فلورنس غزلان
الحوار المتمدن-العدد: 1710 - 2006 / 10 / 21 - 10:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
للمرة الأولى يعترف ( السيد بوش ) بمأزقه في العراق ويجرؤ على مقارنة الوضع فيها بالوضع في فييتنام عام ال1968 ، والتي كانت الضربة القاضية لسياسة ( ليندون جونسون ) ..آنذاك في حربه ضد الفييتكونغ ، وظل يغطي على مظاهر التدهور والقتل والخسارة الأمريكية، حتى دحر الفييتكونغ قواته وكبدها خسائر فادحة انطلاقا من شهر كانون الثاني من ذاك العام...وبدأت القوات الأمريكية بالتراجع وأعلنت الانسحاب والهزيمة التي كانت بمثابة عقدة سوداء في تاريخ وعقل المواطن الأمريكي، وهاهو بوش ينبش الذاكرة الأمريكية ويفتح الجرح الفييتنامي بثوب عراقي، لكنه اليوم يحاول الفكاك والخلاص من كابوس أغرق فيه البلاد وكالب عليه أعضاء الكونجرس وارتفعت أصوات كانت منساقة لسحر الخطاب الأمريكي في نشر الديمقراطية ومحاربة الارهاب!!، لكن المستنقع العراقي بحربه الطائفية الناتجة عن أخطاء السياسة الأمريكية حين دخلت العراق لتحرره من ديكتاتورية صدام فتسرح جيشه، وتترك عناصره المدربه المسلحة تموت جوعا،( بحجة محاربتها لجيش البعث )..فتنقلب على المحررين وتنشر الرعب والقتل، ناهيك عن النصر العظيم ، الذي قدمته لإيران في العراق والمنطقة، لم تستطع تحقيقه بحرب طالت ثمانية أعوام وحملت جروحا وخسارات مازالت محفورة في التاريخ الإيراني والعراقي أيضاً ،ويدفع ثمنها الجندي الأمريكي ( المحرر ) من جهة والمواطن العراقي بأمنه وسلامته ووحدة أرضه من جهة أخرى، وكي يخرج بوش بخسارة أقل محافظا على ماء الوجه الأمريكي، والخسارة السياسية الفادحة لمركزها الدولي، نراه يرسل بلجنة مؤلفة من عشرة مختصين يرأسهم وزير الخارجية السابق للسيد بوش الأب ( جيمس بيكر) ، عله يفلح في إسداء النصح للابن الضال، فينجح في الحفاظ على بعض المكاسب الانتخابية لحزبه الجمهوري في التجديد النصفي لانتخابات الكونجرس، حيث تثبت ا لاستطلاعات ..خسارة الحزب في الانتخابات القادمة نتيجة لسياسات بوش في العراق.
فالتكلفة المادية لاحتلال العراق تقدر بإنفاق سبعة مليار دولار شهريا، ناهيك عن الخسارة البشرية لأرواح الجنود الأمريكيين، فقد أعلن البارحة فقط وليوم واحد مقتل عشرة جنود أمريكيين، والمحصلة الإجمالية تقدر بما ينيف عن 2750 ما سقط من الجنود الأمريكيين و650 ألف عراقي ومئات الألوف من الجرحى والمعاقين والمهجرين، وتدل التقديرات الصادرة عن صحفيين ونواب أمريكيين وجنرالات أيضا ، أن الوضع الأمريكي الحرج في العراق ، أدى إلى إضعاف موقفها السياسي في العالم وفقدانها مصداقيتها وهيبتها كقوة عظمى، مما شجع دولا ككوريا الشمالية وإيران إلى اقتناص الفرصة للحصول على القوة النووية، ولم تعد قادرة على تعبئة الحلفاء لمساندتها في حروبها...من أفغانستان..إلى العراق ، فالحرب على الإرهاب، والقوة النووية الصاعدة في إيران، ثم حليفتها الإسرائيلية وحربها التموزية الأخيرة في لبنان.
والمؤشرات الدولية تغمز من طرف أخطاء القراءة الأمريكية للعالم من زاوية ضيقة لمصالحها الخاصة . لهذا تسعى اليوم للانصياع للغة العقل وللدبلوماسية الأوربية، التي أدارت لها الظهر في احتلالها للعراق، فالنغمة الجديدة الصادرة عن واشنطن في محاولتها فتح الحوار مع إيران وسوريا لمساعدتها في التغلب على العنف الطائفي، وتصريحات بوش الجديدة الرافضة لتقسيم العراق ــ بعد أن سبق طرح موضوع التقسيم والفيدرالية في أكثر من مناسبة وتصريح ــ بحجة أن الأكراد يمكن أن يشكلوا خطرا على تركيا وسورية!!!، وهذا يعني ما يعنيه بكل تأكيد ويصب في محاولة استرضاء الموقف السوري والتركي على حساب الأكراد العراقيين، هل نشم رائحة صفقة ما تلوح في الأفق؟.
الانسحاب الأمريكي يمر في مرحلته المرتبكة الأولى، وقد صدر عن المقربين من جيمس بيكر العديد من التصريحات، التي تصب في احتمال الانسحاب التدريجي، وهذا يعني التسليم بالهزيمة ، لكنه تسليم يثبت خسارة أمريكا سياسيا في المنطقة وتخليها عن محاربة القاعدة والبعث ، لتسلم المقاليد للبعث السوري والملات الإيرانيين...وهذا ما يفسر تحرك العربية السعودية بالاتجاه التركي، واللقاء السني الشيعي ، الذي تم في مكة المكرمة، إلى جانب زيارة المالكي للسيستاني والصدر( في النجف )، وسعيه الحصول على مباركتهما في مسعاه لتطهير وزارة الداخلية المتهمة في عمليات التطهير الطائفي ، وقد أشيع في الفترة الأخيرة ، أن أمام حكومة المالكي فترة وجيزة لإثبات قدرته على معالجة الأمور ووقف تدهورها، وإلا فالسقوط حليفها !!.
كل هذه المعطيات عبارة عن محاولات ودراسات تصب جميعها في البحث عن السبل الأكثر ملاءمة لانسحاب القوات الأمريكية من العراق بشكل نهائي، أو الحفاظ على بعض قواعدها في المنطقة القريبة...كالكويت وقطر..
وعلى بوش أن يحزم أمره بعد تقرير بيكر ، وقبل الانتخابات النصفية للكونجرس، وينصب هم السياسيين الجمهوريين على كسب الأنصار والأصوات، وبات الوضع العراقي ، هو الحاسم والناهي، أي أن مقولات بناء العراق الديمقراطي وحرب بوش على الإرهاب مجرد ..خطاب فات زمنه وبهت بريقه! وهذا ما يفسر زيارة أولمرت لموسكو، في محاولة منه لمحاصرة إيران ، بعد فقدانه الأمل من أمريكا حليفته.
ويبدو للعيان مدى الصراع والتناقض في التصريحات ، التي تصدر عن الساسة الإسرائيليين، فالبعض ينصح بفتح الحوار مع سورية، والعودة لطاولة المفاوضات، وحتى لو كلفها هذا خسارة الجولان، وبهذا يمكن تحييدها عن التأثير الإيراني وهي التي تسعى وتدعو لإقامة سلام ، بينما تصر بعض الأطراف العسكرية خاصة وعلى رأسهم بيريس.. بالإبقاء على الجولان ، وأن الاحتفاظ به وضمه لإسرائيل هو الحل الأسلم، فسورية لن تتمكن يوما من شن حرب على إسرائيل، وما يصدر عنها من تهديدات لمقاومة في الجولان أو حرب مفاجئة تحريرية!، ماهو إلا خطاب ديماغوجي للتصدير..والأفضل هو إقامة سلام دائم مع الفلسطينيين من جهة واللبنانيين من جهة أخرى، وقد سمعنا تصريحات أولمرت الأخيرة عن استعداده اللقاء بأبي مازن وإحياء خطة الطريق على الأرض، إلى جانب دعوته رئيس الوزراء اللبناني ( السيد السنيورة) للقاء والبحث في سلام دائم مع إسرائيل!... وبالتأكيد جاء رد السنيورة حاسما وقاطعا... وفي اعتقاده أن هذا المسعى يحاصر سورية ويعزلها، والنقطة الفلسطينية لها دورها الهام أيضا في البرنامج الانتخابي الأمريكي، فقد ثبت أن سياسة القوة والحرب، خائبة وفاشلة، فالتراجع واضح في أفغانستان والتردي على أرض فلسطين لا يبشر إلا في اشتعال جديد وتدهور اقتصادي سيودي بأي حكومة غير قادرة على الإنقاذ إلى هاوية تفتيت واقتتال فلسطيني فلسطيني.
ونحن كسوريين، ماذا ينتظرنا في خضم هذه الأحداث؟ ، وإلى ماذا ستؤول أحوالنا؟
يبدو أن النظام السوري يبحث عن دور له في الورقة العراقية، ومن خلال تحالفه الإيراني، إلى جانب دور يعلق عليه أهمية أكبر من خلال عودته إلى لبنان عن طريق مسانديه وعملائه، محاولا تفجير الأوضاع في لبنان وإسقاط حكومته، كمخرج يخلصه من مأزق ينتظره نهاية العام في التقرير النهائي لبراميرتس ، لهذا يعارض تشكيل المحكمة الدولية محاولا وضع كل العقبات أمامها والحيلولة دون بروزها للحياة، وقد صرح مسؤول كبير في النظام السوري، أنه لن يقوم بتسليم أي ضابط سوري يتهمه التقرير بالاشتراك في جريمة اغتيال الحريري!
لهذا نجده يسارع لالتقاط أي إشارة تصدر عن الولايات المتحدة معتقدا، بأن إمكانية تحييده في مقتل الحريري، مقابل دوره في العراق، وفي لبنان وفلسطين أيضا من خلال مساهمته في تهدئة الأوضاع في الضغط على أعوانه لتمرير الصفقة التي يحلم بها مع أمريكا!!...لكن هل يجبر المأزق العراقي والانتخابي للجمهوريين ، إلى جانب ضعفهم في أفغانستان، وأمام النووي الإيراني والكوري...إلى غض النظر عن سياسة النظام السوري في المنطقة، والتي اعتبرتها غير قابلة للإصلاح؟!.
وهذا ما يدفع النظام للمزيد من تشديد قبضته الأمنية داخليا، والاستمرار في سياسته ذات العزف المنفرد عربيا
وتعليقه الكثير من الأهمية على الانتخابات الأمريكية، والفرنسية من ورائها، ولو كلفه هذا استمرار احتلال الجولان، والتردي الاقتصادي والسياسي للبلاد.
#فلورنس_غزلان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟