أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - نحو تجاوز تردي الوضع بالمغرب . مشكلة الصحراء مشكلة انعدام الديمقراطية في الدولة المخزنية . ( 1 )















المزيد.....

نحو تجاوز تردي الوضع بالمغرب . مشكلة الصحراء مشكلة انعدام الديمقراطية في الدولة المخزنية . ( 1 )


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 7537 - 2023 / 3 / 1 - 13:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في نونبر من عام 1975 أعلن الحسن الثاني في إحدى تصريحاته : لقد انتهت مشكلة الصحراء . فهل حقا انتهت مشكلة الصحراء وتم حسمها مغربيا ، ام ان القضية دخلت المنعرج الخطير الذي يهدد وجودها ، ويضرب عرض الحائط بسبعة وأربعين سنة من التيه وفقدان البوصلة ، جعلت قاعدة الدول الوازنة بمجلس الامن ، وبالاتحادات القارية كالاتحاد الأوربي ، لا تزيغ عن الحل الوحيد الأوحد الذي هو الاستفتاء المؤدي الى الانفصال ؟
بعد مرور سنوات عن ذاك الخطاب ، خطاب الحسن الثاني ، تبدو مشكلة الصحراء وكأنها تكشف وتلخص مشاكل المغرب العربي عامة ، والمغرب خاصة . فهي لم تنتهي ، وانما القت بظلالها على كل ما حولها من علاقات بين الدول المغرب ، وعلى الأوضاع الداخلية لكل دولة من دول المنطقة ، وبصورة خاصة ، أوضاع المغرب وموريتانية والجزائر . وها هي تهدد بان تتحول الى نموذج للعلاقات بين البلدان المجاورة ، ينسف ما بينها من جسور ، بناها الماضي بخبراته النضالية المشتركة ، ويدمر العلاقات بين الشعوب ، ويحوّل القضايا المطروحة ، مهما كان حجمها ومدلولها ، الى رافعة تقلب احتمالات التقدم والتقارب ، الى عوامل للاقتتال والتباعد والانهيار .
واذا كان من السهولة تحليل التطورات التي شهدتها المنطقة في الفترة القريبة المنصرمة ، من خلال نشوء وتطور مشكلة الصحراء ، فان هذه المشكلة ما كانت لتلعب الدور الذي مارسته ، لو لم توجد ظروف دولية وداخلية دفعتها بالاتجاه الذي سارت فيه ، واعطتها البعد الذي اخذته ..
ان مشكلة الصحراء هي مشكلة نظام بطريركي ، رعوي ، بتريمونيالي ، ثيوقراطي ، مفترس ، لا ينظر في الصحراء سوى خيراتها التي يسيل لعابه عليها ، واستعمالها كبَرّ أمان من التهديدات بسقوطه . لكن هل تخلص النظام من اخطار الصحراء ذات الكثبان الرملية المتحركة وغير القارة ، التي وحدها تعري عن الوضع الأخير لمأزق الصحراء الذي دام سبعة وأربعين سنة ، ولم يجد له حلا ، وما يزال يهدد وجود النظام كنظام ، ويهدد وجود الدولة كدولة ذات خصوصيات فريدة ، تجعل منها دولة فريدة في العالم بطقوسها وتقاليدها ، ونوع حكمها الغارق في أساطير الاولين ، وفي التقاليد المرعية البالية القروسطوية .
ان إشكالية الصحراء ، هي إشكالية الديمقراطية المفقودة ، واشكالية النظام السياسي الدكتاتوري الوحيد الذي تسبب في ما آلت اليه الصحراء من أوضاع ، جعلت المجتمع الدولي من خلال مؤسساته ، يتشبث بالمشروعية الدولية التي وحدها تمثل الحل الديمقراطي الذي يرضي اطراف النزاع . والحل الديمقراطي والمشروعية الدولية ، تعني فقط الاستفتاء وتقرير المصير الذي نتيجته وحدها تحدد جنسية الأراضي المتنازع عليها .
وحين قلنا ان مشكلة الصحراء هي إشكالية النظام السياسي القائم في المغرب ، فمعنى هذا ان عملية التحرير ، هي من اختصاص الأنظمة الديمقراطية ، وليست من اختصاص الأنظمة الدكتاتورية والبوليسية التي تجعل الانسان عبدا وليس مواطنا مسؤولا . من هنا فان النظام السياسي المغربي بشطحاته المختلفة ،هو المسؤول عن الوضع النهائي لنزاع الصحراء ، وليس الرعايا المغاربة الخارجة عن دائرة الصراع الذي سيفجر الوضع نحو المزيد من التفتيت ، والمزيد من التشتيت والبلقنة ..
عندما انشأ الرعيل الأول من الشباب الصحراوي ، الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب في سنة 1973 ، وهنا لا ننسى المعارضة المغربية التي كانت منفية بالجزائر ، كان الهدف من الانشاء من جهة تحرير الصحراء وربطها واسترجاعها للمغرب ، ومن جهة استعمال الكفاح المسلح للقضاء على النظام ، وبناء الجمهورية البرلمانية ضمن وحدة المغرب ، لا في اتجاه بلقنته . وقد تزامن تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ، بالانتفاضة المسلحة للمعارضة التي كانت متمركزة في الجزائر في 3 مارس 1973 ، والتي كانت امتدادا لجيش التحرير المغربي في سنة 1956 ، الذي تعرض لمذبحة على ايدي النظام العلوي وبالضبط الحسن الثاني ، وعلى ايدي الفرانكية الاسبانية Francisco Franco ، والامبريالية الفرنسية .
وكما ستفشل حركة 3 مارس الجمهورية في قلب النظام العلوي ، انقلبت الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب من منظمة وحدوية ، الى منظمة انفصالية بعد استدراجها في الحرب التي كانت ولا تزال تدور بين النظام الجزائري وبين النظام المغربي ، المسؤول الأول عن التفريط في الصحراء ، عندما اعترف امام العالم بالجمهورية الصحراوية وبالحدود الموروثة عن الاستعمار ، وهو نفس التفريط حصل مع سبتة ومليلية والجزر الجعفرية التي سلم فيه النظام للدول الاسبانية ، فالمسؤولية هي مسؤولية النظام ، وليس مسؤولية الشعب المُغيب عن القضية .
اذن . ان مشكلة الصحراء هي مشكلة نظام ، ما يهمه من الصحراء سوى ثرواتها وموقعها ، ولا يهمه منها الشعب المعادلة الصعبة في أي حل ينتظر بالمنطقة ، لان القضية اليوم لم تبق ثنائية بين النظامين المغربي والجزائري ، بل أصبحت المشكلة دولية من اختصاص مجلس الامن ، والجمعية العامة للأمم المتحدة ، وحتى الاتحاد الأوربي الذي يوظفها في خدمة اجنداته المختلفة . فحضور إبراهيم غالي رئيس الجمهورية الصحراوية في لقاء Bruxelles كرجل دولة ، وحظي بنفس البروتوكول الذي حظي به رؤساء الدول ، ورؤساء الحكومات الاوربية والافريقية ، لم يحصل عبثا . بل كان مخططا له بعناية فائقة ، وضعت النظام المغربي امام الامر الواقع ، الذي هو عدم اعتراف الاتحاد الأوربي بمغربية الصحراء ، وعدم اعترافهم بحل الحكم الذاتي الذي يسوّق له النظم المغربي وحده .
هذا وسنقسم هذه الدراسة التي تعكس الحقيقة المرة ، الى عدة أجزاء تخص طبيعة الدولة المخزنية سبب ضياع الصحراء ، وسبب ضياع سبتة ومليلية والجزر الجعفرية .
1 ) التحولات على مستوى الدولة :
ا – السلطة والحكم .
يلاحظ في جميع الدول العالم الثالث ، وجود حكومتين تتوليان دفة الحكم والسلطة ، وهو ما يطلقون عليه بحكومة الظل وحكومة الواجهة . وهذه الازدواجية في الحكم ، موجودة في النظام السياسي الاسباني، وقد اكدها اعتراف Pedro Sanchez الأحادي ، وليس اعتراف الحكومة الاسبانية ، ولا الدولة الاسبانية بحل الحكم الذاتي ، الذي تم التخلي عنه لصالح المشروعية الدولية . ولو لم تكن هناك حكومة ظل هي منْ يحكم ، هل كان ل Sanchez ان يَقْدم على ما اقدم عليه بمفرده ، وفي غياب الحكومة ، عندما اكد تدعيمه للحكم الذاتي ، و ليس تبنيه . ف Sanchez يكون قد اخبر واستشار مع حكومة الظل من داخل القصر الملكي ، وليس من مقر الحكومة التي علمت بخبر الاعتراف بحل الحكم الذاتي من خلال بيان الديوان الملكي .
ونفس الشيء نلاحظه في النظام السياسي الفرنسي الذي به حكومتين ، حكومة الظل وحكومة الواجهة التي تستعمل لتنزيل مخططات ودراسات حكومة الظل ، وهي نفس الحكومة سماها خطأ عبد الاله بنكيران بالتماسيح والعفاريت ، وذهب بعيدا في وصفه ، عندما تحلل من المسؤولية التي حملها مباشرة للملك الذي وحده يحكم ، وعبدالاله بنكيران فقط يسانده من دون امتلاكه سلطة التقرير .
فهل في المغرب توجد حكومتان واحدة وهي التي تحكم تسمى بحكومة الظل ، وحكومة الواجهة التي تسهر على تنفيد برامج ومخططات حكومة الظل ؟
عند تعمقنا في طبيعة الدولة المخزنية كدولة رعوية ، بطريركية ، بتريمونيالية ، كمبرادورية ، ثيوقراطية ، طقوسية مفترسة ... الخ ، لا نكاد نجزم بوجود حكومتين . فالحكومة التي أدت يمين التنصيب امام الملك ، هي الحكومة التي ينص عليها الدستور ، ولا يوجد هناك حكومة أخرى أدت يمين التنصيب امام الملك ، تزاحم الحكومة المنصّبة من قبل الملك .
القرار السياسي والاقتصادي في النظام المغربي ، مرهون ومحتجز بيد الملك ، لا بيد غيره ، لأنه هو الذي يحكم ، والباقي مجرد أدوات يستعملها في تنزيل برنامجه من فوق .
يذهب العديد من المحللين وتحليلهم خطئا ، الى الاعتقاد والقول بوجود حكومتين في المغرب ، في حين ان الموجود فقط حكومة واحدة لا اثنان ، وهذا يبرهنه وضع الوزراء الذين يعينهم الملك ، ليصبحوا مجرد موظفين سامين بإدارة الملك ، وهذا بنص دستور الملك الممنوح الذي يركز في شخصه وحده الحكم والسلطة ، لأنه هو وحده الدولة ، ويؤكده كذلك عقد البيعة الذي يعطي للملك كراعي ، وامام ، وامير سلطات استثنائية تفوق من حيث القوة ، الاختصاصات التي يعطيها الدستور للملك .
ان ما يسمى بالدولة السرية في المغرب ، وتماشيا مع نصوص الدستور وعقد البيعة ، المقصود به القصر ، أي دولة الملك القائد للجيش ، والقائد للأجهزة البوليسية المختلفة ، والقائد للجهاز القضائي ، وهو وحده رئيس السلطة التنفيذية ، لأنه هو من يرأس المجالس الوزارية التي تقرر ، ولا يرأس المجالس الحكومية التي لا تقرر ، ويرأسها الوزير الأول ، وليس رئيس الوزراء الغير موجود . فهذا الاستحواذ على الدولة التي يعطيها للملك دستوره الممنوح ، ويعطيها له عقد البيعة ، تجعل منه في الدولة الرعوية ، والبطريركية ، والبتريمونيالية ، والكمبرادورية ، والثيوقراطية ، والمفترسة ، والمحتكرة لثروات المغاربة المعدمين والمفقرين ، طاغية بكل ما يشمله مصطلح الطاغية من دلالات ، وقد اكدت هذا الوصف الدولة الصهيونية التي وصفت محمد السادس بالطاغية . أي دولة بيد عصابات مسخرة للنهب والتفقير ، وهذا يتعارض بالمطلق مع الدولة الديمقراطية دولة المؤسسات ، وليست بدولة الأشخاص .
ان ما يسميه بعض المحللين خطئا بالدولة السرية وهم يقصدون القصر ، هي التي تقرر وحدها السياسات وترسمها ، وهي التي تتحكم بالعملية الاجتماعية ، وتسخرها لمصلحتها ، وهي تشرف بواسطة أجهزة البوليس ، وبواسطة الجهاز السلطوي القروسطوي ، على سير تطبيق السياسات من قبل ادواتها ، التي هي ملك للملك ، كالبرلمان ، والحكومة ، والبلديات ، والجماعات ، والتي تكون غالبا بلا حولة ولا قوة ، الاّ بقدر ما تحسن وظيفتها المتجلية في تنزيل برنامج القصر ، الذي يشكل الحكومة الحقيقية ، ويشكل الدولة المخزنية الحقيقية كذلك .
ب – بروز حاكم فرد وحاشيته ، يشرفون وحدهم على أجهزة الدولة من خلال مديرين عامين لشؤون الدولة ، مرتبطين بالملك اكثر من ارتباطهم بقضايا الشعب والوطن . ان هذا الحاكم والشلة التي تحيط به ، لهم صفة رؤساء أجهزة ، اكبر من صفتهم كرؤساء دولة ، ولهذا فانهم يقلصون بنية الدولة وعملها ، على مستوى الأجهزة العسكرية والبوليسية وانشطتها . واذا كانت علاقاتهم بالمجتمع قائمة على صعيد ما ، فإنما هو صعيد القمع ، واللجم المكثف ، والمتواصل للمجتمع من جهة ، وصعيد نهْبِه الذي يؤمّن حسن سير آلة الأجهزة من جهة أخرى .
في دولة بوليسية قامعة كهذه ، يتحول الحاكم من تعبير وطني حيال الخارج ، الى تعبير خارجي حيال الوطن ، وترتبط مصالح الزمرة الحاكمة ، ارتباطا إيجابيا بالخارج ( الامبريالية ) ، في حين تتقطع الروابط الإيجابية مع الداخل الوطني ، لتحل محلها روابط سلبية ذات طابع عدائي ، يقوم على اعتبار اية نقمة تصدر عن الشعب ، او احد قطاعاته ،او شرائحه ، او فئاته ، او حتى عن مجموعة افراد منه ، عملا معاديا للدولة وللمجتمع ، ومؤامرة لا بد من قمعها بالدم والنار . كما يقوم على وعي جذري لدى الشعب ، بان أي تماس مع الدولة القامعة مهما كان بسيطا ، هو معركة حقيقية ، لان الدولة القائمة على الغاء السياسة وعالمها الاجتماعي ، والمتحفزة لقمع أي تحرك مهما كان بعيدا عن السياسة ، لا يمكن ان يكون التعامل معها الاّ بأحد الشكلين : الخضوع او التمرد . وما دام الخضوع هو عدم القيام بأية نشاطات سياسية ، او اجتماعية ،او اقتصادية ... الخ ، خارج نشاط الدولة ، فان التمرد يبدأ باي شكل من اشكال النشاطات السياسية .
ج – تمييع مفهوم الشعب مع مفهوم الدولة ووظيفتها . فالشعب لم يعد تلك الكتل الجماهيرية العريضة الموزعة الى طبقات عاملة ، او فقيرة ، او حتى متوسطة . بل صار تلك القاعدة الاجتماعية الضيقة التي تساند الدولة البوليسية القائمة بحكم مصالحها ، مضافا اليها الجهاز البوليسي بكل تفرعاته واشكاله .
وما دامت الدولة قد انقطعت عن ان تكون تعبيرا عن المجتمع ، فان المجتمع بدوره يقلع عن ان يعتبر الدولة تعبيرا عنه . هكذا يحل شعب الدولة محل شعب المجتمع . وشعب الدولة هو تلك الشرائح التي تستطيع الدولة جرها الى صفوفها ، عن طريق إعادة توزيع الدخل الوطني ، او تلك التي تكلف بتنفيذ او تقرير سياسة الدولة الداخلية والخارجية .
في رأس هذه الشرائح تأتي الكتل الكبيرة المجندة في الأجهزة البوليسية المخابراتية ، او زمرة العاملين في الحياة الاقتصادية والإدارية . فبهذه الصورة تصبح الدولة وليس المجتمع ، مركزا لفرز الشعب عن اعداءه ، وتتحول القاعدة الجماهيرية العريضة التي هي الأغلبية الساحقة ، الى عدو للشعب ، بينما تصبح القلة المساندة للدولة هي الشعب ، التي تتخذ القرارات وترسم السياسات لصالحه ، والذي تنظمه الدولة وتعبئه من حولها ، وتتيح له حرية الحركة الاجتماعية .
د – تمييع مفهوم الديمقراطية مع تبدل مفهوم الشعب . فالديمقراطية غدت كل اجراء تقوم به الدولة لتعزيز طابعها ( الشعبي ) ، وكل عمل تقوم به لإحكام قبضتها على الشعب ، ويمر عبر قنوات شكلية للتمثيل . في الديمقراطية التمثيلية يختار الشعب ممثلين عنه الى مختلف الهيئات ، ينوبون عنه في مراقبة عمل الدولة ، او الاشتراك في رسم هذه او تلك من سياساتها .
في هذه ( الديمقراطية ) الجديدة ، تسمي الدولة ممثلين عن الشعب ، الذي ترغمه أجهزتها البوليسية ، والجهاز السلطوي القروسطوي على اختيارهم ، كي يحرم من إمكانية مراقبة عملها ، او الاشتراك في رسم هذه او تلك من سياساتها . ويكون هؤلاء الممثلون في الغالب من أوساط ( شعب الدولة ) . فإذا حدث وكانت هناك قوى سياسية معارضة ، فان مهمة الديمقراطية ، تصبح تزوير إرادة الشعب ، كي ينجح ممثلو ( شعب الدولة ) بدلا عن ممثليه الحقيقيين .
ان هذه الديمقراطية تُقنّع بدورها وجود الدولة الرسمية ، القصر والديوان الملكي ، التي تتحكم بها إمّا عن طريق الاطار السياسي العام الذي يرسمه القصر بصورة غير مباشرة ، او عن طريق أجهزة البوليس السياسي ، مضافا اليها الجهاز السلطوي الطقوسي لوزارة الداخلية . فينحصر عمل المؤسسات التمثيلية في الموافقة على خطط الدولة البوليسية وقراراتها ، وعلى اسباغ طابع ( جماعي ) عليها . من هنا يتحول هذا النشاط ( الديمقراطي ) الى قيد على الجماهير ، يغلق امامها إمكانات التحرك السياسي والاجتماعي ، ويزور ارادتها ، لان اجهزته ليست سوى ملحقات بأجهزة الدولة البوليسية ، وليست ناجمة عن اختيار حر وطوعي تقوم به الإرادة الشعبية الحقيقية . فإذا ما اخذنا بعين الاعتبار الصلاحيات المطلقة لأجهزة الدولة البوليسية ، والصلاحيات الضيقة لهذه المؤسسات التمثيلية ، ادركنا ان الهامش الشكلي المتاح لها لا قيمة له في الواقع ، لان وظيفتها هي إقرار ما هو مقرر سلفا ، ولا سلطة لها حتى على تنفيذ ما تقرره .
انها بهذا المعنى ، ليست سوى محطة من محطات عمل أجهزة الدولة البوليسية ، الهدف منها تسهيل سير عملها ، وليس مراقبتها او كبح جماحها .
ه – في ظروف غياب او قمع الجمهور الشعبي المنظم ، واحكام رقابة الدولة البوليسية على المجتمع ، تتحول هذه من آلة تسيير للمصالح العامة ، الى تحالف قطاع طرق تجمعهم مصالحهم الخاصة ، وتبرز بداخلها مراكز للقوى تضع نفسها فوق القانون ، والنظام ، والمصلحة العامة ، وتطور آليات عمل جديدة وفق الهدف الذي تسعى اليه ، ووفق مواصفات النشاط الذي تقوم به ، والقطاع الاجتماعي او السياسي الذي تنشط بداخله .
هكذا يصبح لكل جهاز بوليسي مخابراتي رئيسا او زعيما ، يشبه سلوكه وأسلوب تفكيره سلوك وتفكير زعيم البلاد . فتكون صلاحياته مطلقة لا تخضع لأية رقابة من تحت ، ويتحول جهازه او مؤسسته الى قطاع شخصي له يفعل به ما شاء ، إذا كان ذلك لا يتعارض تعارضا جذريا ، مع مصالح زعماء العصابات المافيوزية الأقوى في القطاعات والمؤسسات الأخرى . فيسقط مفهوم الدولة ودورها ، وينهار النظام العام ، وتصبح الجماهير فريسة لكل أنواع النهب ، والامتهان ، والافتراس ،وتهريب ثروة الشعب المفقر الى الابناك العالمية خارج الوطن ، وبالتالي تتعرض الجماهير لسائر ضروب الذل ، والقمع ، والتفقير ، والتجويع .
في وضع كهذا الذي نعيشه ، تنهار قيم العمل والإنتاج ، ويتدهور الاقتصاد الوطني ، ويُسدّ افق المستقبل في وجه الأجيال الصاعدة ، وتشْرُع المشاكل الاجتماعية في كسب طابع جديد يمزق وحدة المجتمع ، بدل ان يطورها ويرسخ وجود الدولة بدل ان يهدده ، وترتد الجماهير عن الهموم السياسية العامة ، الى هموم ذات طابع يومي عارض ، او ذات طابع اقتصادي عفوي ، وتضيع اللحمة بين الطبقات والفئات المحرومة ، في حين يرتع حزب الدولة الذي سماه الدكتور محمد جسوس بالحزب السري ( البوليس السياسي ، الجهاز السلطوي لوزارة الداخلية ، الجدرمة المخابرات الخارجية .. الخ ، في بحر من النعيم ومن البحبوحة ( الديمقراطية ) ، تاركا للشعب العادي الخوف على لقمة الخبز وعلى المصير الشخصي ، وعلى المستقبل الغامض والغير المضمون .
( يتبع )



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين ورط الملك الشعب في الاعتراف بالجمهورية الصحراوية .
- الواقع السياسي المغربي الراهن ، محدداته المرحلية ، واحتمالات ...
- الواقع السياسي المغربي الراهن ، محدداته المرحلية ، واحتمالات ...
- الواقع السياسي المغربي الراهن ، محدداته المرحلية ، واحتمالات ...
- ( طرد ) إسرائيل من حضور افتتاح دورة القمة السادسة والثلاثين ...
- انعقاد القمة السادسة والثلاثين ( 36 ) للاتحاد الافريقي بأديس ...
- حقوق الانسان في الدولة المخزنية البوليسية
- البدع والطقوس المرعية عند العرب والمسلمين
- البرلمان الاسباني يوافق بالأغلبية على منح الجنسية الاسبانية ...
- أكبر انتفاضة دموية في تاريخ الانتفاضات المغربية
- مِنْ - موروكو گيتْ - الى - بگاسوس غيتْ -
- ترقب قرار للبرلمان الأوربي في 9 ابريل القادم ، يدين النظام ا ...
- الفرق بين الشعب والرعايا ، نوع الدولة السائدة
- تغيير النظام من الداخل
- التعويض .
- الدكتاتور هرب . المستبد هرب . الطاغية هرب .
- حين ضاع التراب . من أضاع التراب . لماذا أضاع التراب. من الگو ...
- هل ستندلع حرب بين النظامين المغربي والجزائري ؟
- الغزو الروسي لأكرانيا
- الجنرال السعيد شنقريحة متماهياً في قصر الإليزيه ومستقبلا من ...


المزيد.....




- مسؤولون مصريون: إسرائيل دُعيت للمفاوضات الاثنين.. مراسل CNN ...
- الحكومة المصرية: لن نقطع الكهرباء خلال فصل الصيف
- طعن مصلٍ مسلم حتى الموت في مسجد بفرنسا ومظاهرات ضد الإسلاموف ...
- بوتين يعلن هدنة مؤقتة لثلاثة أيام في أوكرانيا، وكييف تدعو له ...
- وزير الدفاع الباكستاني: التوغل العسكري الهندي وشيك
- السعودية.. -القتل تعزيرا- لمواطنين والكشف عن جريمتهما
- زاخاروفا: نظام كييف أصبح خلية إرهابية حقيقية تحظى بدعم دولي ...
- تركيا تنفي مزاعم إرسال 6 طائرات محملة بالأسلحة إلى باكستان
- الجيش الإسرائيلي يكشف عن قذيفة صاروخية يستخدمها لأول مرة في ...
- برلماني روسي: محاولات فرنسا للعب دور هام في الصراع الأوكراني ...


المزيد.....

- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - نحو تجاوز تردي الوضع بالمغرب . مشكلة الصحراء مشكلة انعدام الديمقراطية في الدولة المخزنية . ( 1 )