حسن مدن
الحوار المتمدن-العدد: 7530 - 2023 / 2 / 22 - 14:21
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
هل اجترح الأقدمون أو الأحدثون مصطلح أو توصيف «وجع التاريخ»؟ هل يجوز السؤال عما إذا كان للتاريخ وجع؟
حين خطر هذان السؤالان في ذهني بحثت عما يعينني على الإجابة، فلم أجد. الوجع، لغةً، «هو اسم جامع لكل مرض مؤلم، وجمع المفردة: أوجاع، وعن المصابين بالوجع يقال وجاعى أو وجعون، أو عن النسوة اللائي يعانين الوجع فيقال وجاعى ووجعات»، ونترك التدقيق والتفصيل والشرح لأهل اللغة، لكن الثابت أننا عندما نشعر بألم في مكان ما من أجسادنا، كالرأس مثلاً، نقول: رأسي توجعني، أو أشعر بوجع في رأسي.
أما التاريخ، اصطلاحاً، فهو «جملة الأحوال والأحداث التي يمر بها الفرد أوالمجتمع، كما يصدق على الظواهر الطبيعية والإنسانية. في اللغة تعريف الوقت، وتاريخ الشيء وقته وغايته، والتاريخ أيضاً علم يبحث في الوقائع والحوادث الماضية».
وبذا يبدو لنا أننا إزاء مفهومين أو مصطلحين لا يجمع بينهما، في الظاهر على الأقل، جامع، فهل يبدو الجمع بينهما نوعاً من التعسف؟
كنا سنجيب عن هذا السؤال بالإيجاب، لولا اليقين بأن الوجع لا ينال من الجسد وحده، من الرأس أو البطن أو الظهر أو اليدين أو الرجلين وما إلى ذلك، وإنما هناك وجع لا يقل إيلاماً هو ذاك الذي يصيب النفس أو الروح، الوجع الناجم عن الفقدان أو الخذلان أو الخيبات، وما أكثرها في هذه الحياة، وهي الأخرى تصيب بالوجع أيضاً، وإذا كانت المسكنات الطبية قادرة على تخفيف الشعور بآلام الجسد، فإنها لا تفعل الشيء نفسه مع أوجاع النفس، التي قد تظل ملازمة للإنسان العمر كله.
يقودنا ذلك، أو هكذا يفترض، إلى القبول بفكرة أن للتاريخ أوجاعه. كيف لا وهو الحافل بالخذلان والهزائم والمجازر والاحتلالات والاستعمار واغتصاب أراضي الآخرين والنيل من كرامة الجماعات، خاصة الأقليات منها في مختلف المجتمعات، وتدّل التجربة الممتدة للبشرية على أن «أوجاع التاريخ» قد تهدأ في بعض الفترات، ولكن أي باعث من البواعث قد يوقظها مرة أو مرات، لتعود كأنها نشأت للتو، وكأنها ليست موروثة من زمن أصبح ماضياً.
ربما لهذا السبب نسمع أو نقرأ عن مفاهيم من نوع «مداواة أوجاع الماضي» لذوي من يمكن وصفهم بـ«الهويات الجريحة»، التي قد تكون هي نفسها التي عنها قال نيلسون مانديلا وهو يشير إلى معاناة الغالبية السوداء من نظام الفصل العنصري في وطنه جنوب إفريقيا: «نحن نغفر ولكن لا ننسى».
#حسن_مدن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟