|
عصبة مكافحة الصهيونية ونقض الرواية -الإسرائيلية- 3
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 7525 - 2023 / 2 / 17 - 10:54
المحور:
القضية الفلسطينية
(الحلقة الثالثة)
(قراؤنا الأعزاء بدأنا من يوم السبت 11/2/2023، نشر وعلى أجزاء متلاحقة، آخر إصدار/كتاب؛ للمفكر والباحث العربي العراقي عبد الحسين شعبان، الموسوم بعنوان: عصبة مكافحة الصهيونية ونقض الرواية "الإسرائيلية". هذا الكتاب الهام والصادر في يناير من العام الحالي بعدد 92 صفحة، بحجم ورق من القطع المتوسط؛ الصادر عن دار البيان العربي للطباعة والنشر والتوزيع؛ نضعه بين أيدي قرائنا آملين أن تتم الاستفادة المرجوة منه في موضوعه المحدد وعلاقته المباشرة؛ بشعار/دعوة/مبادرة/ضرورة: "اعرف عدوك" وضرورة مواجهة تجسيداته العملية إلى جانب ما يسمى: راويته التاريخية. نوجه شكرنا الكبير وتحياتنا العالية إلى المفكر القدير عبد الحسين شعبان، على جهده الفكري والمعرفي المتواصل، وعلى خصه بوابة الهدف بنشر كتابه على أجزاء عبر موقعها الإلكتروني).
الموقف السوفيتي انعكس تغيير الموقف السوفيتي من القضية الفلسطينية سلباً في الشارع العربي، فبعد أن كان موقفه ضدّ قرار التقسيم تحوّل إلى تأييد له، وتحضرني مفارقة نقلها منير شفيق في مذكراته، ومفادها أن فؤاد نصّار (أبو خالد) الذي كان حينها مسؤولاً عن الجريدة وعضواً في المكتب السياسي للحزب الشيوعي الأردني قبل أن يصبح أميناً عاماً له، وكان ينام في مطبعة الحزب، وفي الساعة الرابعة صباحاً جاء مصفّف الحروف وقال له استيقظ يا رفيق فقد أيّد المندوب السوفيتي قرار التقسيم، فنهض كمن لسعته أفعى، فطلب منه التقاط محطّة راديو موسكو للتأكّد من الخبر، وبعد أن اطمئن إلى أن الخبر صحيح، قام بسحب المقالة التي كتبها للتنديد بقرار التقسيم والدعوة إلى دولة ديمقراطية موحّدة، واستبدلها بمقالة أخرى كتبها بالضدّ من مقالته الأولى أعرب فيها عن تأييده لقرار التقسيم كما أشاد فيها بالموقف السوفيتي، ، وهو ما سارت عليه الغالبية الساحقة من الأحزاب الشيوعية العربية، بل إنه يمثّل نموذجاً لطريقة التفكير التعويلية والعلاقة التبعيّة بالمركز الأممي. وظلّ موقف الحزب الشيوعي العراقي متحفّظاً في البداية، وهو ما يمكن تلمّسه من توجيه داخلي للحزب جاء فيه: "إن موقف الاتحاد السوفيتي بخصوص التقسيم وفّر للصحف المرتزقة ومأجوري الإمبريالية فرصة لا للتشهير بالاتحاد السوفيتي فقط، بل أيضاً بالحركة الشيوعية في البلدان العربية... ولذلك على الحزب الشيوعي تحديد موقفه من القضية الفلسطينية حسب الخطوط التي انتمى إليها والتي يمكن تلخيصها بالتالي: 1- إن الحركة الصهيونية حركة دينية رجعية ومزيفة بالنسبة للجماهير اليهودية. 2- إن الهجرة اليهودية.. لا تحلّ مشكلات اليهود المقتلعين من أوروبا، بل هي غزو منظّم تديره الوكالة اليهودية.. واستمرارها بشكلها الحالي... يهدّد السكان الأصليين في حياتهم وحريّتهم. 3- إن تقسيم فلسطين عبارة عن مشروع إمبريالي قديم... يستند إلى استحالة مفترضة للتفاهم بين اليهود والعرب. 4- شكل حكومة فلسطين لا يمكن أن يتحدّد إلّا من قبل الشعب الفلسطيني الذي يعيش في فلسطين فعلاً، وليس من قبل الأمم المتحدة أو أي منظمة أو دولة أو مجموعة دون أخرى. 5- إن التقسيم سيؤدي إلى إخضاع الأكثرية العربية للأقلية الصهيونية في الدولة اليهودية المقترحة. 6- إن التقسيم وخلق دولة يهودية سيزيد الخصومات الوطنية والدينية وسيؤثر جديّاً على آمال السلام في الشرق الأوسط. ولكلّ هذه الأسباب فإن الحزب الشيوعي يرفض بشكل قاطع خطة التقسيم. ولعلّ هذا الموقف هو الذي كانت تتبناه العصبة قبل قرار حلّها وتحريم نشاطها وإغلاق صحيفتها، ولكن هذا الموقف بدأ يتغيّر بعد الكراس الذي وصل من باريس باسم "الرابطة العربية الديمقراطية" والذي صدر بتاريخ 11 حزيران / يونيو 1948 وقد جلبه يوسف اسماعيل البستاني إلى العراق وقد تمّ توزيعه على الشيوعيين تأثّراً بالحزب الشيوعي الفرنسي والمرجعية السوفيتية بتأييد قرار التقسيم. وقد تمّ إيصال الكرّاس إلى سجن الكوت وعندما بدأ أحد أعضاء تنظيم السجن بقراءته بصوت عال حسب العادة الجارية في مناقشة بعض الأمور العامة أمره فهد بالتوقف عن ذلك، وبعد سماعه فقرات قليلة منه لم تعجبه لأنها تتعارض مع توجّه الحزب الشيوعي، خصوصاً بعد قيام "إسرائيل" في 15 مايو / أيار 1948 على أساس قرار التقسيم ، وذلك في تحفّظ كبير على بيان باريس. وقد صاغ عامر عبد الله التقرير النهائي المقدّم إلى الكونفرنس الثاني للحزب أيلول / سبتمبر 1956 والذي جاء فيه " إن بعض العناصر المشكوك بها نجحت في أن تدسّ في صفوف حزبنا وحركتنا مفاهيم خاطئة بالنسبة إلى الصهيونية... من بينها الأفكار التي وجدت صداها في بيان عنوانه "أضواء على القضية الفلسطينية".
إعدام فهد ورفاقه لعلّ موقف فهد من القضية الفلسطينية، خصوصاً تحفّظه على قرار التقسيم كان وراء إعدامه، فبعد أن اضطرت حكومة صالح جبر إلى إبدال حكم الإعدام بالسجن المؤبد، إلّا أن ذلك لم يرض المخابرات البريطانية فلجأت إلى التحريض ضدّه بدعم من الصهيونية، خصوصاً بعد وثبة كانون 1948 واعتبرته مسؤولاً عن التحرك الشيوعي خارج السجن، لاسيّما بعد فشل الحكومة من إمرار معاهدة بورتسموث (معاهدة جبر – بيفن)، ولذلك أصرّت حكومة نوري السعيد التي تشكّلت في 6 كانون ثاني / يناير 1949 على إعادة المحاكمة وصدر حكم الإعدام بحق فهد ورفاقه، وتم تنفيذه على جناح السرعة ليلتي 13 – 14 شباط / فبراير 1949، حيث أُعدم كلّ من فهد وزكي بسيم وحسين الشبيبي ويهودا صدّيق، وعُلّقت جثثهم في الساحات العامة. وكان نوري السعيد الأكثر ميلاً إلى استخدام العنف ضدّ المعارضة باعتبارها الحلّ الأمثل لفتّ عضدها وتشتيت صفوفها. وحسب عبد الجبار وهبي (أبو سعيد) الصحافي الشيوعي البارز الذي أعدم بعد انقلاب شباط / فبراير 1963 أن السفير البريطاني شخصياً كان يتابع محاكمة فهد، وشجّع إصدار حكم الإعدام ضدّه، علماً بأن ثلاث جهات كانت مستفيدة من إعدامه هي الإمبريالية العالمية وخصوصاً البريطانية والصهيونية العالمية والرجعية العربية، الأمر الذي أجهز على الحركة اليسارية والوطنية وكمّم الحريات بحجّة الحرب العربية - "الإسرائيلية" والقضية الفلسطينية. ويستعرض عبد الجبار وهبي (أبو سعيد) الإجراءات القمعية التي اتخذتها الحكومة فبعد "... وثبة 1948 وخلال هجوم 1949... وبعد ارتكاب مجزرة سجن الكوت وسقوط 18 شهيداً و 200 جريح وصدور أحكام متفاوتة ضدّ 118 سجيناً انتزعت السلطات الحكومية خمسة عشر مناضلاً يهودياً منهم، وكان بعضهم مصاباً بجروح خطيرة، فشحنتهم بالسيارات إلى سجن نقرة السلمان لحجزهم هناك مع المجرمين العاديين والصهيونيين، ودبّرت إدارة سجن نقرة السلمان هجوماً غادراً عليهم وعلى السجناء السياسيين الآخرين مستعينة بعصابات من السجناء العاديين المجرمين والصهيونيين وعلى رأسهم الصهيوني البريطاني الجنسية رودني. وفي أواخر 1949 انتقل المجلس العرفي العسكري بكامل هيأته إلى سجن نقرة السلمان، حيث أجريَ محاكمة أربعة وأربعين سجيناً بتهمة ترويج الشيوعية لأنهم قدموا إلى السلطات الحكومية عريضة يحتجّون بها على اختطاف قادة الحزب الشيوعي من سجن الكوت وإعدامهم.
وكانت الوكالات الصهيونية قد نظّمت حملة مضادة لتوجّهات العصبة، وجمعت بعض مئات من التواقيع المطالبة بالهجرة، ولكن نشاط هذه الأخيرة توسّع بعد إغلاق صحيفة العصبة ومنعها من العمل القانوني الشرعي فاستغلّت هذا الغياب تحرّض اليهود على الهجرة وزاد الأمر سوءًا ما تعرّض له اليهود وأماكن العبادة إلى أن أقدمت الحكومة العراقية على إصدار قانون يسهل أمر تهجيرهم في عمليات تخريب وتفجيرات نفذت بعضها منظمات صهيونية إرهابية بهدف دفع اليهود إلى الهجرة. حاولت الحركة الصهيونية وبالتواطؤ مع بعض أركان النظام الملكي على تهجير اليهود من العراق مقابل المال، وعندما كانت تفشل في مخطّطها لعدم الاستجابة الكافية من جمهور اليهود، كانت تضع المتفجرات لهم في أحيائهم وأماكن العبادة لتخويفهم ودفعهم إلى الهجرة إلى "إسرائيل" على نحو قُضيَ على أقدم طائفة يهودية في العالم خارج فلسطين، وألحق ضرراً بالنسيج الاجتماعي للمجتمع العراقي وتعدديته الدينية والعرقية.
العصبة والإشعاع العربي كانت مبادرة عصبة مكافحة الصهيونية التي تأسست في العراق رافعة للنضال ضدّ الصهيونية، وهو ما لفت الانتباه إليها عربياً، فقد عملت إحدى التنظيمات الشيوعية المصرية وهي المعروفة باسم "الشرارة" على تكليف الفرع اليهودي في المنظمة العمل على تأسيس "الرابطة الإسرائيلية لمكافحة الصهيونية" في أواسط العام 1946، وكانت أهدافها مقاربة لأهداف العصبة. ويمكن تلخيصها ﺑ "محاربة العنصرية ومكافحة الاستعمار وربيبته الصهيونية". وأكّدت على العمل من أجل "إيجاد شرق عربي حر مستقل يضلّله التسامح وجو من الإخاء المطهّر من العنصرية العصبية المقيتة التي لن يكسب من ورائها سوى الغاصب المحتل"، وكان لها فروعاً في القاهرة والإسكندرية. وكان رئيسها عزرا هاراري الذي ألقي القبض عليه وعلى أعضاء الهيئة المؤسسة في العام 1947 وتم حلّ المنظمة في العام 1948.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عصبة مكافحة الصهيونية ونقض الرواية -الإسرائيلية- 2
-
فيما يسمّى ﺑ -الإمبريالية الثقافية-
-
عصبة مكافحة الصهيونية ونقض الرواية -الإسرائيلية- 1
-
الزمن والنخب: في انطولوجيا الثقافة العربية بقلم د. عبد الحسي
...
-
دردشة مع نوري عبد الرزاق (الحلقة الرابعة وما قبل الاخيرة)
-
عبد السلام المجالي وداعًا
-
الهويّة مرّة ثانية وثالثة
-
دردشة مع نوري عبد الرزاق 3
-
-التفلسف- بلا ضفاف
-
الريادة الحقوقية والآباء المؤسسون
-
العبودية والاعتذار الهولندي
-
دردشة مع نوري عبد الرزاق: الجيل الأول للحركة الشيوعية العراق
...
-
صورة العروبة
-
قراءة في كتاب: دين العقل وفقه الواقع
-
دردشة مع نوري عبد الرزاق
-
سؤال اللغة والثقافة
-
وماذا عن الكبتاغون...؟
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
-
مقدّمة كتاب سعاد العلس -اليمن: نساء وتنوير-
-
في استقبال العام 2023
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|