|
قصة قصيرة بعنوان لونلي بيرل ج2
عبد الجبار الحمدي
الحوار المتمدن-العدد: 7558 - 2023 / 3 / 22 - 22:02
المحور:
الادب والفن
لونلي بيرل.... ج2
لم ينم والدها بغرفته، بقي الى جانبها حتى الصباح، وبعد أن أفاقت وجدته محتضنا صورة والدتها... فما أن تحركت للنزول من السرير حتى قال: - بيرل هل أنت على ما يرام ...؟؟ - صباح الخير يا ابتي.. نعم أنا بخير، أحس أني بحاجة إلى حمام ساخن لأستعيد نشاطِ .. - صباح الخير غاليتي بيرل ... هيا إذن قومي أنتِ إلى حمامك الساخن، بينما أنا أُحَضرَ الإفطار، دقائق وسيكون جاهزا... مرت ليلة مرهقة على رون، لم ينم إلا قبيل الصباح بعد أن ذهب خلسة وحين غطت بيرل في النوم الى المكان الذي شاهدت عنده خيال أو شبح امرأة كما قالت له عند الشجرة الكبيرة التي ما أن رآها حتى أخذت أصابعه تتلمس جذعها وما حُفِرَ عليها... (بيرل ورون إلى الأبد).. كانت تلك العبارة قد كتبت حين كانا معا في ذلك الوقت.. استغرب بعض الشيء!! لكن اهتمامه وخوفه على بيرل الصغيرة شغله عن التفكير بأي شيء، فما أن انتهت بيرل من حمامها، رجع الألق يبدو في عينيها كطفلة سعيدة في يوم عيد.. - ها... يا أبي ماذا أعددت للإفطار؟ - كالعادة القهوة والخبز المحمص وزبدة الفستق التي تحبيها إلى جانب عصيرك المخفوق المفضل لديك، هذا في حال عدم رغبتك بالقهوة والخبز وزبدة الفستق ... - إنك تدللني كثيرا يا أبتي الحبيب ..أني فعلا أحبك، سارت نحوه وقبلته بعد ان أحست بدفء روحه ينساب عبر حرارة ولهفة مشاعره... - ما رأيك؟؟ هل نقوم بالسير في الجوار؟ - لا بأس فقط انتظريني حتى أأخذ حمامي أنا الآخر ومن ثم نذهب ... جلست تتناول افطارها في الشرفة الخارجية للمنزل رغم لسعة برودة الجو وتلبد بعض الغيوم هنا وهناك، إلا أن الطيور ساقت اجنحتها رغم ذلك وهي تغرد، لا زال حفيف أوراق الشجر تتحدث مع بعضها البعض عبر رسائل هوائية فيما بينها حاملة نوتات موسيقية جميلة... نظرت الى الشجرة التي تقابل نافذة غرفتها، سارت نحوها منجذبة فما أن وصلت حتى شعرت بصعقة تيار كهربائي يلتصق بها، أنتفض جسمها اتكأت على جذع الشجرة، أمسكت بها بكلتا يديها، وضعت رأسها على ذراعها لبرهة، ثم رفعت رأسها قليلا لترى تلك النقوش ( بيرل ورون إلى الأبد)، فقالت في نفسها... يا الله أنه نقش يحمل أسم أمي وأبي .. لم يخبرني أبي قط عن هذه الشجرة وما نقش عليها .. غريب ذلك!! أيمكن أن من شاهدت بالأمس هو خيال أمي؟!! خرج والدها ينادي بيرل صغيرتي هيا بنا لنتمشى قليلا... رغم ان الجو بدا غير مناسبا.. أين أنتِ؟ - أني هنا .. يا أبي، و هي تلوح بيدها إليه.. - بإستغراب ماذا تفعلين هناك يا بيرل؟ - لا شيء فقط كنت منجذبة نحو هذه الشجرة، فإذا بي أرى هذا النقش الذي يحمل اسمك وأسم والدتي .. لِمَ لم تذكره لي يوما يا أبي؟ - إنه قديم جدا، الحقيقة لم يخطر على بالي، إلا حين رأيته فوجئت مثلك تماما .. كان ذلك عندما نقشت أمك تلك العبارة، بعد أن قررت البقاء للراحة ورؤية الطبيعة، كان ذلك اثناء حملها بك، يا لها من أيام جميلة، لا أظن أن أحدا يحيا مثلها، كما أن والدتك امرأة لا يمكن ان يخلق الله مثلها من جديد، فبعد وُلادتك توفت هي، كأن الله أعاد لي ما أخذه مني... أني أحبك كثيرا بيرل .. وأحب والدتك جدا ... فأنت سبب بقائي حيا، ولولاك لما كنت ارغب الحياة .. - أبي .. أعتذر عن تأجيج المواجع لك.. أبي.. أني اكتشف فيك جوانب مختلفة منذ أن قَدِمنا إلى هنا.. لاشك أن ذكريات الحب قد جعلتك تحيا غير حياة العمل والصخب ... هيا نذهب لنتمشى ومن ثم نعرج نحو جيراننا - ضحك بشكل لمح فيه أنه لم ينسى ما قاله لها بالأمس، أمسكت بيده بعد أن قبلته على خده ثم سارا بنشوة الحب والحنان الذي يحملانه لبعضهما البعض كأب وابنة .... طبيعة المكان جميلة، عبقها يسلب القلب خفقانه حتى يعزف معه سمفونية، لم تكترث لتقلب الجو، سارت بيرل أمامه وهي مستمتعة بالحياة، أما والدها فكان ينظر إليها وذكريات الماضي كلها تتقافز حين كانت هذه الأمكنة ملاذا له وللراحلة بيرل... خرج عن سرحانه حين سمع أحد ينادي أهلا بيرل .. نظر إلى جهة الصوت وإذا بشاب حسن الشكل قد اقترب من ابنته ليسلم عليها، والتي ما أن رأته يقترب منها حتى نظرت الى والدها مقتربة منه، أما سيتش فقد وقف مكانه حين رآها عادت نحو أبيها، لكنه سار باتجاههما مقتربا حتى سلم عليهما - أهلا بك سيد رون.. أهلا بك بيرل، لم أتوقع أن أراك في الصباح .. - رغم استغرابه عن كيفية معرفة اسمه علق ردا على الترحاب.. لقد خرجنا لنسترخي ونستمتع بالهواء الطلق .. يا سيتش .. - آه .. أراك قد علمت اسمي .. إذن لابد ان بيرل أخبرتك عني .. - إن بيرل لا تخبئ شيئا عني أبدا ... نعم قد قالت لي ما حدث لها بالأمس وملاقاتها معك .. في تلك الأثناء كان والد سيتش قد وقف ينظر إليهم، بعد أن رآهم قد أخذوا بالحديث فأقترب منهم .. - سبقه سيتش... أني سعيد بمعرفتك سيد رون، أرجو أن لا ستغرب بمعرفتي اسمك، لقد اخبرني والدي عنه، بعد أن تذكرك حينما ذكرت اسم ابنتك بيرل .. ها .. هاهو والدي قد جاء.. أبي أقدم لك السيد رون وابنته بيرل .. هذا والدي مكروغر - تشرفت بلقائك سيد رون، لقد مضت فترة طويلة جدا منذ آخر لقاء لنا .. عودة حميدة .. التفت إلى بيرل قائلا: يا الله!!! ما أشبه الأمس باليوم لكأني أرى المرحومة بيرل حين رأيتكما أول مرة معا، سعيد بلقائك أيتها اللؤلؤة الجميلة .. - أهلا بك سيد مكروغر، لم أكن أتوقع أن أجدك في نفس المكان، خاصة انه قد مضى على آخر لقاء بيننا زمنا طويلا.. - نعم سيد رون هو ذاك، فأنا لم ابرح مكاني هذا لأني وجدت الفرصة لبناء عالمي الخاص بي.. هنا بعد ان عملت كادحا لجعله كما تراه ... - بالطبع إنه يستحق الجهد، فالموقع والمكان يستحقان العمل والجهد.. ثم راحا يتحدثان عن الماضي .. بعد ان أشار له مكروغر بالسير نحو المنزل ... أما سيتش وبيرل فقد كانا يتبادلان الحديث والنظرات فيما بينها، مستغربان معرفة أبويهما مع بعضهما البعض .. وهما يتسائلا ترى ما الذي يجمع بينهما ...؟!! - أرأيتي لقد عرفا بعضهما البعض، فمجرد ذكر اسمك أمام والدي تذكر بسرعة والدتك الراحلة ووالدك... إن لأسمك وقع وتأثير على من يسمعه و يزداد الوقع أكثر حينما يراك ... - أرى انك تغازلني دون ان تعرف ماهية شعوري نحوك، كما أني لم أعرفك جيدا، لم ألتقيك في حياتي من قبل؟ كان لكلامها ردة فعل عكس ما توقعه منها فقال لها: - لم أقصد أن أتصرف بعدم لياقة لكني شعرت أني أعرفك منذ زمن .. وهذا ما أطلق لساني بالحديث معك.. اعتذر عن سوء تصرفي .. - علمت إنها قد صدمته بعد أن رأته يسرع بالخطى نحو والده.. - أبي سأذهب لرؤية الخيل في الحظيرة...، - حسنا يا بني، هل تذهب بيرل معك ..؟؟ - رون متدخلا لا.. لا أعتقد، إنها ستذهب، لأننا سنعود أدراجنا إلى البيت ... - تعودان بهذه السرعة!! هذا غير ما أتمنى أرجوكما تقبلا دعودتي واقضيا اليوم معنا، كما إنكما لن تتعرفا بعد على السيدة مكروغر.. مارثا .. زوجتي ... - حسنا سيد مكروغر.. أرجو ان لا تعتبر تصرفي غير لائقا، يشرفني لقاء السيدة مكروغر وانقل لها تحيتي، لكنا لن نبقى أكثر من ذلك، فالوقت أجده غير مناسب اليوم ربما سنحدد موعدا آخر.. - لم يشأ ان يحرج السيد رون وابنته، فترك لهما الخيار في البقاء أو الذهاب بعد أن تعرفا رون وابنته على السيدة مكروغر والتي لم تكن تعير أهمية لأي منهما ... - ها قد وصلنا.. يا لها من جولة، لم أتوقع أن تكون حافلة هكذا!؟.. - ماذا تعني يا والدي ..؟؟ - لا لم اعني شيئا، لكني أفكر.. كم هو العالم صغير جدا!؟ لقد التقيت بالرجل الذي ساعدني في تلك الليلة حين ولادتك حيث ذهب لإحضار الطبيب، تذكرت ما تعرضنا له من محنة خصوصا إنها كانت ليلة ماطرة صعبة.. لم أنسى تلك الليلة.. - هلا حدثتني عنها يا ابي!؟ فكثيرا ما سألتك عنها لكنك كنت تتهرب من ذكرها لي، ربما قد حان الوقت لإطلاعي عليها... - أخبريني أنت ما الذي جرى بينك وبين ابن السيد مكروغر ..؟ - تقصد سيتش... لا شيء لقد دار حديث عابر، حاول التقرب إلي كأن بيننا معرفة قديمة، فصدمته بالأمر الواقع أنه لا يوجد بيننا اية معرفة سابقة، أظنه قد امتعض لذا تركني وذهب حيث قال لوالده ما سمعت ... - هذا ما حدث إذن ...! لذا رايته ينسحب فجأة بعيدا عنك.. - أبي ألا تخبرني عن تلك الليلة التي جئت بها إلى الحياة... - بيرل ابنتي الحبيبة، دعك من ذلك الآن، هيا اصعدي لغرفتك حتى أنادي عليك بعد أن أُعد لنا طعام الغداء... - شعرت بهروب والدها من ذكر الموضوع .. فردت عليه... لا سأنام قليلا ومتى ما استيقظت سآكل ..ثم صعدت إلى غرفتها .. جلس رون يدخن الغليون يقلب أحداث تلك الليلة في رأسه مع خيالات دخانه تبغه المتطاير يعيد حكاية تلك الليلة حتى سرقه الوقت عن عدم تحضير الطعام، ثم قام ليكمل كتابة الرواية التي يعمل عليها على ألة الطابعة ... لم يخرج عن عالمه إلا على صرخة بيرل، جرى نحو غرفتها مسرعا، فوجدتها قد أصيبت بالهلع - بيرل ما الذي حصل بنيتي أخبريني؟ بيرل ترتجف يتصبب العرق منها رغم برودة الجو، لم تستطع أن تتكلم... سأعمد على أحضار الطبيب لك، ثم قال يصوت مسموع ..لكن كيف سأتركها وحدها؟ لا .. سأبقى معها.. بيرل أبنتي ما الذي حدث!!؟ - إنني مرهقة، كأني جريت أميالا .. دعني أتمدد قليلا، أبقى بجانبي أبي أرجوك.. - بالطبع.. أنا بقربك حبيبتي لن ابرح مكاني .. فما أن وضعت رأسها بيرل على الوسادة و أطمأنت ان والدها قربها حتى نامت.. قال رون لنفسه... يا ألهي ساعدني .. فقط على اجتياز هذه الليلة.. بعدها سنعود في الصباح الى المدينة والذهاب الى طبيبها الخاص.. أرى أن حالتها تزداد سوءا.. كان الجو قد أخذ بالتغير وتحول الهواء الى ريح متصاعدة عالية.. تسارعت الغيوم فيها للتجمع، أطلق الرعد بوق إنذار لهطول المطر، كان رون وقتها قلقا من حالة بيرل التي استفاقت بعد وهلة على صوت الرعد وهي تصيح: - ما الذي يحدث ابي؟ - لا شيء بيرل العزيزة أنه صوت الرعد .أظنها ستمطر على غير المتوقع... دعينا من ذلك، ما الذي حصل لك حتى صرختي .. - لقد أحسست أن شخصا ما في غرفتي جالس مكانك الآن، ينظر إلي ومن ثم قام بالمسح على رأسي بيده، بل مسحت بيدها وتريد الأخذ بيدي والسير معها.. لقد شعرت بذلك صدقني يا أبتي ومتى ما فتحت عيني لرؤيتها وجدتها أمي بيرل... وحين شَعُرت بهلعي اختفت من أمامي.. أبي هل تصدقني؟ أم تراني قد جننت؟
#عبد_الجبار_الحمدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصة قصيرة بعنوان/ بيرل الفصل الاول
-
ظل العزلة/ قصة قصيرة
-
قصة قصيرة بعنوان فزاعة القرن الواحد والعشرين
المزيد.....
-
“بداية الفتح” مسلسل صلاح الدين الأيوبي الحلقة 38 مترجمة بالع
...
-
“صدمة جديدة للمشاهدين” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 176 مترجمة
...
-
“كشف حقيقة ليلى وإصابة نور” مسلسل ليلى الحلقة 15 Leyla مترجم
...
-
-الذراري الحمر- يتوج بالتانيت الذهبي لأيام قرطاج السينمائية
...
-
بليك ليفلي تتهم زميلها في فيلم -It Ends With Us- بالتحرش وال
...
-
“الأحداث تشتعل” مسلسل حب بلا حدود الحلقة 47 مترجمة بالعربية
...
-
في ذكرى رحيله الستين.. -إيسيسكو- تحتفي بالمفكر المصري عباس ا
...
-
فنان أمريكي يتهم الولايات المتحدة وإسرائيل بتنفيذ إبادة جماع
...
-
-الناقد الأكثر عدوانية للإسلام في التاريخ-.. من هو السعودي ا
...
-
الفنان جمال سليمان يوجه دعوة للسوريين ويعلق على أنباء نيته ا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|