|
هايدغر ولغز اللوغوس
سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 7552 - 2023 / 3 / 16 - 13:41
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أركيولوجيا العدم العودة المحزنة لبلاد اليونان ٥٤ - هايدغر وأركيولوجيا اللوغوس
مارتن هايدجر- Martin Heidegger، الفيلسوف الألماني المهووس بالثقافة والفلسفة اليونانية وبالذات باللغة اليونانية التي لا يضاهي عبقريتها سوى "عبقرية لغتنا الألمانية" حسب رؤيته الشوفينية، أهتم بطبيعة الحال بتحليل مفهوم اللوغوس تاريخيا ولغويا وفلسفيا. حيث يقوم بدراسة المفاهيم الثلاثة التي تهيمن، في النصوص القديمة على فكر وفلسفة الشعوب اليونانية، وهي اللوغوس λόγος، ثم الفوسيس أو الطبيعة φύσις، والحقيقة - آليثيا - ἀλήθεια. موضوع اللوغوس مذكور في العديد من نصوض هايدغر من بينها الفقرة (§7) من الكينونة والزمان، حيث يظهر هذا المفهوم بمناسبة تعريف الفينومينولوجيا، من خلال استجواب معنى الظاهرة - φαινομενον فينومينون، والتي تشير إلى المنكشف والمتجلي في ذات نفسه، واللاحقة "logy" المشتقة من لوغوس، حيث يبدو أن كل المعارف الحديثة تظهر على أنها نوع من الـ "منطق". وكل هذه الموضوعات الأساسية وإن كانت تبدو مستقلة ومنفصلة دون أن يتم الخلط بينها، فإنها تنفتح على بعضها البعض وتكاد تصبح شيئا واحدا في نهاية الأمر. تنتمي هذه المفاهيم الثلاثة إلى المجموعة المسماة "الكلمات الأساسية" والتي ستكون مسألة استعادة معناها الأصلي المفقود هي الهدف الأساسي في فلسفة هايدغر، أي العودة إلى الكينونة كمصدر لكل فكر يستحق نعته بالفلسة. يبدو اللوغوس، عند هايدغر وعند أستاذه هوسرل Edmund Husserl أولاً وقبل كل شيء كـ"خطاب"، وباعتباره خطابًا فهو، إذا أردنا أن نكون أكثر دقة "عرض أو نشر أو طرح الشيء للسماح برؤيته" δηλοὖν، وهو ما يجب فهمه في مصطلح الفينومينولوجيا « Phénoméno-logie » أي علم رؤية الظواهر، علم "صنع الرؤية"، مع المعنى الفينومينولوجي المرتبط بهوسرل "رؤية الشيء نفسه" « faire-voir la chose même »، أي رؤية - كينونة الشيء. وهو يرى أن إشكالية اللوغوس لا تكمن بدلالته اللفظية، وأن التراجم التقليدية لهذا اللفظ لا يمكنها أن تشير إلى دلالته الأساسية والتي ليست دلالة إخبارية بل كشفية وتبصيرية بمعنى الـ apophantikos - ἀποφαντικός بمعنى الإشراق والظهور والوضوح. وبهذا المعنى الجديد الذي قدمه هايدغر، أصبحت مشكلة الصحة والخطأ، أي مشكلة الحقيقة، من حيث أن القضية المنطقية هي موضع الحقيقة، لم تعد تتعلق بالمطابقة أو عدم المطابقة، بل قضية كشف وحجب، ما يظهر وما لا يظهر، فاللوغوس هو البيان، وبالتالي يمكن أن يدل على العقل وعلى مفاهيم أخرى مثل العلاقة والإضافة. ومع ذلك ، هناك لغز وغلالة من الغموض تلف هذا اللوغوس، لأنه إذا كان المعنى المعتاد المبكر هو "القول" و "الخطاب" ، كما يوضح هايدغر، فإن معناه الأصلي العميق هو معنى مغاير تماما، وهذا المعنى الأصلي قد تلاشى وتبخر مع الزمن أو غطته طبقات كثيفة من التفسيرات والتأويلات والتراجم التي لاحصر لها، وليس الحديث أو الخطاب أو اللغة سوى معان جانبية مشتقة منه. يصر هايدغر على هذه الخاصية الغامضة، التي كان من الممكن أن يشعر بها الإغريق القدماء، والتي هي ليست نتيجة مفتعلة من قبل الفرسفة أو الفلسفة اللاحقة ولا من هيراقليطس نفسه، ولكنها تنتمي إلى "الشيء المفكر فيه نفسه"، أي إلى اللوغوس ذاته كموضوع التساؤل. إبتداء من أصل المصطلح λόγος وخاصة من صيغته الفعلية ليغاين λέγειν، سيبحث هايدجر في لغة ذلك الوقت عن هذا المعنى الأصلي، الذي سيظهر له على أنه "قطف"، "جني"، "إيواء أو حماية". في نهاية التأمل الطويل والدراسة الفيلولوجية التي قام بها، لن يكون لكلمة لوغوس، وهي إسم الفعل λέγειν، المعنى الأول المتعارف عليه أي كل ما هو ترتيب الكلام وما يتعلق باللغة، بل معنى آخر هو "ما يجمع ويحتضن ويستقبل الحاضر"، يتركه ممتدًا وظاهرا في المقدمة، وبالتالي يحفظه من خلال حمايته وإيوائه في هذا الحضور. يسعى هايدغر بعد ذلك إلى إظهار الاتجاه الصحيح الذي أتخذه الفعل ليغاين λέγειν الذي يعني" تمديد أو نشر" ليعني لاحقا القول والتحدث ويشمل كل ما يتعلق باللغة. إذا أردنا البحث عن سبب لهذا التحقيق والتنقيب في أصل مثل هذا المفهوم القديم، فسنجده ، في اللغز الذي يشكل التطابق الغريب الذي يجعل العقل أساس الكينونة ذاتها ( هذا هو المعنى الحقيقي لمبدأ العقل) وأساس الملكة الرئيسية والجوهرية للإنسان. تفترض استعادة المعنى الأصلي لكلمة "لوغوس" تحقيقا أركيولوجيًا في الطبقات المختلفة للفكر البريسقراطي وعلى وجه الخصوص في الشذرات المتبقية من كتابات هيراقليطس. هايدغر قام بإجراء هذا البحث خلال العديد من الدورات والمؤتمرات، ابتداءً من عام 1935. بدأ البحث بدورة بعنوان مقدمة في الميتافيزيقا Introduction à la métaphysique في الترجمة الفرنسية. فيما يتعلق باللحظات الأولى للتفكير، لا يمكن بالطبع إعطاء تعريف محدد لنوع للمصطلحات الأساسية Phusis و Logos و Alètheia، يمكن أن يظهر تفسير المعنى الأصلي لمصطلح اللوغوس فقط في نهاية التقريبات المتتالية لمعنى هذه الكلمات الأساسية وفي "تفكيك" المعارضة التقليدية لـ "الكينونة والتفكير" وهو ما ركز عليه تحقيق هايدجر في اللوغوس. ويرى هايدجر أن تفسير إدراك المعنى العميق لهذا المفهوم الغامض ممكن فقط إذا فهمنا أولاً ما نعنيه بكلمة "يكون - être" بالنسبة لليونانيين وقمنا بدراسة المفهوم الذي يبدو أنه يحل محل اللوغوس ومرادفا له بالنسبة لليونايين ذلك الوقت، وهو مفهوم الفوسيس - φύσις - Phusis، الذي يذهب معناه إلى ما هو أبعد من مفهوم الطبيعة، ويشتمل على كل الأشياء بإعتبارة المصطلح الأكثر شمولا من مفهوم الطبيعة، ويشتمل على كل الأشياء، إنه عالم ما يتكشف وينبثق وينمو وينتشر للخارج مع البقاء في ذاته في نفس الوقت، والذي في مثل هذا الانتشار، يقوم بالظهور والتجلي، ويبقى حاضرا في هذا الظهور. وفكرة الظهور هذه كانت شائعة وموجود في كل مكان بين الإغريق في أحداث السماء، في السحب المتحركة والأمواج المرتطمة بصخور الشواطيء، في نمو النباتات .. إلخ إن ظهور الفوسيس phusis يفترض مسبقًا جمع أو قطف ما هو كائن بذاته في ضوء هذا التجميع والجني، وهذا لا يمكن إلا أن يكون من عمل" اللوغوس " ذاته، وهذا الوضع، الذي سيؤكد على المدى اللاحق - أولوية اللوغوس في لعبة التفاعل المعقد بين الظاهرتين، وبذلك يصبح "اللوغوس" قوة وسلطة للإنسان ككائن عقلاني أو مفكر، والذي سيخضع تدريجياً جميع الكائنات لهذه السلطة، أي أن العلاقة الديالكتيكية التبادلية بين اللوغوس والفوسيس - أو بين العقل والطبيعة بإختصار - تتحول تدريجيا لصالح اللوغوس.
يتبع
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصياد والطريدة
-
النساء وفخ التاريخ
-
حرية النساء والفن
-
الغضب الساطع الذي لا يأتي
-
اللوغوس
-
عذاب الحجر
-
الطاقة وعقل العالم
-
جدلية حرية العبيد
-
هاملت والجمل
-
الباريدوليا، أو الصور الجانبية
-
ظاهرة الأبوفينيا
-
هيراقليطس وديمومة التغيّر
-
الفيلسوف الغامض
-
عقلنة الميثولوجيا
-
الفجوة
-
بين التوحيد والحلول
-
كزينوفان
-
المدرسة الإيلية
-
العقل اليوناني
-
لا يعرف مصلحة الأغنياء سوى الأغنياء
المزيد.....
-
كيف يستعد الجنود من المتحولين جنسيًا لمواجهة ترامب بإعادة تش
...
-
الصين تحتفل ببداية عام الأفعى وسط طقوس تقليدية وأجواء احتفال
...
-
توجيه إسرائيلي لمعلمي التاريخ بشأن حرب أكتوبر مع مصر
-
الجزائر تسلم الرباط 29 شابا مغربيا كانوا محتجزين لديها
-
تنصيب أحمد الشرع رئيسا انتقاليا لسـوريا
-
منتقدا الاحتياطي الفيدرالي ورئيسه.. ترامب يطلق العنان لمبادر
...
-
أمريكا.. السجن 11 عاما للسيناتور السابق مينينديز جراء إدانته
...
-
الرئيس السوري أحمد الشرع يطلب من روسيا تسليم الأسد
-
إصابة 24 شخصا بغارتين إسرائيليتين على النبطية.. -لم يستطيعوا
...
-
إعلام: المراحل المقبلة من وقف إطلاق النار في غزة تواجه عقبات
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|