|
د.أسعد الخفاجي: المشروعات النووية ليست «مكياجاً» سياسياً للحكام-مغامرة صحفية للحوار مع واحد من أهم علماء العراق
أسعد الخفاجي
الحوار المتمدن-العدد: 1705 - 2006 / 10 / 16 - 10:22
المحور:
مقابلات و حوارات
حاوره.. أحمد يوسف
أرسلت له «إيميل» وبعد انتظار بضعة أيام لم يجب. بحثت من جديد عنه فوجدت له «إيميل» آخر راسلته من جديد رد هذه المرة وجاء الصوت عبر سماء الإنترنت للعالم الدكتور أسعد الخفاجي. وتراسلنا عبر «الماسينجر».
- أنت كردى واستعان بك صدام ، مما يدحض الاتهامات الموجهة فى محاكمة صدام الحالية بعنصريته مع الأكراد؟ - «ضاحكاً»: أنا لست كردياً و«كرادة» هى منطقة مثل الجيزة عندكم فى مصر وتطلقون على الشخص «جيزاوى» ، لذلك أنا من الكرادة ، ويطلقون علي «كرادى» ولست «كردياً» ، إننى مواطن عراقى ولد فى مدينة بغداد ، عن أب وأم عراقيين يحملان الجنسية العثمانية. ترعرعت فى كنف عائلة بغدادية تتحدث اللغة العربية حصراً ، وتمارس شعائر الدين الإسلامى الحنيف ، عدا ذلك لا علم لى عن أصلى القومى قبل ألف عام! قد أكون أحد أسلاف السومريين أو الآشوريين أو الفرس أو العرب. ولو أنى أرجح انتمائى العربي ، استنادا إلى كون بني خفاجة هم قبيلة جاءت من الجزيرة العربية. على أننى أفتخر فى المقام الأول بعراقيتى وانتمائى إلى حضارة وادى الرافدين. من جانب آخر أتشرف بالشعب الكردي ، عندما أقول أننى لست كردياً. ولا يخفى على أحد الاضطهاد القومى الشديد ، الذى عانى منه أكراد شعبنا العراقي على مر العصور، ولاسيما فى العهد الصدامي. من ناحية أخرى ، وللحقيقة أقول إن قيادة منظمة الطاقة الذرية العراقية لم تميز بشكل سافر ، بين علمائها على أساس الانتماء إلى القومية أو الدين أو الطائفة أوالحزب. فجعفر ضياء جعفر وحسين الشهرستاني ، وهما من أبرز العلماء ، كانا متهمين بالانتماء إلى حزب الدعوة الإسلامى الشيعى! وافق الأول على التعاون مع صدام ، فصار قائداً علمياً بخمس نجوم ، أما الثانى فهو أكثر التزاما بالدين من صاحبه ، رفض التعاون مع البعثيين ، فزجوا به فى سجن أبو غريب. وعماد خدورى كان بعثياً مسيحياً ، وخضر حمزة كان بعثياً شيعياً ، وعبد القادر عبد الرحمن كان شيوعياً كردياً ، وأنا كنت محسوباً على قوى اليسار ، ولم أتعرض إلى اضطهاد بسبب ذلك ، حتى جاء حسين كامل عام 1990 ، فبدأ بتنظيف المنظمة من العلماء المعارضين. لكنه لم يبعدنى عن المنظمة ، إلا بعد رفضى قيادة مشروعه الوهمي "ليز".
- حسناً ، ولماذا لم تعد للعراق بعد زوال النظام السابق رغم أن لك أقارب هناك؟ - إننى عدت بالفعل ، وها أنا أعمل فى العراق منذ عام 2004 ، ولن أغادر قبل نهاية عقدي فى عام 2008 ، لكن عودتي هى ضمن طاقم شركة أمريكية لإعادة الإعمار ، وليس لأكون عضواً فى مجلس الحكم فى المنطقة الخضراء. وللحقيقة والتاريخ أعلنها من خلال روز اليوسف لأول مرة: لقد طلبوا منى ذلك بالفعل ورفضت بعذر لائق.
- تقول دون أن نفهم عبر مقالاتك الإنترنتية أنك اختلفت مع عدي صدام ، ففيما كان الاختلاف؟ وهل تأثر المشروع العراقى النووي من بعدك؟
- قصتي مع عدي فريدة من نوعها ، ولا علاقة لها بالمشروع النووي العراقي ، قبل كل شىء لم يكن لعدي يوماً ما علاقة بمنظمة الطاقة الذرية ، إنما بدأت الحكاية مع «الأستاذ عدي» حينما كان ولدي محمد «حالياً الدكتور محمد ، بروفيسور البرمجة فى جامعة شيكاغو» ، خلال أعوام حرب الخليج الثانية وما بعدها ، أحد الطلاب المتفوقين فى كلية بغداد الشهيرة ، إذ صادف أن قابله عدي فى شهر مارس عام 1995 مع مجموعة من الطلبة المتفوقين ، فسأله عن سبب علمه وتفوقه ، أجابه ذاكراً اسمي. أمر عدي على الفور بإحضاري إلى مقره الكائن فى اللجنة الأوليمبية. طلب مني أن أصبح عميداً لكلية بغداد ، التي كان يشرف عليها آنذاك. معنى ذلك أنني سأكون بإمرته. ولم أرفض بالطبع ، ومن يفعل ذلك؟ لكنني اختفيت من العراق بعد ثلاثة أسابيع ، هاجرت وعائلتي حفاظاً على سلامتنا من بطش ذلك المدلل الأحمق.
- تقول أيضاً أنك فضحت النظام الفاشي السابق بعد عام 1995. فلماذا لم تفضحهم منذ «البداية» ، وخاصة أنك عدت من الخارج للعراق منذ ثمانينات القرن الماضي؟
- أنا عالم كرست حياتي للبحث العلمي واكتساب المعرفة ونشرها ، وآليت على نفسي أن أكون إلى جانب تقدم بلدي العراق ، وسائر بلدان الوطن العربي ، لكنني من ناحية أخرى إنسان بسيط وعادي ، أنزع إلى الحياة الحرة الكريمة ، وأعترف بالواقع ، وبالرغم من نزعتى الديمقراطية وحبي للسلام ، فإنني أفضل التطور السلمي ، ولم أكن قط ثورياً ، مثلي الأعلى من السياسيين فويبرباخ وماركس وغاندي ، لا جمال عبد الناصر أو عمر المختار أو جيفارا!! فضحت النظام الصدامي بمعنى كشفت للقارئ العراقي والعربي وللرأى العام ، أن صدام لم يكن يستهدف بقنبلته النووية المزعومة إسرائيل ، «ولو أننى مع حق هذه الدولة فى الحياة بسلام وأمان ، جنباً إلى جنب مع شقيقتها الدولة الفلسطينية الديمقراطية ، الخالية من العنف والإرهاب والاضطهاد» ، وإنما شعبه العراقي أولاً ، ثم إيران ثانياً ، وأخيراً بلدان الخليج ، لقد استولى صدام على السلطة كاملة عام 1979 ، وزج بالعراق منذ ذلك الحين فى أتون الحروب العبثية المستمرة. لقد بانت نية صدام فى إدخال العراق فى دوامة لا نهائية من الحروب ، بعد إنسحابه من إيران عام 1988. وأريد توضيح أمر يخص قولكم أنني غادرت العراق بقصد «فضح النظام». هذا الافتراض غير صحيح ، فإنى كما أشرت لست قائداً سياسياً ، لأقوم بذلك! لقد غادرت العراق لضمان سلامتي وأمن عائلتي من غدر عدي.
- فى تقديرك ، ما عدد علماء النووي العراقيون؟ وأين هم الآن؟ وهل أنت أشهرهم؟
ـ كانت منظمة الطاقة الذرية العراقية ، فى أوج صيرورتها فى ثمانينات القرن الماضي ، تضم المئات من العلماء والمهندسين والمساعدين التقنيين وكان معظمهم متدرباً فى أوروبا والولايات المتحدة. ولا تتوافر لى بيانات شفافة حالياً ، عن مصيرهم الحالي. أغلب الظن أن جزءاً منهم هاجر ، بعد حرب غزو الكويت عام 1991 ، وهاجر أو صُفّي الجزء الأكبر ، فى سياق الانفلات الأمني ، بعد سقوط نظام صدام عام 2003. أما شهرة العلماء العرب فى المجتمعات الشمولية ، فهى صفة طالما تشترك السلطة وتابعها الإعلام فى خلقها ، إستناداً إلى العلاقة الشخصية بين العالم والحاكم. آخذين ذلك بنظر الاعتبار يمكن توصيفى كمهندس سلامة نووية واحد من العشرة الأوائل فى العراق. وقد عملت مهندساً نووياً مجازاً فى المحطات النووية لتوليد الطاقة الكهربائية ، فى ألمانيا «5 سنوات»، والولايات المتحدة «9 سنوات» ، إضافة إلى خدمتى اثنى عشر عاماً ، فى منظمة الطاقة الذرية العراقية كباحث علمى أقدم ، وتأليفى ثلاثة كتب نووية منهجية جامعية فى العراق. أعد نفسي بتواضع واحداً من تلك المجموعة الرائعة من العلماء النوويين ، الذين قدموا للعراق والوطن العربي ، عصارة فكرهم وخبراتهم ، وجل ما يستطيعونه من إنجازات متطورة فى الاختصاصات النووية. ولكنى لست أشهرهم!
- وفى ضوء معلوماتك لماذا تم اغتيال الدكتورة «سميرة موسى» والدكتور «يحيى المشد» وغيرهما من علماء الذرة العرب؟ وهل علماؤنا النوويون مهددون بالاغتيالات حتى وقتنا هذا؟ وما صحة القول أن مخابرات الموساد تحاول اغتيال العلماء العراقيين؟
- لايترك مرتكبو جرائم كبرى مثل هذه عادة بصماتهم فى مسرح الجريمة. فالذين قتلوا سميرة موسى ويحيى المشد وسلمان الخفاجي «هو ابن عم دكتور أسعد الخفاجي عمل باحثاً علمياً فى مركز سيرن الأوروبى للأبحاث النووية خلال الثمانينيات وتخصص فى المعجلات العملاقة ، وفى طريق عودته إلى وطنه تناول وجبة مسمومة وبعد عودته إلى بغداد مات فى العراق ، وكان ذلك بالتزامن مع قصف المفاعل العراقي "أوزراك" ، فى 4 يونيو 1981" ، وأيضا سمير نجيب ، وعشرات غيرهم من علماء الذرة العرب ، هم أذكى من أن يدلوا الآخرين على هويتهم وانتمائهم! أما سبب تلك الجرائم حسب تقديري فهى المحاولة الساذجة للآخرين لكى يبقوا كفة طرف من النزاع أرجح من كفة الطرف الآخر! وهذا مستحيل لأن عجلة التطور تدور ، والتكنولوجيا تتقدم أفقياً ورأسياً متجاوزة الحدود! هذا هو منطق العولمة! إن الذين يحاولون عبثاً نشر ضوء العلم والتكنولوجيا فى سماء بلد ، وحجبه عن سماء سائر البلدان ، مهما كانت الذريعة ، هؤلاء برأيى قادة سياسيون مرحليون فاشلون. إن السلاح النووى الفتاك استخدم لقتل ملايين المدنيين العزل ، يوم كان محتكراً من قبل طرف واحد. وعندما كسر طوق الاحتكار ، وعم ذلك السلاح أقطار الشرق والغرب ، أصبح ويا للغرابة آمنا!!
- هل لك ذكريات مع الدكتور يحيى المشد لاسيما أنه كان بالعراق؟ وهل تعاملت مع علماء طاقة نوويين مصريين أوعرب ، وما هى ذكرياتك معهم ، وتقييمك لهم؟ - العالم الشهيد يحيى المشد كان يعمل فى الاتحاد السوفيتي قبل التوجه إلى بلده الثاني العراق ، أما أنا فكنت فى حينها أعمل فى المفاعلات الألمانية ، وقبل أن أعود إلى العراق بأسابيع ، طالته يد الغدر فى باريس وكان فى مهمة علمية بحتة. حدثني عنه عالم عراقي كان معه فى تلك المهمة ، ونجا من الغدر بأعجوبة. للأسف أن معظم ذكرياتى مع غير العراقيين هى مع علماء ألمان وأمريكان ونمساويين وسويسريين ، أما تقييمي للعلماء العرب فأحصره بالمصريين ، لأنهم أول رعيل نووي عرفه الوطن العربي ، وأتنبأ لمصر إذا تهيأت لها الظروف السياسية الملائمة ، أن تقود النهضة النووية العربية ، من جديد ابتداءاً من العقد القادم.
- أنت مكثت لفترة طويلة بأوروبا ثم أمريكا ، لذلك دعني اسألك ما هو عدد خبراء الطاقة النووية العرب المهاجرين ومن أهمهم؟
- فى الفترة التى مكثت خلالها فى أوروبا ومركز «سيرن» للأبحاث النووية، لم أصادف الكثير من العلماء العرب غير العراقيين ، ولدى انطباع عن العرب المبعوثين للدراسة إلى أوروبا وأمريكا ، فإنهم يفضلون الفروع العلمية والتكنولوجية ، التى لها علاقة مباشرة بالبزنس ، مثل الهندسة المدنية والمعمارية والإلكترونية وغيرها. وقد تكون حادثة تشرنوبل السوفيتية النووية التى تسببت بتلويث البيئة وهلاك الآلاف من البشر هى أحد أسباب عزوف العرب عن تكنولوجيا المحطات النووية لتوليد الطاقة الكهربية. إن العربي بطبعه البدوي المرتاح يخشى الأمور المعقدة ، وما يجهله من الأمور ، والتكنولوجيا النووية كما هو معروف ، من أرقى وأعقد الفروع المعرفية.
- هل هناك جيل جديد من علماء الطاقة النووية العرب وكيف يمكن الاستفادة منهم؟
ـ أعتقد أن على البلدان العربية الرائدة فى العلوم والتكنولوجيا أن ترعى هذا الجيل الجديد من علماء الطاقة النووية ، بغية السيطرة الذاتية على الموارد الطبيعية فى المستقبل ، ولا سيما بعد نضوب البترول.
- ما أهمية أن تمتلك الدول العربية مفاعلات للطاقة النووية فى عواصمها؟ وإذا كانت أوروبا تجهز لمفاعل نووي أوروبي ربما تكون بدايته بين فرنسا وألمانيا ، فهل ترى أننا كعرب يمكن أن نكون أكثر ذكاء ونصنع مفاعلاً عربياً موحداً؟
ـ يحظى العديد من الدول العربية الكبيرة بثروات طبيعية هائلة ، فى مقدمتها البترول ، مما يؤهلها لتمويل المشاريع النووية العملاقة ، مثل المحطات النووية لتوليد القدرة الكهربائية. ليس إنشاء المشاريع النووية ترفاً تكتيكياً لتبييض وجه الحاكم ، بقدر ما هو حتمية تأريخية استراتيجية تقرر مصير الأمة بعد قرنين من الزمان! وإذا بقى حال الأمة كما هو للعقود القادمة ، فسوف نعود بعد بضعة أجيال لركوب الإبل والترحال بين الواحات فى البادية الجرداء. من أهم مستلزمات المحطات الكهرونووية وجود جيل كامل من مفاعلات البحوث النووية بما فيها مفاعلات القدرة الصفرية «سملايتر» المخصصة لتدريب الكادر الفني ، كالمشغلين وغيرهم وهذا يتطلب مبالغ طائلة ، لا يمكن للدول الفقيرة تهيئتها ، ومن الممكن أن تتعاون الدول العربية كل حسب اختصاصه فمن مصر ، مثلا يأتى الكادر المتخصص ، ومن دول الخليج تأتي الأموال النفطية إن البدء بمشاريع عملاقة يتطلب توفير الثقة المتبادلة بين الدول العربية على جميع الأصعدة السياسية والأمنية والأيديولوجية والاقتصادية ، وتستلزم تلك الخطوة الجبارة معيناً لا ينضب من الثقة والثقة المتبادلة على غرار ما يحصل داخل الاتحاد الأوروبى ، ولو ألقينا نظرة على الخارطة الأثنو- سياسية بين البلدان الأوروبية لرأيناها أكثر تعقيداً وتشعباً وتبايناً من واقع البلدان العربية ، التى تجمعها نسبة كبيرة نفس الديانة والقومية والانتماء الجغرافي والتاريخي ، وبالرغم من ذلك ما تزال الدول العربية عموما عاجزة عن إسقاط تأشيرات الدخول لمواطنيها ، أن تحقيق هذا الحلم التاريخي للأمة العربية ، وأنا أعده أكثر ضرورة من حلم الوحدة الطوباوي الدموي ، يستلزم تضافر الجهود الخيرة للحكومات ومنظمات المجتمع المدني ، ووسائل الإعلام بدلا من تبديد الجهود فى المبارزة البدوية بين الطوائف والأديان والأحزاب والزعماء.
- ما رأيك فى القرار المصري باستخدام سلمي للطاقة النووية وما هى نصيحتك للمصريين؟ وما هى الخطوات التى يجب أن يتم البدء بها؟ وأمريكياً ما هو الانطباع هناك سواء بين العلماء أو بين الدوائر السياسية على هذا القرار؟
- حينما قرأت الخبر قبل فترة أقشعر بدني فرحاً واستبشرت خيراً فعسى أن يحقق أشقاؤنا المصريون ما عجزنا عن تحقيقه ، نحن العراقيين ، أما الالتفات إلى الخارج بانتظار المباركة على هذا المشروع فمضيعة للوقت! لا أحد فى الخارج يعجبه عملية تحسين الحال "المايل" للعرب ، وما حك جلدك مثل ظفرك ، إنها خطوة مباركة أدهشتني وزملائي العراقيين المهتمين بشئون العلوم والتكنولوجيا ، لقد عادت مصر إلى موقعها الطبيعي القائد بين البلدان العربية ، بالطبع هناك دوائر معينة منزعجة من القرار المصري الشجاع إعادة إعمار المشروع النووي المصري العتيد ، أول مشروع من نوعه فى الوطن العربي.
- أنت تعلم أن الدول ذات التمويل والميزانية الضعيفة ، كمصر تحاول أن تستخدم طرائق مختلفة لطاقة نووية ذات تكلفة محتملة أو شبه مقبولة؟ وعلى هذا هل يمكن تحضير طاقة نووية خاصة بالفقراء ؟ وما هو نوع الوقود المناسب وعلى أى جيل من أجيال الطاقة النووية يتم التعويل عليه؟
- لنكن صريحين! إن مصر لا تستطيع بمفردها أن تبنى مفاعلات نووية ، سواء أكانت لأغراض البحوث أم لإنتاج الطاقة الكهربائية. التاريخ علمنا ذلك ، ومنه نستفيد. فلا الولايات المتحدة ولا الاتحاد السوفيتى استطاع بمفرده اكتساب تلك الخبرات النووية الهائلة ، وبناء أكبر ترسانة نووية سلمية وحربية فى العالم ، إنما وهذا أمر بات معروفاً للجميع استطاعا انجاز ذلك بفضل العلماء الألمان ، المهاجرين من بلدهم هرباً من الاضطهاد ، والصين استطاعت ذلك بمساعدة الروس ، والهنود بمساعدة الروس ، والباكستانيون بمساعدة الصينيين ، والإسرائيليون بمساعدة الأمريكان ، وإيران بمساعدة الباكستان والصين وروسيا ، لذا لا يمكننى تحديد نوع الوقود لأن ذلك يستند إلى الفلسفة التى ستتبناها مصر فى إنشاء مفاعلها الأول ، وأنا أقول إبدأو أولا بمباركة الله ، وإذا ساعدتكم البلدان العربية النفطية فى التمويل ، فهناك أكثر من مقاول ينفذ المشروع ، إنها البداية فقط وبعد أن يتوافر لكم رعيل أول من العلماء والخبراء النوويين ، يكون بالإمكان تدريب أجيال شابة يمكنها أن تخلق فلسفتها المصرية النووية.
- فى ضوء خبرتك وتغلغلك مع علماء المهجر ، هل سيوافق علماء المهجر المصريون على العودة لبلدهم بعد انخراطهم فى المجتمعات الغربية؟ ومن ترشح منهم لتستفيد منه مصر؟
ـ هذا سؤال محرج للغاية! والجواب عليه يفوقه إحراجاً ، لكننى سأجيب بطريقة التورية ، العالِم ياسيدي لا تهمه الفلوس فقط إنما الكرامة والعزة والاحترام ، فرغم فاشية النظام الصدامي ، جاءنى فى أحد الأيام الدكتور «خ . ش» ، وشكى لى أمره وكان كالآتي: "بعد عودتي من الإيفاد لحضور مؤتمر المواد النووية فى الولايات المتحدة ، فوجئت بطرد كامل عائلتي إلى إيران". كان الدكتور شيعياً ، وقامت مخابرات صدام بتهجير عائلته إلى إيران بحجة كونها إيرانية. نصحت الدكتور الذى كان يعمل فى القسم الذى كنت أترأسه ، بمهاتفة "الريس" ففعل ، وبعد 48 ساعة كانت عائلة الدكتور "الإيرانى" بكاملها تتمتع ببيتها القديم قبل التهجير!! عسى ألا تفهموا أن هذا مديح لصدام ، لكنه إقرار بمعرفته أصول اللعبة العلمية!! فلو استطاعت الحكومة المصرية أن تحترم وتحتضن العالم النووي المصري كما فعل صدام ، على الأقل ، أعتقد بأنكم ستنجحون فى استقطاب علمائكم وجميع علماء العرب المتميزين!
- هل تنصح الدول الخليجية بانتهاج استراتيجية للطاقة النووية وحفظ البترول للمستقبل؟
ـ كلا هذا ضرب من الخيال! إنك كمن يطلب من البدوي التنازل عن ركوب جمله ، والمشي فى الصحراء! لكن يمكن للدول الخليجية النفطية تخصيص ، ولو 10% من ميزانيتها للأبحاث النووية الاستراتيجية. ما حاجة الخليج لطائرات الشبح والمدمرات العملاقة ؟ إن عروش الملوك مؤمن عليها فى البنوك الأمريكية ، فما الداعي للجيوش؟ أنصح بضخ أموال الجيش فى خزينة خاصة للبحوث النووية العربية الإستراتيجية.
- فيما يتعلق بالرؤية السياسية ، كيف ينظر الغرب للطاقة النووية حالياً؟
- الغرب لم يهمل برامجه النووية الاستراتيجية ولو يوماً واحداً. كل ما فى الأمر توجد بحوث عملاقة لا يعرف الإعلام عنها شيئا ، فهى غاية فى السرية. أما الصناعة النووية ، فهى كغيرها من أنواع البيزنس فى ركود وانتعاش على الدوام.
- بصراحة سأتحدث معك عن الاقتصاد السياسى للطاقة النووية حالياً ، حيث يتحدث المقامرون على أن هناك أموراً «سياسية» وأيضا «بيزنس كبير» وراء تشجيع أمريكا ودول الثمانية على استخدام الطاقة النووية ، وذلك على أنهم يمتلكون مناجم اليورانيوم؟
- العرب خبراء فى نظرية المؤامرة ، هل يعنى ذلك أن الإدارة الأمريكية سوف تبتسم للمشروع النووي السلمي فى مصر؟
- بما أنك كنت فى ألمانيا لسنوات ومارست الأبحاث والعمل هناك ، نريد أن نفهم لماذا قررت ألمانيا عدم الاستمرار فى الاعتماد على الطاقة النووية كمصدر للطاقة ، متخذة قرارا بالاستغناء عنها والاستعاضة بالطاقات البديلة ، خصوصاً الطاقة الشمسية والرياح ، ألا هل ينطوي هذا على بيزنس ألماني كالبيزنس الأمريكي ولكن فى حقل الطاقة الشمسية؟
ـ ألمانيا لم تهمل برامج بحوثها النووية لحظة واحدة ، الأمر وما فيه لقد أصبحت الصناعة النووية والتكنولوجيا النووية فى ألمانيا على درجة من التطور والانتشار ، بحيث لم يعد من الضروري إذكاء جذوة البحوث هناك لانتفاء الحاجة ، هناك حالة إشباع تكنولوجي نووي فى ألمانيا ، إن أى مختبر متواضع فى ألمانيا بمقدوره اليوم بناء قنبلة نووية بحجم قنبلة هيروشيما ، فى غضون أيام معدودة. أما المفاعلات النووية التى كثرت اعتراضات الناس عليها ، فبإمكان الصناعة الألمانية إنشاء أى نوع منها ، خلال أسابيع ، فلم الفوضى إذن؟ وعلام إغضاب جماعة الخضر وغيرهم من "البطرانين" أنصار البيئة ، مادامت التكنولوجيا النووية أصبحت روتيناً عادياً؟ وكل شىء هناك يوظف للانتخابات!
- على جانب مواز لماذا فرنسا هى الأولى عالميا فى حقل إنتاج الطاقة النووية هل يتعلق هذا الإنفراد بالإرادة السياسية الفرنسية أم بتميز العلماء الفرنسين ؟
- أولا لا تسمح الحكومة الفرنسية بهذا الهامش الألماني من الحرية الاجتماعية. لأسباب تاريخية تستطيع أى مجموعة فى ألمانيا مؤلفة من 50 معترضاً ، أن تفشّل عملية إنشاء مفاعل. بينما هذا الشىء غير مألوف فى بلدان الغرب الأخرى ، ثانيا: لم تعد التكنولوجيا النووية بالنسبة للغرب إعجوبة أو «معجزة»، بل إن حتى بلغاريا أو المجر باستطاعتهما بناء أصعب مشروع نووى خلال أشهر!
- آسيوياً ، ما هى استراتيجية كل من «الصين والهند واليابان» فى استثمار الطاقة النووية للأغراض المدنية ؟
- الصين كبلد شيوعي توتالتاري ، مازال يعد الطاقة الكهربائية المنتجة فى المفاعلات «وهى طاقة غالية الثمن» نوعاً من الترف. أما اليابان فهى ماتزال تئن روحياً من كارثة هيروشيما وناجازاكي ، والمواطن الياباني بات يمقت هذا النوع من التكنولوجيا. أما الهند فحسب علمى ماضية بإصرار ومنهجية نحو تطويع التكنولوجيا النووية للأغراض الصناعية.
- هل صحيح أن التجارب الأمريكية النووية هى التى تسببت فى تسونامى؟
- لا أعلم ، لكن معرفتى بحدود تأثير الانفجارات الهيدروجينية ، تؤكد أن حصول هزة أرضية عملاقة ، مثلما حصل فى آسيا وتسبب فى أفظع حالة تسونامى ، ممكن أن يكون نتيجة تجربة نووية هيدروجينية «اندماج نووي» حاصلة فى قيعان المحيطات ، أو تحت الأرض.
- رأيك فى القنبلة النووية لكوريا الشمالية ؟ ولماذا لم تتحرك أمريكا تجاهها كما تحركت تجاه إيران ، وعلى الرغم من أن إيران لم تنجز قنبلة حتى الآن كما كوريا؟
- رغم أنني من مناهضي انتشار السلاح النووي ، أو بالأصح من أنصار تحريم هذا السلاح الفتاك ، فإنني أعتقد مع قدر ضئيل من التحفظ ، أن حالة توازن الخوف أفضل من حالة الانفراد بالتخويف! وكما ذكرت فالسلاح النووي ، أُستخدم قبل أن ينتشر! وبعد امتلاك عدة جهات تلك الإمكانيات التدميرية ، عم السلام العالمى لنشوء حالة دولية فريدة من نوعها لنطلق عليها حالة « توازن الرعب»! فبعد هتلر يذكر التأريخ ستالين كزعيم لا يكترث بالحياة ، ويقدس الموت. لكن لا ستالين ولا خلفاؤه من القادة السوفييت ، تجرأوا على استخدام ذلك السلاح غير التقليدي ضد الآخرين. وكلنا يعلم أن السلم قد عم الحدود الشائكة بين الهند والباكستان ، عندما امتلك البلدان القنبلة النووية. خلاصة القول أننى أؤيد أن يعم السلاح النووى كل أطراف النزاع ، وأقصد: «كوريا الشمالية والجنوبية»، «الهند والباكستان»،« الصين والهند»، «إسرائيل والعرب أو إيران» ، إلخ !! أما تحمس الولايات المتحدة ضد القنبلة الباكستانية أكثر من الهندية ، والقنبلة الإيرانية أكثر من الكورية ، فهو يندرج ضمن استراتيجيات الإدراة الأمريكية فيما يخص الشرق الأوسط ، والعلاقة المتميزة مع إسرائيل. إننى واثق وثوقي من كروية الأرض ، أن لا كوريا الشمالية ولا إيران ، سوف تقدم فى يوم ما ، على الانتحار الأكيد ، بقذف قنبلتها النووية على أحد! لكن منافع توازن الرعب كثيرة ، منها وجوب احترام الآخرين ، وعدم تهميشهم.
- وما رأيك فى الاستراتيجية النووية الإيرانية ومخاوف الدول العربية منها لا سيما العراق ودول الخليج؟
ـ القنبلة الإيرانية لن تُقذف على أحد ، وإنما ستُخزن ، شأنها شأن مثيلاتها القنابل النووية الإسرائيلية ، المخزونة فى الملاجئ منذ أربعين عاما! أما الدول العربية ، الأفضل ألا تعيد تمثيل دور الدون كيشوت مرة أخرى! عليها الالتفات إلى شعوبها ومنحها قدراً أكبر من الحريات والاحترام.
- وكيف تتوقع المستقبل النووي العالمي: السلمي والحربي؟!
- المصدر الوحيد للطاقة فى المستقبل هو بالتأكيد المفاعلات النووية شئنا أم أبينا. على أن عدم تحمس الصناعيين لإنتاج الطاقة الكهربائية من المحطات النووية ، ناتج عن مسألة حسابات الربح والخسارة ، إضافة إلى التعتيم الإعلامى على الثقافة النووية الصحيحة بين الناس وبين العلماء.
- ما هى خطورة إسرائيل النووية على الدول العربية وهل يمكن الآن عمل نوع من توازن القوى النووية بالمنطقة؟
- انفراد طرف واحد بامتلاك السلاح النووي ، يؤدي بالضرورة إلى هيمنته غير العادلة على الموقف الجيو- السياسى فى المنطقة. إن مبدأ «توازن الرعب النووى» هو الحل الوحيد العملي ، للحد من عنجهية طرف النزاع المنفرد بالسلاح النووي.
- أخيرا: أطلق البعض على جيل الشباب الصاعد«جيل النووي».. أنت كخبير وعالم ذو تاريخ كبير ماذا تقول «لجيل النووي » عن مستقبله؟
- عندي لهم وصية لم يقدمها لى مدرس أو أب أو عم! إحترموا ثوابت كباركم! فى الوقت ذاته اصنعوا لكم متغيرات خاصة بكم «ولا أقول ثوابت» تتلاءم والتطور الحديث! إن بقاءكم أسرى الثوابت المتوارثة ، يحرمكم نعمة الالتحام بركب الحضارة ، التى تصنعها شعوب الأرض. لقد كان أجدادكم «قبل آلاف السنين» حداثيي ومجددي وخلاقي زمانهم ، وأوجدوا أعظم حضارة عرفها التاريخ ، لتفخروا بها الآن. وأنتم ماذا سوف تخلقون لأحفادكم لكى يفخروا به بعد ألف عام؟ لا تستسلموا للحقيقة المرة أن العرب والمسلمين «وهم يشكلون فى الوقت الحالى 16% من البشر» ، يصنعون أقل من 1% من حضارة الكوكب اليوم!! تمردوا على القلاع المظلمة التى يريدكم البعض أن تقبعوا فيها إلى الأبد! عليكم بإتقان حافات العلوم والتكنولوجيا. ضعوا أيديكم بأيدى العالم المتدمن. إبدأوا على الأقل بالكف عن تكفير وتهميش وذبح بعضكم البعض! احترموا الرأى الآخر، وكرموا المرأة ، وصونوا الطفولة.
#أسعد_الخفاجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ومضات العقل من البصرة وقرطبة تتألق في سماء أوربا المظلمة - م
...
-
هل ينجح المالكي في تنفيذ خطته الأمنية منفرداً؟
-
الإصلاح الجامعي في العراق الجديد
-
لودفيج فويرباخ فيلسوف المادية الأنثروبولوجية والتنوير الألما
...
-
تجريبية الخطاب الأميركي في العراق
-
يَساريةُ البيتزا واليسارُ البَدَوي
-
هل أضحى اللبراليون العرب متأمركين؟
-
وحدة اليسار المقسوم على عشرة! حوار مع نادية محمود
-
تحفظ الأنظمة العربية من إدانة الإرهاب
-
الهوية الوطنية كونترا الإنتماء القومي
-
يوميات عائد الى الوطن: الجهل يقتل أهل الفلوجة
-
حكايات في عيد الميلاد
-
الثوابت والمتغيرات في فكرنا السياسي
-
واقعة عاشوراء الدروس والعبر
-
نهاية الثقافة الانعزالية
-
العولمة الإسلامية والتغيير الأمريكي
-
مستقبل الديمقراطية مرهون بدستور عقلاني
-
دمعة على الشهيد أبي جناس
-
الطاقة النووية سيف ذو حدين بين بشاعة الاستخدام العسكري وحتمي
...
-
الضالان- في غابة شيكاغو لمحمود سعيد متن روائي واقعي مفعم بال
...
المزيد.....
-
بوتين: لدينا احتياطي لصواريخ -أوريشنيك-
-
بيلاوسوف: قواتنا تسحق أهم تشكيلات كييف
-
-وسط حصار خانق-.. مدير مستشفى -كمال عدوان- يطلق نداء استغاثة
...
-
رسائل روسية.. أوروبا في مرمى صاروخ - أوريشنيك-
-
الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 80 صاورخا على المناطق الشم
...
-
مروحية تنقذ رجلا عالقا على حافة جرف في سان فرانسيسكو
-
أردوغان: أزمة أوكرانيا كشفت أهمية الطاقة
-
تظاهرة مليونية بصنعاء دعما لغزة ولبنان
-
-بينها اشتباكات عنيفة بالأسلحة الرشاشة والصاروخية -..-حزب ال
...
-
بريطانيا.. تحذير من دخول مواجهة مع روسيا
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|