|
مسرحية قائد الطائرات الورقية
رياض ممدوح جمال
الحوار المتمدن-العدد: 7524 - 2023 / 2 / 16 - 12:00
المحور:
الادب والفن
الشخصيات : الرجل : في الستين من عمره، يبدوا اكبر من ذلك، متعب البدن . محمود : شاب في الثلاثين من العمر . المرأة : في الخامسة والخمسين، قوية البنية وحيوية . المكان : اي بلد ابتلي بحروب. الزمان : زمان الحروب.
المشهد الاول ( صالة متوسطة التأثيث، الاب جالس على احدى الارائك ) المرأة : ( تدخل حاملة صينية فيها قدحين من الشاي، تضعها على منضدة امام الرجل وتجلس مقابله) اتصل محمود ابن اختي وقال انه سياتي ليصطحبني الى طبيب الاسنان. الرجل : مالي اراك اقل حيوية من المعتاد. المرأة : ( تتنهد) لا شيء هناك، متعبة قليلا من اعمال المنزل. الرجل : اعلم انك اقوى من ذلك. ولا بد ان الشيء الذي في بالي هو السبب. المرأة : لا اريد ان تفتح هذا الموضوع، الذي طالما اختلفنا حوله. الرجل : اعلم يا حبيبتي اني قد ظلمتك كثيرا في هذا الامر. ولكن هذا ما يجب ان يكون. فالطبيب يغرز مبضعه بالجرح غير مبال بصراخ المريض. المرأة : جرح المريض يتماثل بالشفاء بعد اجراءات الطبيب، اما جرحي انا فيزداد فمه اتساعا والصراخ عويلا. الرجل : سنعيد ونكرر ما قلناه كثيرا، ودون جدوى. المرأة : الم اقل لك، اني لا اريد ان نطرق هذا الموضوع. الرجل : انا اشفق عليك كثيرا، واتفهم عواطفك وشعورك. المرأة : ولو لم اتفهم انا افكارك، لقلت انك عدو اولادنا. فقد قلعت جذورهم من بيننا وغرستَها بعيدا عبر المحيطات، وختمت على تفكيرهم بعدم العودة الى وطنهم ابدا. الرجل : انها تضحية من اجل انقاذهم من بئر النار الذي تسمينه وطن. المرأة : لا جدوى من هذا الجدال العقيم، فمنذ سنين حفظت عن ظهر قلب ما الذي ستقوله لي وما الذي سأقوله لك وكان كل منا على شاطئ مقابل للأخر ونتحاور حوار الطرشان. وينتهي الحوار وكل منا باق على شاطئه. الرجل : لقد تعبت انا من اقناعك، يا امرأة. المرأة : كل كلمات العالم لا تقنع أماً بأبعاد اولادها بعيدا عنها، انا أم. الرجل : اصبري اكثر، فربما تنجح اجراءات ذهابنا نحن اليهم. فان الاولاد يسعون للم شملنا معهم. فكوني اكثر تفاؤلا، يا امرأة. المرأة : احيانا اريد ان ابكي كطفلة تريد امها، لا كأم تريد اولادها. ابكي واصرخ اني اريدهم الان وفي الحال. لا اريد ان نبقى هنا وحيدين من غير اولادنا. لقد اضعتني بأفكارك هذه وخططك، يا رجل. الرجل : انت تريدين اولادك كطيور في قفص تحت عينيك، اما انا فاطلق طيوري محلقة في السماء وامتــّـع نظري في طـــــيرانها. ان اكبر متعة لي في طفولتي كانت، هي حــــين اطلق طائرتي الورقية عاليا في السماء وخيط قيادتها في يدي. وانا على سطح دارنا، احـــس، اني انا فوق طائرتي، وان الخيط الذي بيدي هو صــلة الروح، روح تربطــــــــني بطائرتي. انا فوق، فوق في الاعالي ولست على سطح الدار. حينها احس بسعادة غامرة، لا احسها الا حين افكر بنجاحات اولادي، الذين هم عندي الان، كطائرات ورقــــــــــية وخيـــــــط الروح يربطنا. المرأة : لماذا انت مؤمـــــــن انهم سيعيشون هنــــــاك في الكمــــــال؟ الرجل : انا لا اقول ان الكمال هناك، بل مرحلة متقدمة كثيرا عن هنا، في بلدان الحروب، وانهم اختصروا قرونا في درجات الرقي، لا تحــــــــققها لهــــــم هنــــــــــا اجيــــــــال واجيال متعــــــاقبة. المرأة : لا اقنع بمنطقك هذا انا أم اريد ان اكون مع اولادي مجتمعين، حتـــــــى ان كان ذلـــــــــــك في الجــــــــــــحيم. الرجل : وانا اب، ادفن نفسي في الارض كبذرة، لتزهر اشجاري، البذرة تحـــت والنبتة فوق الارض فمن منا المضحي ومن منا الاناني؟ يولـد النهار بعد ان يموت الليل ويضمحل، فلا يمكن ان يرافقان بعضهما. المرأة : اننا الان بأمس الحاجة اليهم، ان الاولاد ســــــندنا في الشيخوخة. الرجل : انك تفكرين بهم وكأنهم دجاجات تحتـــــــــاجين بيضها، او ماشية لتحلبين حلــــيبها. حتى انثى الطير تدفع فراخها دفعاً ليقووا على الطــــــــــيران. (يطــــــــــرق الباب) المرأة : لا بد انه محمود ابن اختي (تذهب وتعود بصحبة شاب في الثلاثين) اهلا بك يا ابن اختي، لقد اتعبناك معنا. محمود : كلا، فهذا واجب علي، فانا مثل ابنكم، يا خالتي. الرجل : اهلا، يا محمود. نحن فعلا قد اتعبناك معنا، ففي الاسبوع الماضي اصطحبتني انا الى طبيب القلب ومختبرات فحص الدم والايكو والسونار وتخطيط القلب وغيرها من الفحوصات الكثير. المرأة : وبالمناسبة، متى ستظهر نتائج تلك الفحوصات، يا ولدي؟ محمود : (يرتبك) لا تشغلوا فكركم، انا اتكفل بذلك. الرجل : الم تتصل بك السفارة، بخصوص لجوئنا؟ محمود : ( يرتبك اكثر) لحد الان، لا، يا عمي. هيا يا خالتي، لقد حجزت لك عند الطبيب، ويجب ان نكون هناك في الموعد. المرأة : انا جاهزة، يا ولدي، هيا بنا. الرجل : وفقك الله، يا ولدي. اذهبوا في امان الله. المرأة : الا تحتاج شيئا، يا زوجي العزيز؟ الرجل : احتاج ان تكوني في سلام. (يخرج محمود والمرأة، يبقى الرجل وحده)
المشهد الثاني الرجل : (ينفجر بالبكاء والنحيب) يا زوجتي الحبيبة، كل الحق معك، اني قلبت كل الموازين والمقاييس ونواميس الحياة. ربما اكون مذنبا بتشتيتي عائلتي، الشك في داخلي ينهشني ليل نهار. انا اجادلك لا قنع نفسي اكثر، لا لأقنعك انت، فانا في شك من ذلك. فما اسعد التجمع في حياة العائلة؟ وانا اعمل على التشتت باسم العقل والمنطق. ولكن مقاييسك انت هي بوصلة القلب، وهي كثيرا ما تصيب اكثر من العقل. كنت تتمنين نصف درزن من الاولاد، ويكبروا ويصبح لديك درزن من الاحفاد، ويجتمع الجميع عندك كل نهاية اسبوع، وهذه هي قمة سعادتك. ولكني يا حبيبتي قد قلّمت وشذّبت الكثير من شجرة احلامك، وجعلت لك ولدا واحدا وابنة واحدة، واورثتهم قلة الخلفة والانجاب، واكون بهذا قد وئدت حلمك يا عزيزتي، يا ليتني كنت اؤمن بما هو جاري، ولكني، خٌلقت كحصان جامح بأفكاري. اني الطبيب الذي يغرز المبضع في جرحه هو، هو نفسه ويصرخ. فانا يا زوجتي في اعماقي اريد ما تريدينه انت نفسك، ولكني اعاندك واخالفك، واخالف نفسي، فانا احمل في داخلي ضدي. حين ودعت ابني عند الرحيل وانا اشجعه واحرضه على ذلك. بعدها دفنت وجهي بكفي وبكيت، بكيت بكاء طفل انقطع خيط طائرته الورقية وهي في السماء. كنت ابكي واقول: ارحل، ارحل بعيدا، ولا تلتفت ورائك، يا ولدي، انطلق كسهم لا يعرف الا هدفه لا تكرر دورة حياتي وتعيد الزمن. فأنا قضيت عمرا كاملا في وطن، لا حلم لدي فيه سوى مغادرته. حين بدأت ببناء مستقبلي فيه تهدم الوطن. وظلت رغبة مغادرة هذا الوطن تستعر في داخلي وترفض الأنطفاء فيّ. وطن يأكل اولاده، هذا وطن ام حقل الغام! كنا نملك سبعون روحاً للبناء، كلها ماتت تباعاً روحاً بعد روح، ولم يبق فينا الا رغبة الرحيل. ولم يعطيني هذا الوطن سوى تضخم شديد في عضلة القلب. وحتى لو تجاوزنا الان كل الالام، لم نعد كما كنا ابدا. وحتى لو أتت إلينا رغباتنا القديمة للتحقق اخيرا، فهي غير مرحب بها، لأنها اتت بعد فوات الاوان بكثير. انقضى العمر وانا انتهيا للرحيل. لم اثبّت اقدامي في هذه الارض الحارقة. كنت اعمل دوماً على تقوية جناحي على الطيران. لم ابني شيئا، ولم اؤسس لأي شيء سوى حقيبة السفر. وطال انتظاري ولم اتغير، كصخرة ثابتة في مجرى ماء. انشد الرحيل، ولا رحيل.
المشهد الثالث ( نفس منظر المشهد الاول، الرجل ومحمود جالسين متقابلين) الرجل : (يهمس مع محمود، لكي لا تسمع المرأة) ماذا قالوا لك بالسفارة، بخصوصنا، يا ولدي؟ اراك تتهرب من هذا السؤال. محمود : (مرتبك، ويتلعثم) لا ادري ماذا اقول لك يا عمي. الرجل : هل تم رفض طلبنا ثانية؟ محمود : تقريبا، تقريبا، يا عمي. الرجل : لا يوجد، تقريبا، في هذا الامر. اما القبول او الرفض. محمود : لقد تم قبول طلب خالتي فقط. الرجل : وانا! هل رفضوني، ولماذا؟ محمود : لست ادري، يا عمي. الرجل : (محبط) انا ادري. انت لا تدري، لكن انا ادري. محمود : لم يقولوا الاسباب ابدا. الرجل : أن خالتك، أطال الله في عمرها، هي بصحة جيدة، والحمد لله. أما أنا فمليء بمختلف الامراض، فسأكون عالة وعبء عليهم. هذا هو السبب، ولا سبب غيره. يا ولدي، سبق لنا انا وانت أن اخفينا عن خالتك، خطورة مرضي في القلب. والآن اريد منك ان تخفي عنها ايضا، أمر رفضهم لي. محمود : وكيف ذلك، يا عمي؟ الرجل : ستقول لها، أنه تمت الموافقة لكلينا، انا وهي، لكن عليها ان تسافر هي الان دون تأخير، والا تسقط الموافقة بعد فترة قصيرة، اما انا، فقد تمت الموافقة لي، ولكن يجب علي اتمام بعض الاجراءات في السفارة، ومن ثم سألحق بها. محمود : وهل ستدعها تسافر، وتبقى انت هنا وحدك؟ الرجل : نعم، لابد من ذلك. محمود : وهل صدقت انت الكذبة، بانك ستلحق بها بعد شهر؟ الرجل : كلا، لم اصدق. لكني سأقوم بواجبي تجاهها هي ايضا، وسأعمل على ان تلتحق بأولادنا، وبأي ثمن. محمود : لكن هذا ثمن باهض، ستدفعه انت وحدك. الرجل : وهذا ما اريده، أن ادفع الثمن انا وحدي. محمود : وماذا عن عملية القلب الجراحية، التي عليك إجرائها بعد شهر؟ الرجل : هذا يسعدني اكثر، أن أواجه مصيري وحدي. محمود : ولكنها عملية فوق الكبرى، ونسبة الخطورة فيها عالية جدا. الرجل : لا فرق عندي بعد الان. المهم اكون قد انجزت كل ما علي. واطلقت اخر طائرة ورقية لدي.
ســــــــــــــــــــتار
#رياض_ممدوح_جمال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسرحية -الباب المفتوح-
-
مسرحية الموجة المهدورة
-
مسرحية -شباب دائم-
-
مسرحية الحــــــصان الطــــــائــــــــر
-
الوحدة في غروب العمر مسرحية مونودراما من فصل واحد
-
المخلعة مسرحية من فصل واحد
-
مسرحية (طلب زواج)
-
مسرحية -الأعداء-
-
بعد فوات الاوان مسرحية مونودراما
المزيد.....
-
مترجمون يثمنون دور جائزة الشيخ حمد للترجمة في حوار الثقافات
...
-
الكاتبة والناشرة التركية بَرن موط: الشباب العربي كنز كبير، و
...
-
-أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة
...
-
الفنان المصري نبيل الحلفاوي يتعرض لوعكة صحية طارئة
-
“من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج
...
-
المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ
...
-
بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف
...
-
عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
-
إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع
...
-
تكريم الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|