سيروان شاكر ايقونة كردستان التشكيلية

خالد النعيمي

الحوار المتمدن-العدد: 7520 - 2023 / 2 / 12 - 00:09
المحور: الادب والفن
    

جامعة نوروز – قسم الهندسة المعمارية
يمكننا دون شك وضع تجربة الفنان سيروان شاكر في الصفوف الاولى للمشهد التشكيلي في كردستان العراق. وذلك استحقاق ترتب على ماتوافر لهذه التجربة من شروط تكوين وتعبير عبر مراحلها الزمنية وبدت كحالة نضج تكشف عن نفسها في اكثر من مرة.
مما يمكن عده مصدرا للاشادة والاعجاب هو قدرة هذا الفنان على التواصل مع منجزه الفني. هذا الفنان يمتلك اصرارا ومكابدة في علاقته مع عالم اللوحة، هي علاقة سرمدية لايشوبها فتور او قصور. السطح التعبيري هو انشغال الفنان اليومي، وان مر يوم او اثنان دون ممارسة عملية فهو يعوضها بالتنظير للفن وتدريسه اكاديميا من خلال وجوده في اكثر من مكان تدريسي. بامكاني القول ان اسبوعا لايمر دون ان يلون سطحه الغني بالتضاريس والالوان. سنرى ان هذا التكريس لابد انه سيفضي الى نتائج ايجابية. الفنون عموما والرسم خصوصا ينضج بالممارسة العملية فهي الفرصة الوحيدة للتحقق والتطور. بينما يبقى التنظير والتأمل وكل القنوات الاخرى داعمة وساندة ولاتكفي وحدها دون ممارسة عملية تفضي الى تحقيق منجز حقيقي.
1. سنوات التكوين:
تجربة هذا الفنان تلزم من يدرسها ويتأمل نتائجها بان يعود الى الوراء حيث مرحلة التكوين وتوفير مستلزمات الانجاز. هي فترة ملهمة لدى هذا الفنان الذي اختط لنفسه الطريق باصرار وتحدي وواصل السير فيه حتى مشارفه الاخيرة. الدراسة في كلية الفنون الجميلة في بغداد خلال فترة الثمانينات والتسعينات تعامل معها هذا الفنان بكل جد واهتمام ليجد نفسه قريبا من تجارب بعض اساتذته وطروحاتهم. هو مايزال يتحدث عن هذه الفترة بمحبة واحترام ويؤشر قربه من طروحات استاذه (د. سعدي عباس) وهو العائد من الولايات المتحدة الامريكية بعد حصوله على الشهادة العليا في البرنامج الاكاديمي. خلال سنواته الاربع كان قد تطور هذا الفنان بالشكل الذي يؤسس ويرصن قاعدة الانطلاق نحو ميدان الممارسة العملية التي فتحت له ابواب العرض واقامة المعارض الشخصية والمشتركة داخليا وخارجيا. نحن هنا امام تجربة تكونت بالتراكم الابداعي عبر تواصل اخذ من الزمن عشرات السنين ومن الجغرافيا عواصم اوربية مهمة على الصعيد الثقافي.

2. اللوحة السيروانية:
لعل من المناسب الاشارة الى ان الفنان قد رسم حدود منطقته الابداعية من خلال انتخاب عناصرها واعطائها الشكل المميز والخاص. لوحة هذا الفنان هي خلاصة تواصلاته في بحثه الجمالي الخاص. بعد سنوات قليلة من ممارسة العمل وفق اشتراطات المدرسة الواقعية وجد نفسه مغادرا الى غير عودة باتجاه التجديد وعوالمه الاخاذة. لينتج لنا اللوحة السيروانية وهي تقع بين النحت البارز (Relief) والسطح التصويري الاعتيادي للرسم. هذه اللوحة تقدم للمتلقي بنية خاصة بتضاريس تبدو وكانها مسقط افقي عند النظر اليها من الاعلى.
ان هذا السطح الغني بتعرجاته يقود البصر باتجاهات مختلفة بعضها بامتدادات طويلة ومتوسطة وصغيرة. وهنا ينفتح التأويل على مقاربة لاتخطئها العين مع تضاريس كردستان الوطن حيث الولادة والنشأة والخصائص المعمارية القريبة لمدينة عقرة التي فتح عيونه على واجهات عمارتها المتفردة.
تلك النشأة اورثته العناصر الجمالية وعززت من رصيد مخيلته الفنية. يبدو ان هذه الحصيلة البيئية هي التي اعطت للوحته المعنى والجمال الذي يبحث عنه.
تتجول ابصار المتلقي بين السطح التصويري بمتعة لرصد الخطوط اللينة والتي غالبا ما تفقد استقامتها الحادة لصالح تعرج لين. كأن هذه الخطوط لاتهدف لارشاد توجيهي باتجاه الخروج انما هي تتلوى وتتجاوز وتبتعد لتشكل دوامة جمالية لاتمل العين من السياحة في طوبغرافيتها الملونة.
لقد اصبحت هذه البنية التي تتطلب من الفنان الاعداد والتحضير لها قبل وضع الالوان عليها هي الثابت، اما المتغير فهو اللون. استخداماته الواعية على اللون واضافة الى الخصوصية البنيوية هي ابرز نجاحات هذا الفنان. مهارته باستخدام اللون تؤشر فهما عميقا للجوانب المتعلقة بفيزيائية اللون وتركيباته الكيميائية.
ان الانتقالات اللونية وانتخاب الالوان وتدرجها في كل لوحة هي اجتهاد يحرص عليه الفنان. انتخاب الالوان والتحكم بتدرجاتها (Graduation) هي ضمن ادارة الفنان لادوات يبرع باستخدامها لتشكل لوحة تنتمي اليه وتكرس وجودها ضمن المشهد التشكيلي عبر حضورها الدائم ضمن العروض التشكيلية. وهي تحتفي بمبدعها الفنان سيروان شاكر ايقونة التشكيل في كردستان العراق.



3. المعرض (21)
هذا المعرض (21) للفنان سيروان شاكر اعتقد انه بلغ مدياته النهائية في اسلوبيته الخاصة، قدر يرى البعض ان الفنان عندما يضع جمالياته وافكاره في اطار اسلوب معين ويبقى حريصا على الاستمرار باسلوبه المعهود فانه يكرر نفسه .. واحسب ان ذلك قصور في فهم العملية الفنية.. الاسلوب هو توصل خاص بالفنان ولايبلغه بسهولة وطرق سهلة، انما هو جهد متواصل ومضني نتج عن تراكم تجريبي ومكابدة حتى يحصل على الرضا من لون الفنان.. ولفنان حق الاستمتاع بمنجزه والذي هو خلاصة توصلاته ويبقى هذا الاسلوب شكلا يطرح عبره رؤاه وافكاره.
في هذا المعرض الكبير على مستوى الكم (51 لوحة) معظكها بحجوم كبيرة 1.40 × 1.40 متر واكثر .. قد عكس فكرة امانة الفنان في انحيازه لاسلوبه الذي عرف به، ولكن هل من جديد، ان النظرة الشاملة المتفحصة للاعمال المعروضة تنحاز للاجابة بنعم.
جديد هذا المعرض هو معالجات تقنية تستجيب لارادة الفنان باتجاهية مكونات السطح التصويري، بعض الاعمال كما اشرنا سابقا تخلق دوامة تصنعها الخطوط في حركتها والتي تنتهي عند حدود اللوحة وبما يجعل البصر محصورا ومحددا بنهايات اللوحة بينما كانت المعالجات الاخرى تميل في تكوينها الى رسم انشائي مغاير من حيث فسح الطريق للخط ان يقود بصر المتلقي الى خارج حدود اللوحة وهنا تبدو اللوحة وكانها تتشارك مع الفضاء المحيط بها بتفاعل وعلاقة غير جامدة او رتيبة، ولايكتفي الفنان بذلك بل يعمد الى جعل التوجه (Orientation) بزاوية 45 وهنا تصميمة انشائية جديدة لم تكن مألوفة في اعماله السابقة، كما ان بعض الاعمال استقبلت اضافة جديدة فوق السطح رغم وجود البروزات وما تصنعه من ملمس يكاد ينتمي الى النحت البارز (Relief) وجديد الفنان هو اللون وطريقة التعامل معه من استخدام نقي (Pure) الى المزج بين الالوان الاخرى بهدف الوصول الى النتائج المرجوة، كما ان التدرج اللوني ساهم بخلق منظور لوني (Color perspective) وكل ذلك ضمن محاولة الفنان ابداع اعمال مميزة بشكلها الخاص وتقنيتها المتفردة.

#خالد_النعيمي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات