|
بوصلة كنس الاحتلال.. فلسطينية
سليم يونس الزريعي
الحوار المتمدن-العدد: 7527 - 2023 / 2 / 19 - 08:47
المحور:
القضية الفلسطينية
يبدو أن هناك من لا يريد أن يستوعب أن معطيات واقع كيان الاحتلال السياسية والأيديولوجية قد شهدت انزياحا نحو سيطرة قوى الصهيونية الدينية والتطرف على القرار السياسي داخل الكيان، وهي تنوي وفق أيديولوجيتها الدينية التعامل مع الفلسطينيين كمقيمين وليسوا شعبا كان وما يزال وسيظل هو صاحب الأرض، وبهذا المعني فإن هذه القوى الدينية التي أمسكت بزمام الأمور في الكيان الصهيوني، لا تعترف بوجود شعب تحت الاحتلال وأرض محتلة وطرف فلسطيني يجب البحث معه عن حل للصراع. هذا الموقف السياسي الأيديولوجي لهذه القوى الذي ظهَّر موقفا كان معروفا وممارسا طوال سنوات، لكن الطرف الفلسطيني الذي ظل محكوما بالتفكير ضمن المقاربة البائسة التي أنتجت أوسلو، لا يريد أن يفكر خارج الصندوق، والاعتراف بفشل خياراته، وأنه مسؤول فكريا وسياسيا وأخلاقيا عن نكبة أوسلو، في حين أن الجانب الصهيوني يطوي عن سبق إصرار وترصد مقولة المفاوضات والحل السياسي وخدعة حل الدولتين. لذلك يصبح من العبث استمرار وهم أن هناك مكنة لعقد صفقة سياسية مع الكيان الصهيوني، على قاعدة حل الدولتين، وهو الذي لا يعتبر أن الضفة أرضا محتلة وأن هناك شعبا فلسطينيا. ومن ثم فإن عدم استيعاب هذا المتغير الصهيوني ضمن صيرورة التحولات الإيديولوجية والسياسية داخل تجمع المستجلبين الصهاينة التي كانت واضحة لمن يريد أن يقرأ، شرط أن لا يبقى أسيرا لمقارباته السياسية والفكرية التي لم تكن خيارا وطنيا جامعا ، والمؤسف أنه مع كل هذه التحولات في الجانب الصهيوني باتجاه تعزيز الاستيطان وتغول قطعان المستوطنين وسياسة القمع التي تمارسها قوات الاحتلال وانكشاف خدعة أوسلو الذي كان ربحا صافيا للمشروع الصهيوني في فلسطين، استمر الطرف الفلسطيني يبدي بين الفينة والأخرى الاستعداد لاستئناف مفاوضات الحل السياسي مع الكيان الصهيوني على قاعدة حل الدولتين. مع كل ما جري ويجري. وفي تقديري فإن ذلك هو ذروة العبث السياسي من شأنه أن يضع علامة استفهام حول مدى سلامة العقل السياسي الفلسطيني الذي يصر بعناد على استمرار التشبث بحل غير موجود في الواقع. بدلا من استيعاب الواقع واستخلاص الدروس من ثلاثة عقود مهدرة من المراهنة على وهم حل الدولتين بالبحث عن خيارات أخرى لاسترداد الشعب الفلسطيني حقه الثابت في وطنه. وهذا الوهم لا يمكن أن يغير من طبيعته شكلا ومضمونا التغطي بيان القمة التي جمعت الرئيس المصري وملك الأردن والرئيس الفلسطيني يوم 17 يناير 2023، الذي دعا لإعادة "إطلاق مفاوضات جادة وفاعلة لحل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين" ، لأن الدولتين المصرية والأردنية سبق أن أبرمتا معاهدات سلام مع المحتل وتدركان خطورة اتخاذ القيادة الفلسطينية مقاربة جديدة في مواجهة الاحتلال، ستمتد ارتداداتها لدول المنطقة ومنها مصر والأردن، ولذلك حذر البيان "من خطورة استمرار غياب الأفق السياسي وتداعيات ذلك على الأمن والاستقرار"، لأن ما تسميه الدولتان الأمن والاستقرار هو مصلحة داخلية لكليهما ولكنه بالنسبة للفلسطينيين استمرار الاحتلال مع تحسين شروطه. وكون كل الدول تبحث عن مصالحها وهذا من حقها ولكن ليس على حساب مصالح الشعب الفلسطيني الثابتة، لذلك فإن الموقف الفلسطيني والحال هذه يجب أن ينطلق من معطيان ومصلحة فلسطينية أولا ، حيث مصلحة الشعب الفلسطيني. ولكونه هو الذي يدفع الثمن، وبعيدا عن موقف أي دولة عربية خاصة تلك التي تربطها معاهدات سلام مع كيان الاحتلال، لأن الشعب الفلسطيني هو الذي دفع وما يزال يدفع ثمن تلك المعاهدات. وإذا كان للبعض أن يقول من الطبيعي أن تعمل دول مثل مصر والأردن اللتان تربطهما مع الكيان الصهيونية اتفاقيات سلام، على استمرار تسويق الوهم بما يسمى بمفاوضات حل الدوليتين، وهي التي بحثت عن مصالحها دون النظر إلى أنها بتلك الاتفاقيات قد شرعت سرقة ألكيان الصهيوني للأرض الفلسطينية. لأن اتفاقيتا كامب ديفيد ووادي عربة هما من جانب آخر نزع لحقوق الشعب الفلسطيني في كل وطنه فلسطين ومنحها للمستجلبين الصهاينة. ولذلك فإن استمرار الصراع من أجل التحرير والعودة كهدف فلسطيني لن يكون في صالح هاتين الدولتين المأزومتين داخليا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ارتباطا بموقعهما من هذا الصراع الذي يخوضه الشعب الفلسطيني بقواه المختلفة بعيدا عن مخرجات أوسلو وأوهام السلطة الفلسطينية التي ما تزال تجتر مقولة حل الدولتين التي نسف الكيان الصهيوني بالاستيطان والمصادرة والضم أي أساس مادي لذلك الحل المتخيل لدي الجانب الفلسطيني وبعض العرب وفق رؤية السلطة الفلسطينية منتجة أوسلو. وإذا كان موقف الأردن الرسمي ينسجم مع طبيعة إنشائه كيانا وظيفيا في خدمة المشروع الاستعماري في المنطقة، وهو الدور الذي طالما مارسه على الدوام منذ نشأته التي رافقت عملية زرع الكيان الصهيوني في فلسطين ودور بريطانيا الاستعمارية التي كانت تدير إمارة شرق الأردن، وفي الوقت نفسه كانت دولة الانتداب في فلسطين، المكلفة بزرع المستجلبين اليهود تنفيذا لوعد بلفور، فإن موقف مصر أيضا يبدو منسجما مع عملية التحول الاستراتيجي في موقف القاهرة الرسمية من زرع الكيان الصهيوني في فلسطين، عبر التسليم برواية الحركة الصهيونية والمسيحية الصهيونية والدول الاستعمارية حول الحقوق اليهودية في فلسطين، وفق أساطير وأكاذيب نصوص كتابهم، وهي النصوص التي دحضها بشكل علمي قاطع علماء آثار ومؤرخون يهود (إسرائيليون)، وهو تسليم ينفي من جانب آخر حقوق الفلسطينيين في وطنهم ، التي هي حقوق ممتدة عبر التاريخ لا يمكن لأي دولة أو مجموعة سياسية حتى لو كانت فلسطينية أن تتصرف فيها لأنها حق ثابت لصيق بالمجموع الفلسطيني. ولا يمكن من ثم تصور أن تتعامل كل من مصر والأردن مع القضية الفلسطينية إلا انطلاقا من مصالح دولها أولا وثانيا وثالثا، فمصر من أجل تحرير سيناء اعترفت بسطو العصابات الصهيونية على 78% من فلسطين لتدشين أول اختراق صهيوني في جدار الرفض العربي حتى لو كان ذلك الجدار شكليا. لتتكشف بعد ذلك حقيقة مواقف بعض الدول العربية من القضية الفلسطينية ومدى التهافت العربي الرسمي الذي هو نتاج مصالح الفئات الحاكمة وارتباطها المصلحي بالدول الإمبريالية وتحديدا الولايات المتحدة كراعية للمشروع الصهيوني في فلسطين. لكن السؤال "الحارق" هو: هل كان لمثل هذا التهافت أن يصل إلى ما وصل إليه الآن من قبل بعض الدول العربية في علاقتها مع كيان الاحتلال، وفي ذروة عدوانيته دون نكبة أوسلو التي اعترفت فيها قيادة حركة فتح التي كانت تقبض على رقبة منظمة التحرير وحولتها من مشروع للتحرير إلى مشروع دولة، بنتائج العزوة الصهيونية والمسيحية الصهيونية والغرب الاستعماري لفلسطين منذ سايكس بيكو ووعد بلفور والانتداب البريطاني لفلسطين، والتسليم لكيان العصابات الصهيونية بسرقة معظم فلسطين مقابل وعد بدولة في الضفة وقطاع غزة. ومن ثم إذا كانت القاهرة أو عمان لا يهمهما سوى " إطفاء" القضية الفلسطينية بأي شكل واستمرارهما في بيع وهم الوصول إلى حل سياسي مع كيان عدواني نازي مع تجاهل تجربة ثلاثة عقود من بؤس أوسلو، الذي حوله الكيان الصهيوني إلى فرصة لمصادرة كل الضفة الغربية، وهو متغير واقعي أعدم عمليا ونهائيا "وهم" حل الدولتين، لكن المؤسف أن الطرف الفلسطيني الذي أنتج أوسلو ما يزال ارتباطا باستعداده الفكري والسياسي والاجتماعي الطبقي الذي تمثله قيادة فتح وبعض القوى التي تربت في حديقتها الخلفية مستمرا في معاندة الوقائع الملموسة سواء على الأرض أو فيما يتعلق بمتغيرات الجانب الصهيوني الذي لم يكن في أي يوم من الأيام على استعداد لمنح فريق أوسلو دولة. ومع ذلك رد البيان الثلاثي المصري الأردني الفلسطيني بنفسه على استمرار التمسك بوهم حل الدولتين عندما يقول: "أكد القادة ضرورة وقف جميع الإجراءات الإسرائيلية الأحادية اللاشرعية التي تقوض حل الدولتين" ، السؤال كيف سيوقف الاحتلال إجراءاته التي قال البيان إنها تقوض حل الدولتين؟ هل بالمناشدة أو استجدءا أو طمعا في كرم المحتل؟ - فيما هي حسب المخيلة الصهيونية حقا ربانيا- لكن البيان أن ما يسميه التقويض هو سياسة مقرة وثابتة من قبل الكيان الصهيوني منذ ثلاثة عقود، بما يعدم أي فرصة لذلك الحل الوهمي. ولذلك فإن أقصى ما يمكن أن يقدمه الاحتلال هو كما قال نتنياهو في نسخته الجديدة في حديث لموقع العربية السعودي: “أود أن أقول إنه يجب أن يكون للفلسطينيين في تسوية نهائية جميع السلطات لحكم أنفسهم، ولكن لا توجد أي من الصلاحيات التي تهدد بقاء ووجود دولة إسرائيل”. بمعنى أنه لا دولة، ولا قدس أو حتى مناطق متصلة؛ بل معازل يحشر فيها الفلسطينيون. ولكن.. واهم نتنياهو أو ممثلي الصهيونية الدينية والمتطرفين الصهاينة، إذا ظنوا أن القوى الحية والشعب الفلسطيني ليس لديه خيارات حقيقية واعية لتحرير وطنهم وكنس الاحتلال من الضفة وكل فلسطين. ولا عزاء من بعد ، للمراهنين على وهم حل الدولتين من فلسطينيين وعرب..
#سليم_يونس_الزريعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مشاكسات / إنسانية.. اليانكي! .. متى تستفيق؟
-
مشاكسات.. العراق.. توطن الفساد / أشبعتهم إدانات.. !!
-
زلزال تركيا يعري لا إنسانية قانون قيصر الأمريكي
-
استشراف صهيوني لنهاية كيان الاحتلال في فلسطين
-
السلطة الفلسطينية.. فقدان القدرة على الرؤية والقراءة
-
وهم حل الدولتين .. والخيار البديل
-
وجود الكيان الصهيوني المحتل.. هو العار
-
مشاكسات / سلطة تساوي التنسيق..! ذروة التهافت
-
مشاكسات / لغة كي الوعي!!.. أمريكا..سارقة..!
-
التوراة -ميثولوجيا- ..التوراة تزوير للتاريخ (3/3)
-
الشعبية.. تصريحات الفصائل لا تُسمن ولا تُغني من جوع
-
التوراة -ميثولوجيا- ..التوراة تزوير للتاريخ (2/3)
-
مشاكسات / قلق على منْ؟!.. لا عهد لهم..!
-
التوراة -ميثولوجيا- ..التوراة تزوير للتاريخ (1/3)
-
الكيان الصهيوني .. واحتدام مأزقه الوجودي
-
مشاكسات / تدني لغة الخطاب.. التصفيق ..معيارا للديمقراطية..!
-
جنرالات صهاينة.. وقرب زوال - إسرائيل-
-
مشاكسات / شراكة.. ضد منْ! .. حماس والحريات..!
-
فتح وحماس.. -غير جديرتين بالتمثيل والقيادة-!!
-
السلطة الفلسطينية.. فقدان الصلة بالواقع
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|