أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد محضار - مبرزكة














المزيد.....


مبرزكة


محمد محضار
كاتب وأديب

(Mhammed Mahdar)


الحوار المتمدن-العدد: 7532 - 2023 / 2 / 24 - 10:58
المحور: الادب والفن
    


مبروكة جزء من ذاكرة المدينة... هي الآن مجرد بقايا اِمرأة، بعد أن أنهكتها السنون ونال منها المرض والوجع.. لكنها ما تزال متشبثة بالحياة.. والحياة ما تزال متشبثة بها.. اِختار لها بعض ماسحي الأحذية مكانا عند ناصية زنقة الحمام.. بالقرب من دكان السي قاسم بائع السجائر أو "مول الصاكة" كما يحلو لها أن تسميه.. ونصبوا لها ما يشبه الخيمة الصغيرة، تقيها من قساوة البرد، وغزارة المطر.. كانت مبروكة قد أصيبت بكسر- منذ عشرين سنة- جعل حركتها صعبة، فهي لا تخطو دون الإستعانة بعكازين خشبيين .كنت كلما مررت بها سمعتها تردد :"ذهب الرجال.. وبقي الأنذال.." فأقترب منها، وأنفحها ببعض الدريهمات، فتغمرني بدعواتها ثم تكرر لازمتها المعتادة "ذهب الرجال وبقي الأنذال" وتتابع بامتعاض "أنظر إلى هذه المدينة اللئيمة إنها تفقد كل تلك القيم الجميلة التي كانت تميزها.. لم يعد هناك من يسأل عن المسكين المعدم مثلي.. ولا من يأخذ بيده..".
حدثني اسي قاسم في شأنها فقال :"مبروكة كانت واحدة من جميلات هذه المدينة في أربعنيات القرن الماضي .. وكنا نحن شباب تلك الفترة متيمين بها.. ومعجبين بأناقتها وسحرها.. أتعلم أنها أول فتاة بالمدينة لبست التنورة القصيرة، والكعب العالي ،لم تكن تعيرنا إهتماما وكانت غارقة حتى الثمالة، في علاقات متنوعة ومتعددة مع جنود اللفيف الأجنبي ،الذين كانوا يعملون بثكنة حيان التابعة لسلطات الاحتلال الفرنسي.. وعندما نزلت جيوش المارينز بميناء الدار البيضاء.. سافرت إلى هناك لتنال نصيبها من الدولارات، وعلب الشوينكوم وزجاجات الجعة والويسكي التي جلبوها معهم .. وبعد الاستقلال أصبحت شيخة مشهورة.. تهرق كؤوس الخمر عند أقدامها، وتعلق لها مئات الدراهم..
لا تحلو الأعراس إلا بوجودها، ولا تستقيم الجلسات الخاصة إلا بحضورها، يتسابق عَلِيّة ُعلى القوم طلب ودها، ونيل رضاها.. لكن لاشيء يدوم إلا وجه الله.. ها قد راح كل شيء.. والزمن فعل بها ما فعل.. والناس نسوا مجدها الآبق.. وهي الآن مجرد حطام كما ترى.. "
كنت أتتبع فرائص وجه سي قاسم فألمح تقلصات متواترة تعبر عن إنفعالات داخلية تعكس تأثره وهو يسرد بعضا من حياة مبروكة.. التي تذكره بزمن عاشه وعايشه.. زمن يعتبر قمة في الروعة والجمال على حد تعبيره.
وإذا كان سي قاسم عايش مبروكة في فترة شبابها.. فأنا وأترابي عرفناها كهلة خلال سبعينيات القرن الماضي تطوف شوارع المدينة صحبة رجل في أواسط العمر، وقد وضعت دربوكة على كتفها وهي تغني وترقص بخفة قل نظيرها، أما الرجل فكان ينقر دفا، بيديه، وهو يشاركها الغناء والرقص..كنا كأطفال نسعد بالتفرج عليهما، وهما يقيمان الحلقة بساحة "بويا عمر" ونصفق بكل إعجاب لقفاشتهما ونكتهما التي يطلقانها بكل عفوية .. وقد نمنحانهما سنتيمات معدودات حسب الإستطاعة..
وحين تركتنا ميعة الصبا، واستقبلنا عنفوان الشباب، كانت مبروكة قد أصبحت عجوزا.. تتسول ما تسد به رمقها.. ولم نكن نبخل عليها بما يقيم عودها.. ويضمن لها الإستمرار على قيد الحياة..
لكنهاكانت على موعد مع القضاء والقدر.. وهي تقف أمام واجهة دكان سي قاسم تستدر عطف المارة.، ففي لحظة خارج السياق وجدت نفسها ملقاة على الأرض وقد أصيبت بكسر مزدوج بعد أن دفعها أحد المختلين عقليا على حين غرة، ودون سبب ومنذ ذلك الحين وإلى يوم الناس هذا أصبحت مبروكة عاجزة عن الحركة.. تعيش مشردة في الشارع، تقتات بما يجود عليها به المحسنون وهي تردد لازمتها المعتادة "ذهب الرجال وبقي الأنذال".
خريبكة 2010



#محمد_محضار (هاشتاغ)       Mhammed_Mahdar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأيام الشاحبة
- روح تائهة
- تساؤلات مشروعة
- حديث الصباح
- قصة قصيرة :لحظة اِمتعاض
- مزبلة الحي
- رنين الذكرى
- مرض الرحيل
- درسنا اليوم
- أزمنة الهزيمة
- رحلة الشوق.
- يمامات الفرج
- أوراق قديمة
- عودة إلى مراقد الذكرى
- حديث قلب
- قصص قصيرة جدا
- صقيع المنفى
- سارقو الفرح
- الخطو الشارد
- مالكة


المزيد.....




- الحكومة الأوكرانية تلزم ضباط الجيش والمخابرات بالتحدث باللغة ...
- تناغمٌ بدائيٌّ بوحشيتِه
- روائية -تقسيم الهند- البريطانية.. وفاة الكاتبة الباكستانية ب ...
- -مهرج قتل نصف الشعب-.. غضب وسخرية واسعة بعد ظهور جونسون في ...
- الجزائر تعلن العفو عن 2471 محبوسا بينهم فنانات
- أفلام كوميدية تستحق المشاهدة قبل نهاية 2024
- -صُنع في السعودية-.. أحلام تروج لألبومها الجديد وتدعم نوال
- فنان مصري يرحب بتقديم شخصية الجولاني.. ويعترف بانضمامه للإخو ...
- منها لوحة -شيطانية- للملك تشارلز.. إليك أعمال ومواقف هزّت عا ...
- لافروف: 25 دولة تعرب عن اهتمامها بالمشاركة في مسابقة -إنترفي ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد محضار - مبرزكة