومحايد، ولكن لوقام العلماني بطرح هذه المعرفة باسم العلم والموضوعية ، فهل سيصمد طرحه امام الكتل المؤدلجة باسم الله وباسم الامة وباسم الطبقة العاملة ، بالطبع لا ، فالاستشهاد بالعلم والموضوعية هو خارج هضم الجماهير التي جيشها الفكر المؤدلج ، عدا الاتهامات بانها ضد الله وضد الامة وضد الطبقة العاملة وانها طروحات امبريالية وسيتفق الثلاثة على الاخيرة، كما شاهدنا في اكثر من موقف. ان المعرفة المزيفة حول اسباب التخلف هي السائدة اليوم في ثقافتنا العربية.
المثال الثاني سافترض لو يطرح قضية "تحديد شكل الحكم واهمية الديمقراطية والحريات في ادارة الدولة القادرة على تطوير مجتمعاتنا العربية" ، لرأيت الباحث الديني سيطرح نموذج الخلافة وتوليها لمن هو اعلم ، كونه النموذج اثبت نجاحه تاريخيا في تقدم الامة الاسلامية ووصولها لامبراطوريات مهابة وقوية ، والديمقراطية هي شورى بين المؤمنين والمؤتمنين على امور المؤمنين والحريات تقام وفق الشرع، والباحث القومي سيطرح دون ريب اقامة الدولة القومية القوية القادرة على تحقيق اهداف الامة العربية في الوحدة ، وان الديمقراطية والحريات تأتي اهمية بعدها وتتبع مصالح الامة في احسن الاحوال والتي يحددها الحزب والقائد القومي الملهم. والماركسي سيطرح دون ريب اقامة الدولة الاشتراكية تحت قيادة حزب العمال والفلاحين حيث تسود ديمقراطية الاغلبية التي يمثل مصالحها الحزب القائد والذي يقود عملية البناء للقضاء على الاستغلال والتمايز الطبقي، اما الديمقراطية فهي ليست بمفهومها العام الذي يتيح ممارسة الحريات وتأسيس الاحزاب للتنافس ونيل ثقة الشعب فهي اطروحة غربية امبريالية مزيفة ، والديمقراطية والحريات الحقيقة متاحة للفكر المساند لمهمة الحزب القائد ومحجوبة فقط عن أعداء الطبقة العاملة لمنع البرجوازية من التآمر الداخلي والامبريالي على دولة الكادحين.
اي ان التيارات الثلاثة تطرح بناء الدولة وشكل الحكم وفق مناهجها الايديولوجية ، او بتعبير اخر،تطرح نماذج الدول والحكومات الايديولوجية كلا وفق منهجه، وليس وفق مفهوم الدولة العلمانية المحايدة.
هل يوجد مفهوم وشكلا اخر للحكم والدولة في النظرية المعرفية السياسية المحايدة او العلمانية؟ الجواب نعم ، ولكن تنفيه المدارس الثلاثة . هل يوجد طرح له في ثقافتنا العربية السائدة ؟ نعم ولكنه مطروح ليس بمفاهيمه ، بل من خلال نقده وشتمه وتشويهه من قبل التيارات الثلاث. ان ثقافتنا العربية المعاصرة نادرا ماأحتوت على معارف عن نموذج الدولة العلمانية بمفهومها النظري والمعاصر والتغييرات التي حصلت عليها خلال العقود الطويلة منذ بزوغ مفهوم الدولة العلمانية في نهاية القرن الثامن عشر والى اليوم.
وحتى اليوم، ونحن في القرن الحادي والعشرين ، تكاد تختف من قاموسنا المعرفي العربي مثلا تغير مفهوم الدولة من الحكم للسيطرة والاستبداد الى الحكم للادارة وتنظيم امور المجتمع، ، عدا التطور الحاصل في مبدأ فصل السلطات وابعاد الدولة ومؤسساتها عن الانحياز العقائدي الديني والوضعي ( وليس فقط الديني ) ، وذلك لتأكيد وضمان ممارسة الدولة للمساواة بين المواطنين، وتطور الحقوق والحريات الفكرية ، وتحول دور الدولة الى التركيز على الرفاه الاقتصادي والمعاشي للمواطنين كأهم اسس للحكم وتبديل مفهوم الحكومات الايديولوجية بالحكومات الخدمية ، وتحديد وظائفها ووظائف مؤسسات الدولة على هذه الاسس، التي هي من اهم صفات الدولة المعاصرة ، وجميعها تطورت ضمن اطروحات المدرسة العلمانية القائمة على من مبدأ حيادية الدولة تجاه العقائد، واحترام حريات الفكر والمواطنة.
ان المفكر او الباحث العلماني العربي الباحث سيطرحها دون ريب معززة بنماذج تطبيقاتها الناجحة عند مختلف الامم والشعوب ، ومنها المقاربة لنا بارثها الديني ودرجة تطورها الحضاري ، في اجابته عن شكل الحكم المرجو لدولنا العربية. ومنه سيطرح معرفة علمانية مختلفة عن طروحات المدارس الايديولوجية عن شكل الحكم و وظائف الدولة ومفهوم الديمقراطية والحريات ، ومنه ثقافة معرفية مختلفة ، ووعي اجتماعي مختلف عن فهم الدولة المعاصرة وشكل الحكم واليات ومحددات عملها الوظيفي.
لا بد ان اضيف الى نقدي للمدارس المؤدلجة اعلاه لما اسميه الطروحات العلمانية التيئيسية ( من كلمة اليأس والتأييس) والتي ركزت على نقد العقل العربي تحديدا وانه واقع تحت اسر وثقل التراث والمعرفة والثقافة النصية ، كما يطرحها الاستاذ الدكتور محمد عابد الجابري مثلا، او في بعض اطروحات الدكتور برهان غليون ، وغيرهما من العلمانيين الباحثين العرب ، والتي اراها ايضا توصل الى استحالة احداث تغيير في مجتمعاتنا العربية دون التخلص من هذا التراث " الديني الجيني" في سيطرة النص على العقل. انها دعوات لتحرير العقل ولكن شروطها ايضا محكومة بشبه الاستحالة، ولا اعلم لمَ يهمل علمانيونا التجارب السابقة في مجتمعاتنا العربية مول منتصف القرن الماضي والتي تشير الى تقبل مجتمعاتنا لحضارة الغرب وقيمها ورحبت به رغم هذا التراث المتراكم. اني اجد ان مدرسة التيئيس ( وهذه تسميتي الشخصية وليست امرا متفقا عليه ) غير محقة، فهي لاتأخذ في الحسبان مفهوم " امكانية تجدد العقل بدافع المصلحة " والاخذ بالتحديث بدافععها، ومنه يمكن للعلمانية ان تشق طريقها لمجتمعاتنا، كما حدث في الماضي . ومنه اجد الاخذ بالعلمانية "الايجابية "وطرح المفاهيم والمعرفة الحداثوية وامكانية تحقيقها ضمن معطيات محيطنا القائم ، ومنه تشكيل ثقافة ومعرفة لاتكتفي بطرح وتفسير ونقد ماهو سلبي، بل بالتعريف والبحث عن البديل وطرح مفاهيم المعرفة العلمانية بشكل يفهمه الناس وقريبا الى وجدانهم وواقعهم المعاش، ومصالحهم.
ان الدعوة لانتاج ثقافة ومعرفة علمانية عربية جديدة ستؤدي للصدام دون شك مع طروحات التيارات المؤدلجة السائدة في عالمنا العربي اليوم، واذ ان العلمانية لاتعادي اية مدرسة فكرية بحد ذاتها ، ولكن واجبها نقد وتوضيح اللاموضوعية عند تناقضها مع الواقع ، فهي ليست مهمتها تفنيد المدارس الفكرية وتحويل اتباعها للحيادية العلمانية ، قدر طرحها لمفاهيم المعرفة الاجتماعية بشكلها العلماني المحايد، ومنن يمكنها نقد ودحض نتائج اطروحاتها وليس مهمتها دحض اطروحاتها بذاتها،وهو صراع فكري سيستمر ضمن الحريات التي تتبناها العلمانية كمنهج والدول العلمانية في ادارة المجتمع، ومنه فاقامة نظم علمانية هي لمصلحة الجميع ، ومنها الدعوة لمفكري المدارس الايديولوجية التخلي عن طروحات ايديولوجية غرضها تشويه مفاهيم الحضارة العلمانية والغربية تحديدا كونها المنبع لنبدأ العلمانية ولتطور المعرفة العلمانية ، فهي بدعواتها تمثل الانعزالية عن العالم وعن منجزات الامم والشعوب ولاتخدم غير التيارات الاصولية الداعية الى التقوقع ومعاداة العلم والعقل والانفتاح على تجارب الامم والشعوب. ان تشويه المفاهيم العلمانية هو تشويه للمعرفة البشرية نفسها ودعوة لعزل مجتمعاتنا عن العالم وخنقها اخيرا في التقوقع الاصولي السلفي كما نراه اليوم.
من الطرح العام اعلاه ، اود استخلاص بعض النتائج حول انتاج ثقافة علمانية عربية باربع نقاط:
1. ان الثقافة المعرفية ( وبالأخص السياسية والاجتماعية والاقتصادية ) السائدة اليوم في وطننا العربي هي ثقافة مؤدلجة باغلبها ،او بشكل ادق معرفة وثقافة مزيفة باغلبها ، كون من انتجها هم المفكرون وفق المقولات والمسلمات والمواقف المؤدلجة . وهذه شكلت حاجزا معرفيا وثقافيا امام مجتمعاتنا لفهم العالم كما هو اليوم.

2. الدعوة للتحول للانتاج المعرفي العلماني وطرح معرفة وثقافة علمانية عربية جديدة متحررة من القيود الايديولوجية ، الدينية او الوضعية ، وجعلها متاحة ومفهومة للناس على يد الجهد الفكري والعقلي والابداعي للمفكرين والمثقفين العلمانيين العرب.


3. الدعوة لكل المفكرين العرب ،وعلى مختلف مدارسهم في وضع اهمية الانفتاح على العالم فوق منهج التقوقع والانعزال المعرفي والثقافي الايديولوجي الضيق واللجوء الى النقد الموضوعي بدل التشويه المتعمد لحضارة الغرب والعالم وواقعه ، فطرحه بصورة مشوهة تخدم الطرح السلفي الاصولي الداعي لعزل مجتمعاتنا عن الحداثة ويعيق الخروج من نفق الظلامية الفكرية السائدة اجتماعيا.
4. العمل على فتح الطريق امام مجتمعاتنا للاستفادة من تجارب الامم والشعوب التي سبقتنا في مجال تنظيم وادارة الدولة العلمانية والحكم الديمقراطي العلماني القائم على فصل الدولة عن العقيدة، وعلى المساواة ، وعلى الحقوق والحريات الفكرية والشخصية. ودراسة طرق ادارة الاقتصاد الحديث ودراسة نماذج النمو الاقتصادي والتشغيل والرفاه الاجتماعي ، وبرامج العدالة الاجتماعية ، وغيرها من التجارب الثمينة للامم والشعوب التي سبقتنا على سلم الحضارة . والكف عن تشويهها وسبها ايديولوجيا وخلق وعي معاد زائف هو في الاساس يعمل ضد المصالح الوطنية لشعوبنا ويخلق الحواجز النفسية والمعرفية امامها بدل الاستفادة من تجارب التحضر العالمي الحاصل اليوم على نطاق واسع.
ان القول المأثور ان تبدأ متأخرا خير من ان لاتبدء على الاطلاق ، يصح على واقعنا اليوم، ومنه اهمية البدء بقلب طاولة المعرفة والثقافة النؤدلجة المتهلهلة الحالية، والشروع ببناء الاسس لتطوير المعرفة والفكر العلماني العربي لخلق ثقافة ووعيا وطنيا للخروج من نفق التخلف المظلم الذي وضعتنا فيه المعرفة المزيفة والطروحات السلفية والايديولوجية التي عزلت مجتمعاتنا عن المعرفة الحاصلة في العالم اليوم.
شكر على التحفيز:
اود التقدم بالشكر للاستاذ محمود يوسف بكير على مقالته في ثقافة التقبل، ومثلها للاستاذ منير كريم في مداخلاته الهامة في تحرير الثقافة من الادلجة ، ومعه للاستاذة ماجدة منصور التي شكلت مقالتها ومداخلته والاستاذة ليندا كبرييل في طرح ثقافة الانفتاح ودور النخب فيها ، وللدكتور صادق الكحلاوي في طرح وطنية الثقافة والتركيز على المصلحة الوطنية وتخليصها من الادلجة ، وغيرهم من كتاب الحوار المتمدن المتميزين، جميعها شكلت لي شخصيا ، وتشكل لنا جميعا قراء وكتابا حافزا على المساهمة في طرح افكارنا واقامة ثقافة علمانية جديدة منفتحة وغير مؤدلجة ولامغلقة كالسائدة اليوم في مجتمعاتنا العربية.
د. لبيب سلطان
24/03/2023



#لبيب_سلطان (هاشتاغ)       Labib_Sultan#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فهم الله وألدين والعلمانية اولى خطوات الاصلاح العلماني العرب ...
- العوامل الدولية في اخماد انتفاضة اذار 1991 الخالدةـ وفق دفات ...
- فهم الله اولى خطوات الاصلاح العلماني العربي-1
- باخموت ..المدينة الصغيرة التي دخلت التاريخ
- قراءات في مستقبل حرب بوتين على اوكرانيا -2
- قراءات في فهم حرب بوتين على اوكرانيا -1
- العلمانية النظرية وزيف العلمانية العربية -2
- العلمانية النظرية وزيف العلمانية العربية -1
- من ذاكرة طفل عن فاجعة 8 شباط 1963
- بحث في نجاح النظم الملكية وفشل الجمهورية في العالم العربي
- فهم حضارة الغرب لمواجهة الاصوليات الشعبوية ـ3
- فهم حضارة الغرب لمجابهة الاصوليات الشعبوية -2
- فهم حضارة الغرب لمجابهة الأصوليات الشعبوية-1
- الحرب الروسية الاوكرانية من منظور أوسع-3
- الحرب الروسية الاوكرانية من منظور أوسع-2
- الحرب الروسية الاوكرانية من منظور أوسع مما معلن-1
- الأدلجة كأهم اسباب التخلف في العالم العربي
- حول نشأة المعتزلة والفكرالعقلي المشرقي الاول
- حول الحوار الليبرالي الماركسي -2
- لماذا ينجح الحوار الليبرالي الماركسي في الغرب ويفشل عند العر ...


المزيد.....




- استبعاد الدوافع الإسلامية للسعودي مرتكب عملية الدهس في ألمان ...
- حماس والجهاد الاسلامي تشيدان بالقصف الصاروخي اليمني ضد كيان ...
- المرجعية الدينية العليا تقوم بمساعدة النازحين السوريين
- حرس الثورة الاسلامية يفكك خلية تكفيرية بمحافظة كرمانشاه غرب ...
- ماما جابت بيبي ياولاد تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر ...
- ماما جابت بيبي..سلي أطفالك استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- سلطات غواتيمالا تقتحم مجمع طائفة يهودية متطرفة وتحرر محتجزين ...
- قد تعيد كتابة التاريخ المسيحي بأوروبا.. اكتشاف تميمة فضية وم ...
- مصر.. مفتي الجمهورية يحذر من أزمة أخلاقية عميقة بسبب اختلاط ...
- وسط التحديات والحرب على غزة.. مسيحيو بيت لحم يضيئون شجرة الم ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - لبيب سلطان - نحو خلق ثقافة عربية علمانية جديدة متحررة من العقائدية