|
- مى - أختى لم تنجبها أمى وشبيهتى الى حد الأسى والمرارة
منى نوال حلمى
الحوار المتمدن-العدد: 7521 - 2023 / 2 / 13 - 17:32
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
" مى " أختى لم تنجبها أمى وشبيهتى الى حد الألم والأسى ----------------------------------------------------------- هى " أختى " ، التى لم تنجبها أمى . صديقتى الحميمة ، وأنا ليس لى صديقات . شبيهتى ، وأنا لا يسمح لى " هوسى " بحب نفسى ، أن أعترف أن هناك امرأة تشبهنى ، أو حتى تصلح لأن تكون " شبيهتى " ؟؟. هل أنجبتها " أمى " من رجل أحبته ، دون معرفتى ، وبقيت الحكاية ، سرا أخذته معها الى نومها الأبدى ؟؟. هل كانت صديقتى ، وأنا " فاقدة الذاكرة " ، فى زمن ما ؟؟. وهل هى امرأة الى هذا الحد ، فريدة من نوعها ، حتى تتجرأ وتجبرنى على الاعتراف علنا ، أن المرايا كاذبة ، وأنها شبيهتى ، وتشبهنى ؟؟. كلما تعرفت عليها أكثر ، يزداد يقينى ، أنها امرأة مصنوعة من قماش أنوثتى ، كاتبة تستقل قطار الكلمات نفسه ، الذى يحملنى الى ما يشتهيه قلبى ، وما يسبب مأساته ، وشاعرة تسبح فى بحور الشِعر التى تغرقنى ، ولا أستغيث بطوق نجاة . أزهو بشعور قوى ، لا يفارقنى ، أننى أكمل المسيرة اللامنتهية ، فى الكتابة والوحدة وعدم الانتماء الى كوكب الأرض . عندما وجدت رجلا يفكر بلغتها الخاصة ، ويكتب الشِعر والفلسفة ويرسم اللوحات ، كان عصى المنال الا بالرسائل المشعة بالنبل العاطفى ، والسمو العقلى . وهذا تشابه آخر بين وبينها ، حيث تأكدت من تجاربى ، أن الحب الحقيقى الراقى ، غير الملطخ بشهوات الجسد ، ولا يستحم بماء الذكورية الآسن ، غير متاح ، وعلينا الانتظار لزمن آخر . كان لها صالونها الثقافى فى بيتها كل ثلاثاء . وأنا أيضا كنت أعقد فى بيتى الملتقى الثقافى كل ثلاثاء . لها صورة نادرة مع أمها ، وهى طفلة تضع فيونكة بيضاء فى شعرها . وأنا لى صورة مشابهة ، الى حد أنها خدعت أمى ، التى سألتنى مندهشة : " ومنْ هذه المرأة الجالسة أمامك يا " مُنى " ؟. عاشت وماتت وحيدة . وهذا أيضا مصيرى . أكبر اختلافين بيننا ، أنها فى أواخر حياتها ، اتهموها بالجنون ، وهى استاءت من التهمة ، وأثبتت بطلانها . أما أنا ، فالجنون الذى وُلدت به ، لا أعتبره تهمة ، بل شرف ، أدعيه وأمارسه وأشتهيه أكثر . والاختلاف الثانى ، أن زمنها رغم قسوته ، وذكوريته ، كان فيه " شوية خير وشوية شِعر وشوية أدب " ... أدب الأقلام وأدب الأخلاق . انها مى زيادة 11 فبراير 1886 – 17 أكتوبر 1941 ، فراشة الأدب العربى ، ووردته اليانعة ، جرحت بأشواكها ، جلد مجتمعاتنا الممتلئ بالدمامل الاجتماعية والثقافية والذكورية . كانت تريد أن تنظف وتطهر وتعالج . يريدونها أن تسكت ، وتقبع راضية على ذمة زوج . " مى " ، تعبر عن مأساة كل أديبة ، تجمع بين الجمال الخارجى ، والجمال الداخلى ، والجمال الأخلاقى ، فى مجتمعات لا يسعدها الا المرأة ذات الحواجب المنتوفة ، والخصر الملفوف ، والعيون المرسومة ، والشفاه الحمراء ، والشعر المنساب على الأكتاف ، والتمايل على الكعب العالى . امرأة تجيد الطبخ والمسح وخدمة الأطفال . جاهزة ليل نهار ، لأن تُلتهم فى وجبات النكاح . " مى زيادة " ، موهبة نادرة الخامة ، من أغلى الأحجار الكريمة ، خالية من شوائب الادعاء ، والتقليد ، مثقفة العواطف ، راقية العقل ، متعددة القدرات ، متمردة التجليات . فهى تكتب الأشعار ، والمقالات الصحفية ، والخواطر الأدبية ، وتكتب المحاضرات وتلقيها بكل براعة ، وصحفية تفيض مقالاتها بأسلوب جديد ، يعكس عمق ثقافتها وخطيبة تتحدث بشغف قلبها ، تجيد تسع لغات ، ومترجمة تضيف الى النص المترجم ، أناقة فوق أناقته ، ومديرة حوار لبقة ، رحَالة لفت العالم ، مدافعة عن حريات النساء ، بوعى عميق ، وعيون دائمة اليقظة للتمييز والقهر وغياب العدالة . فى صالون " مى " ، اجتمع أهم أدباء وشعراء ومفكرو عصرها ، مثل طه حسين ، وأحمد شوقى ، ومصطفى صادق الرافعى ، وخليل مطران ، وعباس العقاد ومصطفى عبد الرازق شيخ الأزهر . لم يفلت أحد من جاذبيتها الفريدة ، تمزج بين انطلاقها وتفتحها ، مع استقامة الخلق ، والشياكة البسيطة . قلبها عنيد ، دقيق فى اختياراته ، صعب ارضائه ، لم يخفق الا لرجل يبعد عنها آلاف الأميال . لكنه يوقظ عواطفها النائمة ، ويفهم رسالة الأدب والفن . وكان " جبران خليل جبران " 6 يناير 1883 - 10 أبريل 1931 ، الحبيب الذى لم تلقاه الا بالرسائل المسافرة بينهما ، منذ 1911 وحتى رحيله . فى أحد كتبها " المساواة " 1923 ، أوضحت أن دعم الرجال مهم للنساء . لكن لن يحرر المرأة الا المرأة نفسها . وطموح المرأة لا يجب أن يكون المساواة بالرجل ، لأنها حينئذ ستحرم نفسها من عالمها الذاتى ، الذى تصنعه هى بالهامها وأحلامها . وكتبت أن حجاب المرأة ، مفروض من الرجال ، ليحجب تقدم المرأة الفكرى والعملى . فقدت " مى " كل منْ أحبتهم ، فى أوقات قريبة متتالية . الأب ، ثم جبران ، ثم الأم . أصابها الفقد ، بزهد فى الحياة ، وعزوف عن مواصلة أنشطتها . وساءت حالتها عندما اُتهمها أقرباؤها بالخلل العقلى ، وذهبت الى مستشفى العصفورية للأمراض العقلية ، فى بيروت . وعادت " مى " الى مصر ، وأعطت محاضرات تنم عن عقل بكامل قواه وحيويته . لكنها ملت الحياة والناس ، وتوقف قلبها المفعم بالحماس ، رغم أنها مازالت تتنفس . فى مصر ، بمستشفى المعادى ، يوم 17 أكتوبر 1941 ، ذبلت الوردة ، وتوقفت فراشة الأدب عن التحليق ، وسكت قلبها اللامنتمى ، المحروم من الحب ، الحزين أكثر من طاقته . النساء والرجال ، ضيوف صالونها الأسبوعى ، والعشاق الذين فُتنوا بها ، غابوا جميعا عن جنازتها ، الا أحمد لطفى السيد ، وخليل مطران ، وانطوان الجميل . وهذا تشابه أخر بينى وبين " مى " . لكنها أفضل حظا . فمن أين لى بمثل هذه القامات الثلاث ، لتمشى فى جنازتى ؟.
#منى_نوال_حلمى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اعادة فهم العاطفة .. أرقى ما نملك
-
يا أنت .. ماذا أريد منك .. امرأة البحر ...... ثلاث قصائد
-
لست امرأة الأبد .... خمس قصائد
-
30 يناير اغتيال - غاندى - : الحقيقة تبقى حقيقة حتى لو لم يؤم
...
-
هو لا يتكلم وأنا لا أعود ... قصة قصيرة
-
امنحينى قليلا من الوقت ... قصيدة
-
الشخصيات المبدعة - محميات طبيعية -
-
تنقصنى الشجاعة الكافية .... قصيدة
-
العشق أحلى حين افترقنا ... أربع قصائد
-
اعلان مصر دولة هادئة عام 2023
-
2023 ... عام جديد يؤكد القسم لأمى بألا أتزوج الا - القلم -
-
عبادة الميكرفون صناعة الكفار
-
مُطاردة ... أربع قصائد
-
المقاومة الايرانية الشعبية تستحق كأس العالم فى الشجاعة والحر
...
-
نعى كاتبة ... قصة قصيرة
-
- خصخصة - الايمان
-
الفكر - الكهنوتى - وذكرى ال 74 للميثاق العالمى لحقوق الانسان
-
لست متفرغة للعشق .. لِم طاوعت شفتيك قصتان قصيرتان
-
حملة اعلامية قومية لفض الاشتباك بين فض غشاء البكارة ومعنى ال
...
-
الدولة المدنية وصلابة البنية الداخلية
المزيد.....
-
في إيطاليا.. استبدل المواقع السياحية المكتظة بوجهات أخرى لا
...
-
معجزة بحرائق لوس أنجلوس.. كيف نجت هذه المنازل في حين تفحّم ك
...
-
شرارات تشبه زخات الثلج.. شبكة CNN تحصل على فيديوهات تُظهر ال
...
-
برلمان أوكرانيا يؤيد تمديد حالة الطوارئ العسكرية لمدة 90 يوم
...
-
معارض للسعودية ومؤيد لحزب الله .. من هو الإمام الشيعي المدعو
...
-
-تيك توك- تخطط لإيقاف خدماتها في الولايات المتحدة بدءًا من ا
...
-
هل نرى تحالفا تكتيكيا بين أردوغان ونتنياهو قريبا؟
-
رئيس إفريقيا الوسطى يصل إلى موسكو في زيارة رسمية
-
والد شاب مصري في سوريا يتبرأ منه بعد بثه فيديوهات تحريضية ضد
...
-
عملية مرتقبة للجيش الإسرائيلي قرب حدود مصر مع غزة؟.. الإعلام
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|