|
الواقع السياسي المغربي الراهن ، محدداته المرحلية ، واحتمالاته المقبلة .
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 7531 - 2023 / 2 / 23 - 13:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
" إن الشروط الموضوعية للتغيير وكيفما كان اصلاحيا يمس اختصاصات الملك ، او ثوريا يهدف الدولة الديمقراطية ، قائمة ومتعمقة اليوم ، وما ينقصها غير نداء ودعوة النزول الى الشارع ، للدفاع عن القوت اليومي للشعب الذي اضحى يئن تحت آفة الجوع ، والأمراض ، والدكتاتورية ، وتغول البوليس السياسي في كل كبيرة وصغيرة . إن الجماهير عبرت بالملموس عن طموحها في التغيير الديمقراطي والدولة الديمقراطية ، وهي مستعدة للتضحية والاستشهاد في سبيله .. ان النظام لن يستطع اطلاق رصاصة واحدة عند نزول الشعب الى الشارع ، لان رقابة مجلس الامن ، والجمعية العامة للأمم المتحدة ، والاتحادات القارية كالاتحاد الأوربي ، والاتحاد الافريقي ، والمحكمة الجنائية الدولية ، له بالمرصاد . وقد زادت عزلته الدولية بفضيحة Moroccan gate ، و Pegasus gate ، التي سيكون لها ما لها من سلبيات على ملف نزاع الصحراء الغربية " 1 ) محددات المرحلة السياسية : ( يتبع ) ان الازمة القائمة اليوم في المغرب ، وفي ظل ( قيادة ) محمد السادس ، هي اكبر ازمة يعرفها المغرب في تاريخ الازمات السابقة التي تم تفسيرها " بالسكتة القلبية " التي كانت تمويها لاستدراج المعارضة البرجوازية للدخول الى حكومة الملك ، لإشراكها في جزء من نصيب سبب الازمة المستفحلة . اذا كان من الواضح والمؤكد ان لهذه الازمة طابعها الظرفي الخاص ، فان استحضار محدداتها المرحلية ، واساسا ابراز عمقها الثابت ، واسبابها الهيكلية ، لهو امر ضروري لتلافي التحاليل الجزئية ، والخلاصات المبتورة . ان تسلط اقلية لفوف الاقطاع والرأسماليين السماسرة ، على مقاليد الحكم عشية الاستقلال الشكلي Aix les Bains ، كورثة للاستعمار ووكلاء عنه ، جاء ليجهض المسيرة النضالية التي خاضتها الجماهير الشعبية العريضة ضد الاستعمار المباشر ، من اجل فرض طموحها في الاستقلال والعيش في كرامة وحرية ، هي الآن مفقودة بالمرة مع محمد السادس . ورغم محولة النظام البطريركي ، البتريمونيالي ، الرعوي ، الكمبرادوري ، الثيوقراطي المفترس والمفقر للشعب ، إضفاء طابع الشرعية على هذا الواقع الذي سرق الدولة ، سواء ب ( التناوب السياسي ) ، او بقوة القهر والقمع ، فانه لم يتمكن في الحقيقة الاّ من اجترار الوضع المتأزم والمرفوض اطلاقا ، واطالته زمنيا ، معمقا في نفس الوقت التناقض الأساسي الذي تتواجد فيه أوسع الجماهير الشعبية ، مع حفنة من المتسلطين المستغلين السماسرة ، ومنقلا به الى مستويات اكثر حدة وشدة . وقد شكلت اللعبة الانتخابوية ، الى جانب القمع المنهجي الدائم ، الاطار المستمر لمحاولة التنفيس عن هذا التناقض ، بتمييع الصراع ، ومحاولة تحريفه عن جوهره الحقيقي الذي هو الدولة الديمقراطية ، أي فرض سيادة الشعب وتحكمه في مصيره . وقد استفاد النظام الرعوي البطريركي ، البتريمونيالي ، الكمبرادوري ، الثيوقراطي ، المفترس لثروة المغاربة الذين زادوا فقرا في عهد محمد السادس ، من عملية الإجهاض التي كانت القوى التقدمية تكسر بها نضالات وتطور هذه الحركة ، سواء بمغامراتها الفوقية ، او بتذبذباتها ومناورتها الغامضة أحيانا ، وخيانتها الواضحة أحيانا أخرى . غير ان هذه الحلول الموسمية التي يلجأ اليها النظام الرعوي البطريركي باستمرار ، لفك عزلته الشعبية والدولية ، سرعان ما كانت تصطدم بالواقع الموضوعي العنيد الذي لا يحتمل لا الترقيع ولا المداورة . وهكذا ظلت الازمة السياسية بالبلاد ولا تزال ، ازمة هيكلية تنخر النظام السياسي السلطاني القائم ، كنظام وحُكْم يفتقر أيديولوجيا ، وسياسيا ، واقتصاديا ، واجتماعيا ، لأدنى المقومات في عصرنا الحاضر ، عصر الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، لان اختصاص النظام المخزني بطقوسه وتقاليده المتوارثة ، هو إعادة انتاج نظام العبودية التي لا علاقة لها بالحرية الإنسانية ، حتى يسهل عليه الافتراس ونهب ثروة الرعايا المفقرة بكل اطمئنان . ان هذه الحقيقة الأولية لم تبق قائمة فقط ، بل زادت رسوخا ووضوحا طوال مرحلة ما سمي " بمسلسل التحرير ، الذي فشل عندما خسر النظام العلوي قضية الصحراء الغربية ، وبأجماع دولي من مجلس الامن ، الى الاتحاد الأوربي ، والاتحاد الافريقي ، ومحكمة العدل الاوربية ، وقبلها محكمة العدل الدولية التي أصدرت رآيها الاستشاري في 16 أكتوبر 1976 ، ينص على حل الاستفتاء لتحديد جنسية أراضي الصحراء المتنازع عليها ، و " مسلسل الديمقراطية " الذي ركز الحكم في شخص الملك دون غير. أي أنا الدولة والدولة أنا . فالانتخابات هي انتخابات الملك ، والبرلمان برلمانه ، والحكومة حكومته تشتغل لتنزيل برنامج الملك الذي لم يشارك في الانتخابات ، ولم يصوت عليه احد ، رغم طول هذا المسلسل " مسلسل التحرير والديمقراطية " ، واستمراريته الملفقة . وان المسألة الأساسية التي أعطت لهذه المرحلة خصوصيتها وتعقيداتها في آن واحد ، هو نزاع الصحراء الغربية ، الذي تعرض للتشويهات عندما انتهى باعتراف محمد السادس بدولة الجمهورية الصحراوية وبالحدود الموروثة عن الاستعمار في 31 يناير 2017 ، واصدر ظهيرا ( شريفا ) وقعه بخط يده بهذا الاعتراف الذي نشره بالجريدة الرسمية للدولة العلوية عدد 6539 ، ثم ما ترتب عن هذا المسلسل من " اجماع مزيف " ، لم يكن في الحقيقة سوى غطاء لذيلية الأحزاب البرجوازية ، وقياداتها المتآمرة ، والمتخاذلة ، وانجرارها وراء النظام العلوي البطريركي ، البتريمونيالي ، والرعوي .. . فاستغلال هذه المسألة من موقع التحكم والمبادرة ، مكن النظام والطبقة السائدة المرتبط به ، من تجاوز تناقضاتها الداخلية مؤقتا ، وسمح للنظام باسترجاع مصداقيته التي اصبح مطعونا فيها من قبل الامبريالية ، خاصة مع الأدوار الخيانية الخطيرة التي تصدى لها الحكم ولا يزال ، بخصوص القضية الفلسطينية عندما ابرم اتفاقيات خيانية بوليسية وعسكرية مع الدولة الإسرائيلية . وقد عزز النظام تحكمه في الساحة الداخلية ، بالتعديل الممسوخ لدستور الملك الممنوح في سنة 2011 ، الذي كان بدوره مجالا لتكريس الانحراف والعمالة من قبل اشباه اليسار الذين اندمجوا في مسلسل النظام ، لتزيين وجهه البشع في ميدان حقوق الانسان ، وفي ميدان الديمقراطية ، وباستعدادهم للمشاركة كموظفين سامين برتبة وزراء في حكومة الملك ، لا حكومة الشعب . ان القمع المنهجي والاغتيالات ( حسن الطاهري .. شباب الحسيمة المحروقين ... الخ ) ، وخنق الحريات الجماهيرية ، والنقابية ، والديمقراطية ، كانت ولا تزال هي التجسيد اليومي لمحمد السادس ، باسم التجسيد اليومي " لانفتاح النظام " المنغلق حول ذاته . غير ان مكاسب النظام الطقوسي هذه ، لم تكن وما كان لها ان تكون من القوة لكي تصمد وتستمر ، لولا احتكار الإصلاح المغامر ، للتعبير السياسي والتنظيمي لجزء من قواعد النيو يسار ، الذي اصبح يؤمن بالدولة المخزنية ، ويتوق للاشتغال ضمن مؤسساتها التي هي مؤسسات الملك . ومع ذلك بقيت هذه المكاسب مهزوزة وخاضعة للأخذ والرد باستمرار ، لعدة عوامل منها أساسا : ا – ان ما سمي" ب ( الانفتاح ) السياسي ، لم يكن في الحقيقة سوى انفتاح النخبة الخائنة على نفسها ، وعلى بعضها البعض . والاقطاب المفترضة للقيادات الانتهازية ، لا يمثلون داخل ( الاجماع ) سوى انفسهم ومصالحهم الفئوية ( نبيلة منيب ) ، بل انهم ممثلي هذا ( الاجماع ) المتسلط الذي ميّع حركة النضال الديمقراطي الحقيقي ، وجعل الساحة الوطنية بارتمائهم في حضن النظام المخزني ، فارغة يملئها النظام البطريركي المفترس وحده دون غيره . ان ( الانفتاح ) المصنوع ، وفي ظل حالة استثناء مفروضة وغير معلن عنها ، كان بالضرورة انتقائيا لا يتوجه الاّ لمن استعد للعمل في دائرة التزكية اللاّمشرطة لاستراتيجية النظام وخططه المفضوحة ، مقابل الانفتاح المصلحي الضيق ، والحالة هذه ، فانه لم يكن ليعود باي فائدة ملموسة لصالح الجماهير التي تئن من الجوع ، ومن الامراض المختلفة ، لا على مستوى الاقتصادي ، ولا على المستوى السياسي . ب – ظل ( الاجماع ) الافتراضي تبعا لذلك ، قائما على أرضية اقتصادية اجتماعية متفجرة . فالواقع الاقتصادي الاجتماعي لم يشهد مع محمد السادس ايّ تطور إيجابي ، من شأنه ان يدعم التحالف النخبوي الفوقي ، بل على العكس من ذك استمر في التدهور والتأزم ، منعكسا على الجماهير الشعبية بالمزيد من القهر ، والتجويع ، والفقر ، والتفقير ، مقابل تضخم ثروة الملك ، وثروة اسرته ، وعائلته أ وأصدقائه ، وأصدقاء الأصدقاء ، والمقربين .. الخ ، بشكل فاحش في غضون عشرين سنة الماضية ، حيث تحول محمد السادس من ( ملك الفقراء ) ، الى اغنى حاكم في العالم . ج – رغم غياب المعارضة البرجوازية التي كانت تحرك الشارع ، كسنة 1981 ، و 1984 ، وقبلهما انتفاضة 1965 ، لم يتوقف المد النضالي الجماهيري المغربي عن التطور والتصاعد ، رغم القمع البوليسي الفاشي ، وتواطئ أحزاب النيو مخزن التي أصبحت من المتلاشيات ومن الاطلال . بل ان هذا المد تمكن من فرض نفسه في ساحة النضال الشعبي ، او فيما يخص توسيع رقعة النشاط الثقافي والجمعوي الهادف ، وتطوير تعابيره واساليبه ، او على المستوى السياسي الذي اصبح فارضا نفسه في الساحة .. واذا كان نظام محمد السادس قد تمكن بفضل تفجيرات الدارالبيضاء في 16 مايو 2003 الانقلابية ، قد تمكن من إطالة ما يسمى افتراضا ب ( الانفتاح ) ، او ( الاجماع ) ، بفضل العصا ، وبفضل حقنات المساعدات الخارجية ، وتواطئ طابوره الخامس الذي تحول من المعارضة الى ضدها ، بالتزكية وبالتطبيل لإنجازات غير مجودة لملك غائب خارج المغرب منذ توليه ( الحكم ) ، فان الواقع الموضوعي بفعل ازمة الجوع التي اضحى المغاربة يشتكون منها ، كان أعند وأقوى ، وهذا ما جسدته الاحتجاجات الجماهيرية التي انتقلت الى الأطراف ، والى القرى والمداشر الصغيرة .. ومن خلال تحليل المعطيات المتراكمة ، فالتغيير سيكون بابه الصحراء التي خسرها النظام ، وتنتظر حل تيمور الشرقية الذي سينتهي باستقلال الصحراء عن الدول المخزنية .. في غضون سنتين او اقل .. واذا ذهبت الصحراء ، ستكون حتمية سقوط النظام ، وسقوط الدولة العلوية التي كان سيسقطها الجيش في 16 غشت 1972 ، وفي انقلاب الضباط الوطنيين الاحرار في 9 يوليوز 1971 .. ( تابع ) .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
( طرد ) إسرائيل من حضور افتتاح دورة القمة السادسة والثلاثين
...
-
انعقاد القمة السادسة والثلاثين ( 36 ) للاتحاد الافريقي بأديس
...
-
حقوق الانسان في الدولة المخزنية البوليسية
-
البدع والطقوس المرعية عند العرب والمسلمين
-
البرلمان الاسباني يوافق بالأغلبية على منح الجنسية الاسبانية
...
-
أكبر انتفاضة دموية في تاريخ الانتفاضات المغربية
-
مِنْ - موروكو گيتْ - الى - بگاسوس غيتْ -
-
ترقب قرار للبرلمان الأوربي في 9 ابريل القادم ، يدين النظام ا
...
-
الفرق بين الشعب والرعايا ، نوع الدولة السائدة
-
تغيير النظام من الداخل
-
التعويض .
-
الدكتاتور هرب . المستبد هرب . الطاغية هرب .
-
حين ضاع التراب . من أضاع التراب . لماذا أضاع التراب. من الگو
...
-
هل ستندلع حرب بين النظامين المغربي والجزائري ؟
-
الغزو الروسي لأكرانيا
-
الجنرال السعيد شنقريحة متماهياً في قصر الإليزيه ومستقبلا من
...
-
قصيدة شعرية
-
حركة 20 فبراير الملعونة كانت مؤامرة كبرى . اول تحليل سياسي د
...
-
مسلسل تيمور الشرقية يطل من شقوق الباب
-
المدير العام للإدارة العامة للدراسات والمستندات
المزيد.....
-
إلهام شاهين تعيش الطفولة مع -آخر العنقود- في عائلتها
-
الشرع يوضح موعد أول انتخابات رئاسية في سوريا ورده على من طال
...
-
فرنسا تستعد لمحاكمة طبيب متهم بالاعتداء جنسياً على أطفال تحت
...
-
الحكم على جندي بريطاني سابق بالسجن 14 عامًا بتهمة تسريب معلو
...
-
بوتين يقيل نائب وزير العدل من منصبه
-
سموتريتش: لا يمكن إنهاء المعركة قبل تدمير حماس بالكامل واتفا
...
-
حاكم المصرف المركزي: هكذا تبخر 21 مليار دولار في سوريا!
-
ترامب: حققنا تقدما كبيرا في مسألة حل الصراع بين روسيا وأوكرا
...
-
القضاء المصري يقضي بسجن بريطاني 3 سنوات
-
روسيا.. تطهير أكثر من 350 كيلومترا من سواحل البحر الأسود بعد
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|