الإنسان في علاقته بالتقنية والعلم

البقالي غيثة

الحوار المتمدن-العدد: 7559 - 2023 / 3 / 23 - 00:35
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

يمثل الإنسان ككائن حي جزء من الطبيعة، وهذا ما أملى عليه ضرورة اشتغلال الطبيعة بكل ما أوتي من ذكاء وقوة، حيث استعمل في البداية اليد التي يقال عنها الأداة الأولى؛ وبعدما اكتشف أن يده لا تسعفه بشكل أمثل في استغلال الطبيعة، ابتكر الأداة كامتداد لليد، فحافظ قرونا على هذه الرابطة بين اليد والأداة معا في استغلاله للطبيعة، ونتيجة للبحث المستمر عن الأفضل، صنع الآلة التي شكلت ثورة في علاقتها باليد الإنسانية بعدما أصبحت حركتها حركة ذاتية مستقلة.وبالتالي استطاع الإنسان تجاوز محدودية جسده وفكره عندما طور تقنيته وبدأ يستخدم الأدوات والآلات، وأبدع في مختلف أشكال التكنولوجيا فامتدت فاعلية جسده وعقله إلى اللامتناهي في الصغر واللامتناهي في الكبر. يمكن حد الإنسان أنه كائن واع وراغب واجتماعي بطبعه، بالإضافة لهذه الأبعاد نجده كائنا فاعلا ومبدعا تتجلى فاعليته الإبداعية على مستوى الطبيعة من خلال سعيه الدائم إلى رسم ذاتيته عليها، والعمل على تغييرها للاستفادة من طاقاتها من خلال الشغل الذي يعتبر خاصية إنسانية تدخل الإنسان و الطبيعة في علاقة منتجة لقيم نافعة. لذلك وجب الاستشكال عن ماهية علاقة العلم بالتقنية، هل هي علاقة ترابط أم كل طرف مستقل عن الآخر؟ ما هي التقنية؟ و ما النتائج التي خلفها العلم والتقنية على المجتمع؟ وهل فعلا التقنية أضحت مسيطرة على الإنسان؟
يبين لنا موسكوفيسكي الدور المهم والأساسي للتقنية حيت مكنت المهندسين من حل مشاكل أجيال من الحرفيين والصناع، كما نفى ضرورة توفرهم على معارف دقيقة لإنشاء رسومات وخطاطات دقيقة وذلك بفضل التقنية. وساهمت هذه الأخيرة في تطوير مجالات مختلفة خاصة لمن له مفاهيم رياضية حيث يستفيد من امتيازات عديدة. ومن هنا نستنتج أن العلم أي الرياضيات والهندسة، والتقنية أي الآلات يساهمان هما معا بشكل كبير في اختيار الحلول المناسبة لمشاكل معينة وفي تطوير المجتمع عن طريق الدراسة وإجراء التجارب والفحوص القبلية. وفي هذا السياق ذاته نجد إذغار موران من خلال كتابه علم مع وعي Edgard morin Science avec conscience ، يشير في صفحاته الأولى لتلازم العلم والتقنية و المجتمع إلى درجة تشكيلهم سيرورة دائرية وتجمعهم علاقات متبادلة ومتداخلة. لذا غدا من الضروري اللجوء إلى ما اخترعته العلوم من تقنيات متطورة قصد مواصلة الأبحاث العلمية في معظم المجالات، ويرتبط كل هذا بالمصالح الاقتصادسة والسياسية للمجتمع الذي يتدخل في سيرورة العلم. مما يعني أن علاقة العلم بالتقنية علاقة ترابط وتفاعل متبادل. أما من جهة أخرى،نجد هوتوا Hottois -وهو فيلسوف فرنسي معاصر- يؤكد على استقلالية التقنية عن العلم وأن كلا منهما يشكل ثقافة أصيلة لأن العلم معرفة نظرية خالصة تتجه نحو ماهية الأشياء، في حين أن الفكر التقني له منطقه الخاص ولا يخضع لماهية جوهرية وإنما يرتبط بنظام خالص به، ومن تم يفقد براءته المعرفية والأخلاقية، مما يعني أن التطبيق التقني للعلم قد يكون خيرا أو سيئا، فالتقنية اذن ذات طابع أحادي البعد فهي غالبا ما تمارس علاقة سيطرة وإعدام لثقافات المجتمعات الأخرى فتسيطر على الإنسان ولا تتيح له إمكانية الابداع والاختيار. فمن الضروري الفصل بين العلم و التقنية حفاظا على حياد العلم و استقلاليته وبراءته خصوصا بعد بروز مشاكل والسلبيات التي أبرزتها هيمنة التقنية كصناعة الأسلحة وهذا ما جعل هوتوا يقترح الرجوع إلى حضارة الرمز و الكلمة التي تطلق العنان لقدرات الإنسان الإبداعية كحل لهذا المشكل.

#البقالي_غيثة (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات